قدمت حماس نموذجًا لتجاوز العجز، وأعادت التساؤل لدى الوجدان العربي: هل نحن عاجزون حقًا؟ أم جرى إصابتنا بالعجز عن عمد؟!، وفيما يحتاج "طوفان الأقصى" إلى تحليل أعمق لنموذجه الانتفاضي، بما يتضمنه من تجاوزٍ لاعتبارات القوة المادية والتفوق التكنولوجي نحو محورية دور الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه، فوهبه قدرة على تسخير الكون لتحقيق أهدافه، وهو ما يعيه جيدا الكيان الصهيوني وداعموه الدوليون ومناصروه الإقليميون؛ ويسعون من أجل ذلك لجعل تكلفته البشرية والمادية باهظة جدًا، حتى لا يفكر أحد في تكراره.

ومع ذلك فإننا نقف في هذا المقال لتحليل التداعيات المحتملة "للطوفان" على المشهد في العالم العربي والإسلامي المشحون بالشعور بالقهر والهزيمة.

وعنوان المقال، عزيزي القارئ، محمل بتعبيرات متعددة يحسن أن نفكّ بعض دلالاتها:

نزعات: وليس نزعة؛ حيث سنكون بإزاء ظواهر شكلها أو طبيعتها متشابهة، ولكنها تحمل أهدافًا متعددة، وعناوين متفرقة. القتالية: وليست الجهادية، أو التطرف العنيف، أو الإرهاب. الجهاد مفهوم أشمل من القتال حيث الأخير أحد صوره، ولكنه لا يحتوي عناصر الأول كلها. التطرف العنيف والإرهاب مفاهيم فضفاضة، محملة بحمولات سياسية، وعادة ما تستخدم في الصراع السياسي- حيث الكل يغني على ليلاه؛ أي تعريفه لها- وهي ترتبط بالسياقات بما يعني أنها متحولة وغير ثابتة. الإسلامية: التي تعني الانطلاق من المرجعية الإسلامية لتقدم فهمها وخطابها، لكن دون تطابق بين النص المنزل والفهم أو الخطاب المقدم. لا تزال الفجوة بين الاثنين قائمة؛ ما دام الوحي انتهى، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم. "الطوفان" يتضمن إشارة للجديد الذي طرحه هذا الفعل الإستراتيجي على النزعات القتالية ذات المرجعية الإسلامية.

حاولت حماس أن تبلور نفسها باعتبارها حركة تحرر وطني؛ فلسطينية أكثر منها حركة إسلامية؛ لكنها -في تقديري- لاتزال عالقة بين التصورين؛ مما أفقدها تعاطف قطاع من الجمهور، وجذب لها قطاعًا آخر.

لكن هل النزعات القتالية ستستمر؟؛ فهي لم تختفِ لنتساءل عن استمرارها. السؤال هو: هل تتصاعد أم لا؟

أظهرت قطاعات كثيرة من الشعوب العربية تأييدًا للفلسطينيين، في مقابل خذلان رسمي واضح. أدركت الشعوب أن الحكومات تمتلك قدرات وإمكانات لنصرة الفلسطينيين، لم تستخدمها

خمس ملاحظات في هذا الصدد:

أولًا: انتفاء الحدود الفاصلة بين التطرف والاعتدال

انتفاء الحدود الفاصلة بين التطرف والاعتدال بعد الحرب الشرسة التي أُطلقت على الإسلاميين في المنطقة، الذين قبلوا العمل من خلال الأنظمة وليس خارجها. أُبلغت في السجن أني وُضعت على قوائم الإرهاب من قبل النظام المصري؛ أنا الذي أنفقت أربعة عقود من عمري لمناهضة التطرف الفكري والديني على كل ضفة. هربت رسالة من السجن أعترف فيها بالإرهاب، ولكنه من نوع خاص، هو إرهاب سلمي ضد كل مستبد غير ديمقراطي يحتكر السلطة والثروة. نحن نرهِب أعداء الشعوب وآكلي ثرواتهم المتسلطين على رقابهم، المتحالفين مع عدوهم.

فبعد هذه الحرب الشرسة؛ ماذا ترك المستبدون من قنوات للنشاطية الإسلامية لتصريفها!

هناك استشعار لدى دوائر كثيرة – أو هكذا يجري تصويرها- أن المقاومة الفلسطينية هي تهديد للحكام العرب وإسرائيل والغرب معًا من زاويتين: باعتبارها مقاومة مسلحة، ولجذرها الإسلامي.

ثانيًا: الفشل السياسي للحركات الإسلامية

في الوقت الذي عانت فيه الحركات السياسية الإسلامية من إخفاق مشروعها بعد الربيع العربي؛ بما دعاني للكتابة عن فشلهم السياسي ونهاية أطروحتهم؛ في المقابل فإن من استطاع أن يحقق إنجازًا ملموسًا هم المقاتلون في أفغانستان، حين أجبروا القوات الأميركية على الانسحاب منها 2021. أنا أدرك أن هذه ليست الصورة الكاملة؛ فقد شهدنا قبلها بسنوات القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، والعراق؛ ولكنه توزع على مناطق أخرى، وتهديداته لاتزال قائمة، ولم تختفِ.

ثالثًا: أثبت الإسلام قدرته على التجدد بشكل دائم ومستمر على مدار القرن العشرين كله

أثبت الإسلام قدرته على التجدد بشكل دائم ومستمر على مدار القرن العشرين كله، ولاتزال هذه القدرة مستمرة في القرن الحالي. هلّل كثيرون لنهاية القتالية الإسلامية بعد اغتيال أسامة بن لادن في عام 2011، ولكن بعد مرور عامين فقط اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية العراق، والشام.

هناك إقبال على الإسلام من فئات عديدة، في مقدمتهم الشباب والشابات، وسيتخذ أشكالًا وصيغًا كثيرة، ومنها الطبيعة القتالية؛ ولكن وفق عناوين مختلفة وأهداف متباينة.

تحدثت كثيرًا عن طبيعة التدين المعاصر، لكن ما يمكن استعادته هنا هو: الطبيعة الشبكية لهذه الظواهر التي سيتقلص فيها دور التنظيمات الكبرى؛ لذا فنحن -لأسباب متعددة- سنكون بإزاء تشظي في الجماعات القتالية التي ستأخذ عناوين وأهدافًا كثيرة، وقد تكون أكثر شراسة من سابقتها. ستكون أكثر ارتباطًا بواقعها المحلي أكثر من اهتمامها الأممي.

رابعًا: الإستراتيجيات الخطابية الكبرى

كانت إحدى الإستراتيجيات الخطابية الكبرى، للجماعات الإسلامية المقاتلة التي استخدمت للترويج السياسي – كما يفعل ترامب الآن، ومجمل اليمين المتطرف- هو الربط بين المأساة وبين قضايا سياسية أخرى متفجرة من أجل تأجيج النار، والحصول على مزيد من الأعضاء والمساندين.

جرى -كما في القاعدة وداعش- الربط بين الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وموقف الولايات المتحدة من دعم إسرائيل، وبين وجوب قتال الحكام العرب الذين لا يطبّقون شرع الله.

لم تتبنَّ حماس هذه الإستراتيجية الخطابية إلا بشكل خافت (لا سمح الله التي قالها أبوعبيدة كأحد الأمثلة)، لكنها ظاهرة بقوة في استغاثات أهل غزة الذين يتساءلون: أين العرب والمسلمون، ولدى قطاعات متسعة من الرأي العام العربي الذي يحمل تلك الأنظمة المسؤولية عن تردّي أوضاعهم المعيشية، كما يحملهم مسؤولية العجز عن نصرة فلسطين فيما أطلقتُ عليه: "وحدة القضايا والهموم". هتف المتظاهرون في القاهرة -الذين خرجوا لنصرة فلسطين- للحرية والكرامة والعيش الكريم، كما تظاهر المغاربة ضد قانون إصلاح التعليم، وهم يرفعون أعلام فلسطين.

خامسًا: استمرار أوضاع الهشاشة في الإقليم وجواره الجغرافي

تزداد القتالية الإسلامية كلما نشأ فراغ يتولد من تآكل السلطة المركزية في الدولة القومية. لاتزال سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، والصومال، تعاني من انهيار أو تآكل الدولة، وأضيف إليها -مؤخرًا- السودان الذي يحيط به جوار جغرافي أفريقي تنتشر فيه الجماعات القتالية الإسلامية من شرق القارة إلى غربها.

ما الجديد؟

تأثير "الطوفان" سيكون أشد قتالية، أكثر عداء للغرب، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وكذلك الحكام. وكلما أصبح الصراع أطول وأكثر دموية، زاد الغضب بين العرب والمسلمين، وأعطى مصداقية للنظرة القتالية العالمية للإسلام الذي يواجه قوى الغرب مجتمعة.

يعزز هذا التأثيرَ عددٌ من المعطيات الجديدة

أولًا: الفجوة بين الرسمي والشعبي التي تتعزّز باستمرار

لقد كان الفشل التاريخي للأنظمة العربية في حلّ الصراع أحد الأسباب الرئيسية وراء فقدان الحكام العرب شرعيتهم في عيون مجتمعاتهم، وأدى إلى تغييرات سياسية، كما جرى بعد حربَي 1948، و1967.

أظهرت قطاعات كثيرة من الشعوب العربية تأييدًا للفلسطينيين، في مقابل خذلان رسمي واضح. أدركت الشعوب أن الحكومات تمتلك قدرات وإمكانات لنصرة الفلسطينيين، لم تستخدمها؛ مخافة التأثير على كراسيها.

من الذي سيملأ هذه الفجوة بخطاب وأطروحات سياسية؟ وما مآل هذه الفجوة في ظل انسداد سياسي تفرضه الأنظمة داخليًا وتمتدّ به إلى الإقليم في تحالف الثورة المضادة التي تبلورت بعد الربيع العربي؟

ثانيًا: أثبتت الإسلامية قدرتها – من جديد- على التعبئة خلف أهداف سياسية. كان مشروع الحكومات العربية في مواجهة تصاعد الإسلاميين ولاحتواء الربيع العربي هو نزع هذه الإمكانية على التوظيف تحت عنوان: "الحرب على الإرهاب" التي لم تميز بين اعتدال وتطرف، كما قدمت سابقًا. الكل في سلة واحدة يجب القضاء عليهم. تجاورت التنظيمات الإسلامية -كما رأيتهم في السجون- حيث سعوا أولًا لأن تضمهم زنازين واحدة؛ لتأجيج الفرقة بينهم، ولكنهم أدركوا خطورة تجسير الفجوة بينهم على المستويين: الأيديولوجي والتنظيمي؛ فرجعوا إلى الفصل والتمييز.

ثالثًا: ذوبان الحدود الفاصلة بين مجمل التدين الرسمي، وبين المقاومة

يحدث هذا في الوقت الذي ستحدّ الاختلافات الأيديولوجية من مدى قدرة الجماعات المقاتلة الإسلامية على اغتنام هذه اللحظة لإعادة تنشيط حركتهم.

لم تحتضن "داعش" القضية الفلسطينية قط بالحماس نفسه الذي أبداه منافسها تنظيم القاعدة، ولن تلقي بدعمها وراء حماس، الفصيل الفلسطيني الرئيسي الذي يقاتل إسرائيل. إن الأولوية الإستراتيجية والعقائدية للتنظيمين اتجهت لمحاربة أنظمة الدول العربية المجاورة. إن قتالهم له الأسبقية على قتال إسرائيل؛ لأنهم حماة الدولة اليهودية وداعموها. يمكن أن يستفيدا بالطبع من الخذلان الرسمي العربي والإسلامي لتأكيد مقولاتهما؛ إلا أن الموقف من حماس- كما قدمت- سيحد من هذا.  يتبقى من "الطوفان": أن القتال أو الكفاح المسلح له قدرة على تغيير الواقع واستعادة القضايا التي يراد لها أن تهمش أو يتم تجاوزها؛ هذه رسالة حماس وهدفها منه.

في مقابل هذه الصورة، فإن المؤسسات الدينية الإسلامية – في مقدمتها الأزهر الشريف- حسمت موقفها في دعم المقاومة، وعدم إدانة حماس، على خلاف ما كانت تتوقعه إسرائيل. في مقال لافت تساءل أحد باحثي أهم مراكز التفكير الإسرائيلي تعليقًا على موقف الأزهر: كيف أصبح "معقل الاعتدال الديني" داعمًا للإرهاب!

مع ثقل القضية الفلسطينية وموقع القدس والمسجد الأقصى منها، بالإضافة إلى موقف الأزهر القوي لم تستطع المؤسسات التي أنشئت لمناهضة الإسلاميين عمومًا والإخوان خصوصًا – كاتحاد حكماء المسلمين- إلا أن يصطفّ مع الأزهر وشيخه. امتنع الشيخ عبد الله بن بيه – نائب رئيس المجلس- عن إدانة حماس. قد يكون الموقف من القضية الفلسطينية فرصة لإعادة تجسير الفجوات وتخفيف الصراعات في الحقل الديني، لكنه في تقديري سيعطي قوة دفع جديدة لما أطلق عليه الحرب على الإرهاب من قبل الأنظمة والحكومات. "الطوفان" -مثل الربيع العربي- تهديد لكراسيهم واستمرارهم في الحكم.

رابعًا: سقوط مقولات الحرب على الإرهاب

على مدى العقدين التاليين، رفضت إسرائيل، باستمرار، مواصلة عملية المفاوضات، واعتبرت المنظمات الفلسطينية والسكان الفلسطينيين مجرد تهديد إرهابي. لم تفلح مع الشعوب المسلمة وقطاع من الرأي العام الغربي في تصوير قضية الشعب الفلسطيني باعتبارها إرهابًا -أي حربًا على الإرهاب- مما سيجعل في المستقبل حدودًا على تذويب الفروق الفاصلة بين الاعتدال والتطرف.

خامسًا: ثنائية المقاومة المسلحة والتفاوض

والدولة والفواعل من غير الدول التي تضاف إلى ثنائية الرسمي في مقابل الشعبي

توصلت قادة المقاومة إلى استنتاج مفاده: أن الكفاح المسلح من أجل الاستقلال الفلسطيني أمر لا مفر منه. أثبت التفاوض -على مدار ثلاثين عامًا- قدرته على تصفية القضية لا الوصول إلى حل الدولتين، وتحولت معه السلطة الفلسطينية -كما في خطاب الجماعات المقاتلة الإسلامية تجاه الأنظمة- إلى حامٍ للهيمنة الإسرائيلية.

عجزت الدول إلا من الجهد الدبلوماسي والخطابي، فقط، عن نصرة الفلسطينيين؛ في حين انتصر لهم -ولو دون المتوقع والمأمول- الحوثيون في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان. الفواعل من غير الدول -كما في تصور الجماعات المقاتلة وفعلها- قادرة على تحدي الوضع القائم وتغييره.

قدمت حماس نموذجًا لتجاوز العجز، وأعادت التساؤل لدى الوجدان العربي: هل نحن عاجزون حقًا؟ أم جرى إصابتنا بالعجز عن عمد؟!

يحتاج "طوفان الأقصى" إلى تحليل أعمق لنموذجه الانتفاضي، لكن ما يمكن أن أشير إليه سريعًا -على وعد بمناقشته تفصيلًا فيما بعد- أنه يتضمن تجاوزًا لاعتبارات القوة المادية والتفوق التكنولوجي نحو محورية دور الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه. هذه النفخة وهبته قدرة على تسخير الكون لتحقيق أهدافه. هناك وعي لدى الكيان الصهيوني وداعميه الدوليين ومناصريه الإقليميين بهذه الحقيقة؛ لذا فيجب جعل تكلفته البشرية من أرواح الفلسطينيين والمادية باهظة جدًا، حتى لا يفكر أحد في تكراره.

سادسًا: المزيد من الحروب الدينية

وهنا نجد ثلاثة مشاهد متداخلة: ربط إسرائيل معاداة السامية بالموقف من الصهيونية، وتصوير الأمر على أنه حرب عالمية على اليهود.

تصاعد اليمين في كل مكان مع خطاب غربي محمل بمضامين دينية، مستحضرًا أجواء حقبة سبتمبر الأولى (2001-2021) بما يمكن معه تصوير الأمر كأنه حرب عالمية على الإسلام والمسلمين. خطاب "أبوعبيدة" المحمل بمضامين دينية قوية مع ضعف خطاب قادة حماس السياسي.

يمتزج بهذا جميعًا أن: المبرر الأخلاقي أو المعياري لمواجهة التطرف العنيف- الذي بمقتضاه نشأ التحالف الدولي ضد الإرهاب- قد سقط؛ سقط مع الخطاب الغربي المسوغ لتوحش إسرائيل، ومع ازدواجية المعايير، ومع تجاهل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل -كما ظهر في مجلس الأمن مؤخرًا- الرسالة الدولية الرئيسية المتعلقة بضرورة وقف القتال، والتحرك نحو تسوية سلمية.

لم يعد العالم إلا مكانًا للتوحش: يتصاعد استخدام القوة المسلحة في كل مكان، وتتهاوى القواعد والمعايير التي يمكن الاحتكام إليها لتخفيف آثار التوحش، وتسود الفوضى، وتفشل الدول، وتزداد قدرات الأفراد والجماعات، ويتصاعد صراع الهويات، ويجتاح اليمين المتطرف الديمقراطيات.

هل مع هذا يمكن الحديث عن مستقبل النزعات القتالية الإسلامية فقط؟

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الربیع العربی الفاصلة بین على الإرهاب فی مقابل

إقرأ أيضاً:

ما هو "مشروع إيستر" الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟

في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد مرور عام كامل على الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة بدعم من الولايات المتحدة، والتي أودت بحياة أكثر من 53.000 فلسطيني، أصدرت مؤسسة "هيريتيج فاونديشن" (Heritage Foundation) ومقرها واشنطن، ورقة سياسية بعنوان "مشروع إستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية".

 

هذه المؤسّسة الفكرية المحافظة هي الجهة ذاتها التي تقف خلف "مشروع 2025″، وهو خُطة لإحكام السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، ولبناء ما قد يكون أكثر نماذج الديستوبيا اليمينية تطرفًا على الإطلاق.

 

أما "الإستراتيجية الوطنية" التي يقترحها "مشروع إستير" المسمى نسبةً إلى الملكة التوراتية التي يُنسب إليها إنقاذ اليهود من الإبادة في فارس القديمة، فهي في جوهرها تتلخص في تجريم المعارضة للإبادة الجماعية الحالية التي تنفذها إسرائيل، والقضاء على حرية التعبير والتفكير، إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى.

 

أوّل "خلاصة رئيسية" وردت في التقرير تنصّ على أن "الحركة المؤيدة لفلسطين في أميركا، والتي تتسم بالعداء الشديد لإسرائيل والصهيونية والولايات المتحدة، هي جزء من شبكة دعم عالمية لحماس (HSN)".

 

ولا يهم أن هذه "الشبكة العالمية لدعم حماس" لا وجود لها فعليًا – تمامًا كما لا وجود لما يُسمى بـ"المنظمات الداعمة لحماس" (HSOs) التي زعمت المؤسسة وجودها. ومن بين تلك "المنظّمات" المزعومة منظمات يهودية أميركية بارزة مثل "صوت اليهود من أجل السلام" (Jewish Voice for Peace).

 

أما "الخلاصة الرئيسية" الثانية في التقرير فتدّعي أن هذه الشبكة "تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية"- وهي مفارقة لغوية لافتة، بالنظر إلى أن هذه المؤسسة نفسها تسعى في الواقع إلى تقويض ما تبقى من ديمقراطية في الولايات المتحدة.

 

عبارة "الرأسمالية والديمقراطية"، تتكرر ما لا يقل عن خمس مرات في التقرير، رغم أنه ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية، باستثناء أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت لما يزيد عن 19 شهرًا  للتدمير العسكري الممول أميركيًا. ومن منظور صناعة الأسلحة، فإن الإبادة الجماعية تمثل أبهى تجليات الرأسماليّة.

 

وبحسب منطق "مشروع إستير" القائم على الإبادة، فإنّ الاحتجاج على المذبحة الجماعية للفلسطينيين، يُعد معاداة للسامية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية المقترحة التي تهدف إلى "اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من مجتمعنا".

 

نُشر تقرير مؤسسة "هيريتيج" في أكتوبر/ تشرين الأول، في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي وصفتها المؤسسة بأنها "معادية لإسرائيل بشكل واضح"، رغم تورّطها الكامل والفاضح في الإبادة الجارية في غزة. وقد تضمّن التقرير عددًا كبيرًا من المقترحات لـ"مكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة، عندما تكون الإدارة المتعاونة في البيت الأبيض".

 

وبعد سبعة أشهر، تُظهر تحليلات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة الرئيس دونالد ترامب -منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني- تبنّت سياسات تعكس أكثر من نصف مقترحات "مشروع إستير". من بينها التهديد بحرمان الجامعات الأميركية من تمويل فدرالي ضخم في حال رفضت قمع المقاومة لعمليات الإبادة، بالإضافة إلى مساعٍ لترحيل المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة فقط لأنهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.

 

علاوة على اتهام الجامعات الأميركية بأنها مخترقة من قبل "شبكة دعم حماس"، وبترويج "خطابات مناهضة للصهيونية في الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، غالبًا تحت مظلة أو من خلال مفاهيم مثل التنوع والعدالة والشمول (DEI) وأيديولوجيات ماركسية مشابهة"، يدّعي مؤلفو "مشروع إستير" أن هذه الشبكة والمنظمات التابعة لها "أتقنت استخدام البيئة الإعلامية الليبرالية في أميركا، وهي بارعة في لفت الانتباه إلى أي تظاهرة، مهما كانت صغيرة، على مستوى جميع الشبكات الإعلامية في البلاد".

 

ليس هذا كل شيء: "فشبكة دعم حماس والمنظمات التابعة لها قامت باستخدام واسع وغير خاضع للرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، ضمن البيئة الرقمية الكاملة، لبث دعاية معادية للسامية"، وفقاً لما ورد في التقرير.

 

وفي هذا السياق، تقدم الورقة السياسية مجموعة كبيرة من التوصيات لكيفية القضاء على الحركة المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، وكذلك على المواقف الإنسانية والأخلاقية عمومًا: من تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس، إلى تخويف المحتجين المحتملين من الانتماء إليها، وصولًا إلى حظر "المحتوى المعادي للسامية" على وسائل التواصل، والذي يعني في قاموس مؤسسة "هيريتيج" ببساطة المحتوى المناهض للإبادة الجماعية.

 

ومع كل هذه الضجة التي أثارها "مشروع إستير" حول التهديد الوجودي المزعوم الذي تمثله شبكة دعم حماس، تبين – وفقًا لمقال نُشر في ديسمبر/ كانون الأول في صحيفة The Forward- أنَّ "أيَّ منظمات يهودية كبرى لم تُشارك في صياغة المشروع، أو أن أيًّا منها أيدته علنًا منذ صدوره".

 

وقد ذكرت الصحيفة، التي تستهدف اليهود الأميركيين، أن مؤسسة "هيريتيج" "كافحت للحصول على دعم اليهود لخطة مكافحة معاداة السامية، والتي يبدو أنها صيغت من قبل عدة مجموعات إنجيلية مسيحية"، وأن "مشروع إستير" يركز حصريًا على منتقدي إسرائيل من اليسار، متجاهلًا تمامًا مشكلة معاداة السامية الحقيقية القادمة من جماعات تفوّق البيض والتيارات اليمينية المتطرفة.

 

وفي الوقت نفسه، حذر قادة يهود أميركيون بارزون -في رسالة مفتوحة نُشرت هذا الشهر- من أن "عددًا من الجهات" في الولايات المتحدة "يستخدمون الادعاء بحماية اليهود ذريعةً لتقويض التعليم العالي، والإجراءات القضائية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة".

 

وإذا كانت إدارة ترامب تبدو اليوم وكأنها تتبنى "مشروع إستير" وتدفعه قدمًا، فإن ذلك ليس بدافع القلق الحقيقي من معاداة السامية، بل في إطار خطة قومية مسيحية بيضاء تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف متطرفة خاصة بها. ولسوء الحظ، فإن هذا المشروع ليس إلا بداية لمخطط أكثر تعقيدًا.


مقالات مشابهة

  • ما هو "مشروع إيستر" الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • قبائل الحديدة تحتشد خلف طوفان الأقصى.. وقفة مسلّحة ومسيرات راجلة تجسّد الوفاء لفلسطين
  • معاريف: المعركة النهائية في غزة من المفترض ألا تزيد عن 96 ساعة
  • بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا
  • تقرير أمريكي: طوفان الأقصى استُخدم لنسف تطبيع الرياض وتل أبيب
  • رئيس أركان الجيش الإسرائيلي من شمال غزة: بدأنا العملية البرية وسنواصل حتى نحطّم قدرات حماس القتالية
  • قبائل كحلان عفار في حجة تؤكد الجاهزية لمواجهة تصعيد العدو الصهيوني
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • بعد سلسلة من محاولات الاغتيال الفاشلة.. من هو محمد السنوار الذي عُثر على جثته داخل نفق خان يونس؟
  • مناورة وتطبيق قتالي ومسير في السخنة بالحديدة لخريجي دورات طوفان الأقصى