59 على الرحيل.. بدر شاكر السياب ورحلته مع قصائده الشعرية
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
فى مثل هذا اليوم 24 ديسمبر من عام 1964، رحل عن عالمنا الشاعر العراقى المجدد بدر شاكر السياب، الذى يعد واحدًا من الشعراء المشهورين في الوطن العربي في القرن العشرين، وأحد مؤسسي الشعر الحر فى الأدب العربي.
بدأ بدر شاكر السياب الذى ولد 25 ديسمبر من عام 1926، في قرَية جِيْكُور في محافظة البصرة في جنوب العراق،أولى قصائده الشعرية عندما كان شاباً صغيراً، فبدأ بنظم الشعر باللهجة العراقية الدارجة، ثم تحول إلى الشعر الفصيح محتذياً بشعراء المدرسة الرومانسية، ولقد نشر بدر شاكر السياب قصائده الأولى في ديوان «أزهار ذابلة» الذى ضم قصائد كتبها الشاعر في عام 1941 أى منذ كان في الخامسة عشرة من عمرها، وضم الديوان مجموعة من القصائد التي يغلب عليها الطابع الرومانسى كما هو شأن القصائد الأولى في لأغلب الأعم، كما تصور القصائد التحولات الفكرية لبدر شاكر السياب نحو الشيوعية.
ثم بعد ذلك أصدر وديوان «أساطير»، وعند نهاية الحرب العالمية الثانية ومع دخول ثقافات مختلفة إلى البلاد بدأ السياب مرحلة جديدة من شعره امتازت بغزارة الإنتاج، حيث وضع عدة دواويين شعرية أهمها: «أنشودة المطر» و»المعبد الغريق»، و»منزل الأقنان»، و»شناشيل ابنة الجلبي»، وفى تلك المرحلة بدأ ينأى بشعره عن منحنى الشعر التقليدى القديم، ويسعى لبناء أنماط جديدة للقصيدة، فأصبح فى مقدمة الشعراء المجدّدين فى الشعر العربى الحديث، وفى نهاية الأربعينيات وضع أول قصيدة له بأسلوبٍ جديدٍ من حيث الوزن والقافية افتتح بها مشروعه الحداثى وهى قصيدة «هل كان حباً».
ومن المعروف عن السيّاب قيامه بالمحاولات الأولى الجادّة للتخلص من رتابة القافية في الشعر العربي، فقد تأثر السيّاب بالشعر الإنجليزي وشاركه بذلك البياتي و نازك الملائكة، وأرادوا نقل تلك الحرية التي شاهدوها في الشعر الأجنبي إلى الشعر العربي، وفي الواقع كانت هناك محاولات قبل هؤلاء الثلاثة للتغيير ولكنها كانت مجرد استطراف، وأما هؤلاء الثلاثة فقد كانت محاولاتهم جادّة وتتخذ من هذا التغيير مذهباً تدافع عنه، ويقول الدكتور إحسان عباس في كتابه اتجاهات الشعر العبى المعاصر: « وإنما الذي يميّز هذه الحركة عن كل ما سبقها أن اعتمادها للشكل الشعري الجديد أصبح مذهباً لا استطرافاً، وأن إيمانها بقيمة هذا التحول كان شمولياً لا محدوداً، وأن أفرادها في حماستهم لهذا الكشف الجديد رأوا وما زالوا يرون - عدا استثناءات قليلة - أن هذا الشكل يصلح دون ما عداه وعاء لجمع التجربة الإنسانية إذا أريد التعبير عنها بالشعر».
ومن قصائد السياب الأولى:
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك .... لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من قلبي الذاوي .... تري في الشحوب سر انتحابه
وانظري في غضونه صرخة اليأس .... وأشباح غابر من شبابه
لهفة تسرق الخطى بين جفنيه .... وحلم يموت في أهدابه
ومن قصائدة أيضًا :
قصيدة سفر أيوب
لكَ الحـَمدُ مهما استطالَ البـــلاء
ومهمــا استبـدٌ الألـم
لكَ الحمدُ إن الرزايـا عطـــاء
وإن المَصيبــات بعض الكـَـــرَم
ألم تُعطنى أنت هذا الظلام
وأعطيتنى أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذى الجـِـــراح
تمزّق جنبى مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى.
ولكنّ أيّوب إن صاح صــــــاح
لك الحمد، ان الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمٌ إلى الصدر ِ باقتــها
هداياكَ فى خافقى لا تَغيــب
هاتها ... هداياكَ مقبولــةُ
أشد جراحى وأهتف
بالعائديــن
ألا فانظروا واحسدونــي
فهذى هدايا حبيبي
وإن مسّت النار حرّ الجبين
توهّمتُها قُبلة منك مجبولة من لهيب.
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينى حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك دارى سناك.
جميل هو الليل: أصداء بوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد، الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتبـا بعد ذاكَ الشفـــاء
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا
إقرأ أيضاً:
عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيه ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يظهر إعلان على وسائل التواصل الاجتماعي يفيد بأن فضل شاكر سيغني في إحدى الدول العربية في رابع أيام عيد الأضحى المقبل. الإعلان لم يُسبق بتمهيد، وترافقه في الخلفية أغنيته الجديدة "وغلبني"، التي تصدرت التريند وتداولها معجبوه، وكأن الفنان الغائب منذ أكثر من عقد يعود فجأة إلى الساحة الفنية.
فضل شاكر ليس مجرد فنان غائب، بل هو فارّ من وجه العدالة اللبنانية. تلاحقه تهم عدّة، منها تبييض الأموال والمشاركة في أعمال إرهابية. يختبئ في أحد أكبر مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان، وينفي عبر حساباته الرسمية إقامة أي حفل فني، فهو لم يُنهِ بعد قضاياه في المحاكم ليتمكن من السفر. ومع ذلك، تستمر الضجة، وتبقى أحلام محبيه كبيرة.
بين صوته المحبوب وصورته المحفوظة عنه كشاب خجول لم تلطخ سيرته قضايا النساء أو المخدرات، وبين الجرائم المتهم بها، لا يزال جمهوره يردد أغانيه القديمة، ويكتب له: "يا غايب ليه ما ترجع.. أحبابك اللي يحبونك"، متناسين أن الرجل نفسه وُجهت إليه اتهامات بدعم مجموعات مسلحة حاربت الجيش اللبناني في مدينة صيدا بقيادة أحمد الأسير. ورغم تبرئته من قضية قتل عناصر من الجيش، فإن قضايا أخرى ما زالت معلقة أمام المحكمة العسكرية.
خلال عرض مسلسل "يا غايب ليه ما تسأل"، ظهر شاكر باكيًا وهو يروي تجربته منذ البداية، ودخوله عالم الغناء، ثم اعتزاله بعد انطلاق الثورة السورية، وانضمامه إلى جماعة الأسير، قبل أن يعود لاحقًا إلى الغناء من مخبئه السري.
بعض محبيه يبررون المطالبة بالعفو عنه مستشهدين بواقع عالمي متغيّر، حيث يتعامل المجتمع الدولي مع قادة حركة طالبان في أفغانستان، أو القيادة السورية الجديدة التي تتنقل بين تنظيمات القاعدة وداعش، وكذلك مع قادة الميليشيات في ليبيا والسودان وغيرها من الدول. يشيرون إلى أن كثيرين ممن صدرت بحقهم عقوبات أو مذكرات توقيف دولية يتحركون عبر العالم، من دون أن يجرؤ أحد على معاقبتهم أو إيقافهم، ويستشهدون بلقاءات الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع رؤساء دول، مثل دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون. يرى هؤلاء أنه إذا كان العالم يغفر، فلماذا لا يُغفر للفنان العائد من اختفاء دام أكثر من 12 عامًا؟
هذا العالم المتغير، كما يبدو، يتجه نحو مصافحة الأيادي المتهمة بأنها ملطخة بالدم، من السودان إلى قطاع غزة، وسوريا، وأفغانستان، وليبيا. أما الغرب، الذي أسس فيه مفهوم حقوق الإنسان، فيشهد صعودًا متسارعًا لليمين المتطرف، حتى السويد – التي لطالما عُرفت باحتضان اللاجئين – بدأت تتراجع عن تاريخها، وتبحث عن سبل لسحب الجنسيات ممن وصلوا إليها هاربين من الفقر والحروب، لتعيدهم من شمال الكرة الأرضية إلى الجنوب الفقير المؤهل دائمًا للحرب.
في عام 2012، لم يكن فضل شاكر يغني على مسارح الفن، بل في ساحة الشهداء ببيروت، يردد الأناشيد الدينية وسط جماعات متشددة تناصر الثورة السورية. وعلى الطرف المقابل، كان يقف أنصار حزب الله والنظام السوري، يطالبون بمنع تحرك شاكر ورفاقه واعتقالهم. كان صوته جميلًا كما اعتاده جمهوره، لكن كلماته كانت غريبة عن عالم الفن الذي عرفه الناس من خلاله. ورغم ذلك، حين ارتفع صوته، ساد صمت لبعض الوقت في التظاهرتين المتقابلتين، وكأنما صوت "الفنان" اخترق جدار الانقسام، ليناقض تلك المقولة الشائعة: "الفن والإرهاب خطان متوازيان لا يلتقيان".
يتساءل صديق: "لماذا يضيّع هذا الرجل عمره بمجالسة المتطرفين؟" سؤال مشروع، لا سيما حين يُستمع إلى صوته الذي لا يزال يحتفظ بعذوبته، رغم السنوات التي غيّرت ملامح شخصيته ومسيرته. يعود شاكر بأغنيته "وغلبني"، متذكرًا ماضيه وحالمًا أن يعود إليه، لا كمطلوب فار، بل كنجم يلاحقه المعجبون لا رجال الأمن. صورته الجديدة تصلنا فقط عبر المعجبين، فيما يظل هو غائبًا، بانتظار أن تُغلق قضاياه، ويعود إلى "نجوميته" التي ضيّعها حينما ظن أن الحرب والإرهاب بديلان عن الفن والغناء.
السؤال الذي يردده جمهوره: "يا غايب ليه ما ترجع؟" لا يُطرح على الفنان وحده، بل على العدالة، وعلى الحقيقة، وعلى الخط الرفيع الفاصل بين الفن والجريمة، بين ما نودّ أن نتذكره، وما لا نستطيع أن نغفره.
* عمر حرقوص، صحفي، رئيس تحرير في قناة "الحرة" في دبي قبل إغلاقها، عمل في قناة "العربية" وتلفزيون "المستقبل" اللبناني، وفي عدة صحف ومواقع ودور نشر.
لبنانرأيفضل شاكرنشر الاثنين، 19 مايو / أيار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.