النقش على المعادن تراث عالمي عريق يكافح للاستمرار في بلاد المغرب
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
يحافظ حرفيون على فن النقش اليدوي على المعادن بمهارات موروثة عن الأجداد أدرجتها منظمة اليونسكو أخيراً ضمن قائمة "التراث غير المادي" لكنها لا تحظى "بتقدير كبير" في المنطقة حيث يكافح بعضهم للإبقاء عليها.
ويعتمد هذا الفن الحرفي على نحت زخارف بأشكال مختلفة بينها الهندسية والنباتية والفلكية، على معادن النحاس أو الفضة أو الذهب لصناعة أدوات منزلية أو ديكورات أو حلي.
وقد صنفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) -مطلع ديسمبر/كانون الأول- تراثا إنسانيا، في ملف حظي بدعم 10 دول عربية من بينها تونس والجزائر والمغرب.
مهارة استثنائية في تونسوأشاد التونسي عماد سولة، أحد الخبراء الثلاثة الذين قدموا الملف، بهذا الإدراج معتبراً أنه "يلزمنا بالحفاظ على هذه المهارة الاستثنائية".
وتعلم الخبير التونسي في هذه الحرفة محمد أمين حطويش (37 عاما) أصول النقش على النحاس في سن 15 عاماً، قبل أن ينتقل إلى الفضة ثم الذهب، في ورشة عائلية بالمدينة القديمة لتونس العاصمة.
وللتكيف مع المتطلبات الجديدة، تعلم حطويش النقش باستعمال آلات، ويقول "أخاف على (هذه الحرفة) أن تنقرض. أخشى أن نصل إلى يوم لا نعود نجد فيه أي نقّاش".
وأما شهاب الدين بن جاب الله (68 عاما) فغالباً ما يخصّص وقتاً لتلقين فنه للنساء اللواتي يرغبن في صناعة حلي أو أسرة الأطفال مزينة بزخارف من نحاس، داخل ورشته بدندن غرب العاصمة.
ولكنه يرى أن مدة التدريبات التي يتلقاها الحرفيون اليوم غير كافية حيث تقلص أحيانا إلى 3 أشهر فقط. وهو درّب مئات الحرفيين خلال 50 عاما، ويترأس اليوم الغرفة الوطنية للحرف التقليدية.
ويوضح "يلزم عامان على الأقل لاكتساب كل تقنيات النقش" معرباً عن أسفه لأن مهنته "الغنية جداً" لا تحظى بالتقدير.
ويعود تاريخ النقش على المعادن في تونس إلى القرطاجيين، قبل أن يغتني بتأثيرات الحضارة الإسلامية والتراث الأمازيغي وتقاليد حضارات المتوسط، فضلا عن تأثيرات مشرقية.
ولا يزال في البلاد 439 حرفياً متخصصاً في نقش المعادن، وفق مكتب الحرف الوطني.
النقش في المغربفي المغرب، حيث تحظى الصناعة التقليدية عموما باهتمام السلطات وتشكل جزءاً من العرض السياحي للبلاد، ويعمل معظم الحرفيين بهذا المجال اليوم في ورش حديثة مثل تلك التي افتُتحت قبل 10 أعوام في فاس (شمال وسط).
وقبل أن ينتقل إلى إحدى تلك الورش، تعلم إدريس الساخي (64 عاما) النقش على النحاس منذ صباه وراء أسوار المدينة العتيقة.
واليوم، صار بإمكان الشباب تعلمها في مراكز التدريب المهني التي تقدم دروسا نظرية، وأخرى عملية يشرف عليها حرفيون.
ويقول الساخي الذي أمضى 50 عاما في هذه الحرفة "شباب اليوم محظوظون.. لا خوف على الخلف، لكنني ألح على شيء واحد، يجب أن يحبوا الحرفة إذا أرادوا النجاح".
وتستعيد النقوش المستعملة في المغرب غالبا أشكالا "موروثة منذ قرون، وهي مشتركة مع حرف النقش على الزليج والخشب والجبص" كما يوضح أحمد الكداري (57 عاما) الذي بدأ شغفه بهذه الصنعة منذ سنوات الشباب.
لكنّ الحرفيين المخضرمين الذين يحملون صفة "معلم" بإمكانهم إبداع نقوش جديدة "من وحي اللحظة" أو نزولا عند طلب الزبون، كما يضيف الساخي. وبعضها يحمل توقيع "المعلم" الذي أنتجها علامة على طرازها الرفيع.
وعلى الرغم من التدريب المتاح للشباب الراغبين في تعلم هذه الحرفة، يرى الصانع محمد المومني أن "المشكلة تكمن في ندرة الأشخاص الذين يعرفون كيفية العمل" مع أنّ هناك "طلباً كبيرا على المصنوعات النحاسية" بحسب الرجل المقيم في مدينة سلا التاريخية، قرب الرباط.
أما في ليبيا، فيشكو الحرفيون من قلة التشجيع.
ويقول يوسف شوشين لوكالة الصحافة الفرنسية إن "تطور هذه الحرفة محدود للغاية، الطلب فقط هو الذي يشجع الحرفيين" وليس السلطات.
ويؤكد الرجل الستيني أن "أغلبية الحرفيين تركوا المهنة" التي لم تعد مربحة.
ويعرب عن حزنه على وضع هذا التقليد قائلا "لماذا أعلم أطفالي الحرفة.. من دون أن يستطيعوا العمل" رغم أنه حاول تعليم اثنين أو 3 متدربين شباب.
طلب مرتفع في الجزائرفي الجزائر، ما يزال الطلب مرتفعا على الأدوات المعدنية المنقوشة، رغم غياب المبادرات الرسمية بهذا الشأن.
وتشكل الحلي الذهبية أو الفضية المنحوتة جزءاً من زينة العرائس.
ولكلّ منطقة تخصصها الذي تشتهر به، فتلمسان معروفة بالحلي الذهبية، أما القبائل والأوراس فتعرف بصناعة الخواتم والأساور الفضية المزينة أحيانا بالمرجان.
وقد وقع صانع المجوهرات العصرية وليد سلامي (37 عاما) في حبّ تلك النقوش التراثية و"تعلم بمفرده لعامين على الإنترنت" بعدما لم يجد من يدرّبه.
ويقول "إنها مهنة رائعة، لا نحتاج جذب الزبائن ليشتروا، يكفي أن يروا الحلي".
لكنه يعتقد أن اعتراف اليونسكو بهذا الفن "لن يغير كثيراً" في الوضع، مؤكدا أنه سيكون "فخورا" أكثر عندما تحظى هذه المهارات "بالاعتراف" في منطقته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذه الحرفة النقش على
إقرأ أيضاً:
أجواء الأشخرة 2025 .. تراث ينبض بالحياة
تشهد فعاليات ملتقى “أجواء الأشخرة 2025” تنوّعًا لافتًا في البرامج المقدّمة، حيث تحتضن حديقة الأشخرة العامة سلسلة من الأنشطة التراثية والترفيهية والثقافية التي تستقطب مختلف الفئات العمرية، وسط أجواء تفاعلية ومشاركة واسعة من الزوّار، في مشهد يعكس نجاح الملتقى في تعزيز الحراك السياحي والثقافي وتنمية السياحة المجتمعية في محافظة جنوب الشرقية. وتوزعت الفعاليات على باقات متنوّعة تشمل عروضًا مبهجة للأطفال بمنطقة الألعاب، والمسابقات البحرية في “ركن عبق التراث”، والمسابقات الثقافية والترفيهية التي تحظى بمشاركة عائلية واسعة، إلى جانب الجلسات الشعرية المتنوعة، وعروض الشخصيات الكرتونية التي أدخلت البهجة إلى نفوس الزوّار، إضافة إلى العروض الكرتونية الترفيهية.
وفي إطار استطلاع جريدة "عمان" لآراء الزوّار حول فعاليات الملتقى، عبّرت الزائرة رناد بنت يحيى المرجبية عن إعجابها الكبير بالأجواء والتنظيم الذي تشهده نيابة الأشخرة، مؤكدة أن زيارتها الأولى لن تكون الأخيرة. وقالت: “سعدت بزيارتي لنيابة الأشخرة، وتفاجأت بجمال الأجواء وروعة المكان، فقد كانت تجربة استثنائية لم أكن أتوقعها.” وأضافت: “ما شدّ انتباهي منذ اللحظة الأولى هو حسن التنظيم في ملتقى أجواء الأشخرة، خاصة ركن (قرية عبق التراث) الذي مثّل إضافة نوعية للمنطقة، وأسهم في إبراز التراث العُماني بشكل حيّ وتفاعلي.” وأكدت أن مثل هذه الملتقيات والمهرجانات تعزّز النشاط السياحي المحلي وتُبرز الإمكانات الكامنة في سلطنة عُمان، قائلة: “لن تكون هذه زيارتي الأخيرة، بل بداية لسلسلة زيارات قادمة.”
كما عبّر الزائر عبدالله بن أحمد الشيخ بالحاج من الجمهورية الجزائرية عن إعجابه الشديد بما شاهده من تنوّع ثقافي وتنظيم احترافي ضمن فعاليات ملتقى أجواء الأشخرة 2025، وقال في تصريح لجريدة "عمان": “لقد انبهرت بما شاهدته من تنظيم مميز لفعاليات ملتقى أجواء الأشخرة، حيث أتاح لي الملتقى فرصة فريدة للتعرّف على التراث العُماني الأصيل من خلال (قرية عبق التراث) التي أبهرتني بعروض الفنون التقليدية، والأكلات الشعبية، والمتحف التراثي.” وأشار إلى أن الأجواء الصيفية في الأشخرة كانت معتدلة ومنعشة، مما أضفى على زيارته طابعًا خاصًا من الراحة والاستمتاع، مضيفًا: “لقد شاركت في مسير الأشخرة السياحي الثاني، وكانت تجربة فريدة جمعت بين الرياضة والمتعة واكتشاف الطبيعة الساحرة للمنطقة.” وفي ختام حديثه وجّه الزائر تحية تقدير للقائمين على الملتقى، مشيدًا بالجهود التنظيمية والاهتمام بالتفاصيل، ومؤكدًا أن “سلطنة عُمان تمتلك مقومات سياحية وتراثية تستحق أن تُكتشف وتُروّج عالميًا، وأنا أنصح الجميع بزيارتها.”
ويواصل ركن “عبق التراث” تأكيد مكانته كأحد الأركان الأكثر جذبًا في الملتقى، إذ ينقل الزوّار إلى مشاهد الحياة العُمانية القديمة، من خلال خيمة بدوية تضم عروض الفنون الشعبية، والمسابقات التراثية، والدكان القديم، والألعاب والملابس التقليدية، والحِرف اليدوية، إلى جانب تقديم عرض حيّ لتقاليد البحر وصناعة السفن التقليدية عبر ورشة تفاعلية، مما أتاح للزوار التعرّف عن قرب على هذا الموروث العريق، والتفاعل معه في بيئة نابضة بالهوية.
وتشارك في الملتقى مجموعة من الجهات الحكومية والخاصة التي أسهمت في إثراء التجربة التوعوية والثقافية من خلال أركان متخصصة، من بينها إدارة التراث والسياحة بمحافظة جنوب الشرقية عبر ركن تفاعلي للترويج السياحي والتعريف بالمقومات المحلية، وأركان أخرى مثل ركن بريد عمان، مكتبة السويح العامة، وفودافون عمان، وغرفة تجارة وصناعة عمان، التي تقدم برامج تفاعلية، ومسابقات تثقيفية، وهدايا للزوار. كما تميز ركن محافظة جنوب الشرقية بحضور بارز ضمن أركان الملتقى، حيث عرّف الزوار بمشروعات المحافظة التنموية، وقدّمت مجموعة من المبادرات التفاعلية التي تعكس حرص المحافظة على تعزيز مفاهيم التحول الرقمي، والاستفادة من التقنيات الحديثة في خدمة الزوار والترويج للخدمات الحكومية الذكية، بما ينسجم مع مستهدفات "رؤية عُمان 2040" في بناء مجتمعات ذكية ومستدامة.
وقال عبدالله بن راشد الحجري، مدير إدارة السياحة بمحافظة جنوب الشرقية، ورئيس لجنة الفعاليات بالملتقى: شهد ملتقى هذا العام نقلة نوعية على جميع الأصعدة، فقد تم إضافة أركان المؤسسات ليعكس مدى الترابط والشراكة المجتمعية التي تحققها تلك المؤسسات، وكذلك تسليط الضوء وتعريف الزوار بالأعمال المستحدثة في تلك المؤسسات، إضافة إلى كسر حاجز الروتين اليومي للقائمين على تلك المؤسسات. عدد الزوار للملتقى يشهد بنجاحه، سواء كان الزوار من المحافظة أو من خارجها، ناهيك عن الأجواء الجميلة الساحرة التي تغنيك عن كل شيء. نية التطوير موجودة لدينا، وإن شاء الله ستتحقق جميع الأهداف المرسومة للرؤية.” وأضاف الحجري: “حُلة هذا العام حُلة مختلفة، ولدينا الكثير من المفاجآت التي تخص الجمهور في الأيام القادمة.”
تجدر الإشارة إلى أن الأسبوع الثاني من الملتقى انطلق الأحد الموافق 20 يوليو، ضمن برنامج ممتد يهدف إلى تنشيط الحركة السياحية في نيابة الأشخرة، وإبراز مكنونها التراثي والثقافي والاقتصادي، في إطار رؤية محافظة جنوب الشرقية لتنمية السياحة المجتمعية وتعزيز الهوية الثقافية والاقتصادية للمكان.