◄ النبهاني: تنقصنا الصفة الاعتبارية لتمكيننا من التواصل مع مؤسسات الدولة

السعدي: المجالس البلدية ترجمة لنهج "اللامركزية" في المحافظات

المعولي: أدوار متكاملة بين أعضاء المجلس البلدي وأفراد المجتمع في بناء الوطن

القاسمي: تطبيق "تنمية" يختزل الكثير من الوقت والجهد لتسريع العملية التنموية

 

الرؤية- فيصل السعدي

أجمع عدد من أعضاء المجالس البلدية على أهمية دور هذه المجالس في تنفيذ مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، وتنفيذ التوجيهات السامية بضرورة التحول نحو المزيد من اللامركزية في مسيرة العمل التنموي في المحافظات، لكنهم أكدوا في الوقت نفسه ضرورة تعزيز أدوار هذه المجالس من خلال زيادة تعاون مختلف مؤسسات الدولة مع أعضائها.

وقالوا- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن تدشين تطبيق "تنمية" يمثل خطوةً ناجحة في تكاملية العمل بين أفراد المجتمع والحكومة، مؤكدين ضرورة تمكين أعضاء المجالس البلدية في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة للمجالس.

أما سعود بن سعيد بن هلال المعولي نائب رئيس المجلس البلدي بمحافظة جنوب الباطنة ممثل ولاية وادي المعاول، فقال: "إن المجالس البلدية تعزز المشاركة المجتمعية في الإدارة المحلية حيث تتجه سلطنة عمان إلى اللامركزية في صنع القرار المحلي بما يتوافق مع رؤية عمان 2040 والتي كان من نتاجها صدور المرسوم السلطاني رقم 36/2022 الخاص بنظام المحافظات الذي يعتبر تفويضًا للإدارة المحلية في المحافظة وقد واكب ذلك صدور المرسوم السلطاني 38/2022 الخاص بالمجالس البلدية والذي كان من ضمن اختصاصه بنودا تساعد على صنع القرار في المحافظة من خلال الاقتراحات المقدمة من المجلس البلدي وإبداء الرأي والمشاركة مع المحافظة في دراسة بعض مقترحات المشاريع".


 

ولفت المعولي إلى أن هناك العديد من المهام التنموية والمجتمعية للمجالس وبحسب ما ورد في المادة (21) من قانون المجالس البلدية وهي إختصاصات تصب في مجملها في الجانب التنموي كما أن للجان المجلس البلدي دورا مهما في تنمية المجتمع ورفع درجة الوعي الثقافي والبيئة. كما اتاحة المجالس البلدية التكاملية التامة بين أفراد المجتمع وأعضاء المجتمع في عملية بناء وتطوير عمان.

وأكد رئيس المجلس البلدي بمحافظة جنوب الباطنة أن ما ينقص المجالس البلدية في سبيل تحقيق التطور المنشود، عدم وجود المُمكنات التي تتيح الصلاحيات اللازمة والتي بدورها تسهم في دفع عجلة التنمية في البلاد.

وأوضح المعولي أن تطبيق "تنمية" عبارة عن نظام إلكتروني متقدِّم للمراسلات بين المجتمع والمجالس البلدية، ويسهم في توفير الجهد والوقت عند إرسال موضوع ما، وبالتالي سيزيد من عملية التواصل بين أفراد المجتمع.

وأكد المعولي أن الصلاحيات التي تتمتع بها المجالس البلدية تساهم في تحقيق رؤية "عُمان 2040"؛ حيث جاءت الرؤية حاضنةً لنظام المحافظات ولقانون المجلس البلدي، وبالتالي فإن اختصاصات المجالس البلدية تتواكب مع الرؤية وتعزز من مكانته في المجتمع.

من جهته، قال هلال بن سالم بن صالح السعدي عضو المجلس البلدي لمحافظة جنوب الباطنة ممثل ولاية المصنعة إن من مؤشرات نجاح تجربة التوجه الحكومي لتطبيق الإدارة المحلية "اللامركزية" بالمحافظات وجود المجالس البلدية، والتي تعلق عليها الحكومة الرشيدة الكثيرمن الآمال في المرحلة القادمة في سبيل تنمية وتطوير المحافظات، وهذا ما يجعل من المجالس البلدية حلقة وصل فعالة بين المواطن والحكومة للمساهمة في تحقيق رؤية "عُمان 2040" من خلال توسيع المشاركة المجتمعية وتعدد التشريعات والنظم التي صدرت في هذا الجانب وعلى رأسها التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- حافزًا لمزيد من البذل والعطاء.


 

وأوضح السعدي أن تجربة المجالس البلدية ما زالت تجربة فتية لم تجد الوقت الكافي للنضج، وهذا ما ينقص المجالس البلدية في سبيل تحقيق كافة الأهداف المنشودة، وفي ضوء الممارسات للفترة الثالثة من عمر المجالس البلدية، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن المجالس البلدية تفتقر للمزيد من التمكين، بما يضمن لها إيجاد علاقة تنظيمة واضحة المعالم بين عضو المجلس والجهات الحكومية الخدمية بالولايات.

ويقترح عضو المجلس البلدي لمحافظة جنوب الباطنة ممثل ولاية المصنعة، وجود برتوكول تمثيلي واضح لعضو المجلس البلدي داخل المحافظة، وتأهيل أعضاء المجالس البلدية من خلال إشراكهم في عدة دورات وورش تدريبية حول الإدارة المحلية والمواضيع المرتبطة بممارسة أدورهم العملية، على نحو يضمن الكفاءة في التنفيذ.

وتابع السعدي بالقول: "مع تدشين تطبيق "تنمية" فإن عملية التواصل بين العضو ورئيس المجلس البلدي وبين المواطنين ستكون أسهل وأسرع عن ذي قبل، الأمر الذي سيُسرِّع من وتيرة تنفيذ المشاريع التنموية وسرعة التواصل بين كل الجهات الخدمية وأعضاء المجلس.. ولكن لا يمكن تقييمه والحكم عليه إلا بعد التجربة الفعلية للنظام".

فيما قال أحمد بن حمد النبهاني عضو المجلس البلدي بمحافظة الداخلية ممثل ولاية الجبل الأخضر: "يمكن للمجالس البلدية أن تعزز المشاركة المجتمعية في الإدارة المحلية من خلال حرص عضو مجلس البلدي على تعزيز التواصل والشفافية والثقة بين أفراد المجتمع ومشاركتهم في صنع القرارات والأخذ بالملاحظات والتقييمات الصادرة منهم".


 

وأضاف النبهاني أن الأدوار التنموية والمجتمعية للمجالس البلدية كثيرة، وتكمن في الأدوار التي تعمل بها اللجان الموجودة بالمجالس البلدية كاللجنة الاجتماعية واللجنة الصحية التي تهتم دائما بدراسة الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع ومحاولة إيجاد الحلول لها وأيضا ابتكار أفكار ذات رافد تكاملي لهذا المجتمع بمواكبة فكرية مستدامة لرؤية "عُمان 2040".

وذكر النبهاني أن ما ينقص المجالس البلدية هو عنصر "التمكين" خصوصًا في بعض الإدارات الضرورية، كما ينقص أعضاء المجلس البلدية الصفة الاعتبارية التي تمكنهم من التواصل مع بقية المؤسسات الخدمية الحكومية والخاصة بصورة فاعلة لرقي وطننا الغالي.

وأشارعضو المجلس البلدي عن ولاية الجبل الأخضر إلى أن تدشين تطبيق "تنمية" سيضيف تغييرًا ملحوظًا في تفعيل عناصر مثل الرقابة والشفافية، وبالتالي يمنح أفراد المجتمع متابعة أعمال المجالس البلدية عن قرب وما سوف يقوم به كل عضو من أعمال في كل ولاية، وهذا ما يخلق التحفيز على التنافس بين المجالس في المحافظات لتقديم ما هو مبتكر وعصري يواكب رؤية "عُمان 2040".

وأكد النبهاني أن الخطابات السامية لمولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- تحث على تمكين المجالس البلدية وتعزيزهم وتحفيزهم للابتكار وتقديم الرفاهية للمجتمع مما ينشئ للمجالس أفكارا مبتكرة في إطار السعي لرفد اقتصادي للمحافظات والعمل بصورة علمية مطورة تتميز بنسبة وتناسب في بناء المشاريع الناجحة لكل محافظة.

من جانبه، قال الدكتور عبدالرحمن بن سالم القاسمي عضو المجلس البلدي بمحافظة شمال الباطنة إن المجالس البلدية حظيت باهتمام سامٍ من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه؛ حيث يولي جلالته اهتمامًا كبيرًا بتمكين وتطوير المجالس وأداء دورها كما حدده القانون. وأضاف القاسمي: "للمجالس أدوار كفلها القانون وشرحتها اللائحة التنظيمية باعتبارها حلقة وصل بين المجتمع المحلي وبين الجهات الحكومية المختلفة. وهناك الكثير من المشاركات التي يقوم بها المجالس البلدية لخدمة المجتمع وأيضا إبداء الرأي في المشاريع ذات الصلة بالتنمية للمجتمع".


 

ويرى القاسمي أن المجالس البلدية ينقصها قليل من النضج؛ كونها تجربة جديدة تحتاج إلى فترة أطول للحصول على الخبرة الكافية لتتضح الأهداف المرجوة من هذه المجالس. وتابع أنه مع تدشين تطبيق "تنمية" أصبح التواصل أكثر سهولة وانسيابية بين كل الأطياف التي تخدم العملية التنموية في السلطنة سواءً كانت بين المواطن وعضو المجلس أو بين أعضاء المجالس والمسؤولين في المؤسسات الأخرى من قطاع خاص وقطاع حكومي، مشيرًا إلى أنَّ التطبيق يختزل الكثير من المسافات والكثير من الوقت والجهد في تسريع العملية التنموية للمجتمع.

وبيَّن القاسمي أنَّ للمجالس البلدية دورًا كبيرًا في تنفيذ رؤية "عُمان 2040"؛ باعتبارها خارطة طريق المستقبل وتطوير المجتمع، والنهوض بالخدمات التي تقدمها الحكومة لأفراد المجتمع، علاوة على دور المجالس في إثراء بنود الرؤية المستقبلية من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية، عبر قيام كل عضو في المجلس البلدي بأداء دوره المنوط به على أكمل وجه.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية اسلامية لنهضة اقتصادية شاملة (24)

24- المرأة والشباب كقوة دافعة للاقتصاد

في شوارع القاهرة كل صباح تسير سارة حاملة حقيبتها وأحلامها، تخرجت بتفوق في الهندسة لكنها تبحث عن فرصة عمل حقيقية منذ عامين. وفي مدينة أخرى يجلس أحمد أمام حاسوبه يطور تطبيقا ذكيا قد يحل مشكلة مرورية عويصة، لكنه لا يجد من يؤمن بفكرته أو يمول مشروعه.

هذا المشهد ليس استثناء بل واقع ملايين الشباب المصري ونصف المجتمع من النساء. ففي الوقت الذي تشكل فيه الفئة العمرية تحت 35 عاما أكثر من 60 في المئة من السكان، وتمثل المرأة نصف المجتمع، نجد أن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة لا يتجاوز 23 في المئة، بينما تتخطى هذه النسبة 70 في المئة في السويد. وبطالة الشباب تصل إلى أضعاف المعدل العام.

لكن المفارقة الحقيقية ليست في هذه الأرقام وحدها، بل في أن كثيرا من مجتمعاتنا تعطل هذه الطاقات باسم الدين، بينما الإسلام نفسه جاء محررا لها. فخديجة رضي الله عنها كانت سيدة أعمال تدير قوافل التجارة، والشفاء بنت عبد الله كانت مسؤولة عن السوق في عهد عمر، وأسماء بنت عمير نقلت الماء للمجاهدين يوم اليرموك. والشباب؟ كان مصعب بن عمير سفيرا وداعية وهو في مقتبل العمر، وأسامة بن زيد قائد جيش وعمره 18 عاما.

الإسلام لم يقيد المرأة عن العمل والإنتاج، بل وضع ضوابط تحفظ كرامتها وتوازنها بين مسؤولياتها، ولم يهمش الشباب بل أعطاهم مساحة القيادة والمبادرة. الضوابط الشرعية إذن ليست قيودا على الطموح، بل ضمانات للتوازن والاستدامة.

واليوم ونحن نتطلع لوضع مصر ضمن العشر الكبار اقتصاديا، نقف أمام حقيقة واضحة، لن تتحقق النهضة ونصف المجتمع معطل، ولن ينهض اقتصاد وشبابه مهمش أو مهاجر. التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب ليس رفاهية أو شعارا، بل ضرورة استراتيجية وفريضة تنموية.

فكيف نحول هذه الطاقات الكامنة إلى قوة دافعة للاقتصاد؟ وكيف نوازن بين الانطلاق نحو المستقبل والحفاظ على قيمنا وهويتنا؟

ثانيا: المرأة والشباب.. طاقات أصيلة لا منح وافدة

في كل صباح تستيقظ مصر على همسات ملايين الأحلام، أحلام شاب تخرج من كلية الصيدلة ويريد أن يفتح مشروعه الخاص لكنه لا يعرف من أين يبدأ. أحلام شابة تجيد البرمجة وتريد أن تصمم تطبيقا يحل مشكلة حقيقية، لكن لا أحد يصغي لفكرتها. أحلام أم شابة تريد أن توازن بين مسؤوليتها تجاه أطفالها وطموحها المهني، لكن المجتمع يخيرها بين الاثنين.

هذه الأحلام ليست ترفا أو رفاهية، إنها نبض أمة تحاول أن تجد طريقها نحو المستقبل. وعندما نتأمل خريطة مصر الديموغرافية ندرك أننا نقف أمام لحظة تاريخية نادرة مجتمع يموج بالشباب، وأمة نصفها نساء في سن العطاء والإنتاج. لكن السؤال الذي يؤرق كل مخلص لهذا الوطن: هل نحن نفتح الطريق أمام هذه الطاقات أم نتركها تتبدد بين الإحباط والهجرة والبطالة؟

لنكن صريحين، حديثنا هنا ليس عن "تمكين" كمنحة أو هبة من أحد، فهذا المصطلح وافد يحمل في طياته إحساسا بأن هناك من يملك ومن لا يملك، من يمنح ومن يُمنح، بينما الحقيقة الشرعية واضحة وضوح الشمس، المرأة في الإسلام لها ذمتها المالية المستقلة الكاملة، تتاجر وتتملك وتستثمر دون أن يكون لأحد عليها سلطان في مالها. وكذلك الشباب لهم حقوقهم الكاملة في العمل والإنتاج والمشاركة في بناء المجتمع.

ما نتحدث عنه إذن ليس "تمكينا" بالمعنى الوافد، بل هو إزالة العوائق التي وضعناها نحن، وفتح الطرق التي أغلقناها بأيدينا، وتصحيح المفاهيم التي شوهناها باسم الدين والدين منها براء.

لكن الأمر يتجاوز مجرد إزالة العوائق وإعادة الحقوق، فالمرأة والشباب لا يضيفون فقط أعدادا إلى القوى العاملة، بل يجلبون معهم قيمة نوعية تحول وجه الاقتصاد.

المرأة بطبيعتها وتكوينها تضيف للاقتصاد ما لا يستطيع الرجل وحده إضافته، فهي تنظر للأمور من زوايا مختلفة، تلتقط تفاصيل قد يغفل عنها الآخرون، تفكر في حلول أكثر شمولية لأنها معتادة على التعامل مع مسؤوليات متعددة في آن واحد. الدراسات العالمية تثبت أن الشركات التي تضم نساء في قياداتها تكون أكثر استقرارا وأفضل أداء، ليس لأن المرأة أفضل من الرجل، بل لأن التنوع في الرؤى والتكامل في المهارات يخلق بيئة عمل أكثر ثراء وإبداعا.

والأهم من ذلك أن المرأة العاملة لا تكتفي بإنفاق دخلها على نفسها، بل تستثمر جزءا كبيرا منه في تعليم أبنائها وتحسين مستوى أسرتها، مما يخلق دورة اقتصادية إيجابية تمتد أثرها لأجيال. فكل امرأة تعمل وتنتج هي استثمار في مستقبل عائلة بأكملها وفي نسيج المجتمع كله.

أما الشباب فهم يحملون ما لا يحمله من سبقهم؛ جرأة التجريب دون خوف من الفشل، وسرعة في استيعاب التكنولوجيا الجديدة وتطويعها، وقدرة على التكيف مع التغيرات المتسارعة، وطاقة لا تنضب للعمل والإنتاج. هم من يحولون الأفكار الجريئة إلى واقع، ومن يبتكرون حلولا لم تخطر على بال الأجيال السابقة.

الشباب أيضا هم الأكثر انفتاحا على المخاطرة المحسوبة، وهذا ما تحتاجه أي نهضة اقتصادية. فمعظم الشركات الكبرى اليوم بدأت بشباب لم يتجاوزوا الثلاثين، حملوا أفكارا بدت مجنونة للبعض لكنها غيرت وجه العالم؛ من غوغل إلى فيسبوك إلى تطبيقات لا حصر لها كلها بدأت بشباب تجرأوا على الحلم والتنفيذ.

والأهم من كل ذلك أن الشباب والمرأة معا يشكلون أكثر من ثمانين مليون مصري ومصرية. تخيل لو أن ربع هؤلاء فقط وجدوا الطريق مفتوحا أمامهم، ماذا سيحدث للاقتصاد؟ عشرون مليون منتج ومبدع ومستثمر يخلقون فرص عمل ويطورون منتجات ويحلّون مشكلات ويضيفون قيمة حقيقية للاقتصاد الوطني.

التاريخ يعلمنا أن الأمم لا تنهض بمواردها الطبيعية وحدها، بل بإرادة أبنائها وعزيمة بناتها. فكم من أمة فقيرة بمواردها غنية بشبابها سبقت أمما تجلس على كنوز الأرض، وكم من مجتمع أدرك أن تعطيل نصفه عن العمل والإنتاج ليس إلا انتحارا اقتصاديا بطيئا ففتح الطريق أمام المرأة دون أن يفقد هويته أو يتخلى عن قيمه.

النهضات الاقتصادية الكبرى في التاريخ لم تحدث بقرارات حكومية فقط، بل بإطلاق طاقات المجتمع كله، وأي طموح لوضع مصر ضمن الاقتصادات العشر الكبرى في العالم يظل مجرد حلم بعيد ما لم نفتح الأبواب المغلقة أمام ثمانين مليون مصري ومصرية في سن العطاء، ونعيد لهم حقوقهم الأصيلة التي كفلها لهم الدين قبل أن نسلبها منهم باسم العادات والتقاليد.

المسألة إذن ليست منحة نمنحها أو تمكينا نتفضل به، بل هي إزالة للعوائق وتصحيح للمسار وعودة إلى الأصل الذي انحرفنا عنه، عودة إلى مجتمع يحترم حق المرأة في الذمة المالية المستقلة كما أقره الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، وإلى مجتمع يفتح أمام الشباب آفاق الإبداع والمبادرة دون قيود مصطنعة، عودة إلى اقتصاد يستفيد من كل طاقاته، ويوظف كل إمكاناته، ويحول التنوع إلى قوة لا إلى عائق.

من صفحات التاريخ الإسلامي: نساء وشباب صنعوا حضارة

عندما نقلّب صفحات التاريخ الإسلامي الأول لا نجد قصصا عن نساء محجوزات في البيوت أو شباب مهمشين ينتظرون دورهم، بل نجد مشهدا مختلفا تماما، مشهدا يليق بأمة أرادت أن تبني حضارة.

خديجة بنت خويلد لم تكن مجرد زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كانت سيدة أعمال من طراز رفيع، تدير قوافل التجارة بين مكة والشام، توظف الرجال، تتخذ القرارات الاستثمارية، وتخاطر وتربح وتخسر. ولم يعترض أحد على ذلك، بل كان المجتمع يحترم نجاحها التجاري كما يحترم مكانتها الاجتماعية.

والشفاء بنت عبد الله تلك المرأة التي لم يكتف عمر بن الخطاب بالاستماع لرأيها، بل ولّاها مسؤولية الإشراف على السوق في المدينة. نعم السوق بكل ما فيه من تجار وحرفيين وصفقات، فهل كان عمر "يمكّنها" بالمعنى الوافد؟ كلا، بل كان يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة.

وأسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين التي لم تكتف بدورها الأُسري، بل كانت تعمل في نقل الطعام والأخبار تتحمل المسؤولية والمخاطرة في وقت كانت فيه قريش تبحث عن النبي وصاحبه لتقتلهما.

أما الشباب فحدّث ولا حرج. فمصعب بن عمير، شاب في مقتبل العمر يُرسل سفيرا ومعلما إلى المدينة قبل الهجرة، يحمل مسؤولية تأسيس مجتمع جديد، ينشر الدين ويعلّم الناس ويمهد الطريق لقيام دولة. لم ينتظر أن يشيب شعره ليُعطى المسؤولية.

وأسامة بن زيد يولّيه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش فيه كبار الصحابة وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، والبعض اعترض كيف لشاب أن يقود شيوخا؟ لكن النبي ﷺ أصر لأن الكفاءة لا تُقاس بالعمر.

هذا لم يكن استثناء بل كان القاعدة؛ مجتمع ينظر للطاقة والكفاءة والإخلاص لا للعمر أو الجنس، ولذلك بنى حضارة امتدت من الصين إلى الأندلس في أقل من قرن.

ننتقل قرونا إلى الأمام إلى بلد إسلامي عاش نفس التحديات التي نعيشها اليوم. ماليزيا في ثمانينيات القرن الماضي كانت بلدا ناميا يعاني من الفقر والتخلف؛ مجتمع محافظ يحمل نفس الموروثات الثقافية التي تحد من دور المرأة والشباب.

لكن القيادة الماليزية أدركت حقيقة بسيطة، أنه لا يمكن بناء نهضة ونصف المجتمع معطل، فبدأت بتصحيح المفاهيم لا بتغيير الدين. وضّحت للناس أن الإسلام لا يمنع المرأة من العمل والإنتاج، بل يكفل لها الاستقلالية المالية الكاملة، وأن الشباب ليسوا مجرد متلقين للتعليم بل هم شركاء في بناء المستقبل.

فتحت الجامعات أبوابها للجميع دون تمييز، طورت برامج تدريب مهني تستهدف المرأة في المناطق الريفية، أنشأت حاضنات أعمال لدعم الشباب الطامحين لريادة الأعمال، وسهّلت الحصول على التمويل للمشاريع الصغيرة.

والنتيجة؟ في غضون ثلاثة عقود، تحولت ماليزيا من بلد زراعي فقير إلى قوة صناعية وتقنية. ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل وأصبح الشباب الماليزي من أكثر شباب المنطقة تعليما وابتكارا، وكل ذلك دون أن تفقد ماليزيا هويتها الإسلامية أو قيمها المحافظة.

السر لم يكن في استيراد نماذج غربية، بل في إزالة العوائق المصطنعة، والعودة إلى جوهر الإسلام الذي يحرر الطاقات ولا يكبتها.

السويد والنرويج لم تكونا دائما غنيتين أو متقدمتين. في بداية القرن العشرين كانتا من أفقر دول أوروبا، والهجرة منهما إلى أمريكا كانت بالآلاف، لكنهما استثمرتا في الإنسان تعليم مجاني للجميع رعاية صحية شاملة، دعم حقيقي للأمهات العاملات من خلال حضانات مدعومة وإجازات أمومة مدفوعة، تشجيع الشباب على ريادة الأعمال.

النتيجة؟ أصبحتا من أغنى وأسعد دول العالم، ليس لأنهما تملكان بترولا أو ذهبا أكثر من غيرهما، بل لأنهما استثمرتا في العقول والسواعد.

سنغافورة في ستينيات القرن الماضي كانت جزيرة صغيرة فقيرة لا تملك أي موارد طبيعية. وكوريا الجنوبية كانت خارجة من حرب مدمرة، أفقر من كثير من الدول الأفريقية. لكن القيادة في البلدين راهنت على شيء واحد هو الإنسان.

استثمرتا في التعليم بشكل غير مسبوق حتى أصبح التعليم هاجسا وطنيا، ركزتا على تطوير المهارات التقنية والعلمية، فتحتا الباب أمام الشباب للمبادرة والتجريب والمخاطرة المحسوبة، أنشأتا بيئة تشجع الابتكار وتحتفي بالنجاح وتتقبل الفشل كجزء من التعلم.

وخلال عقود قليلة تحولتا إلى نمور اقتصادية؛ سنغافورة أصبحت مركزا ماليا عالميا، وكوريا أصبحت قوة صناعية وتقنية ينافس منتجاتها أعرق الشركات الأوروبية والأمريكية.

السر؟ لم يكن في الموارد الطبيعية التي لا يملكونها، بل في استثمارهم بأثمن مورد الشباب المتعلم المدرب الطموح.

الدرس المستفاد: ليس نسخا بل فهما

نحن لسنا بحاجة لاستنساخ تجربة ماليزيا أو السويد أو سنغافورة، لكل مجتمع خصوصيته وسياقه، لكننا بحاجة لفهم المبدأ العام، أي أمة تريد أن تنهض لا بد أن تستثمر في كل طاقاتها البشرية دون إقصاء أو تهميش.

ومصر بثروتها البشرية الهائلة وموقعها الاستراتيجي وتاريخها العريق قادرة على صنع معجزاتها الخاصة، لكن ذلك يتطلب شجاعة في مواجهة الموروثات الخاطئة، وحكمة في الموازنة بين الأصالة والمعاصرة، وإصرارا على فتح الطريق أمام كل من يريد أن يبني ويساهم في النهضة.

وفي المقال التالي بعون الله نحدد الاستراتيجيات والتحديات والحلول.

مقالات مشابهة

  • مفوضية الانتخابات: انطلاق انتخابات المجالس البلدية بمشاركة 120 ألف ناخب وناخبة
  • المفوضية تفتح مراكز الاقتراع لـ«انتخابات المجالس البلدية»
  • غدا.. انطلاق انتخابات المجالس البلدية في 9 بلديات تتصدرها بنغازي وسبها
  • مستثمر بالداخلة يحوّل موقف سيارات إلى مسكن خاص ومطالب بالتحقيق
  • مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية اسلامية لنهضة اقتصادية شاملة (24)
  • نائب محافظ بني سويف يناقش خطط وآليات عمل المؤسسات الأهلية خلال المرحلة القادمة
  • وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية تؤكد تنفيذ مهامها وفق رؤية الحكومة
  • تفاصيل إصابة أفشة بعد عودته من قطر مع منتخب مصر
  • حملة لإعلام شمال سيناء حول التطوع والمشاركة المجتمعية
  • خاص .. قرار جديد فى الأهلي من توروب عن مدافع الفريق