أخيراً تدخلت الحكومة لوقف فوضى الأسواق
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
عندما قلت إن العام الجديد سيحمل مفاجآت مهمة لجموع المصريين، كنت متأكداً أن الحكومة لن تتكاسل فى أمرين مهمين، الأول هو إصلاح منظومة التعليم الفاشلة، والثانى هو تخفيف الأحمال عن كاهل المواطنين بسبب الارتفاع الجنونى فى الأسعار الذى أثقل كاهلهم خلال العام الذين يتبقى منه ساعات قليلة وينتهى، وفيما يتعلق بقضية التعليم الفاشلة سيكون لها حديث مستقل إن شاء الله.
لابد من الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن هناك شائعات كثيرة مغرضة يتناقلها أعداء مصر من الذين لا يريدون خيراً للبلاد، مفادها بأن المصريين سيواجهون الأمرين فى العام الجديد، والحقيقة الدامغة أن هذا افتراء وكذب، وسيكون العام بمثابة انفراجة حقيقية على الجميع، والدولة المصرية تعلم علم اليقين أن المواطن صبر كثيراً على ارتفاع الأسعار، والتى يرجع سببها الرئيسى إلى عدة عوامل، ويأتى على رأسها أن الإصلاح الاقتصادى له تبعات سلبية، لكن لم يكن معمول حساب وقوع الحرب الروسية - الأوكرانية ولا وباء كورونا اللعين، إضافة إلى التبعات الأخرى السلبية الخاصة ببرنامج الإصلاح. وكانت النتيجة هى هذا الارتفاع الجنونى فى الأسعار، والإصلاح الاقتصادى هو بداية مهمة جداً وخطوة صعبة جداً لم تكن الدولة المصرية تقدر على الدخول فى غمارها طيلة عقود طويلة، ولو كانت فعلت لاختلفت الصورة تماماً، والإصلاح الذى بدأته مصر لا يمكن أبداً بأى حال من الأحوال التراجع عنه لأن ثماره ستعود بالخير على مصر من كل النواحى.
يبقى إذن ماذا ستفعل الحكومة أمام ارتفاع الأسعار الناتج عن التضخم العالمى، ومن بينه مصر، هناك أمران مهمان فى هذا الصدد، الأول هو وقف الفوضى العارمة فى الأسواق، والثانى هو التصدى بكل قوة إلى جشع التجار الذين يستغلون الأزمات من أجل زيادة أرباحهم بشكل مبالغ فيه. ولذلك لم يكن غريباً أبداً أن الحكومة تقرر وضع تسعيرة لكافة السلع، وعلى التجار الالتزام بها، وهذا لا علاقة له أبداً بالسوق الحر، لأنه من حق الحكومة أن يكون لها اليد الطولى لوقف الفوضى السعرية التى طالت جميع المواطنين. كما حددت الحكومة سبع سلع رئيسية استراتيجية وتليها فى المستقبل سلع أخرى، لا يمكن المساس بها، وفى حالة تلاعب التجار بشأنها سيواجهون بكل قوة ردع وحمايتها من الاحتكار. وستتم المتابعة بشكل دورى، وسيتم عرض الموقف بشأنها أسبوعياً على مجلس الوزراء، وتهدف هذه الخطوة إلى وصول السلع إلى المواطنين بالسعر المناسب. وكذلك تم التشديد على رقابة الأسواق بشكل مستمر حتى يتم القضاء على الفوضى ومحاسبة مرتكبيها وفقاً للقانون.
هذه الخطوة مهمة جداً وقد تكون جاءت متأخرة، إلا أنها باتت ضرورة مهمة جداً لوقف فوضى الأسواق والتصدى لجشع التجار، وهذا ما نادينا به كثيراً خلال الفترة الماضية. وأعتقد أن العام الجديد سيشهد طرح المزيد من السلع الضرورية التى يحتاجها المواطنون من جانب وزارات الدفاع والداخلية والتموين، والمجمعات الاستهلاكية الأخرى، للتخفيف عن المواطنين خاصة فى حالة عرضها بأسعار ليس مبالغاً فيها كما يفعل التجار الجشعون. إن رقابة الدولة باتت مهمة للغاية من أجل رحمة المواطنين من هذا الغلاء الفاحش، وأعتقد أن الخطوات التى تقوم بها حالياً الحكومة تحتاج إلى المزيد والمزيد، وهو ما سيتم التركيز عليه فى العام الجديد.
«وللحديث بقية»
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدكتور وجدى زين الدين تدخلت الحكومة فوضى الأسواق العام الجديد والحقيقة العام الجدید
إقرأ أيضاً:
أخيرا حانت لحظة الحساب لنتنياهو ومن عاونوه
فجأة، شيء ما يتغير. فقد شهد الأسبوع الماضي مداخلة مذهلة من عضو البرلمان الإنجليزي عن حزب المحافظين كيت مالثاوس. إذ قال في سؤال موجه إلى هاميش فالكونر وزير شؤون الشرق الأوسط في حكومة حزب العمال «إنه من الصعب على نحو متزايد أن نواكب مجازر غزة»، مضيفا أن «الجرائم ترتكب بصفة يومية». وبما أن بريطانيا موقعة على اتفاقيات عديدة تفرض «التزاما إيجابيا بالعمل على الحيلولة دون وقوع إبادة جماعية» وغيرها من الجرائم، فقد سأل مالثاوس عن النصيحة التي تلقتها الحكومة بشأن مسؤولية رئيس الوزراء ووزير الخارجية وفالكونر نفسه ووزراء سابقين «عندما يحين وقت الحساب».
من الواضح أن فكرة «الحساب» تخطر في عقول كثير من السياسيين في الغرب. ولعلها تحرمهم النوم بالليل. وفي هذا الأسبوع انضمت بريطانيا إلى فرنسا وكندا في إدانة معاناة غزة ووصفها بأنها «لا تطاق»، منذرة برد «ملموس» غير محدد في حال استمرار هجوم إسرائيل الراهن على غزة. وفي حديث أمام مجلس العموم، أعلن وزير الخارجية ديفيد لامي أن المملكة المتحدة تعلق المحادثات التجارية مع إسرائيل، واستدعت سفيرها لدى المملكة المتحدة، وفرضت عقوبات على قليل من المستوطنين المتطرفين. وقال إن «العالم هو الحكم. والتاريخ سوف يحاكمهم» قاصدا حكومة بنيامين نتنياهو.
ولامي محق. لكن المشكلة بالنسبة له هي أن هذا «الحكم» سوف يمتد ليشمل آخرين كثيرين عدا الجناة المباشرين. فسوف يشمل أيضا من ساعدوا إسرائيل ومكنوها.
ربما يكون وزير الخارجية قد أعلن عن إجراءاته في صخب وجرأة، لكنها لم تكن أكثر من هراء شكلي. فحتى ديفيد كاميرون حاول أن يتجاوز ذلك قبل عام حينما كان وزيرا للخارجية، قبل أن يتخلى عن خطط لفرض عقوبات مباشرة على وزيرين إسرائيليين بارزين هما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير. وبإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال للقيادة الإسرائيلية قبل ستة أشهر، فإن الذعر يشمل الحكومة على نحو لا يخفى على أحد. ومع ذلك لا تفعل الحكومة ما في وسعها لإيقاف إسرائيل. ففي الأسبوع الماضي فقط، دافعت المملكة المتحدة في المحكمة عن استمرار بريطانيا في تصدير قطع غيار مقاتلات F-35 التي ينتهي بها المطاف في إسرائيل.
والأمر الآن يتجاوز محض التقاعس عن العمل. فهو يتعلق بما أفضى بنا إلى هذه اللحظة. فلعلكم ترون أن كير ستارمر وافق ذات يوم على أنه لا بأس بأن تفرض إسرائيل حصارا على غزة بقطع الكهرباء والمياه. (إذ قال «أعتقد أن لإسرائيل الحق في عمل ذلك. إنه وضع مستمر. مضيفا أنه «من الواضح أن كل شيء يجب أن يتم في حدود القانون الدولي»).
ثم زعم لاحقا أنه لم يقل شيئا من ذلك، برغم أنه قاله. ثم إنه شهد خروجا جماعيا لنواب مستائين أغلبهم مسلمون ـ وقال أحد المستشارين آنذاك إن تلك محاولة من حزب العمال لـ«التخلص من البراغيث» ـ واتخذ إجراءات تأديبية صد النواب المؤيدين للفلسطينيين. وعلقت حكومته محض 8% من صفقات الأسلحة لإسرائيل إثر ضغط قانوني هائل وأجازت من المعدات العسكرية في الأشهر الثلاثة التالية لذلك أكثر مما أجاز المحافظون في السنوات الثلاث الممتدة بين عامي 2020 و2023. فلا شيء مما قد تفعله الحكومة الآن بقادر على إخراج هذه الحقائق من الحساب القادم.
وكانت للنائب المحافظ إدوارد لاي مداخلة هو الآخر في الأسبوع الماضي إذ أعلن أنه عضو في جمعية أصدقاء إسرائيل المحافظين «لأكثر من أربعين عاما، أي لوقت أطول من أي شخص هنا». وكان سؤاله مباشرا «متى لا تكون الإبادة الجماعية إبادة جماعية». وانضم إليه المحافظ مارك بريتشارد فقال إنه ساند إسرائيل لعشرين عاما «مهما كان الثمن، وبغاية الصراحة». وفي سحبه لهذا الدعم، ألمح هو الآخر إلى الحساب القادم: «إنني قلق جدا من أن هذه لحظة في التاريخ ينظر الناس فيها إلى ما مضى، فيجدوا أن بلدنا قد أخطأ».
يجب أن يكون حجم هذا الحساب مكافئا لحجم الجريمة. فبعد شهر من بدء الهجوم الإسرائيلي - الذي تعرض فيه للقتل ما لا يقل عن 5139 مدنيا، وفقا لأرقام أساسية متحفظة صادرة عن منظمة «آير وورز» غير الحكومية - نشرت مجلة إيكونوميست افتتاحية بعنوان «لماذا يجب أن تواصل إسرائيل القتال». ولكن لدينا عرض أحدث، صدر بعد فترة طويلة من محو غزة، بعنوان «يجب أن تنتهي الحرب في غزة». أو انظروا إلى صحيفة التايمز المملوكة لروبرت مردوخ. فبرغم أنها في العادة تكون مؤيدة مضمونة لإسرائيل، فهي تنشر الآن مقالات رأي تتساءل لماذا «نغمض أعيننا عن أهوال غزة».
ذلك أن هناك حقيقة واضحة للعيان: ستبقى هذه الجريمة في الذاكرة بوصفها إحدى أفدح جرائم التاريخ. ففي هذه اللحظة، تحذر الأمم المتحدة من أن أربعة عشر ألف طفل رضيع قد يموتون خلال الساعات الثماني والأربعين القادمة دون مساعدة. وزعيم المعارضة الإسرائيلي والجنرال السابق يائير جولان (الذي صرح في وقت سابق من العام الحالي بقوله: «إننا نود جميعا أن نستيقظ في صباح يوم ربيعي لنجد أن الملايين السبعة الفلسطينيين الذين يعيشون بين البحر والنهر قد اختفوا») وهو يعلن الآن أن بلده «تقتل الأطفال على سبيل الهواية».
ومع ذلك، تتحرك إسرائيل منعمة بحصانة. وبعد فرضه حصارا شاملا منذ بداية مارس، أعلن نتنياهو أمس أنه سوف يسمح بدخول «مساعدات إنسانية محدودة». لماذا؟ ليس لتخفيف معاناة الفلسطينيين، بل لأن السياسيين المتحمسين المؤيدين لإسرائيل أنفسهم «حذروا من أنهم لن يتمكنوا من دعمنا في حال ظهور صور المجاعة الجماعية». هي وخزة إبرة، بمعنى آخر، لأغراض تجميلية. في الوقت نفسه، يعلن سموتريتش قائلا: «إننا نفكك غزة، ونتركها كومة من الأنقاض، مع تدمير شامل [غير] مسبوق عالميا. والعالم لا يوقفنا». ويتباهى تسفي سوكوت، عضو البرلمان عن حزب سموتريتش، قائلا: «لقد اعتاد الجميع على فكرة أنه يمكنكم قتل مائة غزاوي في ليلة واحدة...ولا أحد في العالم يكترث».
كنت قد كتبت مقالا في الرابع والعشرين من أكتوبر 2023 في هذه الصفحات بعنوان: «إسرائيل واضحة بشأن نواياها في غزة- وليس بوسع قادة العالم أن يتظاهروا بالجهل بما هو آت». لماذا؟ لأن قادة إسرائيل ومسؤوليها أوضحوا تمام الإيضاح ما سوف يفعلونه منذ اليوم الأول. وكتبت آنذاك أنه «مع اتضاح كارثة هجوم إسرائيل على غزة، سيصاب الذين هللوا لها بالذعر من الضرر الذي لحق بسمعتهم، ويتذرعون بجهلهم السابق...فلا تدعوهم يفلتون بفعلتهم هذه المرة». وبينما يستعد أهل غزة الآن للأسوأ، لم أشعر قط بمثل هذه المرارة إذ أجد أنني كنت منذ البداية على حق. لكن الأمر لم يتطلب بصيرة خاصة أو قدرة على التنبؤ، فهذه كارثة مكشوفة منذ البداية.
أوين جونز من كتاب الرأي في صحية ذي جارديان