مقدمة الترجمة:

زار الملياردير الأميركي إيلون ماسك دولة الاحتلال الإسرائيلي يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مُعلنا التضامن مع نتنياهو ضد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على مستوطنات غلاف غزة. وقد أثارت الزيارة حفيظة الكثيرين، لا سيَّما وقد كان ماسك واقعا تحت الهجوم في الولايات المتحدة بسبب تعليقات عُدَّت مُعادية للسامية، في خضم انحياز ماسك لليمين الجمهوري الأميركي، الذي يُؤجج بعض نظريات معاداة السامية للترويج للسياسات العنصرية تجاه المهاجرين، رغم دعمه لإسرائيل في الوقت نفسه.

في هذا المقال المنشور بموقع "أتلانتيك"، يقول "آدم سِرْوير"، الكاتب المتخصص في ملفات الدين والسياسة والعِرق، إن العلاقة المتينة بين نتنياهو وماسك تعكِس اتجاها أوسع، وهو التحالف بين الصهاينة المتطرفين في إسرائيل واليمين الجديد في الغرب بسبب تشاركهم في الرؤية السلطوية والعِرقية، دون الاكتراث بمعاداة السامية الشائعة عند اليمين المتطرف في الغرب، فلا يُهِم إن كنت مُعاديا للسامية ما دُمت داعِما للصهيونية المتطرفة.

 

نص الترجمة:

تلقى إيلون ماسك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ترحيبا دافئا في إسرائيل من رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (حيث زار إحدى المستوطنات التي هاجمتها حركة حماس في جنوب دولة الاحتلال، وأيَّد موقف نتنياهو بوجوب تدمير الحركة في قطاع غزة)*. وقد أتت الزيارة بعد أقل من شهر من تبني الملياردير الأميركي لنظرية المؤامرة المُعادية للسامية، التي مهَّدت الطريق لمجزرة اليهود الأشد دموية في التاريخ الأميركي (التي وقعت في مدينة بيتسبورغ بولاية بنسلفانيا عام 2018 بعد تحريض من شخصيات يمينية على اليهود في الولايات المتحدة)*.

منذ استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر، التي غيَّر اسمها إلى منصة "إكس"، يقول معارضوه إن المحتوى الذي يحض على الكراهية ازدهر على الموقع، مُثيرا ردود الفعل الإيجابية والسلبية معا. غير أن ماسك روَّج مباشرة أيضا لادعاءات خطيرة على المنصة، فقد ناصر فكرة أن اليهود كانوا يدعمون هجرة غير البيض (إلى الولايات المتحدة)* عن عَمد، مدفوعين "بالكراهية ضد البيض"، وعَدَّ تلك النظرية حقيقة فعلية. ومضمون المنشور الذي كتبه ماسك حينها هو أن عدم تقييد الهجرة إلى البلدان الغربية على أساس العِرق والدين ينطوي على عنصرية ضد البيض أنفسهم، الذين لديهم الحق حصرا في الهيمنة السياسية والديمغرافية والثقافية في بلدانهم.

وكما لاحظ الكاتب الأميركي "يائير روزنبرغ"، "ليست هذه بالمرة الأولى التي يردد فيها ماسك نظريات المؤامرة المُعادية للسامية من فقاعته على وسائل التواصل الاجتماعي". والحال أننا لا نحتاج إلى نظرية مؤامرة لشرح سبب فرار الناس من الفقر والاضطهاد، والاتجاه نحو بلدان أخرى فيها فرص اقتصادية أكبر أو حريات سياسية، وهو ما يُمثِّل جزءا كبيرا من سردية الولايات المتحدة وقصتها. لكن ماسك ربما يجد في نظريات المؤامرة المُعادية للسامية وسيلة ناجعة لإعادة توجيه السخط حيال التغيُّرات الاجتماعية أو الصعوبات الاقتصادية بعيدا عن أصحاب الثراء الفاحش، أو مَن هُم على شاكلته، ممن يستفيدون من المعدلات المنخفضة للضرائب ومن شبكة الأمان الاجتماعي الرثة أكثر من غيرها (في الولايات المتحدة)*.

وقد اعتذر ماسك في فعالية من فعاليات صحيفة "نيويورك تايمز" قبل شهر عن منشوره، الذي تسبب في خسارة المنصة لعدد من المُعلِنين، قائلا: "أنا آسف عن هذا المنشور. لقد كان حماقة مني. فمن بين 30000 منشور نشرته، قد يكون هذا أسوأها وأغباها حرفيا. وقد بذلت جهدي لتوضيح ذلك بسِتة سُبُل مختلفة. ولكن كما تعلمون جميعا، فمن الواضح أنني أبعد ما أكون عن معادة السامية، بل أنا محب للسامية في واقع الحال". وأيًّا كانت دوافع إيلون ماسك، فقد أدت هذه الحادثة إلى تدهور الوضع المالي لمنصة "إكس"، إذ انخفضت قيمة الموقع فعليا منذ أن حوَّله ماسك إلى منصة لتقوية اليمين المتطرف.

 

قومية يهودية لا تبالي باليهود زيارة إيلون ماسك إلى إسرائيل (Getty)

لعل من الغريب أن يستضيف رئيس وزراء الدولة اليهودية إيلون ماسك بعد بضعة أسابيع فقط من تلك الواقعة، وهو أمر ساعد في غسل سُمعة ماسك. في الواقع، يُعَدُّ هذا جزءا من اتجاه أوسع، حيث يعرض السياسيون الإسرائيليون والمؤيدون لإسرائيل أن يصرفوا اتهامات معاداة السامية عن شخصيات من اليمين المتطرف مقابل دعمهم لإسرائيل. وكما تحاجج "إميلي تامكين" في مجلة "سلَيت"، فإنَّ نتنياهو تودَّد بنفسه منذ أمد طويل إلى زعماء اليمين المتطرف في أوروبا الذين وظفوا معاداة السامية أداةً سياسية فعَّالة.

من غير المرجح أن يعارض مثل هؤلاء القادة المُعادين لليبرالية التطرف الإسرائيلي العنيف، وكذلك فإنه ليس من المرجح أن تعارض أوروبا، التي يقودها الشعبويون اليمينيون السلطويّون، حصار إسرائيل للفلسطينيين داخل احتلال يحرمهم من حق الاقتراع أو تقرير مصيرهم القومي. والحال أن هذا هو المنطق نفسه الذي يمكن من خلاله أن نفسر تودُّد نتنياهو للإنجيليين الأميركيين على حساب الحصول على دعم اليهود الليبراليين الأميركيين لإسرائيل، إذ إن احتمال أن يُعبِّر الصهاينة من المسيحيين اليمينيين عن آلام الضمير بشأن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية أقل بكثير من نظرائهم الليبراليين.

من المهم بالنسبة لغير اليهود أن يَعوا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس بابا اليهود (كما ادَّعى المذيع "ديفيد جريجوري" حين قال إن نتنياهو قائد لجميع اليهود عام 2012)*، فهو ليس بقائد ديني يبحث عنه عامة اليهود لطلب الهداية والرشد، بل هو مجرد رجل سياسي مدني، وفي حالة نتنياهو تحديدا هو سياسي يدين بالفضل لقاعدة انتخابية يمينية في دولة تُعرِّف نفسها بمصطلحات عِرقية لا لَبس فيها. ولذا، ليس بمقدور نتنياهو أن يمنح العفو عن تُهمة معادة السامية لشخص يدَّعي أن ثمة مؤامرة يهودية عالمية تسعى إلى تدمير البيض عن طريق السماح المُتعمَّد لغير البيض بأن يكونوا جيرانا للبيض.

إذا كانت تصرفات نتنياهو تجعل من معاداة السامية ضد يهود الشتات أكثر قبولا، فهي ليست مشكلته بكل بساطة، إذ إن أغلبية اليهود حول العالم يدعمون إسرائيل بوصفها دولة يهودية ومأوى لليهود الهاربين من جحيم الاضطهاد. بيد أن نتنياهو أكثر اهتماما وانشغالا بتوطيد رؤيته الخاصة بشأن مستقبل إسرائيل، حيث يرى أن المصلحة القومية الإسرائيلية هي تلك التي تَحُول دون قيام دولة فلسطينية من الأساس. وهكذا، فإن هذا الشكل المُحدَّد لمعاداة السامية الذي أقرَّه ماسك يشترك مع القيم السياسية لنتنياهو فيما ينطوي عليه من نزعة قومية إثنية يمينية.

ليس على سبيل المبالغة أيضا قولنا إن نتنياهو، مثله مثل ماسك، ينظر إلى أولئك الذين يدافعون في مجتمعه عن الحقوق المتساوية للجميع بوصفهم عملاء لمؤامرة كونية. (فقد مرَّر الكنيست قانونا في يونيو/حزيران الماضي لتقييد منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية وقدرتها على تلقي التمويل الأجنبي، وذلك لأن الكثير منها عمل من أجل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحل الدولتين، وهو ما تعارضه حكومة نتنياهو. بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اضطر في الأخير إلى تجميد القانون بعد ضغط أميركي)*.

 

علاقة نفعية

.@anncoulter tweets re: Jews awful, nonsensical. @anncoulter is also super pro-Israel, and has always been so, so I won't lose sleep.

— Ben Shapiro (@benshapiro) September 17, 2015

 

إن نتيجة كل ذلك هو وجود علاقة نفعية رثَّة، بحيث يعمل نتنياهو على تمكين معاداة السامية ضد يهود الشتات وهو يحشد الدعم لإسرائيل. بيد أن هذا النهج لا يقتصر على نتنياهو، فقد قال الناقد اليميني "بِن شابيرو" ذات مرة عن الناقدة اليمينية المتطرفة "آن كولتر" إنه "ليس قلقا" بشأن تصريحاتها حول اليهود، ببساطة لأنها تدعم إسرائيل. وتلك هي الصفقة المعروضة إلى حدٍّ ما: يمكنك أن تكون معاديا للسامية مثلما أردت ما دمت صهيونيا أيضا.

وأخيرا، لسنا بحاجة إلى مؤامرة لفهم السبب الذي يجعل اليهود الأميركيين، بوصفهم أقلية دينية وعِرقية، يفضلون أن تكون الدول التي يعيشون فيها ديمقراطية ليبرالية (مثلهم مثل أقليات كثيرة في الغرب)*. ولا يوجد أي غموض في تفسير معارضة اليهود في الخارج للسياسات العنصرية فيما يتعلَّق بالهجرة، لأن مثل هذه القيود ببساطة حالت يوما ما بين اليهود وبين الهجرة إلى الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى مفاقمة محرقة الهولوكوست.

من السهل، بالقدر نفسه، أن نفهم لماذا ينظر نتنياهو إلى السلطويين اليمينيين، حتى أولئك الذين يكرهون اليهود (ويهود اليسار على وجه الخصوص)، بوصفهم حلفاء أكثر موثوقية من إخوانه في الدين الملتزمين بأفكار عالمية. ولكن كل ذلك يوضح حقيقة أن مصالح الشعب اليهودي ومصالح دولة إسرائيل ليستا بالضرورة متماثلتين. في الواقع، كلما رأت الحكومة الإسرائيلية أن الصهيونية المعادية للسامية مفيدة لقضيتها، اتسعت الهوة بين المصلحتين.

———————————————————————————

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: كريم محمد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة معاداة السامیة الیمین المتطرف إیلون ماسک من الم الذی ی

إقرأ أيضاً:

واشنطن تتهم جامعتين أمريكيتين بالإخفاق في التعامل مع معاداة العرب والسامية

قالت وزارة التعليم الأمريكية، إن جامعة ميشيغان وجامعة مدينة نيويورك أخفقتا في التعامل مع الأحداث الأخيرة التي اتسمت "بمعاداة الفلسطينيين والعرب والسامية".

 وتوصلت الوزارة إلى قرارات مع الجامعتين بشأن التعامل مع شكاوى تتعلق بمثل هذه الوقائع. وقالت في بيان إن" الجامعتين وافقتا على اتخاذ بعض الخطوات مثل إعادة النظر في بعض الشكاوى السابقة، وإبلاغ الحكومة بالنتائج، وتدريب الموظفين على كيفية التعامل مع مزاعم التمييز وإجراء المزيد من الاستقصاء للقدرة على تقييم مثل هذه التجارب الخاصة بالتمييز".

 وهذه هي أولى التحقيقات التي يتم الانتهاء منها من بين عدة تحقيقات أطلقتها الوزارة منذ بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

 وذكرت وزارة التعليم أن "الجامعات لم تمتثل لمتطلبات التعامل مع البيئات التي تشهد عداء".

 وتنوعت الوقائع التي تم النظر فيها بين تهديدات تحدث عنها طالب يهودي على وسائل التواصل الاجتماعي وحديث طلاب مناصرين للفلسطينيين عن وصفهم "بالإرهابيين".

 وأكدت الجامعتان، الاتفاق على القرار وقالتا إنهما تعارضان جميع أنواع التمييز والمضايقات.

وكانت حوادث العنف والاعتداء بحق الأمريكيين من أصل فلسطيني تصاعدت على خلفية العدوان الإسرائيلي على أهالي قطاع غزة.


 وتشمل الوقائع المثيرة للقلق في الولايات المتحدة واقعة طعن في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي راح ضحيتها طفل أمريكي من أصل فلسطيني يبلغ من العمر ستة أعوام في ولاية إلينوي. وإطلاق نار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على ثلاثة طلاب من أصل فلسطيني في فيرمونت، وطعن رجل أمريكي من أصل فلسطيني بتكساس في شباط/ فبراير الماضي.

وفي 18 نيسان/ أبريل الماضي، بدأ طلاب رافضون للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اعتصاما بحرم جامعة كولومبيا في نيويورك، مطالبين إدارتها بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية.

 ومع تدخل قوات الشرطة واعتقال مئات الطلاب، توسعت حالة الغضب لتمتد المظاهرات إلى عشرات الجامعات في الولايات المتحدة، منها جامعات رائدة مثل هارفارد، وجورج واشنطن، ونيويورك، وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونورث كارولينا.

مقالات مشابهة

  • ويكيبيديا توجه ضربة لمصداقية إحدى أكبر المنظمات اليهودية بأميركا
  • صدمة في فرنسا بعد اغتصاب فتاة بدافع معاداة السامية
  • واشنطن تتهم جامعتين أمريكيتين بالإخفاق في التعامل مع معاداة العرب والسامية
  • إسرائيلي درس مع ابنة جمال عبد الناصر يكشف تفاصيل اعتقاله داخل "أبو زعبل"
  • أبرز الجماعات اليهودية المدافعة عن فلسطين
  • السلطات الفرنسية تعتقل ثلاثة فتيان بتهمة اغتصاب فتاة بدافع معاداة السامية
  • اعتقال ثلاثة فتيان في فرنسا للاشتباه باغتصابهم فتاة بدافع معاداة السامية
  • معاداة للسامية.. اعتقال ثلاثة فتيان في فرنسا بعد ضرب واغتصاب فتاة قاصر
  • أميركا تقول إن جامعتين أخفقتا في التعامل مع معاداة العرب والمسلمين والسامية
  • وفاة آخر يهود اليمن ونشطاء يهود يشيدون بتطوع جيرانه اليمنيين لدفنه (ترجمة خاصة)