جوهر المشروع الصهيوني
إن انتصار المقاومة وصمودها اليوم يمثلان أخطر كوابيس النظام العالمي وأخطر تحدياته.
كشفت مجازر غزة جوهر الكيان المحتل كمشروع عالمي تسنده أضخم جيوش الأرض وأساطيلها ومرتزقتها ودباباتها وقنابلها وأقمارها الصناعية وإعلامها الغارق في التضليل.
يظهر الدور الصهيوني في فلسطين فيما يتبادله مع الأنظمة بالمنطقة من معلومات ومعطيات لتأبيد الهيمنة الغربية على شعوب المنطقة وثرواتها ومعابرها البحرية والمائية.
لا يقتصر هذا الوعي الجديد على تحول موقف الرأي العام الدولي الكبير من الصراع الفلسطيني الصهيوني بل يشمل وعي الجمهور العربي بالصراع وجوهر المشروع الصهيوني.
سقوط المشروع الصهيوني أو تفككه في فلسطين يعني منطقيا انهيار المشاريع الإقليمية والدولية المرتبطة به بالمشرق بما تضمه من مصادر طاقة وأسواق ومواقع استراتيجية وثقافة.
* * *
خلّفت الحرب الوحشية الأخيرة على غزة دمارا واسعا وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين لكنها خلفت أيضا وعيا جديدا بطبيعة الكيان المحتل وماهيته ووظيفته.
لا يقتصر هذا الوعي على التحول الكبير الذي يعرفه الرأي العام الدولي في الموقف من الصراع الفلسطيني الصهيوني بل يشمل كذلك وعي الجمهور العربي بطبيعة الصراع وبجوهر المشروع الصهيوني.
دوليا هناك تحولات عميقة في الوعي الشعبي وحتى النخبوي فيما يتعلق بطبيعة الصراع في هذه المنطقة من العالم وهو ما صرّح به أكثر من مسؤول غربي محذرا الكيان المحتل من الانقلاب الكبير الذي يعرفه الرأي العام العالمي من طبيعة هذا الكيان.
سابقا اقتصر الوعي بالطبيعة الاستيطانية الاستعمارية لهذا الكيان على نخبة من النشطاء أو المفكرين ممن اطّلعوا فعلا وعن قرب على واقع الحياة الفلسطينية وما يعانيه أهلها من نظام الفصل العنصري هناك.
أما اليوم ومع انفجار العالم الرقمي متعدد الوسائط فقد صار متاحا للأجيال الجديدة ولشريحة كبيرة من الناس الاطلاع مباشرة على حجم الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في الأرض المحتلة.
أما عربيا فقد كشفت الحرب الأخيرة عن فظاعات لا توصف وبرهنت عن طبيعة الكيان المحتل بما هو كيان جاء لإبادة شعب ومحو تاريخه وطمس هويته ونهب أرضه وقتل أطفاله.
كشفت مجازر غزة عن جوهر الكيان المحتل بما هو مشروع عالمي تسنده أضخم جيوش الأرض بأساطيلها ومرتزقتها ودباباتها وقنابلها وأقمارها الصناعية وإعلامها الغارق في التزييف والتضليل.
الكيان المحتل ليس مشروعا صهيونيا فقط بل ليس هذا إلا رأس جبل الجليد. فهو تاريخيا وعسكريا - وبالنظر إلى طبيعة التحالفات التي تدعمه بما فيها الأنظمة العربية المتحالفة معه سرا وعلنا - إنما يمثل مشروعا متقدما وقاعدة عسكرية ضخمة للنظام العالمي الذي تأسس إثر الحرب العالمية الثانية.
المشروع الصهيوني مشروع عالمي لا يكتفي بنهب أرض فلسطين التاريخية وضم المناطق المقدسة وتهجير السكان الأصليين بل يتمثل دوره في رعاية المصالح الاستعمارية الكبرى عبر الهيمنة على منطقة المشرق العربي ومراقبتها.
إن الدور الصهيوني في فلسطين إنما يظهر فيما يتبادله مع أنظمة الوكالة في المنطقة من معلومات ومعطيات أساسية لتأبيد الهيمنة الغربية على شعوب المنطقة وثرواتها ومعابرها البحرية والمائية. إن سقوط المشروع الصهيوني أو تفككه في فلسطين إنما يعني منطقيا انهيار كل المشاريع الإقليمية والدولية المرتبطة به في المشرق بما تضمه من مصادر الطاقة والأسواق والمواقع الاستراتيجية والثقافة.
إن انتصار المقاومة وصمودها اليوم يمثلان أخطر كوابيس النظام العالمي وأخطر تحدياته.
*د. محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس
المصدر | الوطنالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين المقاومة المشروع الصهيوني الكيان المحتل النظام العالمي الهيمنة الغربية الرأي العام العالمي الکیان المحتل فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
بين الحلم والحقيقة… طريق التنمية مشروع القرن للعراق
آخر تحديث: 4 يوليوز 2025 - 11:29 مبقلم:د. مصطفى الصبيحي منذ عقود، والعراق يحلم أن يستعيد مكانته كـ «قلب المنطقة» ومركز طرق التجارة والحضارات. واليوم، يلوح في الأفق مشروع قد يحقق هذا الحلم ويحوّله إلى حقيقة: “طريق التنمية”، المشروع الذي صار حديث الإعلام والاقتصاد والسياسة، والذي قد يغيّر وجه العراق والمنطقة بأسرها إذا ما كُتب له النجاح. طريق التنمية ليس مجرد طريق معبّد بالإسفلت أو قضبان حديدية، بل هو شريان اقتصادي استراتيجي يمتد لأكثر من 1200 كيلومتر، يبدأ من ميناء الفاو الكبير في أقصى الجنوب، ويصل إلى الحدود التركية في الشمال. يُراد لهذا المشروع أن يكون ممرًا بريًا وسككيًا يربط الخليج العربي بأوروبا، عبر الأراضي العراقية، مما يمنح العراق موقعًا محوريًا في خارطة التجارة العالمية. وتُقدّر كلفة المشروع بنحو 17 مليار دولار، وهو يشمل خطوط سكك حديدية، وطرقًا سريعة، ومحطات لوجستية، ومدنًا صناعية، ومراكز شحن ضخمة. ما يجعل هذا المشروع يُلقّب بـ “مشروع القرن” هو أن العراق لا يحتاج فقط إلى شبكة نقل، بل إلى نقلة اقتصادية شاملة. العراق يملك موقعًا جغرافيًا فريدًا، لطالما جعله معبرًا تاريخيًا للقوافل بين الشرق والغرب. واليوم، في ظل صعود ممرات التجارة البديلة في المنطقة، بات على العراق أن يستثمر موقعه لا ليبقى مجرد معبر، بل أن يتحول إلى مركز حقيقي للخدمات والصناعة والنقل. المشروع يفتح آفاقًا تنموية واقتصادية واسعة، أبرزها:
• خلق آلاف فرص العمل للعاطلين في قطاعات النقل والبناء والخدمات المساندة.
• جذب استثمارات دولية، خاصة من دول الخليج، وتركيا، وأوروبا.
• رفع مستوى البنية التحتية في العديد من المحافظات العراقية.
• تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل الوطني. إلا أن المشروع لا يخلو من التحديات، منها:
• الحاجة إلى تأمين المناطق التي يمر بها الطريق، في ظل تحديات أمنية متفاوتة.
• التصدي للفساد الإداري والمالي الذي طالما عطّل مشاريع حيوية في العراق.
• منافسة مشاريع إقليمية كـ “الحزام والطريق” الصيني، و”قناة السويس” المصرية.
• متطلبات البنية التحتية المساندة مثل الطاقة، الاتصالات، والتكنولوجيا. من منظور العلاقات العامة، فإن نجاح المشروع لا يعتمد فقط على التنفيذ الهندسي، بل على الطريقة التي يُقدَّم بها للداخل والخارج. العراق بحاجة إلى خطاب إعلامي ذكي، يروّج لطريق التنمية كفرصة استثمارية دولية، ويقدّم صورة إيجابية مستقرة، ويخلق حالة من الثقة لدى الرأي العام المحلي والمستثمرين على حد سواء.كما أن الشفافية في عرض مراحل المشروع، ومشاركة المواطنين بالمعلومات الدقيقة، تُعدّ من ضرورات كسب ثقة الشعب وتحفيز الدعم الشعبي، بعيدًا عن الخطابات الإنشائية أو الوعود غير الواقعية. وبين الحلم والتحدي، يبقى الأمل قائمًا. فالعراق أثبت مرارًا وتكرارًا أنه قادر على النهوض رغم العقبات. وإذا ما توافرت الإرادة السياسية، والرؤية الاقتصادية السليمة، والإدارة النزيهة، فإن “طريق التنمية” لن يكون مجرد حلم، بل سيكون الخطوة الأولى نحو عراق جديد، متصل بالعالم، ومشارك في صنع مستقبل المنطقة.طريق التنمية ليس مشروع عبور نحو أي دولة، بل هو مشروع وطني يرسم طريق العراق نحو السيادة الاقتصادية، والاستقلالية في القرار، وتحويله إلى مركز إقليمي مزدهر يخدم شعبه ويصنع مستقبله بثقة وقوة.وبين الحلم والحقيقة، خطوة واحدة اسمها العمل والإصرار