المستقبل للطائفة المنصورة في غزة (2-2)
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
تستمر الرؤى والدراسات التي تعكس زوال دولة الاحتلال الصهيوني، فقد رسم المؤرخ الإسرائيلي الشهير بيني موريس صورة قاتمة لنهاية الكيان الصهيوني كما يراه، وافترض أفقا زمنيا لهذه النهاية المحتومة في رأيه، وذلك في حوار في شهر كانون الثاني/ يناير 2019م مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية، حيث ذكر أن "عدد العرب أكثر من اليهود بين البحر (المتوسط) والأردن، وهذه الأرض بأكملها ستصير حتما دولة واحدة ذات أغلبية عربية.
كما أنه رسم صورة للمستقبل في ضوء هذه المعطيات، وفي ضوء إيمانه العميق بأنه ليس ثمة فرصة واقعية للتوصل إلى سلام حقيقي بين كيان فلسطيني وكيان إسرائيلي، بقوله: "هذا المكان سيتردى كدولة شرق أوسطية ذات أغلبية عربية. العنف بين المكونات المختلفة داخل الدولة سيزيد. العرب سيطالبون بعودة اللاجئين، واليهود سيظلون أقلية صغيرة في خضم بحر عربي كبير من الفلسطينيين.. أقلية مضطهدة أو مذبوحة، كما كان حالهم حين كانوا يعيشون في البلدان العربية. وكل من يستطيع من اليهود سيهرب إلى أمريكا والغرب".
وعن المدة الزمنية لهذا الانهيار يقول موريس إن "الفلسطينيين ينظرون إلى كل شيء من زاوية واسعة وطويلة الأمد، ويرون أن هناك خمسة أو ستة أو سبعة ملايين يهودي هنا في هذه اللحظة، يحيطهم مئات الملايين من العرب. ليس ثمة ما يدعوهم للاستسلام لأن الدولة اليهودية لا يمكن أن تدوم. الانتصار سيكون حليفهم حتما، في غضون ثلاثين إلى خمسين سنة سينتصرون علينا".
كما أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـالتاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين.
وهذا يتفق مع ما ذكره -في العام 2008م- الدكتور عبد الوهاب المسيري، صاحب موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"، عن زوال إسرائيل في أكثر من حوار له حيث توقع نهاية قريبة لإسرائيل، ربما خلال خمسين عاما. فهو يرى أن إسرائيل "دولة وظيفية"، بمعنى أن القوى الاستعمارية اصطنعتها وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة، فهي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية. ورأن هذه الدولة ستواصل التقهقر وأن المقاومة الفلسطينية ستنهكها إلى أقصى حد حتى وإن لم تتمكن من هزيمتها، مما سيجعلها مرشحة للانهيار خلال بضعة عقود، مؤكدا أن الدورات التاريخية أصبحت الآن أكثر سرعة مما مضى، لا سيما وأن إسرائيل دولة عنصرية تعاني من مشكلة ديمغرافية؛ العرب يتكاثرون واليهود يتناقص عددهم من خلال النزوح وانقطاع الهجرة والإحجام عن الإنجاب، مع ما حدث من إخفاق في "سقوط الإجماع الصهيوني" على نظرية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"؛ حيث وجد اليهود شعبا حيا مقاوما في فلسطين ولم يستطيعوا توحيد صفوفهم كشعب واحد، خاصة أن غالبية اليهود في العالم ما زالت تعيش خارج إسرائيل.
كما روى المسيري أنه التقى في الولايات المتحدة في منتصف الستينيات يهوديا عراقيا هاجر إلى إسرائيل ومنها إلى أمريكا، صارحه بأن "الأشكيناز (اليهود الغربيين) محتفظون بعناوين ذويهم في الخارج. وبعد توالي الهزائم زاد عدد من يطلبون الحصول على جوازات سفر غربية بالتزامن مع الهجرة العكسية من إسرائيل للخارج.
وكل هذا يتفق كذلك والرؤية الاستشرافية القرآنية التي ذكرها الشهيد الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- حينما أكد أن "إسرائيل قامت على الظلم والاغتصاب، وكل كيان قام على الظلم والاغتصاب مصيره الدمار، حتى ولو يملك القوة التي يظن أنها تؤهله للبقاء، فالقوة لا تدوم، القوة في العالم لا تدوم لأحد، فالدول كالأفراد؛ يولد الإنسان طفلا ثم يصير مراهقا فشابا فكهلا فشيخا ثم ينتهي أجله، وهكذا عمر الدول تبدأ وتبدأ ثم تنتهي للاندثار. وإسرائيل بائدة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ففي العام 2027م لن تكون هناك دولة اسمها إسرائيل".
ويضيف الشيخ أحمد ياسين: "تحديد تاريخ انتهاء إسرائيل هو إيمان بكتاب الله، فالقرآن الكريم يحدثنا أن الأجيال تتغير كل أربعين سنة، والأربعين سنة الأولى كانت في فلسطين نكبة، والأربعين الثانية كانت انتفاضة ومواجهة وتحديا وقتالا وقنابل، والأربعين الثالثة ستكون النهاية إن شاء الله. هذا استشفاف قرآني فالله تعالى فرض على بني إسرائيل التيه أربعين سنة ليغير الجيل المريض ويأتي جيل مقاتل، وجيل النكبة راح، وجاء جيل الحجارة والقنابل، والجيل القادم هو جيل التحرير".
إن طريقنا صعب ويحتاج إلى تضحيات وصبر ولكن المستقبل لنا إن شاء الله، وهو قادم لا محالة، وعد الله، إن الله لا يخلف وعده أبدا. وإذا كان هناك يأس يسيطر على الناس فإن وجود اليأس عند الناس الذين لا يقودون المركب لا قيمة له.. إذا كان قادة المركب لا ييأسون ومصرون على خطواتهم فالشارع دائما يمشي ويعدو خلفهم أينما ذهبوا (..) نحن نشك في حالنا وإمكاناتنا وقدرتنا ومستقبلنا، وهم يقولوا نحن نملك أكبر ترسانة دولية فمن يقدر علينا؟ هم يغتروا بقوتهم ونحن خائفين من ضعفنا، ولكن إرادة الله غالبة".
إنها كلمات للشيخ أحمد ياسين تعكس الواقع وتستشرف المستقبل، فإذا كان سلوك بعض الأنظمة العربية الموالاة للكيان الصهيوني، والترويج لجيشه بأنه لا يُقهر، حتى جعلوا الصهاينة يروّجون ذلك الزعم وظنوا أن أسلحتهم وحصونهم مانعة لهم، فقد أتتهم المقاومة بعملية طوفان الأقصى من حيث لم يحتسبوا وقذفت في قلوبهم الرعب وأقرت حقيقة هامة بأن هيبة الجيش الإسرائيلي ليست إلا مجرد وهْم تغلغل في نفوس العرب بوسائل وسبل شتى، وأن هزيمته ليست معجزة وإنما هي صبر ساعة، وأن جيل التحرير والنصر المنشود بات قاب قوسين أو أدنى من تحرير الأقصى، هذا الجيل الذي نراه مرابطا ثابتا في غزة.
twitter.com/drdawaba
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي فلسطيني الانهيار المقاومة غزة إسرائيل فلسطين غزة المقاومة الانهيار مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
العراق ما بعد 2003.. دولة تتعثّر وسياسة تتكرّر
منذ 2003، يعيش العراق تجربة سياسية فريدة في العالم العربي؛ نظام ديمقراطي تعددي، لكنه هشّ، قائم على المحاصصة لا على الكفاءة، وعلى التوازنات الطائفية أكثر من الرؤية الوطنية. فهل يستطيع العراق اليوم أن يتحرر من عبء هذا التأسيس المعطوب، ويعيد تعريف السياسة بوصفها أداة للبناء لا للصراع؟
السياسة في العراق لا تعاني من فراغ، بل من فائض في الخطابات ونقص فادح في النتائج. البرلمان يعج بالتحالفات، لكن القوانين المصيرية تبقى معلّقة.. الحكومات تتشكل بشق الأنفس، ثم تمضي أغلب فترتها في النجاة من الانهيار. وفي ظل هذا الواقع، يُترك المواطن أسيرا لأزمات متراكمة؛ كهرباء مفقودة، تعليم متراجع، وفساد ينهش مفاصل الدولة.
القوى السياسية، رغم تغير الأسماء، لا تزال تدور في فلك الحسابات الضيقة، حيث تُقدّم الولاءات الطائفية والحزبية على أي مشروع جامع. والمفارقة أن الشارع العراقي، رغم التضحيات الكبرى، لم يُترجم حضوره في الساحات إلى حضور مؤسسي حقيقي في مراكز القرار
ما يفاقم المأزق أن القوى السياسية، رغم تغير الأسماء، لا تزال تدور في فلك الحسابات الضيقة، حيث تُقدّم الولاءات الطائفية والحزبية على أي مشروع جامع. والمفارقة أن الشارع العراقي، رغم التضحيات الكبرى، لم يُترجم حضوره في الساحات إلى حضور مؤسسي حقيقي في مراكز القرار.
لكن الفرصة لم تُهدر بعد، فالعراق يمتلك كل مقوّمات الدولة القوية موقع استراتيجي؛ ثروات ضخمة، وطاقات بشرية لافتة. المطلوب فقط هو قرار شجاع بكسر منطق المحاصصة، وبناء مؤسسات تحكمها الكفاءة، لا الهوية الفرعية. فلا ديمقراطية تنجح بلا دولة، ولا دولة تنهض بلا سياسة رشيدة.
التحول السياسي في العراق لا يتطلب معجزة، بل مراجعة صادقة تبدأ من داخل الطبقة السياسية نفسها. فالنظام الديمقراطي لا يكتفي بمجرد وجود الانتخابات، بل يتطلب مؤسسات قادرة على الرقابة، وبيئة قانونية تُحاسب الفاسد وتحمي الكفوء. التجربة العراقية أثبتت أن الديمقراطية الشكلية، عندما تُفرّغ من مضمونها، تتحول إلى غطاء للشللية والمصالح الضيقة.
ولعل أبرز التحديات التي تواجه العراق اليوم هي أزمة الثقة، ليس فقط بين المواطن والحكومة، بل بين القوى السياسية نفسها. كل طرف يشكّ في نوايا الآخر، والكل يفاوض من موقع القلق، لا من موقع الشراكة. وفي ظل هذا المناخ، تُفرغ الدولة من مضمونها، وتتحول إلى ساحة صراع مستمر على النفوذ، بدل أن تكون إطارا ضامنا للاستقرار والنمو.
لا يمكن الحديث عن إصلاح سياسي دون معالجة ملف الفساد، لقد تحوّل الفساد في العراق من سلوك فردي إلى منظومة متكاملة، تحمي نفسها وتعيد إنتاج نفوذها داخل مؤسسات الدولة
من هنا، فإن أي إصلاح سياسي حقيقي يجب أن يبدأ بإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع. لا يمكن بناء وطن مستقر دون إشراك فعلي للمواطنين في صنع القرار، ودون ترسيخ ثقافة المواطنة فوق أي انتماء آخر. كما أن النخب السياسية مطالبة بأن تغادر منطق إدارة التوازنات إلى منطق بناء الدولة، ومن عقلية الترضيات إلى منطق التخطيط والإنجاز.
ولا يمكن الحديث عن إصلاح سياسي دون معالجة ملف الفساد، لقد تحوّل الفساد في العراق من سلوك فردي إلى منظومة متكاملة، تحمي نفسها وتعيد إنتاج نفوذها داخل مؤسسات الدولة. مواجهة الفساد تتطلب استقلالا فعليا للقضاء، وإرادة سياسية لا تتردد أمام الأسماء الكبيرة أو الحسابات الحزبية.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن استقرار العراق ليس مصلحة داخلية فحسب، بل ضرورة عربية ودولية. عراق قوي يعني توازنا في المنطقة، ومصدر استقرار لا ساحة صراع. وهذا لن يتحقق إلا إذا استطاع العراق أن يُنهي حالة التبعية في قراره السياسي، ويستعيد زمام المبادرة كدولة ذات سيادة كاملة.
إن أراد العراق أن يستعيد دوره العربي والإقليمي، فعليه أولا أن يصالح الداخل مع نفسه، ويؤسس لعقد سياسي جديد، يخرج من عباءة ما بعد 2003، ويتجه نحو ما بعد الجمود. فهل يملك صانع القرار في بغداد هذه الشجاعة؟ أم أن السياسة ستظل مرهونة بعقلية الغنيمة لا الدولة؟