"طوفان الأقصى" يُعيد تشكيل الوعي الصهيوني
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
الكيان الصهيوني بُني على هيكلية غربية صرفة منذ نشأته، ليس لأنه استثمار غربي طويل الأجل لزعزعة استقرار العرب وضمان ديمومة شتاتهم وفرقتهم وضعفهم فحسب؛ بل لضمان تضليل المجتمع الصهيوني المحتل لفلسطين من قبل قادته، وسكب أساطير وخرافات تضليلية في عقولهم لتسهيل قيادتهم ودفعهم خلف ساستهم دون نقد أو اعتراض.
وهذا النسق هو ديدن الغرب في قيادة شعوبهم المُضلَّلَة والمُستغفَلة لعقود طويلة بفعل تسليط آلات إعلامية ضخمة، ومناهج تعليم بروايات مُختلَقة وكاذبة لتمرير سياسات اللوبيات الحاكمة دون أي اعتراض، وبفعل سياسات الاستغفال المنظم في الغرب خرجت أجيال في الغرب مصابة بالنرجسية الموغلة في تضخيم الذات الغربية وتعظيمها، واعتبار الغرب ومدنيَّته محور الكون، وثقافته الملاذ الأخير للعالم، لهذا سمعنا عن نهاية التاريخ، ونهاية الديمقراطية وأخواتها من النهايات النرجسية الغربية التي سعت لسكبها في عقول الأغرار والناشئة من الشعوب.
سياسات الاستغفال مررت احتلالات ونكبان وجرائم للغرب عبر التاريخ الأوسط والحديث، بفعل السرديات المُضلِّلَة في المناهج ووسائل الإعلام ومن على منابر صياغة الوعي.
ومع ثورة الاتصالات، تلاقحت الأفكار وذابت المسافات وطُويَت الجغرافيا، وأصبح الإعلام الاجتماعي ليس إعلامًا موازيًا فحسب؛ بل إعلام بديل هزَّ عروش بارونات المال والإعلام والسياسة معًا، وتسيّدت لغة الصورة المشهد، فانهارت سرديات وزالت أساطير وخُرافات علقت في الأذهان لعقود خلت، فترمم الوعي واستعاد الفرد إنسانيته وسويته وفطرته تدريجيًا، فتسيّد عقله وعاد إلى رشده دون تدخل مؤثر خارجي أو حصار عقل، فأصبح الإنسان رهين ما اكتسب بنفسه ولنفسه من قناعات وعقائد دينية ودنيوية.
الكيان الصهيوني مارس على شعبه ذات السياسات الغربية في التضليل وسكب الروايات المعُلبة المصُنعة في قباب وأروقة الزيف، فاعتقد وصدَّقَ لعقود طويلة بأن فلسطين أرض ميعاد لليهود، وأرض وهبها الله لهم واحاطها برعايته وعنايته، وأن العرب مجرد أقوام طارئة ومُتطفلة على فلسطين، واقوام عالة على البشرية وتاريخها وحضارتها. وهكذا سهَّل تمكين السردية المُضلِّلَة في عقول اجيال الصهاينة المتعاقبة على فلسطين، والذين حملوا الحقد والكراهية والتعالي على العرب جميعهم بدء من فلسطين والفلسطينيين.
طوفان الأقصى اليوم زلزل قناعات وعقائد فكرية ودينية وسياسية، وأحيا الضمير العالمي المخطوف من قبل الصهيونية العالمية وادواتها المسمومة، فالتف العالم حول غزة بالتحديد وفلسطين من خلالها، واسقط السرديات الصهيونية تباعًا، ولم تستثني هذه الصحوة الكيان الصهيوني؛ حيث غزت مجتمعه لغة الصورة، وعاش تفاصيل الطوفان لحظة بلحظة ليتساءل بعد كل ذلك عن حقيقة كيانه ومستقبله، وليكتشف أنه في الزمن الخطأ وعلى الجغرافيا الخطأ كذلك.
إطالة عمر الطوفان اليوم من قبل قادة الكيان الصهيوني ليس لتحقيق أي نصر للكيان، أو لارتزاق سياسي لنتن ياهو وحزبه وحكومته فحسب؛ بل لحرف أنظار وعقول المجتمع الصهيوني بداخل فلسطين عن التفكير في المصير والمستقبل الى حين، على اعتبار أن البلد في حالة حرب توجب الالتفاف حوله وعدم الانشغال بغيره.
طوفان الأقصى تكفَّل بإعادة صياغة مقولة الصهيونية جولدا مائير في وصف حال الفلسطينيين: "كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون"، إلى وصف مغاير ودقيق لحال الصهاينة اليوم: "كبارهم سيموتون، وصغارهم سيهزمون ويهربون".
قبل اللقاء.. الكيان الصهيوني اليوم يخوض حربًا طاحنة على أكثر من جبهة، لكن أخطر الجبهات هي الجبهة الداخلية وتصفية الحسابات المرتقبة بعد الطوفان.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"حماس" بذكرى انطلاقتها: "طوفان الأقصى" بداية حقيقية لدحر الاحتلال
غزة - صفا
قالت حركة "حماس"، يوم السبت، إنَّ "طوفان الأقصى كان محطة شامخة في مسيرة شعبنا نحو الحرية والاستقلال، وسيبقى معلماً راسخاً لبداية حقيقية لدحر الاحتلال وزواله عن أرضنا".
وأضافت الحركة في بيان لها لمناسبة ذكرى انطلاقتها الـ 38، التي توافق الرابع عشر من ديسمبر، أن "هذه الذكرى تمر مع مرور أكثر من عامين على عدوان همجي وحرب إبادة وتجويع وتدمير، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ضدّ أكثر من مليوني إنسان محاصر في قطاع غزَّة".
وبينت أن الذكرى تمر في ظل جرائم ممنهجة ضدّ الضفة الغربية والقدس المحتلة ومخططات تستهدف ضمّ الأرض وتوسيع الاستيطان وتهويد المسجد الأقصى، وبعد عامين واجه خلالهما شعبُنا العظيم ملتحماً مع مقاومته هذا العدوان بإرادة صلبة وصمود أسطوري وملحمة بطولية قلّ نظيرها في التاريخ الحديث.
وجاء في بيان الحركة "نترحّم على أرواح القادة المؤسّسين، وفي مقدّمتهم الإمام الشهيد أحمد ياسين، وعلى أرواح قادة الطوفان الشهداء الكبار؛ هنية والسنوار والعاروري والضيف، وإخوانهم الشهداء في قيادة الحركة، الذين كانوا في قلب هذه المعركة البطولية، ملتحمين مع أبناء شعبهم، كما نترحّم على قوافل شهداء شعبنا في قطاع غزَّة والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48، وفي مخيمات اللجوء".
وأكدت الحركة "أن الاحتلال لم يفلح عبر عامين كاملين من عدوانه على شعبنا في قطاع غزة إلاّ في الاستهداف الإجرامي للمدنيين العزل، وللحياة المدنية الإنسانية، وفشل بكل آلة حربه الهمجية وجيشه الفاشي والدعم الأمريكي في تحقيق أهدافه العدوانية".
كما قالت "لقد التزمت الحركة بكل بنود اتفاق وقف إطلاق النار، بينما يواصل الاحتلال خرق الاتفاق يومياً، واختلاق الذرائع الواهية للتهرّب من استحقاقاته".
وجددت التأكيد على مطالبتها الوسطاء والإدارة الأمريكية بالضغط على الاحتلال، وإلزام حكومته بتنفيذَ بنود الاتفاق، وإدانة خروقاتها المتواصلة والممنهجة له.
وطالبت الإدارة الأمريكية بالوفاء بتعهداتها المعلنة والتزامها بمسار اتفاق وقف إطلاق النار، والضغط على الاحتلال وإجباره على احترام وقف إطلاق النار ووقف خروقاته وفتح المعابر، خصوصاً معبر رفح في الاتجاهين، وتكثيف إدخال المساعدات.
وشددت على رفضها القاطع لكلّ أشكال الوصاية والانتداب على قطاع غزَّة وعلى أيّ شبر من الأراضي المحتلة.
وحذرت من التساوق مع محاولات التهجير وإعادة هندسة القطاع وفقاً لمخططات العدو، مؤكدة أنَّ الشعب الفلسطيني ، وحده هو من يقرّر من يحكمه، وهو قادر على إدارة شؤونه بنفسه، ويمتلك الحقّ المشروع في الدفاع عن نفسه وتحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
ودعت الأمة العربية والإسلامية، قادة وحكومات، شعوباً ومنظمات، إلى التحرّك العاجل وبذل كل الجهود والمقدّرات للضغط على الاحتلال لوقف عدوانه وفتح المعابر وإدخال المساعدات، والتنفيذ الفوري لخطط الإغاثة والإيواء والإعمار، وتوفير متطلبات الحياة الإنسانية الطبيعية لأكثر من مليوني فلسطيني.
كما قالت الحركة "إنَّ جرائم العدو خلال عامَي الإبادة والتجويع في قطاع غزَّة والضفة والقدس المحتلة هي جرائم ممنهجة وموصوفة ولن تسقط بالتقادم، وعلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية مواصلة ملاحقة الاحتلال وقادته المجرمين ومحاكمتهم ومنعهم من إفلاتهم من العقاب".
وشددت على أنها "كانت " منذ انطلاقتها وستبقى ثابتة على مبادئها، وفيّة لدماء وتضحيات شعبها وأسراه، محافظة على قيمها وهُويتها، محتضنة ومدافعة عن تطلعات شعبنا في كل الساحات".
ونوهت إلى أن مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى سيبقيان عنوان الصراع مع الكيان الاسرائيلي، ولا شرعية ولا سيادة للاحتلال عليهما، ولن تفلح مخططات التهويد والاستيطان في طمس معالمهما.
وذكرت أن جرائم حكومة الاحتلال الفاشية بحق الأسرى والمعتقلين من أبناء الشعب الفلسطيني في سجونها، تشكّل نهجاً سادياً وسياسة انتقامية ممنهجة حوّلت السجون إلى ساحات قتل مباشر لتصفيتهم.
كما شددت على أنَّ قضية تحرير الأسرى، ستبقى على رأس أولوياتها الوطنية، مستهجنة حالة الصمت الدولي تجاه قضيتهم العادلة، وداعية المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية للضغط على الاحتلال لوقف جرائمه بحقّهم.
كما قالت "إن حقوقنا الوطنية الثابتة، وفي مقدمتها حقّ شعبنا في المقاومة بأشكالها كافة، هي حقوق مشروعة وفق القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، لا يمكن التنازل عنها أو التفريط فيها".
وأكدت الحركة أن تحقيق الوحدة الوطنية والتداعي لبناء توافق وطني لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وفق استراتيجية نضالية ومقاوِمة موحّدة؛ هو السبيل الوحيد لمواجهة مخططات الاحتلال وداعميه.
وبحسب بيان الحركة، فإن حرب الإبادة والتجويع التي ارتكبها الاحتلال ضدّ شعبنا على مدار عامين وما صاحبها من جرائم، كشفت " "أنَّنا أمام كيان مارق بات يشكّل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار أمتنا وعلى الأمن والسلم الدوليين، ما يتطلّب تحرّكاً دولياً لكبح جماحه ووقف إرهابه وعزله وإنهاء احتلاله".
وثمنت عالياً جهود وتضحيات كلّ قوى المقاومة وأحرار أمتنا والعالم؛ الذين ساندوا الشعب ومقاومته، وبالحراك الجماهيري العالمي المتضامن مع شعبنا، داعية لتصعيد الحراك العالمي ضدّ الاحتلال وممارساته الإجرامية بحق شعبنا وأرضنا، وتعزيز كل أشكال التضامن مع القضية الفلسطينية العادلة وحقوق الشعب المشروعة في الحريَّة والاستقلال.