خلق الله الإنسان، وأبدعه في أحسن صورة وقوام، وميّزه بالعقل والتفكير. هكذا يبدأ التاريخ الإنساني، بالعقل، الفكرة، التفكير. ومن عجائب التاريخ الإنساني، أن تستمر بعض الأفكار وتظل تتمدد وتتوالد منها أفكار أخرى، بعد موت صاحبها الأول بعشرات القرون!، بل إن بعض هذه الأفكار تبدأ بفكرة حسنة وينتهي تطبيقها بمأساة كونية شاملة، وتنحسر أفكار أخرى ظلت تُذيق الناس آلامًا وعذابًا.
ولن أشير هنا إلى ما اصطلح على تسميته بـ«الإرهاب» وفق القاموس الأمريكي لتصنيف المصالح، بل سأشير إلى الحروب الصليبية التي تكبد العالم بسبب وحشيتها ما لم يتكبده حتى مجيء الحربين العالميتين الأولى والثانية.
تبدو فترة الحروب الصليبية فترة غريبة وعجائبية، ففيها من المتناقضات والروايات المتضادة الشيء الكثير؛ ومن الكتب النادرة التي كتبت عن الحروب الصليبية كتاب الأمير أسامة بن منقذ الشهير الموسوم بـ«الاعتبار». كما أن هنالك عدة كتب من نفس الفترة، من مثل كتاب أبي شامة المقدسي «عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والإصلاحية»، وكتاب عماد الدين الأصفهاني «خريدة القصر وجريدة العصر» بأجزائه الواحد والعشرين، ويعدّ من أهمّ كتب التراجم التي أرّخت للشعراء في القرنين الخامس والسادس للهجرة، أي فترة الغزو الصليبي بحملتيها الأولى والثانية.
وكتاب «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي». وقد اقتبست المصادر الأخيرة بتصرف من مقال ماتع لـ«ديمة الشكر» بعنوان «صورتا القائد والعدوّ في الشّعر العربي إبّان الحروب الصليبية». وفي المجمل، فإن الكتب التي أُلِّفت من قبل الغازين -الصليبيين- والمترجمة إلى العربية قليلة ونادرة، وسنتناول في هذا المقال أحدها؛ وهو كتاب «تاريخ الحملة إلى القدس» لمؤلفه «فوشيه الشارتري» واسمه بالفرنسية Foucher de Chartres وهي الحملة التي كانت من تاريخ 1095م حتى 1127م، وشارتر هذه بلدة تقع في الشمال الغربي من فرنسا، وفي الجنوب الغربي من العاصمة الفرنسية باريس، أما المؤلف فهو أحد المؤرخين والقساوسة الذين حضروا «مجمع كليرمون» عام 1095م، وهو المجمع الذي أقامه البابا أوربان الثاني والذي كان حجر الأساس للحروب الصليبية فيما بعد.
قسَّم فوشيه كتابه إلى ثلاثة أجزاء أو ثلاثة كتب ومقدمة ثرية تكشف ملامح جيدة نفسية ودينية عن حال المؤلف وقومه في تلك الفترة؛ ويبدأ المؤلف كتابه الأول بالحديث عن مجمع كليرمون والوضع الذي ساد أوروبا في تلك الفترة، مختتما إياه بالحديث عن وفاة الملك جودفري.
من حيث ينتهي الكتاب الأول بأحداثه، يبدأ الكتاب الثاني بالحديث عن بلدوين وما فعله في فترته باستيلائه على القدس وغيرها، مختتما هذا الكتاب بالحديث عن وفاة الملك ذاته. ليأتي الكتاب الثالث والأخير ويفتتحه بالحديث عن ترسيم الملك بلدوين الثاني وتنصيبه ملكًا على القدس، مختتما هذا الكتاب، والكتاب كله بالحديث عن «وباء الجرذان» الذي حصل عام 1127م، وبين ثنايا كل كتاب من هذه الكتب الثلاثة قصص وأخبار وأحداث لا تنتهي ونصوص تستدعي الوقوف والتأمل والمقارنة بين صليبيي الأمس وصليبيي اليوم، وهي قراءة تأتي في ظل الحدث التاريخي المأساوي والقاتل الذي يعيش تحت وطأته إخواننا الفلسطينيون وهم يقاسون ويكابدون الاحتلال وقوى الشر الغربية، وخصوصا أهل غزة الأعزة أيدهم الله بنصره.
وفي المجمل، فإن قراءة الماضي بعين الحاضر فيها إجحاف كبير؛ ولكن إغفال الماضي في فهم بعض مضامين الحاضر فيها من الحماقة الشيء الكثير. وإن كان الإنسان يعرف تاريخ آبائه أو دولته أو دينه -ولو بالشيء اليسير- فإن الأحداث الكبرى تظل أسطورة مقدسة تداعب خيالاته وخيالات الكثير من أقرانه ومجتمعه؛ والأساطير الصليبية إحدى هذه الأساطير التي يؤمن بها جمع لا بأس به من العامة والخاصة في الغرب.
فكما كانت الأندلس الفردوس المفقود للمسلمين -مع اختلاف أنهم عمّروها وجعلوها عاصمة للعلم والحضارة- فإن الشرق بأسطوريته في المخيلة الغربية وارتباطه بالسيد المسيح والكثير من الأحداث الدينية والتاريخية هو الفردوس المفقود للصليبيين، أو لنقل للأوروبيين؛ وهنا نقيض لما فعله المسلمون بالقدس، فقد جلب الأوروبيون معهم الأوبئة والأمراض فضلا عن الدمار الكبير الذي ألحقوه بالبلاد والعباد، وهو مذكور في كتبهم ووثائقهم قبل كتب المسلمين حتى وتوثيقهم لفترات العدوان الغربي على المشرق العربي، والذي لاقى أهله العذاب والقتل بغض النظر عن الديانة التي اعتنقوها والمذهب الذي تمذهبوا به.
وسندخل في تفاصيل الكتاب في الحلقات المقبلة بمزيد من التفصيل، حيث سنتناول الكتب الثلاثة كتابا فكتاب، كما أراد له مؤلفه. والكتاب متوفر بنسخته الإلكترونية الرقمية وكذلك بنسخته الورقية في شبكة الإنترنت والمكتبات والمتاجر الإلكترونية لمن أراد الاطلاع عليه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحروب الصلیبیة بالحدیث عن
إقرأ أيضاً:
25 مايو 2025.. سر تاريخ لن يتكرر إلا بعد 1000 عام
#سواليف
يصادف اول امس الأحد 25 مايو/ أيّار 2025 #تاريخًا_رقميًا_استثنائيًا يُقرأ بالطريقة ذاتها من الجهتين: 25/5/2025، وهو نمط عددي نادر يحظى باهتمام عالمي واسع.
يشير خبراء #علم_الأعداد إلى أن هذا النوع من التواريخ يحمل دلالات قوية على الانسجام والتوازن، ويرتبط بطاقة إيجابية يراها كثيرون مُبشّرة. ونتيجة لذلك، شهد العالم تفاعلًا لافتًا مع تاريخ 25 مايو/ أيّار 2025، إذ اعتبره كثيرون يومًا مميزًا يستحق التوقف عنده، واتخذوه مناسبة لإحياء احتفالات خاصة أو اتخاذ قرارات محورية. ويؤكد المتخصصون أن هذا الترتيب المتناظر لن يظهر مجددًا إلا بعد مرور ألف عام.
الملايين يحتفلون على طريقتهم
تنوّعت مظاهر التفاعل مع هذا التاريخ على منصات التواصل الاجتماعي، حيث ازدحمت بالمنشورات التي تحتفي بـ25/5/2025. وقد اختار عدد كبير من الأزواج هذا اليوم لعقد قرانهم، كما استغل رواد الأعمال رمزيته لإطلاق مشاريع جديدة، فيما قررت بعض الأمهات تحديد هذا اليوم لتاريخ ولادة أبنائهن، واتخذ آخرون قرارات مهمة على أمل أن يكون الحظ حليفهم، انسجامًا مع ما يعتقدونه من ارتباط هذا التاريخ بطاقة إيجابية.
ولا تقتصر أهمية هذا التاريخ على التناظر العددي وحده، بل يتميّز أيضًا بتناسق بصري لافت يُضفي عليه طابعًا فريدًا في الذاكرة، ما يجعله أكثر من مجرد مصادفة رياضية، بل موعدًا يجد فيه كثيرون رمزًا شخصيًا أو مناسبة رمزية تستحق التوثيق.
لن يتكرر قبل عام 3025
وبحسب المتخصصين، فإن هذا التناغم الرقمي الفريد وفق تنسيق اليوم-الشهر-السنة لن يتكرر إلا في 25 مايو/ أيّار من عام 3025، أي بعد ألف عام بالتمام، ما يضيف إلى هذا اليوم بعدًا زمنيًا فريدًا، ويمنحه مكانة استثنائية في الوعي الجمعي لعشّاق التواريخ النادرة واللحظات الرمزية.