الخليج الجديد:
2025-10-14@23:28:44 GMT

الغرب.. لم يعد وحده في العالم

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

الغرب.. لم يعد وحده في العالم

الغرب.. لم يعد وحده في العالم

نجح تود في توجيه النظر لمكمن الضعف والهشاشة في السياسات الاستراتيجية لقوى الغرب التي تعاني من مصاعب جمة في ضبط توازنات العالم الراهن.

كتب كثيرون من قبل تود عن «نهاية الهيمنة الغربية»، وعبّر ماكرون عن هذا الوضع بعبارة «نهاية المركزية الغربية»، بعد قرون أربعة من السيطرة الأحادية على العالم.

شكل العالَم البروتستانتي محورَ الرأسمالية الاقتصادية والليبرالية الفردية نتيجةً عوامل ثقافية أساسية كانتشار الكتابة والتعلم، وأخلاقيات العمل، والانضباط المهني والسلوكي الصارم.

توازنات النظام الدولي المستقبلية ستؤول لحلف روسي ألماني له جذور جيوسياسية وأنثروبولوجية، وانكفاء العالم البروتستانتي المتمحور حول أميركا، وصعود الجنوب مستقلا عن الغرب.

يصعب على الغرب استيعاب أنه لم يعد وحده في العالم، وعليه أن يفكر جيداً فيما قد يقدم للبشرية راهناً، بعد انحسار القيم المرجعية لديه ولم يعد نظامه السياسي المجتمعي فاعلاً ولا ناجعاً في سياقه الأصلي.

* * *

«هزيمة الغرب»، عنوان الكتاب الأخير للمؤرخ وعالم الإنثروبولوجيا الفرنسي المشهور «أمانويل تود»، وقد أثار فورَ صدوره هذه الأيام جدلا واسعاً متشعباً. الكتاب هو خلاصة قراءة «تود» للنظام الدولي الجديد من زاوية حرب أوكرانيا الممتدة منذ سنتين.

وبعكس المقاربات السائدة، يرى «تود» أن روسيا في طور الانتصار على حلف شمال الأطلسي الذي هو في حقيقته حلف جديد يتمحور حول مثلث «لندن- وارسو- كييف»، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح في هذه الحرب لأسباب موضوعية جوهرية.

وفي مقدمة هذه الأسباب ما أطلق عليه تود «العدمية الناتجة عن انهيار البروتستانتية»، وهو هنا يستعيد أطروحة ماكس فيبر الشهيرة في ربطه بين الإصلاح البروتستانتي ونشأة الرأسمالية الحديثة.

لقد شكل العالَم البروتستانتي (أميركا وبريطانيا وألمانيا والدول الاسنكدنافية) محورَ الرأسمالية الاقتصادية والليبرالية الفردية، نتيجةً لعوامل ثقافية أساسية من بينها انتشار الكتابة والتعلم، وأخلاقيات العمل، والانضباط المهني والمسلكيات الصارمة.

بيد أن هذه القيم التي استمرت مدة طويلة في شكل قوالب ثقافية رغم تراجع الممارسة الدينية، قد انحسرت كلياً اليوم بما يفسر، حسب المؤلف، التقهقرَ الصناعي في هذه البلدان وانهيار النظم التعليمية فيها ودمار الأسرة وتخلخل آليات الانضباط الاجتماعي المرتبطة بها.

وقد ظهرت هذه الثغرات خلال جائحة كورونا، وبرزت في الحرب الأوكرانية الحالية عندما بدا جلياً للعيان أن الصناعة العسكرية الأميركية عاجزة عن توفير حاجيات جيش كييف، بما ينذر بنصر روسي قريب في النزاع القائم، رغم الوعود الغربية.

وفي هذا السياق، يرفض تود النظرَ إلى الصراع الدائر على الساحة الأوكرانية كما لو أنه حرب استعمارية تقليدية، بالنظر إلى الوشائج العضوية بين منطقتي القرم ودونباس مع روسيا، كما يرفض اعتبارها حرباً بين الديمقراطية والاستبداد أو صداماً بين ما يسميه «الأوليغارشيات الليبرالية» و«الديمقراطية التسلطية».

ما تعنيه هذه العبارات هو أن الديمقراطية التمثيلية في الغرب انهارت كلياً، وما أصبح سائداً في المجتمعات الغربية هو تحكم قوى بيروقراطية متنفذة لا تعبّر عن الجسم السياسي السيادي وإن كانت معايير الحرية السياسية متوفرة، بينما يتمتع النظام الحاكم في روسيا بشرعية حقيقية وقبول شعبي لا شك فيهما وإن كانت مساحة الحرية العمومية محدودة.

الخلاصة التي يصل إليها المؤلف هو أن توازنات النظام الدولي المستقبلية ستؤول لقيام حلف روسي ألماني له جذوره الجيوسياسية والأنثروبولوجية العميقة، وانكفاء العالم البروتستانتي المتمحور حول أميركا على نفسه، وبروز الجنوب كقوة صاعدة مستقلة عن الغرب.

ليس من همنا هنا تقويم أطروحة أمانويل تود، الذي عرف بحسه الاستراتيجي الثاقب، وهو الذي توقع عام 1976 تفكك الاتحاد السوفييتي انطلاقاً مِن نظريته في أنساق القرابة الأسرية. ما نريد أن نضيفه هو أن أهمية أطروحة تود تتمثل في استخدامه العواملَ الثقافيةَ في رصد المعطيات الجيوسياسية، بدلا من نموذج صراع القوة المهيمن على الدراسات الاستراتيجية.

بيد أن من ميزات عمل تود هو أنه تجنَّب مقاربةَ صدام الثقافات التي تبلورت في الأدبيات الأميركية وفي خطاب المجموعات اليمينية الراديكالية في أوروبا، وهي في عمومها تعاني من أوهام التحديد الغائم وغير التاريخي للهويات الثقافية المشتركة بالنظر إليها كأنساق اجتماعية جامدة بدل اعتبارها منظومات رمزية تتكيف مع التحولات والتغيرات التاريخية والمجتمعية المستمرة.

وقد اتهم تود بأنه يدافع عن الموقف الروسي ويناصر بوتين في حربه ضد أوكرانيا، وسخر البعض من توقعاته ومن إعلانه هزيمة الغرب. ولئن كان من المبرر منهجياً ومعيارياً التشكك في تقويمه السلبي لأداء الغرب في حرب أوكرانيا الحالية وتنبئه بهزيمة الغرب وانتصار روسيا.

لكن نجح تود دون ريب في توجيه النظر إلى مكمن الضعف والهشاشة في السياسات الاستراتيجية للقوى الغربية التي تعاني من مصاعب جمة في ضبط توازنات العالم الراهن. لقد كتب كثيرون من قبل تود عن «نهاية الهيمنة الغربية»، وعبّر الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون عن هذا الوضع بعبارة «نهاية المركزية الغربية»، بعد قرون أربعة من السيطرة الأحادية على العالم.

يقول تود في كتابه الأخير: لقد غدا من الصعب على الغرب أن يستوعب أنه لم يعد وحده في العالم، لكن عليه أن يفكر جيداً في ماذا يمكن أن يقدم للبشرية راهناً، بعد انحسار القيم المرجعية لديه ولم يعد نظامه السياسي المجتمعي فاعلاً ولا ناجعاً في سياقه الأصلي.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب العالم روسيا حرب أوكرانيا هزيمة الغرب الهيمنة الغربية المركزية الغربية إيمانويل تود ألمانيا أمريكا بريطانيا

إقرأ أيضاً:

الكرملين: مستعدون للتسوية في أوكرانيا.. وكييف والأوروبيون يرفضون الجلوس إلى طاولة المفاوضات

أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكو، أن بلاده ما تزال مستعدة للتسوية السلمية في أوكرانيا، كما يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الدعوة إلى ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات.

زيلينسكي يطلب من ماكرون إمداد أوكرانيا بمزيد من الدفاعات الجوية والصواريخ الكرملين: توريد صواريخ توماهوك الأمريكية إلى أوكرانيا يثير قلقنا ولكن

وقال بيسكوف، في إفادة صحفية نقلتها وكالة الأنباء الروسية (سبوتنيك)، اليوم، الأحد، إن "الأوربيين وكييف يظهرون رفضا تاما للجلوس إلى طاولة المفاوضات".

وحول التصريحات الصادرة، في الولايات المتحدة، بشأن صواريخ "توماهوك"، قال بيكسوف، إن "هناك بالفعل الكثير من التصريحات، ولا بد من التحقق منها جميعًا، ونحن نرصدها بعناية".

وأضاف إن مسألة تزويد كييف بصواريخ "توماهوك"، تثير قلقا بالغا لدى موسكو، موضحا أن هذه الصواريخ سلاح خطير، لكنها لا يمكن أن تغيّر الوضع على الجبهة.

وكان ترامب، قد صرح الاثنين الماضي بأنه اتخذ قرارًا، بشأن بيع صواريخ "توماهوك" لدول حلف الناتو لتزويد أوكرانيا بها، مشيرًا إلى رغبته في الاطلاع على الخطط الأوكرانية، لاستخدام هذه الصواريخ قبل الموافقة النهائية، فيما حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن تزويد أوكرانيا بصواريخ "توماهوك" سيشكل مرحلة تصعيد جديدة تمامًا ونوعية في النزاع.

وفي سياق متصل، أفادت وزارة الدفاع الروسية، بأن وحدات طاقم المدفعية التابعة لمجموعة قوات "الغرب" دمرت منطقة محصنة تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في مقاطعة خاركوف.

وذكرت الوزارة، في بيان، أن طواقم مدافع "بيون" التابعة لمجموعة قوات "الغرب" دمرت منطقة محصنة للقوات المسلحة الأوكرانية، في مقاطعة خاركوف في اتجاه كوبيانسك"، والكثير من المعدات التي راهن الغرب عليها، على رأسها دبابات "ليوبارد 2" الألمانية، والكثير من المدرعات الأمريكية والبريطانية، بالإضافة إلى دبابات وآليات كثيرة قدمتها دول في حلف "الناتو"، والتي كان مصيرها التدمير على وقع الضربات الروسية .

كما أعلنت الوزارة، القضاء على أكثر من 1460 عسكريا أوكرانيا وتدمير مواقع حيوية في البنية التحتية والصناعة العسكرية،  ولوجستيات قوات كييف خلال 24 ساعة، مشيرة إلى أن أوكرانيا فقدت 550 جنديا أوكرانيا على محور المركز، و305 جنود على محور الشرق، و220 جنديا على محور الغرب و 160 جنديا على محور الشمال وأكثر من 185 جنديا على محور الجنوب و40 جنديا على محور دنيبر.

ولفتت إلى تقدم وحدات قوات "الغرب" و"الجنوب" و"المركز" و"الشرق" على مختلف المحاور، فيما تم تدمير مواقع في البنية التحتية للوقود والطاقة،  التي تدعم المجمع العسكري الصناعي الأوكراني، علاوة على إسقاط 9 صواريخ هيمارس أمريكية وصاروخ "نيبتون" أوكرانيّا، وكذا إسقاط 72 مسيرة أوكرانية .

 

رئيس الوزراء الكويتي يمثل بلاده في قمة السلام بشرم الشيخ 

تستضيف مصر، غدًا الاثنين  قمة دولية في مدينة شرم الشيخ لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، بحضور زعماء وقادة العالم، من بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ومن المنتظر أن يشارك في القمة المقررة في مصر، غدًا الاثنين، ملوك ورؤساء ونائب رئيس ورؤساء وزراء ووزراء:رئيس الولايات المتحدة الأمريكية/ ملك الأردن/ أمير قطر/ رئيس وزراء الكويت/ ملك البحرين/ رئيس فلسطين/ رئيس تركيا/ رئيس إندونيسيا/ رئيس أذربيجان/ رئيس فرنسا/ رئيس قبرص/ المستشار الألماني/ رئيس وزراء المملكة المتحدة/ رئيسة وزراء إيطاليا/ رئيس وزراء إسبانيا/ رئيس وزراء اليونان/ رئيس وزراء أرمينيا/ رئيس وزراء المجر/ رئيس وزراء باكستان/ رئيس وزراء كندا/ رئيس وزراء النرويج/ رئيس وزراء العراق/ نائب رئيس دولة الإمارات/ وزير خارجية سلطنة عمان/ سكرتير عام الأمم المتحدة/ أمين عام جامعة الدول العربية/ رئيس المجلس الأوروبي/ وزير الدولة للشئون الخارجية للهند/ سفير اليابان بالقاهرة.

مقالات مشابهة

  • باسم يوسف: الغرب يخلق أكاذيب ضخمة تُخيف الناس وتمنعهم من التفكير
  • رابطةُ العالم الإسلامي تعرب عن تطلعها نحو مخرجات “قمة شرم الشيخ” لتخفيف الكارثة الإنسانية التي يعانيها أهالي غزة
  • الغارديان: قادة الغرب الذين دعموا المذبحة لا يمكنهم صنع سلام لفلسطين
  • النظرة الاستعمارية.. من جوهر السياسة إلى توماس براك؟
  • إيران تؤكد موقفها الحازم: اليورانيوم والصواريخ خطوط حمراء
  • كاتبة بريطانية: شباب الغرب أصبحوا يفضلون اليمين المتطرف على الديمقراطية
  • الكرملين: مستعدون للتسوية في أوكرانيا.. وكييف والأوروبيون يرفضون الجلوس إلى طاولة المفاوضات
  • الغارديان: كيف صمدت الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين وقاومت ضغوط السلطات في الغرب؟
  • الكرملين يحذر الغرب من لحظة تصعيد دراماتيكي في الحرب الأوكرانية
  • روسيا تحذر الغرب من لحظة تصعيد في الحرب الأوكرانية