الخليج الجديد:
2025-05-12@08:45:38 GMT

الغرب.. لم يعد وحده في العالم

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

الغرب.. لم يعد وحده في العالم

الغرب.. لم يعد وحده في العالم

نجح تود في توجيه النظر لمكمن الضعف والهشاشة في السياسات الاستراتيجية لقوى الغرب التي تعاني من مصاعب جمة في ضبط توازنات العالم الراهن.

كتب كثيرون من قبل تود عن «نهاية الهيمنة الغربية»، وعبّر ماكرون عن هذا الوضع بعبارة «نهاية المركزية الغربية»، بعد قرون أربعة من السيطرة الأحادية على العالم.

شكل العالَم البروتستانتي محورَ الرأسمالية الاقتصادية والليبرالية الفردية نتيجةً عوامل ثقافية أساسية كانتشار الكتابة والتعلم، وأخلاقيات العمل، والانضباط المهني والسلوكي الصارم.

توازنات النظام الدولي المستقبلية ستؤول لحلف روسي ألماني له جذور جيوسياسية وأنثروبولوجية، وانكفاء العالم البروتستانتي المتمحور حول أميركا، وصعود الجنوب مستقلا عن الغرب.

يصعب على الغرب استيعاب أنه لم يعد وحده في العالم، وعليه أن يفكر جيداً فيما قد يقدم للبشرية راهناً، بعد انحسار القيم المرجعية لديه ولم يعد نظامه السياسي المجتمعي فاعلاً ولا ناجعاً في سياقه الأصلي.

* * *

«هزيمة الغرب»، عنوان الكتاب الأخير للمؤرخ وعالم الإنثروبولوجيا الفرنسي المشهور «أمانويل تود»، وقد أثار فورَ صدوره هذه الأيام جدلا واسعاً متشعباً. الكتاب هو خلاصة قراءة «تود» للنظام الدولي الجديد من زاوية حرب أوكرانيا الممتدة منذ سنتين.

وبعكس المقاربات السائدة، يرى «تود» أن روسيا في طور الانتصار على حلف شمال الأطلسي الذي هو في حقيقته حلف جديد يتمحور حول مثلث «لندن- وارسو- كييف»، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح في هذه الحرب لأسباب موضوعية جوهرية.

وفي مقدمة هذه الأسباب ما أطلق عليه تود «العدمية الناتجة عن انهيار البروتستانتية»، وهو هنا يستعيد أطروحة ماكس فيبر الشهيرة في ربطه بين الإصلاح البروتستانتي ونشأة الرأسمالية الحديثة.

لقد شكل العالَم البروتستانتي (أميركا وبريطانيا وألمانيا والدول الاسنكدنافية) محورَ الرأسمالية الاقتصادية والليبرالية الفردية، نتيجةً لعوامل ثقافية أساسية من بينها انتشار الكتابة والتعلم، وأخلاقيات العمل، والانضباط المهني والمسلكيات الصارمة.

بيد أن هذه القيم التي استمرت مدة طويلة في شكل قوالب ثقافية رغم تراجع الممارسة الدينية، قد انحسرت كلياً اليوم بما يفسر، حسب المؤلف، التقهقرَ الصناعي في هذه البلدان وانهيار النظم التعليمية فيها ودمار الأسرة وتخلخل آليات الانضباط الاجتماعي المرتبطة بها.

وقد ظهرت هذه الثغرات خلال جائحة كورونا، وبرزت في الحرب الأوكرانية الحالية عندما بدا جلياً للعيان أن الصناعة العسكرية الأميركية عاجزة عن توفير حاجيات جيش كييف، بما ينذر بنصر روسي قريب في النزاع القائم، رغم الوعود الغربية.

وفي هذا السياق، يرفض تود النظرَ إلى الصراع الدائر على الساحة الأوكرانية كما لو أنه حرب استعمارية تقليدية، بالنظر إلى الوشائج العضوية بين منطقتي القرم ودونباس مع روسيا، كما يرفض اعتبارها حرباً بين الديمقراطية والاستبداد أو صداماً بين ما يسميه «الأوليغارشيات الليبرالية» و«الديمقراطية التسلطية».

ما تعنيه هذه العبارات هو أن الديمقراطية التمثيلية في الغرب انهارت كلياً، وما أصبح سائداً في المجتمعات الغربية هو تحكم قوى بيروقراطية متنفذة لا تعبّر عن الجسم السياسي السيادي وإن كانت معايير الحرية السياسية متوفرة، بينما يتمتع النظام الحاكم في روسيا بشرعية حقيقية وقبول شعبي لا شك فيهما وإن كانت مساحة الحرية العمومية محدودة.

الخلاصة التي يصل إليها المؤلف هو أن توازنات النظام الدولي المستقبلية ستؤول لقيام حلف روسي ألماني له جذوره الجيوسياسية والأنثروبولوجية العميقة، وانكفاء العالم البروتستانتي المتمحور حول أميركا على نفسه، وبروز الجنوب كقوة صاعدة مستقلة عن الغرب.

ليس من همنا هنا تقويم أطروحة أمانويل تود، الذي عرف بحسه الاستراتيجي الثاقب، وهو الذي توقع عام 1976 تفكك الاتحاد السوفييتي انطلاقاً مِن نظريته في أنساق القرابة الأسرية. ما نريد أن نضيفه هو أن أهمية أطروحة تود تتمثل في استخدامه العواملَ الثقافيةَ في رصد المعطيات الجيوسياسية، بدلا من نموذج صراع القوة المهيمن على الدراسات الاستراتيجية.

بيد أن من ميزات عمل تود هو أنه تجنَّب مقاربةَ صدام الثقافات التي تبلورت في الأدبيات الأميركية وفي خطاب المجموعات اليمينية الراديكالية في أوروبا، وهي في عمومها تعاني من أوهام التحديد الغائم وغير التاريخي للهويات الثقافية المشتركة بالنظر إليها كأنساق اجتماعية جامدة بدل اعتبارها منظومات رمزية تتكيف مع التحولات والتغيرات التاريخية والمجتمعية المستمرة.

وقد اتهم تود بأنه يدافع عن الموقف الروسي ويناصر بوتين في حربه ضد أوكرانيا، وسخر البعض من توقعاته ومن إعلانه هزيمة الغرب. ولئن كان من المبرر منهجياً ومعيارياً التشكك في تقويمه السلبي لأداء الغرب في حرب أوكرانيا الحالية وتنبئه بهزيمة الغرب وانتصار روسيا.

لكن نجح تود دون ريب في توجيه النظر إلى مكمن الضعف والهشاشة في السياسات الاستراتيجية للقوى الغربية التي تعاني من مصاعب جمة في ضبط توازنات العالم الراهن. لقد كتب كثيرون من قبل تود عن «نهاية الهيمنة الغربية»، وعبّر الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون عن هذا الوضع بعبارة «نهاية المركزية الغربية»، بعد قرون أربعة من السيطرة الأحادية على العالم.

يقول تود في كتابه الأخير: لقد غدا من الصعب على الغرب أن يستوعب أنه لم يعد وحده في العالم، لكن عليه أن يفكر جيداً في ماذا يمكن أن يقدم للبشرية راهناً، بعد انحسار القيم المرجعية لديه ولم يعد نظامه السياسي المجتمعي فاعلاً ولا ناجعاً في سياقه الأصلي.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب العالم روسيا حرب أوكرانيا هزيمة الغرب الهيمنة الغربية المركزية الغربية إيمانويل تود ألمانيا أمريكا بريطانيا

إقرأ أيضاً:

المغني الأوغندي بوبي واين يعلن عزمه الترشح للرئاسة

أعلن زعيم المعارضة الأوغندية والمغني المعروف بوبي واين، أمس الجمعة، عن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة بداية العام المقبل.

وفي مقابلة له مع رويترز، قال واين إنه قرّر الترشح للانتخابات الرئاسية بهدف فضح النظام السيّاسي الحاكم، وتحفيز الشعب الأوغندي على النهوض من أجل تحرير نفسه من الظلم والاضطهاد الذي يعيش فيه.

بوبي واين، واسمه الحقيقي روبرت كياجولاني (43 عامًا)، إذا ترشّح للانتخابات المقرّرة في يناير/كانون الثاني 2026، قد يكون في مواجهة مع الرئيس الحالي يوري موسيفيني (80 عامًا)، الذي يُتوقّع على نطاق واسع أنه سيسعى لولاية رئاسية جديدة.

وكان واين قد خسر الانتخابات الرئاسية عام 2021، ورفض نتائجها، حيث اتّهم السلطات بالتزوير واللّعب بإرادة الناخبين، وترهيب المعارضين وضربهم، وهي أمور نفتها الحكومة والمسؤولون عن سير العملية الانتخابية.

انتقادات للغرب

وانتقد واين الحكومات الغربية لصمتها حيال ما وصفه بانتهاكات متزايدة لحقوق الإنسان، تشمل عمليات خطف واحتجاز غير قانوني وتعذيب لأنصاره.

واعتبر الزعيم المعارض أن الغرب ليس مهتما بمعاناة الشعب الأوغندي. وأضاف "بعض القادة في الغرب شركاء في معاناتنا، يأتون فقط لإبرام صفقاتهم التجارية ولا يكترثون لحقوق الإنسان".

الشرطة الأوغندية تعتقل متظاهرين خلال احتجاجات ضد الفساد وانتهاكات لحقوق الإنسان بأوغندا (رويترز)

وقال واين إن الغرب ليس صادقا في الشعارات التي يرفعها حول القيم الديمقراطية والحريات العامة، إذ لم يتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث بشكل متكرّر في أوغندا.

إعلان

وأكّد واين أن برنامجه الانتخابي يركّز على استعادة الحقوق السياسية والمدنية، والتصدّي للفساد المستشري في البلاد.

وتعتبر أوغندا شريكًا رئيسيًا للغرب في جهود مكافحة الإرهاب، حيث تنشر قوات ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.

وفي سياق متّصل، قال قائد الجيش الأوغندي موهوزي كاينيروغابا، نجل الرئيس موسيفيني، إنه احتجز المعارض إديدي موتوي في قبو منزله.

وموتوي، هو أحد أعضاء حزب "المنصة الوطنية الموحّدة" الذي يقوده واين ويعمل كحارسه الشخصي، وينشط في مناهضة نظام موسيفيني، ويتّهمه بالفساد وسوء التسيير، وقمع المعارضين المطالبين بالتعدّدية السياسية.

وكان موتوي قد اختفى لمدة أسبوع قبل أن يُعرض على المحكمة يوم الاثنين الماضي بتهمة السرقة ويتمّ توقيفه، وقال واين إن موتوي أبلغه بتعّرضه للصعق الكهربائي والتهديد بالغرق.

مقالات مشابهة

  • نبوءة هنتنغتون الخاطئة والصراع مع الإسلام
  • 8 أندية تحسم التأهل لنخبة آسيا و4 بطاقات تنتظر الحسم
  • ليس البنزين وحده .. متحدث البترول: العمر الإفتراضي سبب تلف طلمبة البنزين
  • زيارات كييف المتكررة.. هل يمهد الغرب لمواجهة كبرى ترفضها موسكو؟
  • أهالي من دمشق يؤكدون أن الحوار الوطني السوري وحده ما يبني سوريا الجديدة
  • الاستشراق والمثلث الحضاري
  • المغني الأوغندي بوبي واين يعلن عزمه الترشح للرئاسة
  • ليس ترامب وحده.. أطراف توسطت لوقف المعارك بين الهند وباكستان
  • سوريا الجديدة تقرع أبواب الغرب.. هل تنجح استراتيجية الشرع؟
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة