لجريدة عمان:
2025-05-21@02:21:00 GMT

لماذا تفشل العقوبات؟

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

عندما تفشل المحادثات الثنائية في حل النزاعات بين الدول ذات السيادة، قد تلجأ الأطراف المتضررة إلى هيئة قضائية دولية، مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي. كبديل، تتضمن المعاهدات أو الاتفاقات غالبا فقرات خاصة بالتحكيم أو الوساطة في النزاعات من قبل كيان معين مسبقا.

على نحو مماثل، تحدد مواد منظمة التجارة العالمية، التي يقوم عليها النظام التجاري الدولي، الإجراءات الواجب على البلدان الأعضاء اتباعها عندما ينتهك شركاء تجاريون قواعد المنظمة، وخاصة مبدأ الدولة الأولى بالرعاية.

لكن قواعد منظمة التجارة العالمية تسمح للبلدان باتخاذ إجراءات أحادية ترى أنها ضرورية لأمنها القومي، حتى لو كانت هذه التدابير تستلزم انتهاك أسقف التعريفات المتفق عليها. عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، مستشهدا بمخاوف تتعلق بالأمن القومي، فرض تعريفات جمركية على الواردات من الصلب والألومنيوم، اعتبر عدد كبير من شركاء الولايات المتحدة التجاريين هذا ورقة توت تخفي تدابير الحماية وقدموا شكاوى إلى منظمة التجارة العالمية. لكن رفض أمريكا تعيين قضاة جدد لشغل مقاعد هيئة تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية ترك الأعضاء بدون آلية وظيفية لحل مثل هذه النزاعات. تصبح العقوبات المفروضة على السلع أكثر فعالية عندما تفـرض من قبل العالم أجمع تقريبا.

من الأمثلة البارزة على ذلك العقوبات الشاملة التي فرضت على دولة جنوب أفريقيا في ثمانينيات القرن العشرين. ولكن ما لم تكن العقوبات التجارية عالمية تقريبا، فإنها تكون غالبا أقل فعالية من المتوقع. وكما لاحظ ريتشارد حنانيا في تحليل لصالح معهد كاتو في عام 2020، فإن العقوبات التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة «تفشل دائما تقريبا في تحقيق أهدافها». علاوة على ذلك، «يترتب على العقوبات تكاليف إنسانية باهظة، وهي ليست غير فعالة فحسب، بل ومن المرجح أن تؤدي إلى نتائج عكسية هَـدّامة».

أحد الأسباب وراء هذا هو أن التجار يمكنهم بسهولة إعادة توجيه البضائع الخاضعة للعقوبات من خلال دول ثالثة، ما لم تكن المشاركة عالمية شبه شاملة. على سبيل المثال، تمكنت إيران من التحايل على العقوبات الغربية من خلال بناء شبكة متطورة لتمرير التجارة. على نحو مماثل، تشير التقارير إلى أن السلع الصينية الخاضعة للعقوبات لا تزال تدخل السوق الأمريكية، حيث تعمل الشركات التي تتخذ من الصين مقرا على إعادة توجيه صادراتها عبر دول أخرى.

أثناء حرب العراق، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات المالية لمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع نظيراتها في دول ثالثة سهلت المعاملات المحظورة مع العراق. وقد أثبتت هذه «العقوبات الثانوية» كونها أكثر فعالية بأشواط من العقوبات التقليدية على تجارة السلع الأساسية، ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى الدور المهيمن الذي يلعبه الدولار في التمويل العالمي. ونتيجة لهذا، ازدادت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عشرة أضعاف على مدى السنوات العشرين الأخيرة.

في أعقاب الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات تجارية ومالية غير مسبوقة على روسيا، بما في ذلك فرض الحظر على التكنولوجيا والصادرات العسكرية. كما فرضوا حدا أقصى لأسعار النفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل، بهدف إصابة الاقتصاد الروسي بالشلل مع ضمان قدرة أوروبا على تجنب أزمة طاقة مزعزعة للاستقرار السياسي.

كانت هذه التدابير غير ناجحة إلى حد كبير. ففي حين أجبرت العقوبات المالية تجار النفط على تأمين السفن بتغطية تأمينية مناسبة قبل إتمام المعاملات، لم ينخفض سعر النفط الروسي عن 60 دولارا للبرميل. وبحلول نوفمبر 2023، ارتفع إلى 84.20 دولار، حيث طورت الشركات الروسية أساليب مختلفة لتجاوز القيود الغربية، مثل تكاليف الشحن المضخمة و«أسطول الظل» الذي يتكون من أكثر من 100 ناقلة نفط قديمة. من ناحية أخرى، تفيد التقارير بأن ما تتجاوز قيمته مليار دولار من السلع الخاضعة للعقوبات اختفى وسط توسع «التجارة الشبحية» الروسية. علاوة على ذلك، أدى نظام العقوبات المفروض على روسيا إلى ظهور عدد من الوسطاء، مع تحول دول فعليا إلى «مغاسل» للنفط الروسي وغيره من السلع الخاضعة للعقوبات. عندما تُـرصَـد شركة مخالفة وتُـعاقَـب، تحل محلها غالبا شركة جديدة تعمل تحت اسم مختلف. حتى أن إحدى الشركات اليونانية باعت النفط الروسي للجيش الأمريكي. في الاستجابة للأدلة المتزايدة على التهرب من العقوبات، كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجهود لإنفاذ العقوبات.

في ديسمبر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات «شاملة» على أكثر من 250 شركة وفردا. هذا لا يعني أن الدول الغربية لا ينبغي لها أن تبحث عن أساليب غير عسكرية. لكن انتشار التهرب من العقوبات يدعو إلى التشكيك في فعالية النظام الحالي ويؤكد على حاجة القوى الغربية إلى النظر في التكاليف والمخاطر التي تهدد اقتصاداتها بسبب العقوبات. من المؤكد أن العقوبات الغربية عملت على خفض عائدات روسيا وأثرت على ناتجها المحلي الإجمالي، وإن كان ذلك بدرجة أقل مما كان يأمله كثيرون. ولكن كلما طال أمد استخدام النظام المالي العالمي كأداة للحرب الاقتصادية، كلما بحثت الحكومات والشركات في بلدان الأطراف الثالثة عن بدائل للدولار واليورو ونظام الدفع الدولي سويفت SWIFT.

في حين قد تكون العقوبات تكتيكا فعالا في الأمد القصير، فإن تأثيرها على الأطراف المستهدفة يميل إلى التضاؤل بمرور الوقت، في حين تزداد وطأة العبء الـمُـلقى على البلدان التي تفرضها. وإذا أدى نظام العقوبات المفروض على روسيا إلى تآكل مكانة الدولار في الأسواق المالية الدولية بدرجة كبيرة، فإن التكلفة التي ستتحملها الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية قد تتجاوز الفوائد المترتبة على هذه العقوبات بأشواط.

آن أو. كروجر كبيرة الاقتصاديين سابقًا في البنك الدولي، وأستاذة أبحاث أولى في الاقتصاد الدولي في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز .

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التجارة العالمیة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

وزارة الدفاع توقع خطاب نوايا مع الولايات المتحدة

وقعت وزارة الدفاع خطاب نوايا مع الولايات المتحدة أبوظبي، في أثناء مراسم رسمية أقيمت في مقر وزارة الدفاع بأبوظبي، وقع معالي محمد بن مبارك المزروعي، وزير الدولة لشؤون الدفاع بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومعالي بيت هيغسيث، وزير الدفاع الأميركي، خطاب نوايا بشأن إقامة شراكة دفاعية كبرى بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة.

يمثل خطاب النوايا هذا التزامًا مشتركًا بتطوير خارطة طريق منظمة تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري المشترك، وتطوير القدرات، وتحقيق مواءمة طويلة الأمد في مجال الدفاع بين البلدين.

وسيتعاون الجانبان على وضع إطار مرحلي لتعزيز الجاهزية الثنائية للقوات، وزيادة القدرة على العمل المشترك، وتعميق التعاون القائم على الابتكار.

وفي إطار هذه الشراكة، أعلن وزير الدفاع الأميركي عن مبادرة استراتيجية جديدة بين وحدة الابتكار الدفاعي الأمريكية (DIU) ومجلس التوازن في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويهدف هذا التعاون إلى تعميق التعاون في مجال الابتكار الدفاعي، وتسهيل البحوث والتطوير المشترك، وتوسيع الشراكات الصناعية والاستثمارية بين المنظومتين الدفاعيتين في البلدين.

أخبار ذات صلة حمدان بن محمد يحضر حفل الذكرى الـ49 لتوحيد القوات المسلحة الإماراتية وكيل وزارة الدفاع: نرفع هاماتنا فخراً بقواتنا المسلحة

وبالإضافة إلى ذلك، تم الترحيب رسميًا بانضمام دولة الإمارات إلى برنامج الشراكة بين الحرس الوطني الأميركي (SPP)، وذلك من خلال شراكة مع الحرس الوطني لولاية تكساس.

وستُسهم هذه الشراكة في تعزيز جهود التحديث العسكري، وتعزيز التعاون في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، والأمن السيبراني، والاستجابة للكوارث، والتخطيط العملياتي.

ويعكس تصنيف دولة الإمارات كشريك دفاع رئيسي للولايات المتحدة علاقة امتدت لعقود، وتستند إلى الثقة المتبادلة، والأهداف المشتركة، والالتزام المشترك بالأمن الإقليمي والعالمي.

كما يستند هذا التصنيف إلى سجل طويل من التعاون بين البلدين في مواجهة التهديدات، واستقرار مناطق النزاع، وتعزيز أمن وازدهار منطقة الشرق الأوسط.

المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • تفاصيل العقوبات البريطانية على أفراد وشركات في إسرائيل بعد وقف اتفاق التجارة الحرة بين لندن وتل أبيب
  • العامة للاستثمار: الشركات العالمية التي حصلت على الرخصة الذهبية بينتجوا ويصدروا
  • ماركو روبيو: خطاب ترامب في المملكة كان أحد أكثر الخطابات عمقا في تاريخ الولايات المتحدة
  • الهند تُجري محادثات بشأن اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة | تقرير
  • العقوبات النفطية قد تقوِّض نفوذ الولايات المتحدة
  • الأمم المتحدة: المساعدات التي دخلت إلى غزة قطرة في محيط
  •  لمتابعة توافر السلع التموينية للحجاج.. 19 ألف زيارة تفتيشية بمنطقتي مكة والمدينة
  • وزارة الدفاع توقع خطاب نوايا مع الولايات المتحدة
  • الشارقة تستضيف مؤتمر أعضاء جمعية مراكز التجارة العالمية في الشرق الأوسط
  • اللحظة التي غيّرت ترامب تجاه سوريا