كاتبة فرنسية: 9 أشهر من الصراع في السودان ولا يزال الأمل ضئيلا للغاية
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
منذ أبريل/نيسان 2023، أدى الاشتباك بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (الملقب حميدتي) إلى إشعال النار في السودان وإجبار عدة ملايين من مواطنيه على الفرار من منازلهم، أو حتى اللجوء إلى الخارج، والوضع يتدهور يوما بعد يوم وسط لامبالاة المجتمع الدولي.
بهذه الجمل لخص موقع "أوريان 21" مقالا طويلا للكاتبة غوينايل لينوار، حيث استعرضت معظم جوانب الأزمة في السودان، منطلقة من حياة شخصيتين أعطتهما أسماء مستعارة وتابعت مسيرتهما منذ بداية الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كعينة تمثل معظم السودانيين.
كان نسيم، طالب الماجستير الذي يعيش مع والديه في الخرطوم، وهو ينتمي إلى النواة الصلبة للجنة المقاومة في حيه أيام الثورة الشعبية، ومثله شارك إبراهيم في الثورة، وهو يعمل مع المنظمات الإنسانية، يحلم بإعادة بناء السودان وجعله دولة لكل مواطنيه.
الفرار من الخرطوم
صمد نسيم وإبراهيم في وجه تقلبات فترة ما بعد الثورة وخاطرا مع الملايين بحياتهم حتى لا يستسلموا للجنود ورجال المليشيات، ولم يتراجعوا أمام "انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي توحد خلاله الجيش وقوات الدعم السريع لإنهاء التجربة الديمقراطية".
بعد هذه الوحدة القصيرة -كما تقول الكاتبة- أصبح حلفاء الأمس في حالة حرب منذ 15 أبريل/نيسان الماضي تغيرت معه حياة نسيم وإبراهيم معهم ملايين من أبناء بلدهم، بعد أن عانى سكان العاصمة النهب والاغتصاب والقتل على يد قوات الدعم السريع، المخلصين لأسلافهم الجنجويد ومن قصف الجيش السوداني، وفق رواية الكاتبة.
فانطلق إبراهيم بسيارته المتهالكة لإجلاء عائلته ثم أصدقائه ثم معارفه، وفرّ الجميع من الخرطوم، وغادر إبراهيم إلى ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، أما نسيم وعائلته فبقيا عدة أسابيع في منزلهم قبل أن يسقط حيهم في أيدي قوات الدعم السريع، ليغادروا في النهاية إلى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض.
في هذه الظروف -كما تقول الكاتبة- نزح 7.5 ملايين شخص داخل البلاد وخارجها، حسب أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وقتل 12 ألف شخص حسب أقل التقديرات، ومر الجميع بالفظائع نفسها ليعيشوا في محاولة دائبة للبقاء على قيد الحياة في بلد ضعيف الموارد.
انقسام البلاد
في ديسمبر/كانون الأول 2023، انقسم السودان قسمين، يسيطر حميدتي على جزء كبير من العاصمة، بينما ينحصر الجيش النظامي في عدد من القواعد والأحياء في أم درمان، كما يسيطر رجال حميدتي أيضا على غرب دارفور وجزء من كردفان.
وفي كل مكان في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، يتم الإبلاغ عن انتهاكات خطيرة للغاية لحقوق الإنسان، ترتكب إما بشكل مباشر من قبل رجال حميدتي، أو من قبل المليشيات العربية المحلية المرتبطة بقوات الدعم السريع من خلال الأسرة أو القبيلة، كما تقول الكاتبة.
أما الجيش بقيادة الفريق البرهان فانتقل إلى بورتسودان، وهو يسيطر على شرق البلاد وشمالها.
ومن جهتها، تقول المحللة السودانية خلود خير التي تعيش الآن في المنفى إنه "حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول، بدا أننا نتجه نحو سيناريو على النمط الليبي مع تقسيم البلاد وقيادتها من قبل كيانين معاديين، كل منهما مدعوم من رعاة أجانب، لكن هذا السيناريو عفا عليه الزمن".
انسحاب مشبوه
وفجر يوم 15 ديسمبر/كانون الأول، هاجم رجال حميدتي ضواحي مدينة ود مدني التي أصبحت ملجأ للنازحين ومركزا لتخزين المساعدات الغذائية والأدوية، فانسحبت القوات النظامية من دون قتال تقريبا، لتصبح ود مدني عرضة للنهب والاغتصاب والانتهاكات، تقول خلود خير "داخل قوات الجيش، يشعر الضباط ذوو الرتب المتوسطة بالغضب، لأنهم تلقوا أوامر بمغادرة المدينة من دون قتال"، وهم يتساءلون لماذا كل هذه الأوامر التي تبدو لمصلحة قوات الدعم السريع.
شكل سقوط ود مدني صدمة، ونقطة تحول لا يمكن إنكارها -حسب الكاتبة- وتم كسر القفل الذي يحصن بورتسودان في الشرق وسنار وكوستي في الجنوب، ليفر 300 ألف شخص، من بينهم إبراهيم، من ود مدني في الساعات الأولى لهجوم قوات الدعم السريع، و200 ألف آخرين في الأيام التالية، وفقا للأمم المتحدة.
خلود خير: المقاومة الشعبية توزع الأسلحة على سكان وادي النيل الذين يريدون الدفاع عن مدنهم وقراهم.
وبسقوط ود مدني، استسلم نسيم الذي كان مسؤولا عن والديه المسنين وبعض إخوته وأخواته، وانتهى به الأمر باختيار المنفى، فقامت الأسرة بالرحلة من كوستي إلى دنقلا شمال الخرطوم، ومن هناك دفع المال للمهربين وهو اليوم موجود في مصر.
وفي المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، كما هي الحال في تلك التي تسيطر عليها القوات المسلحة، تسعى المنظمات المحلية ولجان المقاومة ولجان الأحياء، والمنظمات النسائية والنقابات، إلى التعويض عن الدولة الفاشلة الآن، لكن هذه المنظمات تواجه تحديات.
انتهى الاتفاق بسرعة
في هذه الفوضى، ظهر حميدتي يصافح رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، خلال الفاصل الديمقراطي القصير، وحمدوك اليوم على رأس تحالف القوى الديمقراطية (تقدم) الذي تم إنشاؤه في أديس أبابا عام 2023، وهو تجمع بين الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني التي تريد التأثير على الأطراف الفاعلة في الصراع للحصول على وقف للأعمال العدائية، وربما ضمانات لما بعد الصراع.
وقع "تقدم" اتفاقا مع حميدتي رغم كل الفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع، فتلقى الضربات من بعض الأحزاب وحتى من لجان المقاومة، وفقد مصداقيته، بينما سمحت المصافحة لحميدتي باكتساب مزيد من الاحترام، ليتم استقباله كمحاور موثوق ومثير للاهتمام في عديد من العواصم الأفريقية.
وتتنبأ خلود خير بأن حميدتي "حتى لو نجح في التقدم شرقا وشمالا، والاستيلاء على بورتسودان والسيطرة على البلاد بأكملها، فلن يكون قد انتصر في الحرب"، لأن المقاومة الشعبية توزع الأسلحة على سكان وادي النيل الذين يريدون الدفاع عن مدنهم وقراهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع ود مدنی
إقرأ أيضاً:
تفاصيل وخفايا معركة العوينات : تحالفات المرتزقة والارهاب
فى الأخبار ، أن اشتباكات حدثت بين القوات المشتركة السودانية مع قوة ليبية فى منطقة (العوينات) ، وان الطرف الليبيي هو كتيبة (سبل السلام)..
قائد الكتيبة الليبية الشيخ هاشم عبدالرحمن قال (إن ما حدث مجرد سوء تفاهم ، ونتج عنه 2 من القتلى السودانيين وأسير واحد ، وثلاثة أسرى من الجانب الليبيى وجار نقاش لتبادل الأسرى ووضع آليات تفادي هذا الاشكال) ، وبينما تم ترويج الحديث بتوسع وكثافة فى ليبيا ، فقد اقتصر النقاش حوله فى السودان على منصات محدودة ومن جانب كونه (تدمير عتاد) ، والأمر أبعد من ذلك وفق بينات كثيرة..
فى اغسطس 2024م ، نشرت منصة القدرات العسكرية السودانية تقريراً عن دعم بعض الأطراف الليبية لمليشيا الدعم السريع المتمردة ، وورد بوضوح دور هذه الكتيبة ، وجاء فيه ( لواء سبل السلام متورط بشكل أساسي فى تسهيل امدادات الدعم السريع بالوقود والسيارات وزيوت محولات الكهرباء ، كما يكرس اللواء الطرق الآمنة لمرور المرتزقة الاجانب) ، ومما يعزز معلومات منصة القدرات العسكرية السودانية هو وجود اعداد كبيرة من مرتزقة قبائل التبو الليبية بالإضافة إلى مجموعات ذات توجهات (ارهابية) من منطقة شمال وغرب القارة الافريقية حيث تربط آمر الكتيبة صلات وثيقة مع هذه المجموعات..
وكشفت تحقيقات فرانس 24 ، (26 يناير 2025م) عن تورط هذه الكتيبة فى مهام تهريب المرتزقة الاجانب (كشفت تحقيقات صحفية، أجرتها قناة “فرانس 24″، عن ( تورط قوات قائد القيادة العامة، خليفة حفتر ، في تهريب أسلحة ومرتزقة إلى السودان، لصالح قوات الدعم السريع، رغم الحظر الأوروبي المفروض على تصدير السلاح إلى السودان.
ووفقا لتحقيق القناة فان ( شحنة قذائف هاون بلغارية الصنع من الإمارات إلى شرق ليبيا، قبل أن تنقل برا عبر الصحراء إلى السودان، وتولت كتيبة تعرف باسم “لواء سبل السلام”، المتمركزة قرب مدينة الكفرة، مسؤولية تأمين الطريق الذي تستخدمه القوافل المسلحة.
كما أظهرت التحقيقات أن مرتزقة كولومبيين، عبر شركات كولومبية وإماراتية، تم نقلهم من أبوظبي إلى مدينة بنغازي، كما خضعوا لتدريبات وإشراف من قبل عناصر تابعة لقوات الدعم السريع، قبل توجههم إلى السودان.
وأكد باحثون أن هناك تحالفًا غير معلن بين حفتر وقوات الدعم السريع، يعود إلى مرحلة الحرب الليبية، حيث يعتقد أن قوات الدعم السريع قدمت دعما لحفتر، وفي المقابل يرسل حفتر ذخيرة وأسـ.ـلحة ومنتجات نفطية لقوات الدعم السريع)..
بالرغم من أن تكوينها جاء من خلال تبرعات ما اسموه (الجماعات السلفية) ، إلا أن الكتيبة اصبحت تحت رئاسة القيادة العامة للقوات الليبية وتحت اشراف مباشر من صدام خليفة حفتر ، فكيف نشأت ومن هو آمرها الشيخ هاشم عبدالرحمن ؟..
من ابرز محطات الشيخ هاشم هو دوره فى كتيبة ثوار ليبيا 2012م بالجنوب ثم انخراطه في حرس الحدود ومحاربة مهربي السلاح والذخائر والمخدرات فى المثلث الحدودي..
فى العام 2014م ، وبعد تقاعده عن كتيبة ثوار ليبيا ، عاد إلى الميدان وبدأ فى جمع تبرعات من رجال الاعمال لتأمين منطقة الكفرة ، وتوسعت ادوار الكتيبة بعد تبعيتها إلى قوات حفتر واحلالها بدلاً عن كتيبة ثوار ليبيا…
وللشيخ هاشم علاقة وثيقة بالحركات والجماعات الجهادية فى الغرب الافريقي..
فى 6 مايو 2025م ، اعاد موقع “أفريكا إنتيليجنس” للأذهان دور الكتيبة وجاء فى تقريره ( إن مجموعة “سبل السلام” المسلحة التي تستقر في الكفرة وتنشط في مناطق جنوب شرق ليبيا قرب الحدود الليبية مع تشاد والسودان ومصر تثير القلق بين الحكومات الغربية.
وقال الموقع إنه منذ اندلاع الصراع في السودان، شوهدت قوافل من البنزين والأسلحة تتحرك باتجاه الحدود الليبية مع السودان في المنطقة التي يسيطر عليها أفراد “سبل السلام”، وتشير هذه التحركات إلى وجود اتصال بين الميليشيا وقوات الدعم السريع التابعة لـ”حميدتي)..
كل هذه الاشارات تؤكد ثلاث حقائق مهمة:
– أن بلادنا تخوض حرباً ومؤامرة ذات أطراف متعددة ومصالح متعددة ، وفى سبيل ذلك تم توظيف كل وسيلة للخراب والدمار والمرتزقة والسلاح والموارد ، وهذه واحدة من تلك الآليات..
– أن وصول متحرك محور الصحراء إلى المثلث الحدودي يمثل نقطة محورية فى المعركة ، حيث قطع شريان الدعم المفتوح من ليبيا واحداث خلخلة فى التحالفات الخفية ، وهذه ابعاد استراتيجية لا يدركها البعض أو حتى ليس له الوقت للنظر إليها وهو مستغرق فى قضايا والاحداث اليوم..
– وثالثاً: الخفي فى الاجندة الأجنبية أكثر وأكبر مما يبدو ، وكل يوم نستكشف أبعاداً جديدة تتجاوز قدرات المليشيا المجرمة إلى ادوار شبكات قوى دولية واستخبارات عالمية وجماعات من تجار الحروب من العابرين للحدود.
حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق علي
7 يونيو 2025م..