الحرب على غزة: الفلسطينيون يتضورون جوعاً.. يجب أن يبدأ في الحال الإنزال الجوي للغذاء
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
كفلسطيني بريطاني أشاهد طوال حياتي الفظائع التي ترتكب ضد شعبي، ينتابني شعور بأن العدوان الحالي أسوأ من كل شيء سبقه.
وكعامل إغاثة بخبرة عقود من التعامل مع الأزمات الإنسانية، يبدو لي أن المعاناة المتنامية في غزة أكثر حدة من أي شيء رأيته حتى الآن. للأسف، لا ينطلق هذا الشعور من تحيز للماضي القريب، بل هو واقع يقوم على الحقائق.
تؤكد وكالة التصنيف المرحلي للأمن الغذائي المتكامل، التابعة للأمم المتحدة، أن "هذه أكبر شريحة من الناس تواجه أعلى مستوى من الانعدام الحاد في الأمن الغذائي مقارنة بكل ما صنفته الوكالة حتى الآن في أي بلد من البلدان."
في عالم يندر أن تجد فيه من يقف بالمرصاد للانحراف في السلوك الإنساني، يعاني أهل قطاع غزة حالياً من أفعال غير مسبوقة في قدرة جنسنا البشري على الإفساد وسفك الدماء وتدمير حياة الآخرين.
والآن تتربص المجاعة الكارثية بقطاع غزة لأن الناس يخضعون لتجويع متعمد وحرمان من الأساسيات التي يحتاجها البشر كي يبقوا على قيد الحياة – الغذاء والماء.
إن حرمان الناس من الأشياء التي يعتبرها الناس في بقية العالم من البديهيات، مثل أن تكون البيوت مزودة بالكهرباء، وألا تكون المستشفيات ممتلئة بالمرضى لدرجة أن يتم إجراء العمليات الجراحية لهم بدون مخدر، أو أن يأوي الأطفال إلى النوم دون أن يخشوا تساقط القنابل على رؤوسهم – كل تلك أدوات تستخدم لتسعير الجحيم الذي يعيش فيه الفلسطينيون في قطاع غزة.
علينا أن نواجه هذه الأفعال غير الإنسانية بأفعال إنسانية. إذا كانت لدى إسرائيل وسائلها الخلاقة التي تستخدمها لإزهاق أرواح الآلاف المؤلفة من الناس في غزة، فإنه يجب علينا أن نطور أساليب خلاقة لدعم الفلسطينيين الذين يتعرضون لمستويات غير مسبوقة من المشقة.
لقد رأينا فرنسا والأردن ينزلون آلاف الأطنان من المساعدات الطبية جواً لإغاثة المستشفيات التي لم تعد قادرة على تحمل الأعداد المتزايدة من المدنيين الجرحى والقتلى.
إذا استمر تجاهل النداءات العالمية للسماح بتوصيل مستوى من المساعدات إلى الناس براً، فإن العالم يتحمل مسؤولية توصيل المزيد من الدعم إلى الناس عبر أي وسائل ممكنة. إذا لم يسمحوا لنا بالمساعدة براً أو بحراً، فإن علينا أن نحاول جواً.
عواصف الشتاء
قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان ما يقرب من 500 شاحنة مساعدات تعبر إلى داخل غزة يومياً. تقلص هذا العدد الآن إلى ما يقرب من مائة.
وأولئك الذين يتمكنون من العبور يعيق عملهم تعطل شبكات الهاتف بشكل تعسفي، والأضرار التي لحقت بالطرق، والقنابل التي يتم إسقاطها دون أن تبذل جهود تذكر لحماية المدنيين وعمال الإغاثة.
والمساعدات التي يسمح بدخولها تتجه بشكل أساسي نحو جنوب القطاع من خلال معبر رفح الحدودي، مع أن الحاجة في شمال القطاع لا تقل عن حاجة جنوبه، إن لم تكن تفوقها بمراحل.
كما أننا ندخل إلى أعماق الشتاء الآن، وتهب العواصف على المنطقة. في هذه الأثناء يعاني ما يقرب من 1.7 مليون إنسان من التشرد، وقد نزحوا عن بيوتهم، علماً بأن العيش في ملاذات متضررة ومهدمة، في ظروف شديدة البرودة، يمكن أن يكون فتاكاً.
تم من قبل إنزال المساعدات الإنسانية جواً، كما حدث مؤخراً بهدف إنقاذ حياة الناس في أماكن محاصرة داخل سوريا، وقبل ذلك في حالة اليزيديين المحشورين على جبل سنجار، والبوسنويين المحاصرين في موستار، والتجمعات السكانية في جنوب السودان بعد أن تقطعت بهم السبل بسبب الصراع.
لا يمكن المجادلة بأن الطحين وعبوات مياه الشرب والأطعمة المتخصصة المصممة للناس الذين يعانون من سوء التغذية، مثل بلامبي نات، أو الخيام، يمكن أن تتحول إلى أسلحة تستخدمها التشكيلات العسكرية.
تحديات لوجستية
يمكن لإنزال المساعدات جواً على السكان المدنيين أن يساعد في التغلب على التحديات اللوجستية ويذلل مصاعب التوزيع التي تواجهها منظمات الإغاثة حالياً. وإذا ما تم فعل ذلك بالتنسيق مع التشكيلات العسكرية، فسوف تتقلص الأخطار المحدقة بالقائمين على توزيع المساعدات.
تشكل عمليات الإنزال الجوي تحديات لوجستية. إذ لابد من إنزال المواد بالتنسيق مع الفرق المتواجدة على الأرض، والتي يمكن أن تقوم بتوزيعها حسب حاجة الناس إليها. يمكن للدقة أن تشكل تحدياً، إذ قد تتعرض الطرود للكسر أثناء الإنزال.
بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن تزويد الطائرة بالوقود أعلى كلفة بكثير من تزويد الشاحنة بالوقود. ولذلك، من المؤكد أن هذا ليس حلاً أفضل من حيث التكلفة، ولا ريب إذ ذاك أنه سيكون بمثابة الملاذ الأخير.
ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي، من المؤكد أننا وصلنا إلى النقطة التي بات الخيار الوحيد المتاح هو خيار الملاذ الأخير.
لا يوجد سبب مقبول إنسانياً للتقاعس عن البدء بمحاولة إنزال الأطعمة ومياه الشرب جواً على غزة.
لدينا في قطاع العمل الإغاثي ما لا يحصى عدده من الشاحنات المحملة بالمساعدات والتي هي على أهبة الاستعداد للتوزيع على الناس في غزة، ومانحونا، الذين تنفطر قلوبهم لما يرونه من مشاهد على شاشاتهم، على استعداد للتمويل أكثر وأكثر.
إن كارثة انعدام الأمن الغذائي عرض من أعراض مرض سياسي. بإمكان العاملين في القطاع الإغاثي، إذ يبحثون عن سبل جديدة لتوصيل المساعدات، فقط إبطاء معدل الوفيات بين الناس – ولكن لا يمكنهم في نهاية المطاف الحيلولة دون تعرضهم للموت.
والحقيقة المحزنة هي أنه بدون وقف فوري لإطلاق النار، لن تجدي عمليات الإنزال الجوي نفعاً كثيراً.
ميدل إيست آي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة احتلال غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الناس فی
إقرأ أيضاً:
طائرات "الإنزال الجوي".. صفيرها لأطفال المجوّعين وحمولتها لـ"مناطق حمراء"
غزة - خاص صفا
بعد أن انقطعت أنفاسهم وهم يركضون وأعينهم تحدق بالمظلات التي أسقطتها طائرات الإنزال الجوي للمساعدات، وإذ بها تستقر للمرة الثانية في منطقة يتواجد فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى أعتاب قريبة من منطقة قيزان النجار شرقي محافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة، توقفت جموع اللاهثين وراء صناديق المساعدات التي أسقطتها إحدى الطائرات العربية، بتنسيق مع جيش الاحتلال، لتكون من نصيب الأخير.
يستهزىء محمد شراب أحد الشبان الذين حاولوا الوصول للمساعدات الجوية: "هذا نظام منكم وإليكم"، في إشارة لسقوطها بمنطقة يتواجد بها الجيش.
وبدأت طائرات من بعض الدول العربية منها الإمارات والأردن ومصر، بعمليات إنزال جوي للمساعدات عبر المظلات، بعد سماح جيش الاحتلال لها بذلك، في ظل حرب إبادة ومجاعة تتعرض لها غزة منذ خمسة أشهر.
منهم وإلى الجيش
يضيف شراب "بالأمس نزلت المظلات قرب جورت اللوت وما لحقناها، واليومي قيزان النجار، وبالتأكيد الجيش هناك يتلقفها".
يكمل متعجبًا "لما فكّر العرب يساعدوننا، أنزلوا المساعدات على الجيش الذي يقتلنا!".
وباستخدام هاتفها النقال وثقت الفتاة شيماء أبو تيم، سقوط مظلات المساعدات قرب سجن أصداء ظهر اليوم.
وهي تقول: "وين مكان الجيش نزلت، وكأن الطيّار حاسبها بالملم".
وتضيف "الناس تركض وراء المظلات وبعضهم أكمل طريقه والمعظم عاد، لأن الدبابات قريبة من مدينة حمد، وأصدر ومن يصل هناك يستشهد، لأنها منطقة حمراء".
لكن الطفل عَمر وأقرانه لا يتمتعون إلا بصوت ومنظر الطائرة وهي تمر من فوق خيامهم بمنطقة المواصي في خانيونس، غير آبهين لما تحمله من طعام، رغم وجوههم الشاحبة جوعًا وفقرًا وحربًا.
وفي الوقت الذي تسقط فيه صناديق الإنزال الجوي بمناطق يصنفها جيش الاحتلال بأنها حمراء، ويقتل كل من يخطوها، تقتل صناديق أخرى بعض المجوعين داخل خيامهم أو منتظريها، بسقوطها المفاجىء فوق رؤوسهم.
وتؤكد منظمات أممية أن عمليات الإنزال الجوي ليست سوى مزيد من الإذلال والتجويع، وهي لا تكفي أدنى احتياجات سكان القطاع، الذين يعانون من مجاعة، أودت بحياتك ما يزيد عن 147 مدنيًا معظمهم أطفال.
وخلال عمليات الإنزال الجوي أصيب عشرات المواطنين بجراح متفاوتة، مع العلم أن هذه العمليات سبق وأن ثبت فشلها وعدم نجاعتها، حينما تم تنفيذها خلال فترة وجيزة من العام الأول لحرب الإبادة على غزة، المستمرة منذ أكتوبر عام 2023.
ويتم إسقاط حوالي 52 طردًا في اليوم على قطاع غزة من قبل الأردن ومصر والإمارات، بشكل عشوائي، وهو ما يجعل بعضها يسقط في مياه البحر.
ومن المتوقع أن تنضم ألمانيا وفرنسا أيضًا إلى عمليات الإنزال الجوي.
وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إن الإسقاط الجوي للمساعدات في غزة يحدث ضجة إعلامية لكن ليس له أي تأثير على الأرض.
وتشير الوكالة الأممية إلى أن ما ألقي على قطاع غزة من خلال الإنزالات الجوية يساوي أقل من 1% من حاجة قطاع غزة اليومية.
ويؤكد وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، توم فليتشر أن واحدًا من كل ثلاثة فلسطينيين بغزة لم يأكل منذ أيام.
ووصفت حركة "حماس" عمليات الإنزال الجوي بأنها "مسرحية هزلية"، مؤكدة أن إدخال الغذاء والدواء فوراً وبطريقة كريمة هو التعبير الجدي والحقيقي عن جدوى استمرار المفاوضات.
وبدعم أمريكي ترتكب "إسرائيل" حرب إبادة جماعية وجريمة تجويع، أدت لاستشهاد ما يزيد عن 59,821 شهيدًا بالإضافة لـ 144,851 إصابة، منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م.