الرسول يهدّد ويتوعد فمن يعاند؟

كتب .. #الشيخ_كمال_الخطيب

عن وقّاص بن ربيعة عن المستورد القرشي رضي الله عنه أنه حدّثه أن #النبي ﷺ قال: “من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من #جهنم، ومن كسي ثوبًا برجل #مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة”.

إنه الحديث الشريف به يحذّر النبي ﷺ من ثلاثة أفعال وممارسات مشينة وممقوتة إذا أتاها المسلم وفعلها ولم يستجب لنداء وتحذير الرسول ﷺ، فإنه #التهديد و #الوعيد من #عقوبة شديدة وعاقبة وخيمة ستنزل بصاحبها من الله جل جلاله يوم القيامة.

مقالات ذات صلة تسريبات حول صفقة تبادل أسرى جديدة / تفاصيل 2024/01/26

فمن أكل بمسلم أكلة

فمن أكل برجل مسلم أو امرأة مسلمة أكلة بأن نال من ذلك المسلم بغيبته أو الطعن بعرضه، أو أذاه أو أفشى له سرًا عند عدوه ومن يبغضه ومن يرغب بالنيل منه ومكافأة له على ذلك، فإن ذلك العدو المبغض قد أطعمه طعامًا أو أعطاه مالًا، يكون جزاؤه يوم القيامة من جنس العمل “فإن الله يطعمه مثلها في جهنم”. لكن طعام جهنم ليس كطعام الدنيا، إنه الطعام الذي وصفه الله في آيات كثيرة يجب أن تستوقف كل عاقل، قال الله تعالى في وصف طعام أهل النار: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ*لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ} آية 6+7 سورة الغاشية، والضريع هي شجرة ذات شوك يابس ليس لها ورق ولا تقربها دابة ولا ترعاها البهائم. وطعام آخر قال عنه سبحانه: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ} آية 43-44 سورة الدخان، والزقوم شجرة خلقت من النار وغُذّت منها، قال ﷺ: “لو أن قطرة قطرت من الزقوم في الأرض لأمرّت على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمن هو طعامه وليس له طعام غيره”. وطعام آخر هو الشوب {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ} آية 67 سورة الصافات، فإذا أكلوا الزقوم شديد المرارة فأرادوا أن يشربوا ماء ليذهب مرارته، شربوا من الحميم وهو الماء شديد الحرارة، فأصبح خليط الزقوم والحميم يسمى شوبًا.

وطعام آخر قال عنه سبحانه: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ*وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ*لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} آية 36-37 سورة الحاقة، والغسلين هو صديد أهل النار وقد ارتفعت حرارته فأصبح {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } آية 45-46 سورة الدخان. فإذا كان ذلك الذي لم يستجب لتحذير وتهديد ووعيد رسول الله ﷺ وقبل أن يأكل بمسلم أكلة فدعي إلى مطعم من ذلك العدو الذي باع له أخاه وهناك عرض عليه لائحة أصناف الطعام (menu) ليختار منها ما لذّ وطاب، فإن عليه أن يتذكر أن عقوبة ذلك ستكون أن يُسحب على وجهه إلى النار وهناك سيجد لائحة طعام أهل النار (menu) التي تتضمن الزقوم والضريع والغسلين والشوب والصديد والطعام ذا الغُصّة {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا*وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} آية 12-13 سورة المزمل.

وفي مقابل ذلك فإن المسلم الذي لا يقبل ويرفض أن ينال من مسلم عند عدو ومبغض ولو كان بذلك سيخسر مالًا بل ولعله سيؤذى، فإن جزاءه عند الله ما قاله رسول الله ﷺ: “من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة”. فما قيمة الطعام والمال والمنصب والجاه يحصّله أحدهم ممن يرغب من النيل من عرض أو كرامة أو حرمة أو دم أخيه المسلم مقابل دنيا فانية وعقوبة في نار جهنم دائمة.

ومن كُسِيَ بمسلم كسوة

واما الفعل الثاني المشين والممقوت الذي حذر النبي ﷺ المسلم من أن يفعله وإلا فإنه التهديد والوعيد لمن فعله وارتكبه: “ومن كُسِيَ ثوبًا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم” فمن طعن بأخيه أو أفشى سرّه أو نال من عرضه عند من يسعى للنيل منه فكافأه على ذلك بقميص أو لباس أو بدلة أو حذاء جميل وثمين أو أي جائزة مقابل فعلته تلك، فإن جزاءه سيكون من جنس عمله، إنه سيُكسى كسوة ويلبس ثوبًا من جهنم يوم القيامة “فإن الله يكسوه مثله من جهنم”. ولكن إذا كانت ماركة القميص أو الحذاء من أشهر الماركات العالمية، فإن ماركة ثياب جهنم مما قال الله في وصفها: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} آية 19 سورة الحج، إنها ثياب مصنوعة من النحاس المذاب يصب صبًا يتلبس أجسادهم، حتى أن إبراهيم اليمني كان إذا قرأ هذه الآية قال: “سبحان من قطع من النار ثيابًا”. وقوله سبحانه في وصف لباس أهل النار: {وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار} آية 48-49 سورة إبراهيم، إن سرابيلهم، أي قمصانهم من القطران الذي تطلى به جلود الإبل المصابة بالجرب لأجل علاجها من شدة حرارته على الجلد، وهو أسود شديد الاشتعال وهو المعروف بالعامية “الزفت”.

وأما من رفض ذلك العرض وذلك الإغراء ولم ينل من عرض أخيه ولا سمعته ولم يفشِ له سرًا عند عدو مبغض، فإن جزاءه كما قال ﷺ: “من حمى مؤمنًا من منافق بعث الله ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم”.

سيفضحه الله يوم القيامة

وثالث هذه الأفعال والممارسات المشينة والمقيتة التي هدّد النبي ﷺ وتوعد فاعليها إن لم يستجيبوا للتحذير والنصح بعدم فعلها والإقلاع عنها، فهي قوله ﷺ: “ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة”. إنه ذاك الذي يظهر شخصًا بغير ما فيه، يظهره ويصفه ويمدحه ويتملقه بأوصاف الصلاح والتقوى والعلم والفضل وهو ليس كذلك، من أجل أن ينال بما قاله المال رغم أن كل ما قال فيه كان سمعه ورياء، فإنه يوم القيامة سيجازى من نفس جنس فعله كما قال ﷺ:” فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة، فيأمر الله ملائكة من ملائكته فيُفعل به ومعه بنفس ما فعل ويظهر على رؤوس الأشهاد أنه كذاب أشر”. فمن يقوم بين يدي أهل المال من أجل مالهم وأهل الجاه من أجل جاههم رياء وكذبًا فإن الله سيفضحه يوم القيامة.

تموت الحرة ولا تأكل بثدييها

ما أكثرهم أولئك الذين ملأوا جيوبهم وأرصدتهم وملأوا كروشهم وبطونهم، بل إنهم الذين صُبّت عليهم الأموال صبًا من جهات وجمعيات ودول وحكومات مقابل أنهم الذين نالوا من مسلمين ومن شرفاء وصادقين فأساؤوا إليهم وأفشوا أسرارهم.

ما أكثرهم الذين نالوا مراتب وحازوا مواقع وتبوأوا مناصب وأصبحوا يشار إليهم بالبنان بسبب مواقفهم وسياساتهم وآرائهم التي ضربوا فيها عرض الحائط مصالح أمتهم وثوابتها . ما أكثرهم الذين صُنعوا في مكاتب مخابرات الدول والأنظمة صناعة دقيقة سخرت ماكينة الإعلام لتلميعهم ثم تم تسويقهم أنهم الأبطال والمفكرون والسياسيون والواقعيون، وأنهم الذين يسعون لتحقيق مصالح شعوبهم.

وإذا كانت العرب قد قالت: “تموت الحرة ولا تأكل بثدييها” أي أن الشريفة العفيفة بنت الأصل إذا جار عليها الزمان وأصبحت فقيرة ومحتاجة، إنها تفضل الموت جوعًا على أن تبيع شرفها أو أن تتاجر بعرضها وعفّتها مقابل مال تشتري به طعامًا، إنها تفضل الجوع على العار.

ما أكثرهم الذين احترفوا الزنا السياسي وامتهنوا الدعارة السياسية في حياتهم، وكلّ مرة يطرحون الطروحات ويقفون المواقف التي تتلاءم مع من يدفع الثمن أكثر. ومع الأسف إن من هؤلاء ليسوا فقط سياسيين بل إنهم علماء ومشايخ ودعاة رقصوا على أكثر من حبل وهتفوا لأكثر من سيد. وإذا كانت تلك تبيع عرضها من أجل المال، فإن هؤلاء باعوا دينهم من أجل المال، وإذا بهم قد أكلوا أكلة ولبسوا لبسة قد ألقاها إليهم طاغية وظالم وعدو مقابل أن أساؤوا وتطاولوا وظلموا ونالوا من إخوة لهم، فإن الله سيطعمهم مثلها في جهنم وسيكسوهم مثلها في جهنم.

ولأن بوصلة هؤلاء قد انحرفت، ولأن هويتهم قد تشوهت فإنهم يظنون أنهم بأكلة أو كسوة بها باعوا وفرّطوا في إخوة لهم، أن هذا من أسباب سعادتهم، فإنها في الحقيقة من أسباب شقائهم في الدنيا والآخرة، كما قال الشاعر:

قالوا السعادة في الغنى فأخو الثراء هو السعيد

قالوا السعادة في النفوذ وسلطة الجاه العتيد

قالوا السعادة في السكون وفي الخمول وفي الخمود

قل للذي يبغي السعادة هل علمت من السعيد

إن السعادة أن تعيش لفكرة الحق التليد

لعقيدة كبرى تحل قضية الكون العتيد

للناس أرباب ولكن ربّه ربّ وحيد

لا ينحني إلا له عند الركوع أو السجود

لا يلتوي كالأفعوان ولا يطأطئ كالعبيد

وإذا أريد على الدنية قال: لا أريد

ومن جلس بالإسلام جلسة

وإذا كان النبي ﷺ قد هدّد وتوعّد من باع وفرّط بأخيه المسلم من أجل أكلة أو من أجل كسوة لينال بذلك حظوة عند حاسد أو حاقد أو عدو متربص، فكيف بمن باعوا وفرّطوا وليس بشخص، بل إنهم باعوا شعبًا بأكمله، باعوا غزة بأطفالها ونسائها وشيوخها، باعوا غزة بمساجدها ومدارسها ومشافيها ومقابرها؟ فكيف بمن باعوا القدس وباعوا الأقصى والصخرة وباعوا الحرم والمسرى، باعوا شقيق المسجد الحرام ومسجد النبي ﷺ؟ كيف بقادة وزعماء ورؤساء وملوك وأمراء؟ كيف برئيس فلسطين ينخرس بل وفي داخله كان يتمنى سرعة سقوط غزة من أجل أن يتربع على كرسي رئاسة لا يستحقها، ومن أجل أموال تهبه إياها الدول الغربية وتهبه إياها حكومة إسرائيل التي قتلت أطفال شعبه ونساء شعبه، وهو ما يزال يقوم بمهمته وتقديم الخدمات لمن يحتل أرضه ويقتل شعبه.

وكيف برئيس مصري خنق مليونين من العرب والمسلمين لهم عليه حق الجيرة وحق العروبة وحق الإسلام ولم يقم بالحد الأدنى من واجبه الإنساني لإطعامهم ولا لإشفائهم وعلاجهم، وكل ذلك من أجل هبات وعدته بها أمريكا وإسرائيل لضمان بقائه على كرسي الحكم في مصر التي انقلب فيها على رئيس شرعي هو الشهيد محمد مرسي كرمال عيون إسرائيل وأمريكا؟

وكيف بزعماء عرب ومسلمين من أبطال مشاريع التطبيع الذين انخرسوا وصمتوا عما يجري في المسجد الأقصى المبارك من انتهاكات وتدنيس وتهديد خطير بهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه وهم الذين سبق وأعلنوا وفق اتفاقية أبراهام التي وقّعوها أن من حق كل من هو من سلالة إبراهيم من غير المسلمين، أي اليهود والنصارى، الصلاة في المسجد الأقصى، وهم يعلمون أن النصارى لا يطالبون بذلك وإنما كانت تلك العبارات لتبرير حق مزعوم لليهود في المسجد الأقصى.

ما أكثرهم الذين أكلوا بشعوبهم أكلة ولبسوا بالإسلام لبسة فكان جزاؤهم على حرب شعوبهم وحرب الإسلام كراسي وعروش يجلسون عليها أوصلها إليهم أعداء الإسلام، وهم من يقومون على حمايتهم وتثبيت أركان حكمهم. فليس أن هؤلاء سيفضحهم الله في الدنيا ويخزيهم ويهدد ويهدّ عروشهم، وهو آت في ربيع إسلامي قادم وقريب إن شاء الله تعالى.

وإنما هم الذين سيكون جزاؤهم يوم القيامة من جنس عملهم حيث ستكون مجالسهم ومواقعهم ومساكنهم ليست إلا كما قال الله سبحانه: {إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلْأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} آية 145 سورة النساء. وما قاله رسوله ﷺ: “وإن مجلسه من جهنم كما بين مكة والمدينة”، في إشارة إلى تضخم جسم الكافر والمنافق “ومن أكل بمسلم أكلة أو أجلسه جلسة”. وكلما كان الجسم ضخمًا كان العذاب أكثر إيلامًا.

ما أشقاهم أولئك الذين يتهددهم ويتوعدهم رسول الله ﷺ، ويظلّون في غيّهم سادرين.

ما أشقاهم الذين يبيعون دينهم بدنيا غيرهم. ما أتعسهم الذين سيكون خصمهم يوم القيامة ليس إلا رسول الله ﷺ {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} آية 42 سورة النساء.

ارفع رأسك فأنت مسلم.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا .

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الشيخ كمال الخطيب النبي جهنم مسلم التهديد عقوبة یوم القیامة رسول الله ﷺ أهل النار فإن الله النبی ﷺ کما قال من جهنم من أکل من أجل طعام ا ما قال

إقرأ أيضاً:

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

هناك عادة يتم تبريرها من جهة أن الجيران هم الذين يقومون بإعداد هذه الوجبات الأولى، وأن الوجبة تُعد غداء مثلًا بعد الدفن أو عشاء بعد الدفن كذلك، وأيضًا في الأيام الثلاثة التي فيها أيام العزاء يقوم الجيران بإعداد الطعام للمعزين الذين يأتون من أماكن بعيدة، فما حكم هذا التصرف؟

الحقّ أن في هذه التصرفات، مع التوسع فيها وإيجاد المسوغات، تركًا للسنة، أو أن فيها تركًا للسنة، وإصرارًا على الاستمرار في هذه العادات التي تثقل كاهل الأسر وتثقل كاهل المجتمع، ولا سبيل إلى التقليل منها إلا بتعاون الجميع، واليوم السبل ميسّرة، فإن الناس يسافرون ويذهبون ويجيئون، ولا يجدون حرجًا في تهيئة الطعام الذي يحتاجون إليه في أوقاته، فإما أن يكون لهم قريب أو صديق، أو أن يأكلوا طعامهم في شيء من هذه الأماكن المعدّة لذلك.

لكن أن يشتغل الناس بإعداد الطعام وهم في حالة دفن الميت، فهذا يمكن أن يضيع عليهم ما هم أولى بالاشتغال به من حضور الجنازة وتشييعها وأداء حق هذا المسلم الميت، وفيه كما تقدّم تشجيع على أن يأتي الناس من أماكن شتّى؛ لأنهم ألفوا أن يجدوا الطعام معدًّا، ولذلك فإنهم لا يكترثون بالمواقيت، بالمواعيد التي يأتون فيها، ولا بأحوال الميت وأسرته، لأنهم يحملون الأمر على أن الجيران أو الأقارب هم الذين أعدّوا هذا الطعام.

وسمعتُ في السؤال كأنه يقول: الغداء والعشاء، وكذلك في أيام العزاء أيضًا الغداء والعشاء، هم وضيوفهم، وينبغي للمعزين أنفسهم إن كان ولا بدّ أن يذهبوا للتعزية أن يتحرّوا غير أوقات الطعام، وأن يتحرّوا غير أوقات الراحة؛ لأن في ملازمة العزاء لأهل المصاب عناء ومشقة لا يجهلها الناس، ففيه عناء كثير، ولا بدّ لهم من شيء من الراحة واستجماع قواهم ليتمكنوا من استقبال المعزين.

فعلى الناس أن يتعاونوا في مراعاة الأوقات وفي التخفيف عن أهل العزاء، ومنهم الجيران والأقارب، أما مع هذا التوسع بدعوى أن الأقارب والجيران هم الذين يُعدّون هذا الطعام لأهل الميت، فيبدو أن أهل الميت هم في آخر قائمة الاهتمامات، وإنما المقصود هو المذمّة من الضيوف، من المعزين الذين يأتون، ويُترك صحن لأهل البيت، لأهل العزاء.

فإذا لا بد أن يتعاون الجميع، ولا شك أن الحال اليوم أيسر مما كان عليه الحال قبل سنوات، حينما يتكلف أهل العزاء، وقد يكون ذلك من تركة الميت، وفيهم قُصَّر وأيتام، اليوم وُجدت هذه الصناديق الأسرية، والأقارب، والجيران، ولكن هذا لا يعني أن نستمر في هذه العادات، ينبغي أن نُقلّل منها، وأن نتحرى الأوقات التي هي غير أوقات الوجبات، وأن نخفف على أهل المصاب قدر ما نستطيع، ووُجدت اليوم من وسائل إيصال التعازي ورسائل المواساة وسائل كثيرة، ينبغي أيضًا أن يُستفاد منها، وألا يُحرِج الناسُ بعضُهم بعضًا في هذا الشأن، فينبغي أن يتعاون الجميع حتى نجعل من هدينا وسيرتنا في أيام العزاء أقرب ما يكون إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى المستعان.

هل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقرأ سورة الكافرون في الركعة الأولى من الضحى، وفي الثانية الإخلاص؟

أما في صلاة الضحى فلا أحفظ أنه ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقرأ فيها سورة الكافرون وسورة الإخلاص، ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ بهاتين السورتين في سنة المغرب وفي سنة الفجر، وفي ركعتي الطواف، لكن في سنة الضحى لم أطلع أنه مما يُستحب أن يُقرأ في ركعتي الضحى الكافرون والإخلاص، وردت رواية لكنها ضعيفة، وبعضهم يقول موضوعة، في الضحى بقراءة «والشمس وضحاها» في الأولى، وقراءة «الضحى» في الثانية، لكنها كما قلت ضعيفة ضعفًا شديدًا.

ابني مريض منذ سبعة أشهر ولا يزال يتلقى العلاج في أحد المستشفيات، إلا أن بعض المقرّبين وبعض الناس يُلِحّون عليّ في تغيير اسمه، زاعمين أنه سيشفى بعد تغيير الاسم، مع أن اسم ابني اسم نبي، وهو داوود عليه السلام، كيف نرد على من يقول هذه البدع؟

أسأل الله تعالى الشفاء والصحة والعافية لولده ولسائر ذرياتنا، إنه تعالى سميع مجيب، وأما الجواب فإنه لا صحة لهذا المدعى، لا من ناحية شرعية ولا من ناحية طبية، فليس في الطب أن للأمراض التي يُصاب بها المواليد أو يُصاب بها الأطفال أو الناس علاقة بين الاسم والمرض، ولا يوجد هذا في الشرع، أن إصابة الناس بالأمراض يمكن أن تكون راجعة إلى الاسم، بل يُخشى أن يكون هذا من التشاؤم الذي نُهي عنه في دين الله تبارك وتعالى.

فقد كان أهل الجاهلية يتشاءمون بالأسماء وببعض الحوادث، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الروايات: «لا شؤم»، وفي بعض الروايات: «لا هامة ولا عدوى ولا صفر»، وقال: «ولا شؤم»، فنفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون للطيرة والتشاؤم أي أثر في مجريات الأحداث في هذا الكون، فيما يصيب بني البشر وما يحصل لهم من حوادث.

فعلى من زعم هذا الزعم أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، وأن يوقن أن الطيرة والتشاؤم ليسا من أفعال أهل الإسلام، وإنما هما من أفعال أهل الجاهلية، وأن هذا الدين جاء لنفي مثل هذه الأوهام والمزاعم، والذي يُبتلى ولدُه بشيء من الأمراض لا ينبغي له أن يسمع لهؤلاء، فإن التماس العلاج هو الأصل، وهذا من البلاء الذي يُضاف إلى المرض: أن يسمع مثل هذه الأقاويل، ولأن كل والد يشفق على ولده، فإنه يسعى إلى التماس ما يُخرجه مما هو فيه من بلاء ومرض ومعاناة، فقد يضعف أمام هذه المزاعم والأقاويل التي يوجهها الناس، لكن عليه أن يثبت وأن يحمل نفسه على ما في شرع الله تبارك وتعالى، وأن يوقن أنه لا طيرة ولا شؤم في هذا الدين الحنيف.

فكيف واسم ولد السائل من الأسماء المحمودة، والمحمود من يُسمّى بها تأسّيًا بأسماء رسل الله تبارك وتعالى وأنبيائه الكرام عليهم الصلاة والسلام، فلا يلتفت إلى هذه الأقاويل، وليلتمس العلاج، وليكثر من الضراعة والدعاء لله تبارك وتعالى، وليتصدق، فإن الصدقة تدفع البلاء، وأما ما يتعلق بالاسم فقد تقدم الجواب عنه، والله تعالى أعلم.

يُلاحظ في المساجد اقتطاع الأعمدة لصفّ المصلين، بمعنى أن الأعمدة تقطع صفوف المصلين، مما يؤدي إلى أن بعض المصلين يتجاهلون الصفوف التي فيها الأعمدة ويتقدمون أو يتأخرون، فيخلّ المكان، بمعنى تكون المسافة بعيدة بين الصف والصف الآخر، هل يؤثر هذا على صحة الصلاة للصفوف التي تليها؟ وما حكم الصلاة بين السواري؟

هذه مسألة فيها خلاف عند أهل العلم، وليس حديثهم في حالة ضيق المساجد والجوامع كما يحصل في صلاة الجمعة على سبيل المثال، أو في صلاة القيام، أو في صلوات الجماعة في رمضان من امتلاء المساجد وضيقها بالمصلين؛ فإن الكل متفق من رخّص ومن شدّد في مسألة الصلاة بين السواري، أي الأعمدة الأسطوانية، كلهم متفقون على أنه في حالات الضيق وعند امتلاء المساجد فلا إشكال ولا حرج في أن تُنشأ الصفوف بين السواري، هذا مما ينبغي أن يُنتبه إليه محل اتفاق.

يبقى الحال في حالة السعة: هل هناك حرج في الصلاة بين السواري؟ فيها خلاف، والأقرب هو أن النهي صحيح عن الصلاة بين السواري، فهناك روايات من طريق أنس بن مالك قال: «كنا نُنهى عن الصلاة بين السواري»، وفي بعض الروايات: «ونُطرد عنها طردًا»، وهذه الصيغة تدل على أن الرواية مرفوعة، أي: كنا نُنهى ونُطرد أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقول الصحابي: «كنا نؤمر» أو «كنا ننهى» هو في حكم المرفوع.

وروايات أخرى أيضًا من طريق معاوية بن قرة، والحديث صحيح أيضًا أنهم كانوا ينهون عن الصلاة بين السواري، فذهب الجمهور من الإباضية والشافعية والأحناف والحنابلة إلا المالكية إلى النهي عن الصلاة بين السواري، واختلفوا: هل هو للتحريم أو للكراهة؟ وأكثرهم على أنه للكراهة.

وأما المالكية فإنهم يرخصون، فيُروى عن الإمام مالك أنه لا حرج في الصلاة بين السواري، وأُظن أن مما استند إليه القائلون بالجواز أو الترخيص، أو الذين حملوا النهي وصرفوه من التحريم إلى الكراهة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين العمودين، صلى بين الساريتين، ولكن الجمهور ردّوا بأن ذلك خاص بالصلاة داخل الكعبة، وأنه كان منفردًا، لم يكن يصلي في جماعة.

الحاصل أنه ما أمكن اجتناب الصلاة في الجماعة بين السواري فذلك خير وخروج من الخلاف، وينبغي أن تتصل الصفوف وألا يُقطع بينها قاطع، لكن هذا القاطع من السواري أو الأعمدة لا يؤدي إلى انتقاض الصلاة، لا يؤدي إلى نقض صلاة ذلك الصف؛ لأنه فاصل طبيعي، فهو ليس بالفجوة التي يمكن ملؤها وقصّروا في ملئها، وإنما هو فاصل طبيعي استدعاه بناء المسجد أو الجامع.

لكن قدر المستطاع يُجتنب الصلاة بين السواري في المساجد في حال السعة، فإن فعلوا ذلك فلا يضيرهم، وإن أمكن لهم أن يجعلوا الصفوف متقاربة وأن يجتنبوا مواضع السواري فذلك خير، فإن لم يمكن لهم وكان الصف من وراء السارية فلا حرج إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.

مقالات مشابهة

  • روائع النغم بصوت ريم كمال في معهد الموسيقى
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • الشيخ خالد الجندي يحذر من الخطأ الشائع في كتابة «اللهم صل على النبي»
  • الرسول وحب من طرف واحد بين صحابي وصحابية!!
  • لم أقصد.. أحمد مراد يعتذر عن تصريحه المثير عن الرسول بسبب "الست"
  • ترامب يعلن احتجاز ناقلة نفط قبالة فنزويلا ويتوعد بهجمات برية
  • الشيخ خالد الجندي يشرح سر دقة العذاب الإلهي ولماذا لا يهلك الكون كله
  • الشيخ خالد الجندي يوضح شروط التوبة الصادقة
  • سلاح يوم القيامة والهوان العربي
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (يا أيها القبر… كم أنت حلو)