الولايات المتحدة وإريتريا.. من صناعة الدولة المنبوذة إلى سياسة الاحتواء
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
في خضم أحداث مضطربة يشهدها القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، بدأ منحنى جديد في العلاقات الأميركية الإريترية بالظهور مع إصدار واشنطن إستراتيجية قُطرية جديدة تجاه إريتريا.
ترسم الوثيقة الصادرة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ملامح تغيرات في المقاربة الأميركية تجاه بلد لطالما ناصبته العداء، حيث نصّت على أن عملية السلام الإثيوبية وخفض أسمرة حضورها العسكري في جارتها الكبرى، يوفران "فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الثنائية مع إريتريا إلى نهاية أكثر إنتاجية".
مضيفة أن سفارة واشنطن في أسمرة ستسعى إلى فتح خطوط اتصال لإقامة قواسم مشتركة تخدم مصالح شعبي البلدين، وللاستماع إلى وجهات النظر الإريترية حول القضايا الإقليمية والدولية.
وفي إشارة إلى التنافس الأميركي مع الصين ورغبة الولايات المتحدة في تعزيز العلاقات مع إريتريا من بوابة التجارة، وضحت الوثيقة أن لبكين استثمارات كبيرة في إريتريا، لكن بالنظر إلى تنوع مجالات الاستثمار في الدولة الواقعة شرقي أفريقيا، فإن واشنطن تتمتع بوضع تنافسي أفضل قياسا بالصين.
ربيع قصيرلطالما اتسمت العلاقات الأميركية الإريترية بالتقلب المستمر، حيث مثلت السنوات بين 1993 و2000 ربيعها الذي ترافق مع إستراتيجية الرئيس الأسبق بيل كلنتون لدعم من وُصفوا "بالقادة الأفارقة الجدد"، في إشارة إلى زعماء إريتريا وإثيوبيا وأوغندا ورواندا.
وفي مقال نشرته نيويورك تايمز ربط الصحفي الأميركي جيمس ماكينلي جونيور تبني بلاده للقادة الأربعة بالرغبة في مواجهة الأصولية الإسلامية التي تهدد مصالح واشنطن، التي كان يمثلها في حينه نظام الإنقاذ في السودان.
ووفق هذه الرؤية شهدت تلك المرحلة تنسيقا أميركيا إريتريا عالي المستوى، تضمن دعم واشنطن جهود أسمرة لإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عقب توجيهها إصبع الاتهام إليه بمساندة معارضين إريتريين إسلاميين، وفقا لما أورده البروفيسور في العلاقات الدولية بجامعة برمنغهام جوناثان فيشر.
عداء وعقوبات
غير أن الحرب الحدودية الإثيوبية الإريترية 1998-2000 وتداعياتها شكلت فاتحة مرحلة جديدة بين البلدين، إذ اتهمت أسمرة واشنطن بالانحياز إلى أديس أبابا، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين الطرفين، وصولا إلى اتهام الولايات المتحدة لإريتريا بدعم حركة الشباب المجاهدين في الصومال في 2008.
في العام التالي حشدت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما جهودها لفرض العقوبات على أسمرة في مجلس الأمن الدولي، ما أسفر عن القرار 1907، كما دعمت واشنطن تبني مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف قرار إنشاء مقرر خاص بإريتريا في 2012، في سياق ما وصفه البروفيسور مايكل ولدي ماريام بـ"صناعة الدولة المنبوذة".
هذا التصاعد العدائي أدى إلى تحول الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى أحد أبرز الناقدين الأفارقة للسياسة الأميركية في القارة، وإلى مبشر بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، متهما واشنطن بالعمل مع إثيوبيا لاستهداف استقلال بلاده منذ أربعينيات القرن الماضي.
من الاحتواء إلى العداءفي مواجهة هذه الضغوط عملت أسمرة على تقوية علاقاتها بخصوم واشنطن، وعلى رأسهم طهران وبكين وموسكو، حيث قرعت أجراس الخطر في أروقة صناعة القرار الأميركية جراء تطور العلاقات الإريترية الإيرانية، وتمدد طهران داخل بيئة البحر الأحمر من خلال الحوثيين، وترسيخ بكين نفوذها الجيوسياسي في جيبوتي.
ووفقا لتحليل منشور على موقع مركز راند الأميركي، فإن تنافس واشنطن مع القوى الدولية كان أولوية بارزة في إستراتيجية إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه أفريقيا الصادرة 2018، بعد عام من إنشاء الصين قاعدتها العسكرية في جيبوتي، واقتراب تسليم الأخيرة ميناء دوراليه الإستراتيجي للشركات الصينية.
أدت الإستراتيجية المذكورة إلى تشجيع التقارب الإريتري الإثيوبي، الذي دعم بدوره التحسن المطرد في العلاقات الثنائية بين واشنطن وأسمرة، ما مثّل محاولة لاحتواء الأخيرة من خلال عملية سلام مدعومة من حلفاء واشنطن في المنطقة.
غير أن العامل الإثيوبي برز من جديد محفزا للعلاقات العدائية الإريترية الأميركية، حيث أدانت واشنطن مشاركة أسمرة المحورية في حرب التيغراي (2020-2022)، وطالبتها بسحب قواتها من إثيوبيا، وفرضت عليها عقوبات شملت الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
أمن البحر الأحمر
ورغم أن الإستراتيجية الجديدة الصادرة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 لم تلغ العقوبات المذكورة، فقد حملت توجهات إيجابية مغايرة، تبدو أكثر وضوحا عند النظر إلى بعض التعديلات التي تمت على نسختها الأصلية الصادرة في مايو/أيار 2022.
وحُذف في النسخة المحدثة ما وُصِف سابقا بأنه هدف الإستراتيجية الأميركية الأساس، والمتمثل في "تنمية الجيل القادم في إريتريا، والاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس الإريتري أسياس أفورقي".
قصر الفترة الزمنية بين موعد صدور النسختين التي لا تتجاوز عاما وبضعة أشهر، يدعو إلى التساؤل عن التغيرات الدافعة نحو هذه التعديلات الكبيرة، ولا سيما أن موقع وزارة الخارجية الأميركية ينص على أن الإستراتيجية القُطرية توضح أولويات واشنطن تجاه الدولة المعنية لمدة 4 سنوات.
في هذا السياق تمثل معالجة الاضطراب الأمني في منطقة جنوب البحر الأحمر أولوية للإدارة الأميركية في المرحلة الحالية، حيث أدى استهداف الحوثيين في اليمن للمصالح الإسرائيلية في منطقة باب المندب، إلى تداعيات هددت سلاسل الشحن والتوريد.
وألقت تلك الاضطرابات بظلالها على الاقتصاد العالمي، الذي ازداد فيه الاعتماد على النقل البحري خلال السنوات الماضية بنسبة تفوق 400%، وفقا لأشرف كشك مدير برنامج الدراسات الإستراتيجية والدولية بمركز "دراسات" بالبحرين.
وتبرز إستراتيجية واشنطن الجديدة تجاه إريتريا كمحاولة لمنع تحول باب المندب إلى منطقة معادية للمصالح الأميركية، حيث تمتلك إريتريا بإطلالتها على الضفة الغربية للممر الحساس أهمية أمنية بالغة الخطورة، في حين راجت سابقا أنباء تتهمها بتمرير أسلحة إيرانية للحوثيين في اليمن، وهو ما نفته أسمرة.
قطع الطريق على طهران
وبالنظر إلى المخاوف من تدهور الأوضاع في المنطقة إلى حرب إقليمية نتيجة استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن الخطوة الأميركية تمثل جهدا استباقيا للحيلولة دون استعادة طهران وأسمرة الدفء في علاقاتهما، التي أصابها الفتور منذ منح الأخيرة الإمارات قاعدة عسكرية لمهاجمة اليمن، ضمن مشاركتها في عاصفة الحزم في 2015.
وتشكل التهديدات الأميركية المستمرة لكل من إريتريا وإيران وتحالف الدولتين مع موسكو وبكين أرضية مشتركة لتنشيط علاقاتهما، في حين تبدو طهران منفتحة على العودة إلى المنطقة، حيث نشرت بلومبيرغ تقريرا عن تقديم إيران دعما للجيش السوداني بطائرات مسيرة.
تراجع سياسة الضغوطمن جانب آخر تبدو إريتريا ضمن حالة السيولة الأمنية التي تعمّ القرن الأفريقي الكبير أشبه ما تكون بجزيرة وحيدة مستقرة، وسط حروب داخلية تهدد كلا من إثيوبيا والسودان بالتفتت والانهيار.
يضاف لذلك تصاعد ملحوظ لنشاط حركة الشباب في الصومال في السنوات الأخيرة، حوّلها من خطر محلي إلى مهدد إقليمي، كما تشهد المنطقة توترا غير مسبوق بين إثيوبيا والصومال، منذرا بانفجار صراع عسكري بين الطرفين.
هذا الواقع يدعو الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في مقاربتها تجاه أسمرة، حيث لم تفلح سياسة العصا الغليظة والعقوبات في الضغط على إريتريا، التي تمتلك العديد من الأوراق المؤثرة في ساحات الإقليم الملتهبة، ما ظهر في أجلى صوره ضمن مشاركتها الحاسمة في حرب التيغراي بإثيوبيا.
محاولة الاحتواء ضمن ترتيبات إقليمية أميركية جديدة بدت واضحة في ترحيب الإستراتيجية المحدّثة بخطوات عدة اتخذتها أسمرة في 2023، كتطوير علاقاتها بكينيا التي تمثّل أحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، وكذلك قرارها بالعودة إلى منظمة "إيغاد" بعد أن علَّقت عضويتها فيها منذ 2007.
توجّه واشنطن الجديد أبرزته إستراتيجيتها التي وضعت على رأس أهدافها دعم السلام والأمن الإقليميين، بما يتضمنه من تشجيع إريتريا على دعم المبادرات العالمية ذات القواسم المشتركة مع الولايات المتحدة، وتعزيز الدعم الإيجابي للحكومة الإريترية لمبادرات السلام والأمن التي تقودها المنطقة.
إبعاد الشبح الصيني الروسي
في ظل توتر العلاقات الأميركية مع أسمرة على خلفية الموقف من حرب التيغراي، شهدت روابط إريتريا مع كل من موسكو وبكين نقلات واضحة.
ففي فبراير/شباط 2021 صرح السفير الإريتري في موسكو بترحيب بلاده ببناء مركز "لوجيستي" روسي على شواطئها، كما كانت إريتريا الدولة الأفريقية الوحيدة التي صوّتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بسحب قواتها من أوكرانيا في أبريل/نيسان 2022.
كما وقّعت الخارجية الإريترية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 على مذكرة تفاهم مع بكين للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، ما يضمن للصين منفذا إلى البحر الأحمر وقناة السويس.
وفي هذا السياق تمثل خطوة واشنطن الجديدة جهدا أميركيا لكبح تسارع العلاقات الإريترية مع الصين وروسيا، ومحاولة لحصار منافستيها اللتين شهد نفوذهما في أفريقيا تمددا كبيرا من خلال سياسة القروض الصينية، ونشاط مجموعة فاغنر الأمنية، في مناطق مختلفة من القارة.
تجسير الهوةصدور الإستراتيجية الأميركية الجديدة قابله صمت إريتري رسمي مطبق، في حين رحبت حسابات الموالين للنظام الإريتري بها كونها انتصارا للسياسة التي اتبعها.
في المقابل يبدو نجاح هذه الإستراتيجية في إخراج البلدين من مربع العداء مرهونا بقدرتهما على تجسير هُوّة عدم الثقة، وهو ما لا يبدو مهمة سهلة بالنظر إلى الصبغة العدائية، التي وسمت علاقاتهما طوال مدة تزيد على العقدين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: نوفمبر تشرین الثانی الولایات المتحدة البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
العقوبات النفطية قد تقوِّض نفوذ الولايات المتحدة
قبل 600 سنة تقريبا عندما فتح العثمانيون القسطنطينية تعلَّموا خطرَ الإفراط في التمدد الإمبراطوري.
ففي محاولة لمعاقبة التجار الأوروبيين الذين كانوا يكرهونهم فرض العثمانيون رسوما وعقوبات على سلوكهم طريق الحرير المشهور. رد البرتغاليون بتطوير طرق بحرية إلى آسيا. وقاد الصراع الذي نتج عن ذلك إلى تدهور طويل الأمد لطريق الحرير. لقد أتى الإفراط في ممارسة النفوذ بنتيجة عكسية.
هل يحدث هذا الآن مرة أخرى؟ يجدر بنا أن ننظر في ذلك.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يفرض تعريفات جمركية شديدة التقلب فقط ولكنه يطبق عقوبات أيضا. بالمناسبة كلمة تاريف (تعريف) الإنجليزية والتي تعني الرسم الجمركي مُقترضة من اللغة العربية.
في الأسبوع الماضي فقط وأثناء جولته الشرق أوسطية أعلن ترامب عن عقوبات على الشركات الآسيوية التي تنقل النفط الإيراني إلى الصين. كما يدرس أيضا فرض عقوبات جديدة ضد روسيا في أعقاب تحرُّك من أوروبا.
يقينا، ترامب ليس أول رئيس أمريكي يفعل هذا. فأسلافه من الرؤساء الأمريكيين تبنوا باطراد فكرة العقوبات منذ عام2001. لكن البيت الأبيض يبدو متلهفا وبشدة لاستخدام هذه الأسلحة الآن ليس فقط في مجال النفط ولكن أيضا في التقنية الحساسة كالرقائق الإلكترونية وفي المال (بإقصاء البلدان عن نظام سويفت للمدفوعات). أو كما كتب إدوارد فيشمان في كتابه الجديد الذي صدر تحت عنوان نقاط الاختناق: النفوذ الأمريكي في عصر الحرب التجارية «القوى العظمى قديما نهضت وعاشت بالسيطرة على نقاط الاختناق الجغرافية كمضيق البسفور. النفوذ الأمريكي في الاقتصاد المعولم يعتمد على نقاط اختناق من نوع مختلف».
على أية حال هنالك مفارقة معيَّنة هنا. فكما رد البرتغاليون على قيود العثمانيين بتطوير طرق تجارية بديلة قوضت نفوذهم، تهدد أهداف ترامب اليوم بفعل نفس الشيء (إيجاد بدائل تقوِّض نفوذ أمريكا- المترجم) وبأسرع من ذلك.
لننظر في أمر النفط. في عام 2022 بعد غزو أوكرانيا فرضت أمريكا وأوروبا عقوبات على صادرات النفط الروسية بأمل ضرب اقتصادها. تماما كما فعلت العقوبات قبل ذلك مع إيران. لكن الحلفاء الغربيين خشوا أيضا من أن يرفع فرضُ حظرٍ كامل أسعارَ النفط. لذلك حاولوا أنصاف الحلول. فقد سمحوا لروسيا بالبيع للبلدان غير الغربية لكن عند أسعار أدنى من السوق أو أقل من 60 دولارا مع فرض العقوبات على المخالفين.
ألْحَقَ ذلك الإجراءُ بعضَ الضرر بروسيا. ويشير بحث اقتصادي صدر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي بولاية دالاس أن روسيا عندما حولت وجهة صادراتها النفطية إلى الهند لزمها «قبول خصم حوالي 32 دولارا في مارس 2023 من سعر نفط «أورالز» في يناير 2022 بسبب ارتفاع تكاليف الشحن البحري وقوة المساومة الجديدة التي حصلت عليها الهند.
لكن هذا الضرر خفَّ مع شروع روسيا في استخدام «أساطيل الظل» لنقل النفط. وهي الناقلات التي تتجنب الرصد بإغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال.
وفي حين كانت مثل هذه الأساطيل صغيرة في السابق إلا أنها تكاثرت الآن وأوجدت «نظاما دائما وموازيا لتجارة النفط لا يخضع للسياسات والضوابط المعترف بها دوليا»، حسب تقرير للمعهد الملكي للخدمات (الدفاعية) المتحدة.
في الواقع، يشير تحليل اقتصادي حديث استخدم نماذج تعلُّم الآلة إلى أن السفن المظلمة (سفن التهريب التي تتخفَّى عن التتبُّع) نقلت ما يُقدَّر بحوالي 9.3 مليون طن متري من النفط شهريا في الفترة بين 2017 و2023 أو ما يقارب نصف صادرات النفط العالمية عن طريق البحر. وتشكل واردات الصين 15% من هذه التجارة.
يحاول المسؤولون الأمريكيون الحيلولة دون ذلك. ولهذا الغرض صدرت العقوبات الأخيرة ضد الشركات التي تتخذ مقرها في هونج كونج. لكن وكما ذكرت أغات ديماري الباحثة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في كتابها «رد الفعل العكسي» توحي التجارب السابقة بأن العقوبات تنجح حقا عندما تُطبَّق بسرعة وتكون أهدافها واضحة ومدعومة بواسطة الحلفاء (وهذا الشرط الأخير حاسم في أهميته).
ليس واضحا ما إذا كان في مقدور ترامب تحقيق ذلك. فسياسة الرسوم الجمركية التي يتّبعها قضت على ثقة الحلفاء. ومساعي الإدارات الأمريكية السابقة للحد من صادرات التقنية إلى الصين ترتبت عنها جزئيا نتائج عكسية. فبكين تطوّر تقنياتها الخاصة بها وتستخدم أطرافا ثالثة لتهريب الرقائق الإلكترونية.
نفس الشيء حدث مع التمويل. فعندما أقصت أمريكا روسيا من نظام «سويفت» للمدفوعات «قللت بقدر مهم من حجم التجارة الروسية مع الشركات في الغرب». لكنها كانت غير فعالة في خفض التجارة الروسية مع البلدان غير الغربية، حسب ورقة غير منشورة أعدها اقتصاديون ببنك التسويات الدولية. السبب في ذلك «ازدياد استخدام عملات الشركاء في تجارة روسيا مع البلدان النامية». فقد ساعد على التخفيف من آثار عقوبات نظام «سويفت».
كالعادة، لجأ ترامب إلى التشدد. فقد هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على البلدان التي تطور أنظمة مدفوعات غير دولارية. ربما سينجح في ذلك على ضوء الهيمنة الحالية للدولار. لكن وكما أشارت أغات ديماري في حين توضح التجارب السابقة إلى أن العقوبات قد تكون فعالة أحيانا إلا أن ذلك يستلزم استخدامها على نحو حاسم ومع الحلفاء. حتى مع ذلك يمكن أن تترتب عنها عواقب غير مقصودة.
لذلك كل الأبصار مصوَّبة نحو النفط الإيراني. ربما يسحب ترامب تهديداته. فأسعار النفط هبطت يوم الأربعاء الماضي عندما قال إنه يحرز تقدما في محادثاته مع طهران. لكن إذا لم يحدث ذلك سيشكل نشاط سفن التهريب اختبارا حاسما للتحقق مما إذا كانت لدى فريق ترامب حقا القدرة على تقييد صادرات النفط الإيرانية كما يعتقد. لقد حان الوقت لأخذ العبرة مما حدث لطريق الحرير.
جيليان تيت كاتبة رأي ورئيسة هيئة التحرير بصحيفة الفاينانشال تايمز
عن الفاينانشال تايمز