د. مينا بديع عبدالملك يكتب: في مئوية ميلاد البطريرك المُعلّم البابا شنودة الثالث

الكتاب صدرت طبعته الأولى فى ديسمبر 1971 عن مطرانية البحيرة بدمنهور بقلم كاهن كنيسة الملاك بدمنهور، وهو الأب ميخائيل جرجس، وذلك فور اختيار البابا شنودة ليكون بطريركًا للكنيسة القبطية.

أخبار متعلقة

د. عصام البرام يكتب: باولو كويلو.. صوفية النص والأسطورة فى رواية الخيميائى

عن رواية ماشادو دياسيس..عرض «عيش السرايا» بقصر ثقافة أسيوط (صور)

د.

أحمد محمد عبد القادر يكتب: مفارقات المكان فى رواية «الكلاب لا تنبح عبثًا»

اسم البابا شنودة الثالث أنشودة حلوة فى أفواه المصريين جميعًا - أقباطًا ومسلمين - لوطنيته الصادقة، وأبوته الحارة، وبذله المتناهى، وابتسامته الصافية، وذكائه الحاد، وحكمته السديدة، ونصائحه الملتحفة بالحكمة.

وُلد الطفل نظير جيد روفائيل فى 2 أغسطس 1923 فى قرية سلّام مركز أبنوب الحمام، محافظة أسيوط. ورحلت والدته بعد ولادته مباشرة متأثرة بحمى النفاس سنة 1923، وتركت الرضيع نظير بدون أم، فتولت شقيقته الكبرى المتزوجة إرضاعه.

وكانت العائلة تتكون من خمس شقيقات متزوجات وشقيقين هما الأستاذ روفائيل والأستاذ شوقى مدرس أول الفلسفة.. فاهتم بتربيته شقيقه الأكبر روفائيل. انتقل الأخ روفائيل إلى مدينة دمنهور حيث كان يعمل بوزارة المالية وصممت زوجته على أن تأخذ معها الطفل نظير لتعتنى به بنفسها، وأيضًا رافقهم الأخ شوقى.

التحق الطفل نظير بمدرسة دمنهور الابتدائية، وبعد إتمام دراسته الابتدائية التحق بمدرسة الإيمان الثانوية بالقاهرة، حيث حصل على شهادة التوجيهية. التحق بجامعة فؤاد الأول سنة 1943 فى قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعونى والإسلامى والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس عام 1947.

وفى السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية.. وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج فى الكلية الإكليركية وعمل مدرسًا للتاريخ. حضر فصولا مسائية فى كلية اللاهوت القبطى وكان تلميذًا وأستاذًا فى نفس الكلية فى نفس الوقت. دخل دير السريان، وكانت فرحته بالرهبنة كبيرة، وأخذ يجهد نفسه فى عبادات حارة وفى أصوام وصلوات واطلاع متصل فى الكتب المقدسة.

انتشرت أخبار نسكه وتقشفه فلم تنقض إلا فترة قصيرة حتى سيم راهبًا باسم الراهب أنطونيوس السريانى، وكان ذلك فى يوم السبت 18 يوليو 1954، وقد قال إنه وجد فى الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء.

وفى الفترة (1956 - 1962) عاش حياة الوحدة فى مغارة تبعد حوالى 7 أميال عن مبنى الدير، مكرسًا فيها كل وقته للتأمل والصلاة.

وبعد سنة من رهبنته تمت إقامته فى درجة كهنوتية. أمضى 10 سنوات فى الدير دون أن يغادره. فى عام 1959 عمل سكرتيرًا خاصًا للبابا كيرلس السادس لبضعة أشهر، ثم فى 30 سبتمبر 1962 رُسّمَ أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحى وعميد الكلية الإكليركية.

كان مولعًا بالكتابة وخاصة كتابة القصائد الشعرية، ولقد كان ولعدة سنوات محررا ثم رئيسا للتحرير فى مجلة «مدارس الأحد»، وفى الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا فى علم الآثار القديمة.

البابا شنودة فى لندن

كان من الأشخاص النشيطين فى الكنيسة، وكان خادما فى مدارس الأحد، ثم ضابطًا برتبة ملازم بالجيش. وفى فترة أسقفيته، اهتم بإصدار مجلة «الكرازة» الشهرية.

وعندما رحل البابا كيرلس السادس فى الثلاثاء 9 مارس 1971 أجريت الانتخابات البابوية فى الأربعاء 13 أكتوبر1971، ثم جاء حفل تتويج البابا (شنودة) للجلوس على كرسى البابوية فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة فى 14 نوفمبر 1971، وبذلك أصبح البابا رقم 117 فى تاريخ البطاركة، وبدأ فى إعادة إصدار مجلة الكرازة كل أسبوعين، وكان يشرف بنفسه على إعدادها، وكانت له نظرة خاصة وصائبة فى اختيار محرريها.

فى عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقف؛ بما فى ذلك أول أسقف للشباب وهو الأنبا موسى، وأكثر من 400 كاهن. أَولَى اهتماما خاصا لخدمة المرأة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. حاول دائما قضاء ثلاثة أيام أسبوعيا فى الدير، وحبه لحياة الرهبنة أدى إلى انتعاشها فى الكنيسة القبطية.

حيث تمت فى عهده سيامة المئات من الرهبان والراهبات. اهتم بالنهوض بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون وأقام به كاتدرائية ضخمة، وفى أثناء حرب أكتوبر 1973 توجه بنفسه إلى جبهة القتال وتقابل مع الجنود وشجعهم بكلمات طيبة وقدم لهم الهدايا التذكارية.

وافق البابا شنودة على الدعوة التى وُجهت إليه من مجلس إدارة نقابة الصحفيين، وكان وقتها الأستاذ على حمدى الجمال نقيب الصحفيين، لإلقاء محاضرة بعنوان «إسرائيل والأديان السماوية»، وكان قد تحدد مساء يوم الأحد 5 ديسمبر 1971 ميعادًا لهذه المحاضرة، كان فى استقباله د. عبد القادر حاتم نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام والثقافة، والمهندس إبراهيم نجيب وزير السياحة، والدكتور كمال رمزى استينو.

غلاف الكتاب

ففى كلمة الأستاذ حافظ محمود، نقيب الصحفيين السابق، قال: (.. أخى فى الله قداسة البابا شنودة الثالث.. إخوانى وأخواتى، أرجو أن تفتحوا لى قلوبكم فأنا خائف من حبى.. فمنذ ست سنوات كان لقاؤنا الأول.

كان الأنبا شنودة قد أبدى رغبته فى الانضمام إلى نقابة الصحفيين، وكانت مفاجأة لنا.. كان المظنون أن رجال الدين ينظرون إلى الصحفيين على أنهم أصحاب معارك، لكن الأنبا شنودة أكمل لى المفاجأة بقوله: وماذا يصنع رجال الدين؟ ألسنا فى معارك مستمرة ضد الشيطان؟.. إننا رجال الدين وأنتم الصحفيين على خط واحد.. هو خط المواجهة بين الحق والباطل. فأحببته منذ اللقاء الأول.

أحببته وهو يقول لى خذنى إلى نقابتك، وأنا آخذك إلى صومعتى، فى هذه الصومعة العجيبة هناك على رمال الصحراء فى وادى النطرون رأيت.. ويا للعجب.. رأيت على الطبيعة كيف تستطيع الروح النقية الطاهرة أن تملأ الفضاء كله بعطر النقاء.. بعطر الطهارة.. بعطر الصفاء.. وصاحبها مقيم فى صومعته، ليس بين أربعة جدران، بل بين جدرانين فقط، لا يصل بينهما غير متر واحد.

إن قداسته يساهم معنا فى بناء القلعة العظيمة، قلعة الآخاء الخالد بين عنصرى الأمة. هذا هو البابا الجديد.. قديس المسيحية.. هذا هو أخونا فى الله، البابا شنودة الثالث، فى عظمة تواضعه وفى تواضع رفعته.. هذا هو قديس المسيحية فى حبه لكم جميعًا مسلمين وأقباط..).

وعندما تحدث البابا شنودة عن اليهود، من بين ما قاله: (.. لقد مر اليهود فى الواقع على ثلاث مناطق: أولًا مصر.. وكانت بالنسبة لهم أرض عبودية، زلوا فيها بسبب خطاياهم، ثانيًا سيناء.. كانت أرض متاهة وأرض عبودية وأرض فناء، ثالثًا فلسطين.

كانت بالنسبة لهم مسكنًا مؤقتًا كمعزل دينى، ففى الوقت الذى جمع فيه الله اليهود فى أرض فلسطين، كان العالم يموج بالوثنية..).. ثم انتهى من كلمته بقوله: (.. إن فكرة الهيكل قد انتهت.. الله انتهى من فكرة الذبائح الحيوانية وقدم طريقًا آخر للغفران، لم يعد هناك مجال دينى لبناء الهيكل، وإن كان هناك فكر بشرية فى أذهان أناس مُعينين يريدون أن يبنوا هيكلًا فلا تقول إن هذه مشيئة الله، إنما تقول إن هذه رغبة بشرية..).

ما من مرة يسافر فيها البابا لزيارة ورعاية كنائس المهجر بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا إلا ويحرص على حث الأقباط على أهمية ربط أولادهم بالوطن عن طريق الزيارات المتكررة لمصر وربطهم بتاريخها العظيم، ومن هنا كان يحرص قداسته على استقبال وفود شباب الأقباط بالمهجر عند حضورهم لزيارة الوطن وتقديم العديد من النصائح والتوجيهات الروحية لهم باللغة الإنجليزية التى يجيدونها.

كان يحرص فى أسفاره على أن يتوجه فورًا للاجتماع بالمصريين والتعرف على مشاكلهم والعمل على حلها باجتهاد. محبته للفقراء والمساكين والمحتاجين والمرضى شىء يفوق الوصف.

أسبوعيًا بالقاهرة والإسكندرية يعقد اجتماعًا مع أولاده المحتاجين باحتياجات مختلفة ويسدد لهم جميع احتياجاتهم وأكثر. كان أول بطريرك يقوم بإنشاء العديد من الأديرة القبطية خارج مصر، وأعاد تعمير عدد كبير من الأديرة التى اندثرت.

كرّمته العديد من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية بدرجة الدكتوراة الفخرية.. وبعد فترة من المرض رحل البابا شنودة الثالث يوم السبت 17 مارس 2012 عن عمر يناهز 89 عامًا، ودُفن بدير الأنبا بيشوى - حسب وصيته.

ثقافة سور الأزبكية مئوية ميلاد البطريرك المُعلّم البابا شنودة الثالث

المصدر: المصري اليوم