يظل الاهتمام بالأسرة الشغل الشاغل للدول والحكومات الساعية إلى بناء مجتمعات متماسكة، مستقرة، ومزدهرة، فالأسرة هي خلية البناء الأولى التي تحدد مدى قوة المجتمع وصلابته وقدرته على مواصلة مسيرة النمو ومواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
وإدراكا للأهمية البالغة التي تشكلها في منظومة البناء الحضاري وضعت سلطنة عمان الأسرة في صلب الخطط والاستراتيجيات، وأقرت الكثير من البرامج والتشريعات الحمائية التي تحافظ على كيان الأسرة العمانية وحقوق أفرادها من الطفولة حتى الشيخوخة.
وقد أولى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - قضايا الأسرة وتربية الأجيال عناية خاصة؛ ووجه بالاستمرار في العمل على تعزيز منظومة القيم الوطنية والأخلاقية في المجتمع.
وتأتي ندوة الأسرة وبناء القيم ـ الفرص والتحديات ـ التي تنظمها مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية، لترسخ السمت العماني بما يشتمل عليه من مبادئ وقيم رفيعة مستمدة من الدين الحنيف، وتحصين النشء فكريا ومعرفيا في ظل الثورة الرقمية وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي وما أفرزته من تحديات تؤثر في الأسرة، ما يدعو إلى ضرورة نشر الوعي لمجابهة التيارات الثقافية والفكرية الدخيلة وحماية الأسر والمجتمعات من دعوات التغريب والتفتيت، كما أن ربط الأسرة العمانية بقيم مجتمعها وعاداته الأصيلة كفيل بالحفاظ على تماسكها وتآزرها وتراحمها، ما ينعكس على تماسك المجتمع ووحدته، وذلك يتحقق بحسن تربية النشء وتغذيتهم بالإيمان والفضائل ومواجهة تيارات العولمة بكل حسم.
ولا شك أن العالم بشهد إيقاعا متسارعا في جميع جوانب الحياة بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات، حيث تتزاحم الأفكار الطيبة والخبيثة وتتصارع للاستحواذ على العقول وتوجيهها، وليست الأسرةُ بمنأى عن الاستهدافات، بدوافع سياسية أو اقتصادية أو فكرية، ومن هنا تأتي أهمية متابعة تأثيرات الطفرات الرقمية على نمط الحياة، والاستفادة من إيجابياتها في التواصل بين البشر وتحصيل المعارف والمنافع، والحذر من الوجه المظلم للتقدم الرقمي الذي يسمح للدخيل من الظواهر والأفكار أن يستهدف الأجيال ويقود الشباب- إلى الوقوع في دائرة التيه والعقد النفسية، والتشكيك في الثوابت الدينية والوطنية.
من هنا تتضاعف مسؤولية المجتمع في القيام بدور المرشد الحكيم والناصح الأمين، مستلهما المبادئ التربوية المنسجمة مع هويتنا وتراثنا الثقافي بما يؤسس القيم في نفوس النشء تأسيسا متوازنا يمزج بين أصالة الفكر وتطلعات الأجيال وانفتاحها على العالم.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
المفتي: صمود الفلسطينيين بوجه آلة القتل والدمار شاهد على خذلان المجتمع الدولي
قال الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن اليوم الدولي للأسر، الذي يُحتفى به في الخامس عشر من مايو من كل عام، يمثل فرصة عالمية لتكريم الأسرة ودورها المركزي في بناء المجتمعات وصون القيم الإنسانية والاجتماعية التي تربط بين أفرادها، ويُعد هذا اليوم تذكيرًا بقيمة الأسرة كأساس لحياة مستقرة وكريمة، وحق من حقوق الإنسان التي يجب حمايتها ودعمها في كل بقاع الأرض.
ويعرب مفتي الجمهورية، عن بالغ أسفه أن يحل هذا اليوم الذي يُفترض أن يكون مناسبة لتكريم الأسرة ودورها في بناء المجتمعات، في وقت تكابد فيه الأسرة الفلسطينية أقسى ألوان المعاناة تحت وطأة القتل والتشريد، حيث إن صمود الأسرة الفلسطينية في وجه آلة القتل والدمار بات شاهدًا على خذلان المجتمع الدولي لقيمه المعلنة، فالاستهداف الممنهج للمنازل ومخيمات اللاجئين، والقصف الذي لا يفرّق بين امرأة وطفل، قد جرّد الأسرة الفلسطينية من حقها في الأمان، وزعزع استقرارها، وخلّف في وجدانها جراحًا لا تندمل، في مشهد دامٍ يُجسّد مأساة إنسانية صارخة تُنادي ضمير العالم.
ويطالب مفتي الجمهورية، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية بشكل عاجل وفعّال، لوقف هذه الانتهاكات التي تطال كيان الأسرة الفلسطينية، والعمل على حمايتها من التفكك والتشريد المتعمد، وضمان حقها في الأمان والاستقرار، وصون وحدتها من الاستهداف الممنهج الذي يُمعن في تدمير البيوت فوق ساكنيها، واقتلاع الأسر من جذورها في انتهاك صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية.