سودانايل:
2025-06-25@15:54:46 GMT

فقر الفكر والممارسة

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

بقلم عمر العمر

لاحتراب عسكر الانقاذ على السلطة مبررات من الممكن تسويقها. لكن انقسام المثقفين المنغمسين في الشأن السياسي تجاه إطفاء نار الحرب يفضح قصوراً في الرؤى من الصعب استيعابه ،خاصة في ظل تدهور حال الدولة واستفحال معاناة الشعب . هذا القصور يشكل في الواقع أبرز عناصر اتساع رقعة الحرب زمانا ومكانا.

فما كان لعسكر الانقاذ مواصلة رمي الشعب في أتون هذه المحنة قرابة العام لو لا انزلاق المثقفين في وحل الإنتماءات الضيقة. فحين تتعلق المسألة بمصير شعب ومستقبل دولة على المثقفين النهوض بمهمةالإنحياز للحق أولاً عبر التبصير بالحقائق والمخاطر خاصة فيما يختص بانتهاك حقوق الإنسان وفق رؤية المفكر الاميركي نعوم تشومسكي.لا استثناء في ذلك حتى للمثقفين المدجنين من قبل النظام.
*****
محنة هذه الفئات المستنيرة لا تنبع فقط من الانغلاق داخل الانتماءات الضيقة على حساب المصالح الوطنية العليا ، بل كذلك ارتكازها على فهم سياسي خاطئ معزز بالممارسة. فتاريخنا يثبت قناعة، بل خطيئة ، مثقفينا الراسخة بأن السلطة لا يتم فقط انتزاعها بالعنف عنوة بل كذلك يجري احتكارها بالقوة تكريسا.هذه القناعة الخطيئة تؤجج الانقسام ازاء قضية اسكات الحرب من منطلق رؤية خاطئة. فالمنقسمون يرون في تفوق أي الطرفين عسكريا انتصارا حاسما لقضية الصراع على السلطة.هذا الفهم الخاطئ يوازي في الواقع فهم طرفي الاقتتال القاصر عند إشعال نار الحرب.فبغض النظر عمّن أشعلها فقد خاضاها معا بقناعة قدرة كلٍّ منهما على تحقيق فوز عاجل وحاسم.
*****
في الحالتين ؛العسكر عند إشعال الحرب والساسة بعد إخمادها يسقط الفرقاء قوى الشعب والثورة من حساباتهم .فعندما تسكت المدافع، تسكن المسيّرات وتكف القاصفات لن تهدأ ذاكرة الجماهير المثخنة بعذابات لم تكن لترد في الخيال،المشرّبة بغبار التدمير العشوائي الأحمق.ففصول الحرب الرعناء تجعل من الغباء الاصطفاف إلى أيٍّ من أطرافها بغية استمرارها وصولا لنصر متوهّم. فالمؤسسة العسكرية أثبتت اخفاقها مرات فأصابت المواطنين بالاحباط. الجنجويد ارتكب فظائع موجعات. فالميليشيا أتخمت صدور الشعب بصنوف الإستعلاء الإثني الوهمي فأغرقت الوطن في مستنقع الكراهية.
*****
كيفما جاءت نهاية هذه الفصول الدامية فلن يغفر الشعب ذنوب قادتها الآثمين.من ثم يصبح تقبل عودتهم إلى دائرة صنع الفعل السياسي قضية مستحيلة طالما ظل الشعب يتمتع بذاكرته وقواه العقلية. صحيح تظل العملية السياسية رهينة لموازين القوى .لكن مرحلة مابعد الحرب لن ترتكز على القوة العسكرية. حينها ستدرك كل القيادات المتورطة في جريمة الحرب القذرة حتما أنها أطلقت النار على اقدامها. بل هي ظلت طوال الحرب تمارس عملية انتحار سياسي بطيئة.من المحزن وجود فئة إعلامية ضالة تجنح في سياق انحيازاتها الضيقة الخاطئة حد مساواة تجريم الجلاد والضحية.تلك معادلة لا تتسق منطقيا حتى عندما يبدو طرفاها متسربلين بالشر. فهناك فارق -مثلا-بين جورج بوش الابن وبن لادن.كما لاتوازي شرور الصهيوني بن غفير عنف الفلسطيني يحيى السنوار.
*****
على نار هذه الحرب تجري عملية طهي هادئة لإنضاج قيادات جديدة ستهض بمهام إعادة بناء الدولة والإعمار.تلك عملية مخاض قد تبدو عسيرة لكنها ليست مستحيلة.فالقيادات الجديدة لديها استعداد شبه فطري للتحرر من الانتماءات الضيقة والانحياز للحق وحده .بل لديهم كذلك التأهب نفسه بغية التفاني حد التضحية من أجل الشعب والوطن.تلك ليست فرضيات وهمية بل سمات تطبع تجارب أجيال المقاومة الشعبية إبان مصادمة دولة الإنقاذ وأذنابها.هذه الشريحة من المواطنين باتوا مشبعين بحتمية الفرز بينا أصحاب (ثقافة الشرف وثقافة العلف)حسب موازنة الباحث العماني على المعشني.فعند الفئة الأولى تهون التضحيات من أجل مستقبل أفضل.وفق هذه الموازنة فإن هذه القيادات تتمتع بأبرز خصائص الاستقامة الوطنية حيث يطابق الإيمان بالفكر الممارسة على الأرض.
*****
على هؤلاء المتقاتلين الحمقى وأولئك المزورين أن يتذكروا دوما أن الثورة انبثقت بلا منفستو من مثقفين كما أن الشباب ، وقود الثورة ، لم ينتظر زيت التنظير السياسي. علينا جميعا استيعاب أن رأس الخيبة بدأ يوم استسلم شباب الثورة وسلّم زمام الأمر للخاطفين الهواة المزورين والمحترفين.  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

إيران.. الثورة والدولة

 

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

 

يُصنِّف المتابعون لأحداث العالم الثورتين البلشفية بروسيا عام 1917 بقيادة فلاديمير لينين ورفاقه، والثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الإمام الخميني ورفاقه، بأنهما ليسا أعظم ثورتين في القرن العشرين فحسب؛ بل أعظم حدثين في القرن.

سببُ التصنيف هو الآثار الارتدادية الكبيرة لهما في الداخل، ثم عبورهما الحدود والأجيال بعد ذلك، وما خلَّفته في الشعوب من حِراك بالتقليد والمحاكاة؛ الأمر الذي جعل الإجماع على تسمية القرن العشرين بقرن الشعوب، لما تخللت عقوده وأعوامه من حركات تحرُّر ونضال ضد الاستعمار والهيمنة والتبعية. ومع اختلاف الجغرافيا والثقافة والموروث والزاد الثوري بين الثورتين، إلّا أن بينهما بعض القواسم لعل أبرزها: قيامهما على نُظم حكم وراثية (قيصري بروسيا، وإمبراطوري بإيران). وكان عام انتصار الثورة 1979 عامًا مفصليًا بكل المقاييس؛ حيث تزامن مع خروج مصر من معادلة القوة في الصراع العربي الصهيو-أمريكي بتوقيع معاهدة كامب ديفيد، وبقاء سوريا وحيدة في مواجهة العدو، واغتيال أبو القنبلة الإسلامية ذو الفقار علي بوتو على يد قائد الجيش الجنرال محمد ضياء الحق؛ بإيعازٍ واضحٍ من أمريكا، إلى جانب رحيل الرئيس الجزائري هواري بومدين قبل هذا العام بثلاثةٍ أيامٍ مقتولًا بالسم، وإزاحة الرئيس العراقي أحمد حسن البكر وتولِّي صدام حسين الرئاسة، وتولِّي مارجريت ثاتشر رئاسة الحكومة في بريطانيا.

جميع هذه التحرُّكات والحِرَاكات كانت تحسُّبًا لنجاح الثورة في إيران أو صدى لانتصارها لاحقًا. ولم تكن الثورة الإيرانية حدثًا عابرًا ولا زلزالًا سياسيًا داخليًا فحسب؛ بل كانت حدثًا إقليميًا ودوليًا مدويًا، مُنطلقًا من جغرافية حضارية عريقة، وهنا كان الأثر الكبير لها. فقد أيقظت الثورة روح الإسلام، وروح الجهاد، وروح الانتصار للحق والمظلومية، لهذا أثارت المخاوف الكبيرة لدى البعض والفرح الكبير لدى البعض الآخر؛ حيث احتاط السوفييت حينها واحتلوا أفغانستان لمنع امتداد الثورة وفكرها إلى الجمهوريات السوفييتية المُسلِمة، وقامت أمريكا بالتجييش المذهبي ضد الثورة وسُلِّطت عليها حرب السنوات الثمان العجاف مع العراق، خاصةً بعد أن رفعت شعار "نُصرة فلسطين" وقطعت جميع صلات إيران مع العدو الصهيوني.

لقد أعادت الثورة رسم خارطة المنطقة مُجددًا، كما أعادت ملامح وقواعد اشتباك جديدة مع العدو، وانخرطت سريعًا في محور المقاومة لتعميد عروبتها السياسية إقليميًا، هذه العروبة التي اختُبِرت وصمدت وأينعت طيلة أكثر من أربعة عقود.

عبقرية الثورة أنها عرفت من هُم معها ومن هُم ليسوا معها، لكنهم ليسوا ضدها، ومن هم أعداء لها. كما إن الثورة أٌكرهت على التدرُّج في برنامجها المُجفِّف للتغريب والتحلُّل الذي انتهجه الشاه؛ حيث تدرجت في فرض برنامج أخلاقي صارم في بدايتها، وصولًا إلى رد الأمر اليوم إلى الحرية والذائقة الشخصية، مع التشديد على ضرورة احترام الفضاء العام وحريات وحقوق الآخرين.

جميع المِحَن التي مرَّت على إيران الثورة منذ انتصارها حوَّلتها إلى مِنَحٍ؛ إذ إن حرب السنوات العجاف هَدَتْها إلى التصنيع الحربي الذي نراه اليوم، والحصار الغربي الجائر عليها جعلها تنكب على تعزيز الداخل وتحقيق الأمن الغذائي، كما جعلها تتجه للعِلم والبحث والمعرفة؛ فتُصبح من الأوائل عالميًا في البحث العلمي وعلم النانو والأمن السيبراني والهندسة العكسية والطب وغيرها. كما اكتسبت الثورة قوتها ومرونتها من قيام نظام جمهوري القالب إسلامي المضمون محمي بسُلط دستورية صلبة وبصلاحيات رقابية وتنفيذية واضحة وجلية تضمن سير الدولة وبسط ثقافة المؤسسات في دولة لا تُفنى ولا تزول بزوال الرجال.

ومنذ عام 1979، بات النظام السياسي في إيران يرتكز على عددٍ من المؤسسات المتداخلة، على مستويات النفوذ والصلاحيات، والمترابطة بطابع الحكم الديني في البلاد، في تراتبية واضحة، نوضحها كما يلي اعتمادًا على المصادر المفتوحة على الإنترنت:

المرشد الأعلى: وهو أعلى سُلطة في إيران. ووفق الدستور، يمتلك سلطات مُطلقة للفصل في كل شؤون الدولة؛ بما في ذلك السياسة النووية وقرار السلم والحرب، إضافةً إلى السُلطة المباشرة على الجيش والحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات (المرشد الأعلى مؤسسة وسُلطة سياسية يرأسها فرد).

رئيس الجمهورية: يعد، وفق المادة (13) من الدستور، أعلى سلطة سياسية في البلاد بعد المرشد الأعلى. ويُنتخب لفترتين رئاسيتين كحد أقصى، مدة الواحدة منها 4 سنوات، ويتبع في معظم صلاحياته للمرشد الأعلى.

مجلس صيانة الدستور: يتألف من 12 عضوًا، بينهم 6 يُعيِّنُهم المرشد الأعلى. ويقوم هذا المجلس بمراقبة مُطابقة القوانين للدستور، كما يقوم بفحص أوراق المُرشَّحين الراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويصادق على نتائجها.

مجلس الشورى: (البرلمان)، يتألف من 290 مقعدًا، ومدة دورته 4 سنوات، ويملك المجلس سلطات سَنِّ القوانين، واستدعاء واستجواب الوزراء والرئيس. ويتولى أيضًا منح الثقة للحكومة وسحبها منها.

مجلس خبراء القيادة: هيئة دينية تتألف من 88 عضوًا، يُنتخبون لثماني سنوات، ويتولى المجلس اختيارَ المرشد الأعلى، وتحديدَ صلاحياته، ومراقبة أعماله وعزله، وهو بذلك مُتخصِّص في الحفاظ على تطبيق أسس وأركان، ما يُعرف بـ"نظام ولاية الفقيه".

مجلس تشخيص مصلحة النظام: هيئة استشارية من 31 عضوًا يُعيِّنُهم المرشد الأعلى. ويضطلع المجلس بحل أي خلافات تنشأ بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، ويختار في حالة موت المرشد الأعلى أو عجزه، عضوًا يتولى مهامَه حتى انتخاب مرشد جديد.

قبل اللقاء.. فرزت الاحداث المتلاحقة في إيران طيلة العقود الأربعة من الحصار والمواجهات، الوطني والمواطن؛ فالوطني إنسان بداخله وطن، والمواطن إنسان بداخل وطن، ومع اشتداد المواجهات زادت مساحات الوطن وأعداد الوطنيين.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الحريري: لا خلاص لنا إلا بالتخلي عن الأنانيات والمصالح الضيقة
  • إيران تحتشد في ساحة الثورة وتؤكد صمودها في وجه التحديات الإسرائيلية
  • صحيفة الثورة الاربعاء 29 ذو الحجة 1446 – 25 يونيو 2025
  • ترامب ينتصر للسلام
  • إصابة 7 أشخاص في حادث مروري بذمار
  • مجلس الأمن القومي الإيراني: انتصارنا أجبر العدو على التراجع والقبول بالهزيمة
  • إيران.. الثورة والدولة
  • إعلام إسرائيلي: إيران أطلقت 500 صاروخ وأكثر من 1000 مسيّرة منذ بدء الحرب ردًا على عملية "الأسد الصاعد"
  • كاريكاتير الثورة
  • مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب ساخر