لوموند تتبع حياة بعض ضحايا مجازر إسرائيل في غزة
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
خلّف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة أكثر من 28 ألف قتيل في 4 أشهر، 70% منهم من النساء والأطفال، بعضهم سحقتهم قنابل الطائرات، والبعض أطلق عليهم قناصةٌ النار عند زاوية شارع أو سقطوا جراء انفجار قذيفة دبابة، مما أدى إلى مجزرة واسعة النطاق على نحو غير مسبوق.
وتتبعت صحيفة لوموند -في تقرير مطول مشترك بين بنيامين بارت وصامويل فوري من القدس وغزال غلشيري ولويس إمبرت من القدس أيضا وكلوتيلد مرافكو ومجيد زروقي- رحلة 9 مدنيين تتراوح أعمارهم بين 3 و70 عاما، من بين أكثر من 28 ألف ضحية، لا تشمل الجثث المدفونة تحت الأنقاض والمقدرة بعدة آلاف، ولا الجثث المتروكة في الشوارع.
ويقول الكاتب الفلسطيني إلياس صنبر "يقول الناس إن عليك الآن قبل دخول غزة أن تخلع حذاءك لأنك تمشي على الموتى"، وهذه قصصهم:
بلال جاد الله.. الأب الروحي للصحفيين في غزةفي 8 سبتمبر/أيلول 2014، زرع بلال جاد الله 17 شجرة زيتون في باحة دار الصحافة التي أسسها قبل عام تكريما لذكرى 17 صحفيا استشهدوا خلال حرب إسرائيل في ذلك العام على قطاع غزة، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على تل أبيب لوضع حد للهجمات على الصحفيين ومؤسساتهم.
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استشهد الصحفي بلال جاد الله (45 عاما) برفقة صهره عبد الكريم عابد في سيارة كانت تقلهما إلى جنوب القطاع، وذلك جراء إطلاق نار مباشر من دبابة إسرائيلية متمركزة خارج وسط مدينة غزة، بعد أن كان نقل زوجته وأطفالهما الأربعة قبل شهر إلى خان يونس، وبقي هو وسط المنطقة التي تحاصرها القوات الإسرائيلية.
"لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة. الخطر في كل مكان"، كما قال بلال جاد الله الذي خصص معظم وقته أثناء هذه الحرب لنقل المعلومات والصور من غزة إلى الدبلوماسيين والصحفيين الدوليين الذين التقى بهم بوصفه مديرا لبيت الصحافة، الذي افتتح في حي الرمال عام 2013، وكان حتى وفاة مؤسسه أحد آخر أماكن الحياة وسط المدينة الذي دمرته التفجيرات، والملاذ الأخير للصحفيين والأصدقاء.
لبنى محمود عليان.. عازفة كمان متدربة
كانت لبنى محمود عليان (14 عاما) تحلم بأن تصبح "عازفة كمان مشهورة عالميا"، وعندما كان عمرها 12 عاما فقط عام 2021، أقنعت لجنة تحكيم معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى في غزة بإعطائها منحة دراسية، قائلة إنها "مستعدة لمواجهة التحديات"، عندما أوضح لها أحد أعضاء لجنة التحكيم مدى صعوبة إتقان هذه الآلة.
وبعد ذلك بعامين، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استشهدت عازفة الكمان المتدربة في قصف إسرائيلي لمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، حيث لجأت مع عائلتها، ومات معها أكثر من 40 شخصا، بينهم والداها وإخوتها، وأصغرهم لم يتجاوز 5 أشهر، وأجدادها وأعمامها وخالاتها وأطفالهم.
"لقد ذهبت لبنى إلى الجنوب من دون كمانها -كما تقول عمتها ختام عطا الله التي تعيش في لندن منذ 4 سنوات- ومثل كثيرين في غزة، قالت لنفسها إنها ستعود إلى بيتها خلال يومين أو ثلاثة" أيام.
هالة خريس.. الجدة صاحبة الراية البيضاء
كانت هالة خريس (58 عاما) تتقدم مسيرة ضمت نحو 30 من الآباء والجيران، قرروا الفرار من حي الرمال، الذي يقيمون فيه والمحاصر من قبل الجيش الإسرائيلي، يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وعندما وصلت إلى مفترق الطرق وحفيدها (5 سنوات) يمسك بيدها ويلوح بالعلم الأبيض، دوى انفجار وانهارت على الأرض وسقط الكيس الذي كانت تحمله.
وتم تصوير اغتيال هالة خريس من مبنى قريب، ونقل الفيديو إلى موقع "ميدل إيست آي" الإخباري في لندن، وهو يظهر تمركز الدبابات الإسرائيلية على مسافة إلى الغرب والجنوب من التقاطع، والعائلة مقتنعة بأنها كانت ضحية لإطلاق نار إسرائيلي.
وبعد وفاتها، فقدت العائلة أثر حفيدها لفترة وجيزة، وقد أخذه الجيران باتجاه جنوب القطاع، وانتهى به الأمر لدى عمتين له في رفح، وتنتظر والدته التي بقيت في مدينة غزة، أن يرفع الجيش الإسرائيلي حواجز الطرق للعثور عليه، وتقول عمته سارة إنه "يقول عبر الهاتف إنه يدخر المال للسفر إلى الخارج. لم يعد يريد العيش في غزة".
ريم نبهان.. الطفلة ذات الرداء الأصفر"روح الروح" يهمس خالد نبهان لحفيدته ريم (3 سنوات) وهو يقبل عينيها، وجسد خامل رغم احتضانه، ظهر ذلك في فيديو تم تصويره يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتمت مشاركته على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
استشهدت ريم وشقيقها طارق (5 أعوام) في قصف منزلهما في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وقبل ساعات قليلة، كان الأطفال يتوسلون إلى جدهم السماح لهم باللعب في الخارج، ولكنه رفض قبل أن تمزق القنابل السماء فوق رؤوسهم.
سفيان تايه.. ابن المخيمات ذو الشهادات المتعددةوصل مسار سفيان تايه (52 عاما) إلى نهاية مفاجئة في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2023، وهو ينحدر من عائلة لاجئة، ونشأ في الأزقة الفقيرة في مخيم جباليا، وكان طالبا نموذجيا في مدارس الأونروا، ودخل الجامعة الإسلامية في غزة، يقول الرئيس السابق لقسم اللغة الإنجليزية هناك "لقد كان طالبا مبكر النضوج وصادقا ومجتهدا للغاية".
حصل على شهادة في الفيزياء عام 1994 والدكتوراه عام 2007، وحصل على درجة الأستاذية في جامعته، ثم رئيس قسم الفيزياء، ونال جائزة البنك الإسلامي الفلسطيني للبحث العلمي عن دراسة حول ذبذبات البلازما عام 2019، قبل أن يتولى رئاسة الجامعة الإسلامية عام 2023.
استشهد سفيان تايه في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2023 مع عائلته في قصف للجيش الإسرائيلي على جباليا، وتم تدمير الجامعة التي كرّس لها حياته المهنية، تقول وفاء خاطر من جامعة بير زيت "إن إعداد مثل هذا العالم يتطلب 30 أو 40 عاما من العمل. ولكننا سنواصل مهمتنا التعليمية".
ناهدة وسمر أنطون.. من أبناء رعية العائلة المقدسة
تضم كنيسة العائلة المقدسة رفات ناهدة (70 عاما) وسمر أنطون (50 عاما)، أم وابنتها قتلتا بالرصاص يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2023 على يد قناص إسرائيلي، بحسب بطريركية اللاتينية في القدس، ونفى الجيش أن يكون وراء إطلاق النار الذي أدى إلى مقتل المرأتين، رغم أن عرباته المدرعة اجتاحت يوم 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي حي الزيتون واتخذت مواقعها حول المبنى الديني.
ومنعت طلقات الجيش الإسرائيلي أي محاولة للفرار، وأطلقت دبابة النار على الدير مما أدى إلى إلحاق أضرار بالمبنى وتدمير الألواح الشمسية ومولدات الكهرباء، ثم أطلق قناص النار على ناهدة وسمر عندما كان أبناء الرعية متجهين إلى الدير، الذي يضم المرافق الصحية الوحيدة التي لا تزال تعمل، لتنهار الأم أولًا، ثم الابنة بعدها وهي تحاول مساعدتها.
دنيا أبو محسن.. التلميذة اليتيمةفي مقطع فيديو تم تصويره في مستشفى ناصر بغزة من قبل المنظمة غير الحكومية الدولية للدفاع عن الأطفال، خلال الهدنة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023، روت دنيا أبو محسن (12 عاما)، وهي تجلس على السرير، محنتها بهدوء مذهل قائلة "بعد القصف الثاني، استيقظت وسط الركام. أدركت أن ساقي قد قطعت. كان هناك دم ولم تكن لدي أرجل. حاولت تحريكها لكنها لم تتحرك".
بعد 3 أسابيع من ذلك، وفي 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، سقطت قذيفة دبابة إسرائيلية على غرفة نوم الفتاة فقتلتها على الفور، وكانت قد أوضحت أن الضربة التي قطعت ساقها والتي وقعت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدت أيضًا إلى مقتل والدها ووالدتها وشقيقها محمد وشقيقتها داليا.
خالد مسعود.. الشرطي المحب للموسيقى
لم يكن ضابط الشرطة خالد مسعود (49 عاما) يريد مغادرة جباليا الذي كان جزءًا من هويته، آملا أن تتوفر لديه الموارد اللازمة للبقاء على قيد الحياة مع أطفاله الستة بدلا من أن يجد نفسه في خيمة بلا شيء.
لكن، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، تعرض منزله للقصف ليلجأ إلى منزل أخيه، وفي أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، اخترقت طلقة قناص ساقه، وفي الـ19 من الشهر ذاته ذهب لإحضار الطعام ولم يعد.
وفاة جديدة في المعهد الفرنسي بغزةعمل رامي فياض لمدة 20 عاما في المعهد الفرنسي في غزة، وقد توفي يوم الخميس 8 فبراير/شباط الجاري متأثرا بمرض في الجهاز التنفسي نتيجة نقص الأدوية بسبب الحصار المفروض على الأراضي الفلسطينية.
تخرج رامي فياض من جامعة روان نورماندي، وكان طالب دكتوراه في اللغة الفرنسية كلغة أجنبية، ومدرسا لها واللغة العربية كلغة أجنبية، ومفتشا للغة الفرنسية في وزارة التربية والتعليم في غزة، وهو ثاني أستاذ مؤقت في المعهد الفرنسي يفقد حياته منذ بداية الحرب، بعد اختفاء فتحية عزايزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد لحق بهما أحمد أبو شمالة الذي كان يعمل في المكتب القنصلي الفرنسي في غزة منذ عام 2002، في قصف المنزل الذي كان قد لجأ إليه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: نوفمبر تشرین الثانی 2023 دیسمبر کانون الأول 2023 الذی کان قطاع غزة فی غزة فی قصف
إقرأ أيضاً:
الهند تدرس خطة إلزام الهواتف بتفعيل تتبع المواقع دائمًا
في خطوة أثارت جدلًا كبيرًا داخل الهند وخارجها، كشفت تقارير إعلامية عن أن الحكومة الهندية تدرس مقترحًا جديدًا قد يكون الأكثر صرامة حتى الآن في سياق مراقبة الهواتف الذكية.
فبعد أيام قليلة فقط من تراجعها عن خطة إلزام الشركات بتثبيت تطبيق حكومي للأمن السيبراني مسبقًا على جميع الأجهزة، تعود الهند لتبحث إجراءً جديدًا أكثر تأثيرًا على خصوصية المستخدمين، وفقًا لوكالة رويترز.
المقترح الجديد، الذي يأتي من قطاع الاتصالات الهندي، يهدف إلى إلزام مصنعي الهواتف الذكية بالإبقاء على خدمات تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية مفعلة بشكل دائم، دون منح المستخدمين خيار إيقافها. لا يهدف هذا الإجراء إلى تمكين تطبيقات معينة من الوصول إلى الموقع فحسب، بل سيفرض تشغيل نظام A-GPS على مدار الساعة لجميع الأجهزة العاملة داخل البلاد.
ما يجعل هذا الاقتراح أكثر إثارة للقلق هو المطالبة أيضًا بمنع ظهور الإشعارات التي تُخبر المستخدم بأن شركات الاتصالات أو الجهات الحكومية قد وصلت إلى بيانات موقعه. بمعنى آخر، سيتم تفعيل التتبع الكامل دون علم المستخدم أو موافقته، وهو ما يُعد سابقة خطيرة في عالم التكنولوجيا، ولا يوجد له مثيل – بحسب جماعات الضغط – في أي دولة أخرى على الإطلاق.
وبينما كان من المقرر أن تعقد وزارة الداخلية اجتماعًا رسميًا مع شركات الهواتف لمناقشة المقترح، تأجل اللقاء دون توضيح الأسباب، ما زاد من الغموض والتكهنات حول جدية الحكومة في تنفيذ الخطة.
المؤيدون لها يقولون إنها ستسهّل عمل أجهزة إنفاذ القانون، وتساعد في التحقيقات الجنائية، وتوفر قدرة أعلى على تحديد المواقع بدقة. فبيانات مواقع أبراج الاتصالات – التي تُستخدم عادة – قد تكون غير دقيقة بفارق يصل إلى عشرات الأمتار، بينما يمنح النظام الجديد دقة قد تصل إلى 10 أقدام فقط. لكن المعارضين يرون أن تبرير “محاربة المجرمين” أصبح بوابة جاهزة لتوسيع سلطة الحكومات على حساب خصوصية المواطنين.
ويأتي هذا الجدل في سياق أوسع، إذ تتعرض حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لانتقادات متواصلة بسبب سعيها لفرض تشريعات تُتيح جمع البيانات وتتبع المواطنين بطرق توصف بأنها تمس الحقوق الأساسية لعدد يصل إلى 1.4 مليار شخص.
وتشير التقارير إلى معارضة قوية من شركات التكنولوجيا العالمية، وعلى رأسها آبل وجوجل وسامسونج. هذه الشركات الثلاث، التي تسيطر على حصة ضخمة من سوق الهواتف الهندي، طالبت الحكومة بشكل مباشر برفض هذا المقترح الذي وصفه اتحاد "ICEA" – الممثل الرسمي لصناعة الإلكترونيات – بأنه تجاوز تنظيمي غير مسبوق.
وحذرت المجموعة من أن هذه الخطوة قد تضع فئات حساسة مثل القضاة، والضباط العسكريين، والصحفيين، وكبار المديرين التنفيذيين في خطر مباشر، لأنها تحول كل هاتف إلى جهاز تتبع دائمًا مكشوف البيانات.
من جهة أخرى، أعربت مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) عن قلق بالغ تجاه المقترح. وقال كوبر كوينتين، كبير التقنيين في المؤسسة، إن السماح للحكومة وشركات الاتصالات بمعرفة الموقع الدقيق لأي شخص في أي لحظة، دون أمر قضائي، يشكل تهديدًا كبيرًا للخصوصية. وأضاف أن تفعيل نظام A-GPS طوال الوقت ليس مجرد قرار تقني، بل سياسة واسعة قد تغيّر شكل العلاقة بين المواطن والدولة.
ويحذر الخبراء من أن تنفيذ هذه الخطة قد يقود الهند إلى نموذج مراقبة واسع النطاق شبيه بما تظهره الأعمال الأدبية التحذيرية، مثل رواية جورج أورويل “1984”، التي أصبحت مرجعًا عند الحديث عن الحكومات التي تتوسع في تتبع مواطنيها بحجة الأمن.
وبينما لم تعلن الحكومة الهندية موقفها النهائي، تبقى الأسئلة الكبرى مطروحة: هل ستتراجع نيودلهي مرة أخرى تحت ضغط الصناعة والرأي العام؟ أم أنها تمهد الطريق لمرحلة جديدة تُصبح فيها الهواتف الذكية أدوات مراقبة إجبارية؟
الإجابة لم تتضح بعد، لكن المؤكد أن قرارًا بهذا الحجم ستكون له تداعيات هائلة على مستقبل الأمن الرقمي وحقوق الخصوصية في واحدة من أكبر دول العالم.