هل تعكس وثيقة العدل والإحسان المغربية تدشينها لمراجعات سياسية علنية؟ (2من2)
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
المرجعي والتنفيذي والواقعي والمثالي في وثيقة جماعة العدل والإحسان
في الواقع يصعب التعليق على وثيقة طويلة من 198 صفحة في هذا المقال، لكن يسمح تحليل المحورين التمهيدي والمحور السياسي، باستخلاص ثلاث ملاحظات أساسية:
الملاحظة الأولى: وتتعلق بالغموض الفكري والمرجعي، فالوثيقة الوثيقة تقر بأنها تنطلق من مرجعية "المنهاج النبوي"، لكنها في الجوهر لا تجيب عن الفوارق الكبيرة بين مرجعية "المنهاج النبوي"، وبين المشروع السياسي كما توضحه الوثيقة السياسية.
صحيح أن هذا المنهج متفهم في سياق التحولات البطيئة التي تعيشها الجماعة، فمن الصعب بمكان في جماعة محكومة تاريخيا بهيمنة الشيخ وأدبياته، أن يتم الحديث عن مراجعة لمرجعيته الفكرية، بل الأنسب في سياق تجسير فكرة المراجعة أن يتم مراجعة المرجعية باسم الانتظام فيها، بل وإحداث القطيعة معها باسم استعمالها آلة للنظر بدل عقيدة للعمل، وذلك على شاكلة الحالة الماركسية، فقد تمت كثير من المراجعات داخل هذه التيارات باسم الانتظام في الماركسية من بوابتها المنهجية.
الملاحظة الثانية: وتتعلق بالنموذج المعياري المنفصل عن الواقع تماما، فالوثيقة اجتهدت في رسم صورة نموذج الدولة السياسية التي تتطلع إليها: دولة المجتمع، ودولة العدل والكرامة والحرية، إنهاء حكم الفرد، دستور ديمقراطي يأتي من خلال هيئة تأسيسية منتخبة، فصل السلط وتوازنها، دولة الحقوق والحريات، دولة اللامركزية، ودولة تحارب الفساد، وتعكس مؤسساتها التمثيلية من الإرادة الشعبية، ويتمتع رئيس الحكومة، الذي فاز حزبه في الانتخابات، بالصلاحيات الواسعة على كل السياسات العمومية، بما في ذلك المجالات الاستراتيجية المتعلقة بالدفاع والأمن والعلاقات الخارجية، ويقوم فيها البرلمان وبشكل حصري بالدور التشريعي والرقابي، وتتوسع المهمة الرقابية له لتشمل حتى قطاعي الأمن والدفاع.
إن مجرد الاعتكاف للاشتباك مع الواقع وتقديم تشخيصي لأوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة اجتراح مقترحات لمعالجة كثير من المعضلات التي تسببت فيها السياسات الحكومية السائدة، يمثل بالنظر إلى ماضي الجماعة وممارساتها السابقة، تحولا مهما، يحتاج إلى أن يرصد ويقرأهذا النموذج المعياري الذي من السهل استقاء مفرداته من تنظيرات الفقه الدستوري، لم يجب عن سؤال الواقع، وفي أي بيئة سياسية يتم عرض المقترحات، وهل تستحضر واقعها ومكوناتها؟ أم أنها تقدم درسا أكاديميا في الفضاء؟
كان المفترض أن تتضمن الوثيقة رؤية الجماعة لنظام الحكم، موقفها من الملكية، أو على الأقل تنحو منحى اليسار الاشتراكي الموحد في تبني مفهوم الملكية البرلمانية، أو تطرح نموذجا لملكية دستورية، لكنها فضلت أن تطرح تصورها للنموذج السياسي، وكأنها تعيش في واقع آخر، لا ملكية فيه، بل الغريب أنها لم تقدم أي نموذج للحكم، برلماني أو رئاسي، أو مختلط، واختارت أن تبقى بعيدة عن الاشتباك مع الواقع السياسي، في الوقت الذي كشفت في محور الوثيقة التمهيدي، أن قصدها التفاعل معه.
والمثير أكثر للمفارقة، أن الجماعة، وهي تغض الطرف عن نظام الملكية القائم في المغرب، كانت بطرف خفي تستحضره، ولو دون إشارة إليه، وذلك حين الحديث عن الهيكلة المؤسساتية والمجال التشريعي والرقابي فيما يخص الأمن والدفاع.
وتفسير ذلك أن الموقف من الملكية، سواء باستحضار مرجعية ياسين، أو بالتجديد النظري إليها، أضحت قضية غير محسومة داخل الجماعة، فتم اللجوء إلى خيار المعيارية، والحديث عن دولة ومؤسسات وسلط وسياسات عمومية، دون استحضار النسق السياسي القائم ومركزية الملكية فيه.
الملاحظة الثالثة، وتتعلق، بالمستهدف من الوثيقة، وهل تقدم الجماعة عرضها السياسي للجمهور أم للنخب أم للحكم؟
لا تكشف الوثيقة الجهة التي يتوجه إليها الخطاب، لكن، الظاهر من خلال سياق طرح الوثيقة باعتبارها حلقة من حلقات المبادرة السياسية منذ 2006، يتبين أنها تخاطب النخب التي تسعى إلى بلورة بناء جبهة الخلاص معها، أو ميثاق للفضلاء الديمقراطيين كما هو اصطلاح الشيخ ياسين، فالجماعة، في هذه الظرفية السياسية، تريد ربما أن تزيل التوجسات التي أثارتها الوثائق السابقة، والتي صدرت أولا في حياة الشيخ، ومنطلقة من كتاباته، ومؤطرة بشروط مرجعية ودينية، والتي نظر إليها من قبل النخب العلمانية، على أساس أنها دعوة إلى الدخول في معطف العدل والإحسان، لا تكوين جبهة موحدة لمواجهة الاستبداد. الوثيقة الحالية، في هذا الشق بالذات، تجاوزت المفردات الدينية، وتبنت لغة علمانية، دستورية حقوقية، جاعلة من الهدف المرحلي الآني (العدل، الحرية، الكرامة) منطلق التجميع، ومؤجلة الأهداف الاستراتيجية (الدينية) لأدوار ووظائف الحركة فيما أسمته الوثيقة ببناء الإنسان وبناء العمران الأخوين. لكن تبقى المشكلة القائمة، إن كانت نخب الجبهة هي المستهدفة، هل يمكن الرهان على نموذج معياري لنظام حكم في الحوار السياسي، أم المطلوب ابتداء، تجديد النظر في الواقع القائم بفاعليه، وقواعد نسقه، ومؤسساته وسياساته؟
المشروع الاقتصادي والاجتماعي
خلافا للمحور السياسي الذي ظهرت فيه بصمة الجماعة ورؤيتها السياسية التي تقترب من أطروحة الجماعة النظرية، فإن الشق الاقتصادي والاجتماعي، بدأ خليطا من أفكار متداولة، سواء تلك التي تبنتها الدولة في شكل مشاريع استراتيجية حيوية أو تلك التي تبنتها قوى سياسية يسارية ردايكالية، أو تلك التي تبناها حزب العدالة والتنمية في برامجه الانتخابية السابقة أو في برنامج حكومتيه السابقتين، فباستثناء التأكيد في مدخل كل فقرة أو قطاع على فكرة تفكيك الريع ومواجهة الفساد أو فكرة التأطير القيمي، لا توجد أي جدة في المقترحات التي قدمتها الجماعة، بل وحتى في التشخيص المقدم والمطبوع بالجملة بالاقتضاب الشديد وأحيانا المخل، فقد كان اشبه ما يكون بتلخيص لعدد من التشخيصات السابقة مؤطر بعناوين كبرى تطبعها الجماعة ببصمتها السياسية الخاصة.
المثير أكثر للمفارقة، أن الجماعة، وهي تغض الطرف عن نظام الملكية القائم في المغرب، كانت بطرف خفي تستحضره، ولو دون إشارة إليه، وذلك حين الحديث عن الهيكلة المؤسساتية والمجال التشريعي والرقابي فيما يخص الأمن والدفاع.والمفارقة أن القطاعات التي كان ينتظر من الجماعة أن تقدم مقترحات مجددة فيها مثل التعليم، وقضايا الهوية والقيم، جاءت مقترحاته فيها غير ذات إضافة، بل جاءت أقل من سقف الوثائق المرجعية التي تبنتها الدولة المغربية كما هو الشأن في وثيقة الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التربية والتكوين، بل حتى في موضوع الهندسة اللغوية، جاءت مقترحات الجماعة، عامة وغير عملية، تنطلق من فكرة الانفكاك التدريجي من التبعية اللغوية والازدواجية اللغوية (أي التحرر من هيمنة اللغة الفرنسية) تنتصر لفكرة التدريس باللغة العربية وتنويع تدريس اللغات، وامتلاك اللغات الحية في العالم باعتبارها لغة مدرسة وبحث علمي لا لغات تدريس.
واضح من هذا الاقتراح أن الجماعة ترشح اللغة العربية لتكون لغة تدريس حصرية، ليس فقط في المستويات الأساسية والإعدادية والثانوية، ولكنها تقترح أن تمتد إلى الفضاء الجامعي شرط تأهيل هذه اللغة، وتعتبر أن مدخل إتقان اللغات، بل مدخل تملك لغة البحث العلمي الدولية، من خلال خيار تدريس اللغات، وليس من أي خيار آخر، مثل جعل بعض اللغات الحية، لغة تدريس في بعض المواد أو المضامين أو المحتويات الدراسية، بل إن الجماعة لم تقدم أي إجراء في مواجهة واقع ضعف تحكم التلاميذ في اللغات الأجنبية ومحدودية قدرة الطالب المغربي، بل الباحث الجامعي في سلك الماستر والدكتوراه على البحث بلغة أجنبية.
ويمكن أن نلاحظ على التدابير التي اقترحتها الجماعة في قطاعات الفن والثقافة الطابع العمومي والشعاراتي وعدم الاشتباك العملي مع الإشكالات الحقيقية التي تعاني منها هذه القطاعات، فعلى سبيل المثال غابت في مجال الإعلام والاتصال الإشكالات المرتبطة بالإعلام الرقمي وشكل التعاطي مع شبكات التواصل الاجتماعي، والجدل الذي يثار حول الخصوصية والشأن العام، كما غاب الحديث عن إشكالات التأطير القانوني للفضاء الرقمي (شبكات التواصل الاجتماعي أو الصحافة الإلكترونية).
وعلى سبيل المثال أيضا، فالملاحظ على اقتراحات الجماعة في قطاع الثقافة، أنها أعادت التدابير العامة التي اقترحتها عدد من الأحزاب ـ وبشكل خاص حزب العدالة والتنمية-في برامجها الانتخابية والحكومية، وفضلت أخذ مسافة كبيرة عن الاقتراحات التفصيلية التي تقدم الإجابات حول بعض الإشكالات التي يعاني منها القطاع، فصاغت مقترحاتها بمنطق تشجيع بعض السياسات (تشجيع المهرجانات السينمائية، تشجيع المعارض الخاصة بالكتاب والرسم والتشكيل...) وأهملت إنتاج رؤية تفصيلية لمعالجة إشكالات دقيقة من قبيل قضية علاقة منظومة الدعم بالنهوض بالقطاع الثقافي والفني، وعلاقة الثقافة بالفلكلور، ومعالجة قضية التنوع والتعدد الثقافي، والسياحة الثقافية، والفن المدرسي والجامعي، وغيرها من القضايا التفصيلية، التي لا تتشكل فيها الرؤية إلا من خلال واقع الاشتباك والتدبير الحكومي اليومي.
وعلى العموم، ومهما يكن حجم وحدة هذه الملاحظات النقدية، فإن مجرد الاعتكاف للاشتباك مع الواقع وتقديم تشخيصي لأوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة اجتراح مقترحات لمعالجة كثير من المعضلات التي تسببت فيها السياسات الحكومية السائدة، يمثل بالنظر إلى ماضي الجماعة وممارساتها السابقة، تحولا مهما، يحتاج إلى أن يرصد ويقرأ في سياق سعي الجماعة إلى أن تتملك لغة جديدة، قريبة من التداول السياسي، تدمج فيها كل مكوناتها، وتقترب بها من النخب، لتتهيأ إلى استشراف دور جديد في مستقبلها القريب والمتوسط.
إقرأ أيضا: هل تعكس وثيقة "العدل والإحسان" المغربية تدشينها لمراجعات سياسية علنية؟ (1من2)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير المراجعات المغرب المغرب سياسة رأي اسلاميون مراجعات أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدل والإحسان الحدیث عن من خلال
إقرأ أيضاً:
المغربية ليلى العلمي.. أميركية أخرى تمزج الإنجليزية بالعربية
واشنطن- لا شيء في نشأة الكاتبة المغربية ليلي العلمي كان يوحي بأنها تتجه لاقتحام عالم الأدب من بوابة الإنجليزية، خاصة وأن مخيالها تشكل تدريجيا بالاحتكاك بنصوص مكتوبة بالفرنسية لغة المستعمر التي ما تزال تفرض نفسها في المغرب وكثير من المستعمرات الفرنسية الأخرى.
وفي بيئة عائلية ومدرسية تمتزج فيها العربية والفرنسية، تربت ليلي (مواليد عام 1968) وهي تكتشف العالم من خلال القصص المصورة وقصص الأطفال خاصة المكتوبة بالفرنسية قبل أن تكتشف كتابا مغاربة اختاروا لغة موليير وفرضوا أنفسهم محليا ودوليا من قبيل إدريس الشرايبي وعبد الكبير الخطيبي والطاهر بن جلون ومحمد خير الدين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف أسهم أدب الرحلة في توثيق العادات والتقاليد عبر العصور؟list 2 of 2كتابة الذات وشعرية النثر في تجربة أمجد ناصرend of listوعلى هذا المنوال سار عدد كبير من الكتاب المغاربة من جيل ليلى ممن نشؤوا في بيئات شبيهة واختاروا الكتابة باللغة الأم، إلى جانب قلة ممن انجذبوا لهذا السبب أو ذلك للتعبير عن ذواتهم بالفرنسية.
ولكن ليلى لم تكن من هذا المعسكر ولا من ذاك، بل سارت على درب آخر، فلم يكن اختيارا مفكرا فيه ومخططا له من البداية، بقدر ما لعبت فيه الصدفة وإكراهات التحصل الأكاديمي دورا حاسما قبل أن يتحول الأمر إلى مشروع أدبي تبلور وتطور على مدى أكثر من عقدين.
وحاولت ليلى مبكرا أن تكتب بالفرنسية لكن تلك التجربة لم تتمخض عن منجز قابل للعيش أدبيا، قبل أن يتلاشى ذلك المسعى بفعل مسار أكاديمي لدراسة الإنجليزية أخذ الكاتبة بعيدا عن لغة المستعمر وعن لسان الأم قبل أن يأخذها إلى ما وراء المحيط الأطلسي بعيدا حتى عن الوطن الأم.
ومطلع تسعينيات القرن الماضي، حطت ليلى الرحال في الولايات المتحدة لمتابعة دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في اللسانيات بجامعة جنوب كاليفورنيا، وكلها أمل في العودة إلى المغرب للعمل أستاذة جامعية.
ولكن القدر شاء أن تصبح ليلى، بعد استكمال دراساتها العليا، مهاجرة دون رغبة منها في ذلك وأن تستقر في بلاد العم سام وتبدأ حياة أكاديمية وأسرية وإبداعية قبل أن تصبح عام 2000 "أميركية" أو واحدة من بين عشرات الملايين ممن سمتهم "مواطنين مشروطين" في كتاب عن معنى الانتماء لأميركا صدر عام 2020 أثناء الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب.
في أتون هذا المسار التعليمي والحياتي، لم يعد أمام ليلى سوى أن تلوذ بلغة شكسبير، كوسيط لساني كوني ومحايد إلى حد ما، مقارنة بما تحيل إليه الفرنسية من رمزية استلابية وحمولة استعمارية.
إعلانوعن ذلك الخيار، تقول ليلى إنها لم تفكر قط في أن تصبح في وضعية مهاجرة أو أن تكتب روايات بالإنجليزية، وتقر بأن ذلك التحول كان له أثرٌ عميق على تفكيريها الإبداعي والنقدي وانعكس في أعمالها بسطوة تيمات الوطن والهوية واللغة، وبطبيعة شخصيات رواياتها والتي غالبا ما تكون غريبة أو غير متأقلمة مع أي مكان وأحيانا أخرى "خارج المكان".
وعاشت ليلى تلك التجربة من خلال انزياح لغوي وثقافي تحللت فيه من وسيط لساني يجسد ثقلا استعماريا لا يزال ممتدا إلى الآن بأشكال كثيرة، ومن جهة أخرى بقيت مستسلمة لسحر اللغة الأم والثقافة الأصلية.
وتتحدث الكاتبة في تصريحات كثيرة عن تمازج خفي في أعمالها الأدبية بين الإنجليزية كأداة، مشبعة طبعا بحمولة ثقافية خاصة، وبين العربية لغة الحلم والتفكير والتخييل والوعاء الحامل لمخيال جمعي متعدد المشارب والروافد.
وخلال مسار إبداعي ممتدة على مدى عقدين من الزمن فرضت ليلى نفسها في مشهد أدبي وإعلامي مترامي الأطراف ومتنوع التيارات والخلفيات، وأصدرت 6 روايات عن دور نشر وازنة حظيت بإقبال نقدي وإعلامي واسع وحصلت على عدد من الجوائز الأدبية.
ومن وحي تجربتها في الغربة، دشنت ليلى مشوارها الأدبي بمجموعة قصصية بعنوان "الأمل ومساعٍ خطيرة أخرى" (عام 2005) تناولت فيها مأساة 4 مهاجرين مغاربة انقلب بهم قارب مطاطي أثناء محاولة العبور إلى إسبانيا عبر مضيق جبل طارق.
وفي عملها الثاني وهو رواية بعنوان "الابن السري" (عام 2009)، عادت ليلى بقرائها إلى مدينة الدار البيضاء لتروي قصة شاب من أحد الأحياء الفقيرة بالمدينة يكتشف هوية والده الحقيقي، فيدخل في متاهة من المعاناة الشخصية والسياسية.
وفي العمل الموالي، امتطت ليلى صهوة التاريخ وعادت قرونا إلى الوراء لتستعيد "ما رواه المغربي" (عام 2014) وهو رواية مستوحاة من قصة حقيقية لأول مستكشف أسود لأميركا، وهو مغربي مُستعبد شارك في حملة نارفايز إلى فلوريدا عام 1528.
وحازت تلك الرواية على جائزة الكتاب الأميركي، وجائزة الكتاب العربي الأميركي، وجائزة هيرستون-رايت للإرث، كما وصلت إلى نصف نهائي جائزة بوكر، ووصلت إلى نهائيات جائزة بوليتزر للرواية.
ومن صفحات التاريخ البعيد، عادت ليلى في رواية "الأميركيون الآخرون" (عام 2019) إلى أحوال المهاجرين في أميركا لتروي قصة مهاجر مغربي توفي في كاليفورنيا، ورصدت ما تكشفه تلك الواقعة عن أوضاع المهاجرين وما تطرحه من إشكاليات اجتماعية ونفسية وحقوقية.
وفي العام الموالي، ابتعدت الكاتبة عن السرد وتطرقت بشكل نقدي لمعنى الانتماء إلى أميركا واختارت لكتابها عنوان "مواطنون مشروطون" (2020) وهو توصيف ينطبق على عشرات ملايين المجنسين في الولايات المتحدة.
وتناقش الكاتبة، أحيانا من وحي تجربتها الشخصية، معنى المواطنة الأميركية والتي غالبا ما تكون تجربة مشروطة تتحكم فيها عوامل من قبيل الأصل القومي والعرق والجنس.
إعلانومن خلال رحلتها الشخصية من مهاجرة إلى مواطنة أميركية، تخلص ليلى إلى أن حقوق المواطنة وحمايتها لا تطبق بشكل عادل وكيف أن المجنّسين يعتبرون في بعض السياقات مواطنين "مختلفين" أو "أميركيين آخرين".
ورغم ذلك المسار الطويل في الكتابة والحياة بأميركا، تعترف ليلى بأنها "ضيفة" على الإنجليزية ولا تزال تشعر بغربة عن تلك اللغة دون أن يكون ذلك عائقا إبداعيا. وتقول إنها حولت ذلك الشعور إلى محفز للإبداع وإنها تتخيل أحيانًا أن شخصياتها تتحاور بالعربية وهي تترجم حديثها إلى الإنجليزية.