بانشاسيلا.. خمسة مبادئ تحكم النظام السياسي في إندونيسيا
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
على الرغم من أن إندونيسيا أكبر دولة في منظمة التعاون الإسلامي، ويشكّل المسلمون 87.2% من سكانها البالغ عددهم 270 مليون نسمة، وعلى الرغم من أن للمبادئ الإسلامية دورا مهما في تشكيل النظام السياسي، وفي حركة المجتمع، فإن البلاد دستوريا لا تُعرَّف بأنها دولة مسلمة أو إسلامية، ولا يعدّ الإسلام دين الدولة؛ لأنها تأسست على ما يعرف محليا بـ "بانشاسيلا".
عندما حصلت البلاد على استقلالها في 1945 عن الاستعمار الهولندي، وأُعلن قيام جمهورية إندونيسيا، توافق المؤسسون على 5 مبادئ تحكم النظام السياسي في البلاد، وهي التي أعلنها الرئيس المؤسس أحمد سوكارنو في خطاب عرف بخطاب "بانشاسيلا" وتعني باللغة السنسكريتية: "المبادئ الخمسة".
وتم التوافق على هذه المبادئ مراعاة للتنوع العرقي والديني الواسع في الأرخبيل، الذي يتكون من 13 ألف جزيرة، 7000 منها مأهولة، وينتشر فيها طيف من الأديان.
وتعترف الحكومة بالعقائد التالية: (مسلمون 87.2%، بروتستانت 7%، رومان كاثوليك 2.9%، الهندوسية 1.7%، أخرى 0.9% (تشمل البوذية والكونفوشيوسية). في حين لا يُعترف بالإلحاد معتقدا.
ويمكن تلخيص هذه المبادئ الخمسة كالتالي:
الإيمان بإله واحد. إنسانية عادلة ومتحضرة. وحدة أراضي الدولة في إندونيسيا. الديمقراطية في إدارة الدولة. العدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب الإندونيسي.اعتمد دستور إندونيسيا في 1945 وظل ساري المفعول منذ ذلك الحين، باستثناء الفترة بين 1949 و1959. وقد عُدل 4 مرات بين 1998 و2002 كونه جزءا من الإصلاحات الديمقراطية بعد إسقاط نظام سوهارتو في 1998.
وقد ورثت إندونيسيا نظامها القانوني من حقبة الاستعمار الهولندي، ولا تزال العديد من مواده -مثل قانون العقوبات- سارية حتى اليوم. وللشريعة الإسلامية حضور في القانون الإندونيسي، خاصة في الأحوال الشخصية والميراث والزواج والطلاق وغيرها.
ومع ذلك لا تطبق إندونيسيا الحدود الشرعية، باستثناء إقليم آتشيه، الذي حصل على حكم ذاتي يسمح له بتطبيق الشريعة الإسلامية، بعد توقيع اتفاق سلام أنهى عقودا من الصراع المسلح مع الحكومة المركزية.
التحول الديمقراطيكان إسقاط نظام سوهارتو في 1998 بعد ثورة الطلبة على خلفية الأزمة المالية التي ضربت دول جنوب شرق آسيا في 1997، هو نهاية نظام حكم البلاد منذ استقلالها في 1945، وبداية عملية التحول الديمقراطي.
وكان يوسف حبيبي، الذي خلف سوهارتو، قد دشن مرحلة التحول الديمقراطي خلال توليه منصب الرئيس لمدة 517 يوما فقط،. فقد أصدر قانون الصحافة لضمان حرية التعبير عبر وسائل الإعلام، التي كانت مقيدة حتى ذلك الحين، ورفع القيود المفروضة على الحق في تشكيل الأحزاب السياسية، كما دعم بشكل مثير للجدل تقرير المصير لشعب مقاطعة تيمور الشرقية، مما أدى إلى استقلال ذلك الإقليم عن إندونيسيا في 2002.
السلطة التنفيذية
نظام الحكم في إندونيسيا رئاسي، فالسلطات الواسعة بيد الرئيس الذي يُنتخب مباشرة من الشعب، فهو رئيس الدولة والحكومة، وهو الذي يعين الوزراء، ويوافق على التشريعات التي يعتمدها البرلمان، وله حق نقضها.
يتمتع الرئيس -أيضا- بسلطة إصدار مراسيم رئاسية لها تأثيرات سياسية، وهو المسؤول عن العلاقات الخارجية لإندونيسيا، على الرغم من أن المعاهدات تتطلب موافقة تشريعية، وهو كذلك القائد الأعلى للقوات المسلحة.
تتكون السلطة التنفيذية من الرئيس ونائب الرئيس ومجلس الوزراء. وتكون عملية اختيار الرئيس ونائبه بالانتخاب المباشر من الشعب، وتستمر ولايتهما 5 سنوات، يمكن تجديدها بالانتخاب لدورة ثانية فقط، لضمان التداول السلمي للسلطة. وأجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في 2004.
وبحكم أن 60% من سكان إندونيسيا يتركزون في جزيرة جاوا، وغالبيتهم العظمى من المسلمين؛ فإن منصب الرئيس ونائبه يكون حصرا من المسلمين، أما في المناصب السياسية الأدنى وفي الأقاليم الأخرى، فمن الممكن تولي تلك المناصب من غير المسلمين.
شروط الترشح للرئاسة يشترط في المرشح للرئاسة أن يحظى بتأييد رسمي من حزب سياسي، أو ائتلاف حزبي يشكل إما 20% من البرلمان المركزي، وإما 25% من الأصوات في الانتخابات السابقة. يشترط أن يكون عمره 40 عاما على الأقل (جرى تجاوزه من المحكمة الدستورية في انتخابات 2024 بسبب المرشح لمنصب نائب الرئيس غيبرين نجل الرئيس جوكو ويدودو)، وأن يكون مقيما في إندونيسيا لمدة 5 سنوات على الأقل، وألا تكون لديه جنسية أجنبية، سواء في وقت الانتخابات أو في أي وقت سابق. لا يشترط في المرشح الرئاسي أن يكون رئيسا لحزب سياسي، لكن جرت العادة أن يكون مدعوما من تحالف من الأحزاب السياسية. يحتاج المرشح الرئاسي إلى (50% + واحد) من الأصوات المدلى بها، وما لا يقل عن 20% من الأصوات في أكثر من نصف المحافظات الـ38 للفوز بالرئاسة. إذا لم يتمكن أي من المرشحين من تحقيق النسبة المطلوبة، تجري جولة إعادة للانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات.السلطة التشريعية في إندونيسيا هي "مجلس الشعب الاستشاري"، وهو مكون من مجلسين، مجلس نواب الشعب (الغرفة الدنيا)، ومجلس الشيوخ، أو ممثلي الأقاليم (الغرفة العليا).
ويعدّ مجلس الشعب المسؤول عن تعديل أو حذف بعض المواد، أو أحكام الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء. ويتولى تنصيب الرئيس ونائب الرئيس، ويتمتع بسلطة عزل أي منهما إذا ارتكب انتهاكات محتملة لدستور في 1945 وقوانين الجمهورية أثناء ولايتهم.
يتكون مجلس نواب الشعب من 580 عضوا، ويتولى وضع القوانين وإقرارها، وإعداد الميزانية السنوية بالتعاون مع الرئيس، ويشرف على الأداء العام للشؤون السياسية، وينتخَب لمدة 5 سنوات من خلال الانتخاب الشعبي المباشر على قاعدة التمثيل النسبي.
ولا يسمح النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر والتنوع العرقي والديني عمليا لأي من الأحزاب بالحصول على الأغلبية في مقاعد البرلمان، وفي الغالب لا تزيد نسبة الحزب الأول في الانتخابات عن 25%، فتبقى الحاجة قائمة للتحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل الائتلاف الحكومي.
الانتخابات التشريعية يشترط على الأحزاب السياسية للمشاركة في الانتخابات، أن تكون لها فروع في كل محافظة في إندونيسيا، وفي 75% من المدن في تلك المحافظات. يجب على الأحزاب المشاركة في الانتخابات أن يكون 30٪ على الأقل من قائمة مرشحيها من الإناث. يحتاج أي حزب سياسي إلى تأمين 4% من أصوات الناخبين (عتبة الانتخابات) لدخول البرلمان المركزي (580 مقعدا). ولا ينطبق هذا الشرط على برلمانات الأقاليم والمحافظات، فيكفي تأمين الأصوات اللازمة للفوز بالمعقد البرلماني فيها. يشترط في مرشحي مجلس الشيوخ ألا يكونوا أعضاء في أي حزب سياسي. وينتخب 4 أعضاء في مجلس الشيوخ عن كل إقليم (العدد الإجمالي للأقاليم 38). منذ انتخابات 2019 تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن، فيقترع كل ناخب في 5 أوراق مختلفة يضعها في 5 صناديق اقتراع، بالترتيب التالي: الأولى للرئيس ونائبه، والثانية للبرلمان المركزي، والثالثة لبرلمان الإقليم، والرابعة لبرلمان المحافظة، والخامسة لمجلس الشيوخ. تجري الانتخابات في 38 إقليما، و514 محافظة، و7277 بلدية، لانتخاب 20 ألف نائب في مختلف البرلمانات. كان أحد إنجازات إصلاحات ما بعد 1998 هو الحد من النفوذ السياسي للجيش، وإلغاء المقاعد البرلمانية المخصصة لممثلي الجيش، ومنع أفراد قوات الأمن العاملين من التصويت، أو الترشح للانتخابات.أعلى محكمة في النظام القضائي بإندونيسيا هي المحكمة العليا، ويعدّ حكمها نهائيا وغير قابل للاستئناف، وتنظر في الأحكام التي تصدرها المحاكم الأدنى. بينما تتولى المحكمة الدستورية، التي تأسست في 2003، البتّ في النزاعات حول تفسير الدستور، وما إذا كانت قرارات مجلس الوزراء والبرلمان تتماشى مع نصوصه. في حين تُحال القضايا القانونية العامة إلى المحاكم العامة، والمحاكم الإدارية، والمحاكم الدينية، والمحاكم العسكرية.
وتشرف لجنة قضائية على الحفاظ على سلوك الشرف ونزاهة القضاة الإندونيسيين؛ بسبب انتشار الفساد الذي يشمل في أحيان كثيرة قاعات القضاء.
الحكومات المحلية والإقليميةتضم إندونيسيا 34 مقاطعة، مقسمة إلى 416 منطقة و98 مدينة. ولكل مقاطعة حاكم منتخب بشكل مباشر ومجلس إقليمي، كما ينتخب الحكام ورؤساء بلديات المدن بشكل مباشر.
في سنة 2000، انتقلت إندونيسيا من كونها نظاما مركزيا للغاية إلى نظام تتمتع فيه السلطات المحلية، على مستوى المقاطعات والمدن باستقلالية كبيرة وميزانيات في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة.
مؤسسات أخرى مهمة في الدولةمن مؤسسات الدولة المهمة، مجلس تدقيق حسابات الدولة والمجلس الاستشاري الأعلى، إذ يتولى مجلس تدقيق حسابات الدولة مراجعة وفحص الإجراءات المالية للحكومة، ويرفع تقريره إلى مجلس الشعب الاستشاري (البرلمان)، وهو الهيئة التي توافق على الإيرادات والنفقات المقدرة للدولة.
بينما يقدم المجلس الاستشاري الأعلى المشورة للرئيس عند الطلب، في المسائل المتعلقة بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية.
ويُرشَح أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى من مجلس الشعب الاستشاري، ويعيّنهم رئيس الجمهورية لمدة 5 سنوات، ويبلغ عدد أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى 45.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
عمر سيد أحمد
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقابفي 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار. استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية. التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيتالعقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
حظر التعاملات بالدولار الأميركي. تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة. منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان. حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة خروج فعلي من النظام المالي العالميالسودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع. تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية. التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
تهديد الأمن الغذائي والدوائيمع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
نقص حاد في الإمدادات الأساسية. تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل. توسّع الفجوة في الخدمات الصحية. ضياع موارد الدولة من الذهبفي ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
تعميق أزمة سعر الصرفكل هذه التطورات تؤدي إلى:
تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار. تزايد التضخم المفرط. انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. رابعًا: من يدفع الثمن؟رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد. المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا. المريض الذي لا يحصل على دواء. التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء. خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
خطاب “الحصار الخارجي”. عسكرة الاقتصاد. قمع المعارضة بحجة الطوارئ.وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًاالعقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
يُفقد السودان مزيدًا من موارده. ينهار الأمن الغذائي. يتوسع النزوح والدمار.وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحربمن أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذالعقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
وقف الحرب فورًا. تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية. إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي. الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
* خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
الوسومالإنقاذ الحرب الخرطوم السودان العقوبات الأمريكية على السودان القطاع المالي والمؤسسي النظام المالي العالمي سعر الصرف عمر سيد أحمد واشنطن