آثار مهملة وجثامين مكشوفة بمقابر ما قبل التاريخ بسهل القاع بسيناء بعد نقل 276 موظفًا
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
مازالت تتوالى عواقب نقل الأمين العام لعدد 276 موظفًا من سيناء من آثاريين وإخصائى ترميم وإخصائى مساحة وأملاك وإداريين وأمن معظمهم عناصر على درجة عالية من الكفاءة والخبرة بالعمل بسيناء مما أدى إلى فراغ فى العناصر البشرية المؤهلة بهذه المناطق
المؤتمر الدولي الرابع لكلية الآثار جامعة الفيوم بالاشتراك مع جامعة الاقصر الآثار تستجيب لتوصيات لجنة إعلام النواب وتنشئ مظلات ودورات مياه وكافيترياويشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار ، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية إلى أن أهل منطقة عيون موسى يشتكون من عدم تواجد آثاريين بالمنطقة، وقد أعلنت الآثار فى 10 فبراير 2018 عن افتتاح المنطقة للزيارة بعد أعمال ترميم وتطوير لمنطقة عيون موسى تكلفت فى المرحلة الأولى 3 مليون جنيه، تضمنت ترميم وصيانة 7 آبار مع إنشاء تندات وممشى للآبار وتجهيز عشش ومحلات لأهل المنطقة لبيع المشغولات اليدوية للزوار بسيناء ومحافظة السويس.
وأشار رئيس قطاع الآثار المصرية وقتها أن المرحلة الأولى تضمنت أيضا تجهيز المدخل الرئيسي للمنطقة وتنفيذ منظومة إضاءة على أحدث النظم العلمية مع نظم إضاءة حديثة للمظلات والأفران التراثية.
وأكد على أنه تم تفعيل رسوم التذاكر وطبعها لزيارة منطقة اثار عيون موسى استعدادا لاستقبال الزائرين، أول أبريل2018، حيث تراوحت أسعار التذاكر ما بين 40 جنيها للأجنبي و 20 للطالب، بينما بلغت 10 جنيهات للمصري و5 جنيهات للطالب مع إعفاء طلاب المدارس والجامعات وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويوضح الدكتور ريحان بأنه لم يحدث أى شىء مما صرح به رئيس قطاع الآثار المصرية بالوزارة حيث لم تفتتح منطقة عيون موسى للزيارة ولا الأهالى تسلموا محلات وكان هناك مفتش آثار مقيم بالمنطقة يشرف عليها ولكن بعد نقل الآثاريين هجرت تمامًا وكأنها لا تتبع الآثار ويشتكى الأهالى من هذا الإهمال بأنها كانت مصدر رزق لهم قبل الترميم، ولكن بعد الترميم تم إغلاقها وإهمالها مما سيؤدى إلى ردمها وضياع الملايين التى أنفقت عليها
ويتابع الدكتور ريحان بأنه نتيجة نقل الآثاريين وندرة مفتشى الآثار أصبح من الصعب المرور على المواقع الأثرية حتى أهملت وتركت وقامت حملة الدفاع عن الحضارة بتصوير آثار ما قبل التاريخ بسهل القاع شمال مدينة طور سيناء عن طريق منسقيها بطور سيناء والتى تؤكد أنها مهملة وبها بقايا جثامين مكشوفة لوحوش الصحراء مما ينم عن عدم مرور أى آثارى عليها منذ فترة طويلة وهذا طبيعى نتيجة نقص الآثاريين
وقد قامت بالعمل فى آثار هذا السهل بعثة أمريكية لآثار ما قبل التاريخ برئاسة الدكتورة أنجيلا كلوز وكشفت بها عن مبانى دائرية بها بقايا بشرية وهى المهملة الآن ولا توجد عليها أى حماية من أسوار أو حراس بالمنطقة وكأنها خارج نطاق الآثار
وهذه المنطقة تقع فى نطاق الآثار وتخضع لقانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 إخضاع بالقرار رقم 328 لسنة 2002 بمساحة 1000.300م
ونوضح أن هذه المبانى المهملة هى مبانى حجرية يطلق عليها أهل سيناء النواميس وأثبتت الدراسات المختلفة أنها تعود إلى عصر البرونز المبكر، ويعتقد أنها آثار خاصة بسكان سيناء الأصليين فلقد كشف عالم الآثار البريطانى بالمر عام 1869 عن مجموعة من هذه النواميس قرب عين حضرة ( طريق كاترين – نويبع) وقرب نويبع وقد عثر بها على رؤوس سهام ودبابيس نحاس، وكشف روزنبرج عام 1967 عن مجموعة أخرى قرب عين حضرة، وهذه النواميس تشبه خلايا النحل متجمعة وشكلها دائرى يتراوح قطرها ما بين 2.5 إلى 4م وارتفاعها 3م، مبنية من بلاطات مسطحة كبيرة من أحجار غير منحوتة ويرجّح بالمر أنها معسكرات محصنة لأقوام يعتمدوا على رعى الأغنام استخدموا المساحات المفتوحة بين هذه الدوائر للأغنام والقطيع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نقل الأمين العام بسيناء عیون موسى
إقرأ أيضاً:
عيون الأمة الحارسة والمرابطة.. مشاتل التغيير (20)
وأصل حراسة الأمة والدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مثل قوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرا لَّهُم مِّنْهُمُ الْـمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران: 110)، وقوله: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ" (آل عمران: 104). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فِرْقَة من الأمَّة متصدية لهذا الشأن (وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه)".. وأكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويجب على أولي الأمر -وهم: علماء كل طائفة، وأمراؤها، ومشايخها- أن يقوموا على عامتهم، ويأمروهم بالمعروف، وينهوهم عن المنكر؛ فيأمرونهم بما أمر الله به ورسوله".
والتدافع سنة ماضية، بحيث يُوجد في مسيرته وحماية للحق "حُماته الذين يدافعون عنه، كما قال الله تعالى: "وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْـحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" (الأعراف: ١٨١). قال الشيخ السعدي: "أي: ومن جملة مَن خلقنا أمة فاضلة كاملة في نفسها، مكمِّلة لغيرها، يهدون أنفسهم وغيرهم بالحق، فيعلمون الحق ويعملون به، ويعلِّمونه، ويدعون إليه وإلى العمل به".
وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم "وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله"، فالمقصود من المرابطة ملازمة الثغر بهدف التأمين والحراسة، وترك ما يشغل عن ذلك. وقال سيدنا عثمان على المنبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من ألف عام فيما سواه من المنازل"..
وتعد الحراسة في سبيل الله من أعظم مراتب الجهاد؛ يقول الإمام ابن النحاس: "اعلم أن الحراسة في سبيل الله من أعظم القربات، وأعلى الطاعات، وهي أفضل أنواع الرباط، وكل من حرس المسلمين في موضع يخشى عليهم فيه من العدو فهو مرابط"، ومنه الرباط والمدافعة لكل تحديات تواجه عالم المسلمين وما يلزم في ذلك من الحراسة والرباط لكل ما يفضي إلى تأمينهم وأمانهم.
والرباطُ لزوم للمحلِ الذي يُخَافُ وصولُ العدو منه، ومراقبتهم ومنعهم من الوصول إلى مقاصدهم ويسمى المرابطة.. ولكل زمان رباط ولكل مسلم وجماعة ومؤسسة رباطها؛ والمرابطة في هذا الزمان صار لها أكثر من موقع، وأكثر من تخصص، وأعلاها الإقامةُ في الثغور، وهي الأماكنُ التي في الحدودِ والأطرافِ التي يخافُ المسلمونَ أن يدخل منها أعداءُ الإسلامِ إلى بلادِ المسلمينَ. والمرابطُ هو: المقيمُ فيها المعدُّ نفسَهُ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، والدفاعِ عن دينِهِ ووطنه.
وفي لطيفة ذكرها الإمام المناوي في "فيض القدير"، قال: "سوّى بين العين الباكية والحارسة؛ لاستوائهما في سهر الليل لله، فالباكية بكت في جوف الليل خوفا لله، والحارسة سهرت خوفا على دين الله"، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" "آل عمران: 200".
من أهم العناصر التي يمكن أن يؤسس عليها العالم الإسلامي أفكاره الأساسية وممارساته التطبيقية؛ فكرتان أساسيتان تشكلان ركنا مهما في رؤية التأسيس الكلية التي تؤكد على إمكانات الرقي والنهوض للعالم الإسلامي؛ أولهما العقيدة الدافعة، كنقطة انطلاق محورية تمكن أصل الوحدة على قاعدة من قيمة التوحيد، توحيد الفكرة، وتوحيد العمل، وتوحيد القدرات؛ إنها العقيدة الدافعة التي تمثل عروة وثقى لا انفصام لها.
ثانيهما فكرة الأمة الجامعة، كتمثيل لمقصد الوحدة الإسلامية والتأكيد على الوقوف في وجه التحديات التي تشكل فرقة هذه الأمة وتجزئتها من خلال فكر وعمل استراتيجي يقوم على قاعدة مواجهة تحديات الفرقة، وكذلك العقبات المتعلقة بالتجزئة؛ إن فكرة الجامعية والتكاملية إنما تشكل حقيقة هذه الأمة الجامعة في سياق هدف الاعتصام، "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103).
هاتان الفكرتان؛ العقيدة الدافعة والأمة الجامعة، إنما تشكلان في حقيقة الأمر قاعدتين لفاعلية حضارية تتشكل من خماسية تؤكد ليس فقط على العقيدة الدافعة، ولكنها تشكل هذه العقيدة ضمن رؤية عالمية إسلامية تؤسس لقيم ومسالك أساسية تهدف إلى تحقيق علاقات العدل الشامل، والبناء الهادف للإنماء والعمران، كل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عقل استراتيجي للأمة يحمل هذه العقيدة الدافعة، والعدل الشامل كقيمة فاعلة، والعالمية كإسهام حقيقي في رؤية إنسانية تعارفية منفتحة. هذه الرباعية التي يحملها هذا العقل الاستراتيجي إنما تمثل مواجهة لكل تتعرض له هذه الأمة من تحديات وعقبات، ضمن هذه الكليات الأساسية، وهذه العيون الخمس الممثلة لعناصر رؤية كلية "عقيدة، عالمية، عمران، عدل، عقل" (كلها تبدأ بحرف العين)؛ إنما تشكل أهم عناصر في صياغة تلك الرؤية الدافعة ضمن مرجعيتها التأسيسية المتمثلة في الرؤية العقيدية والجامعة ضمن أمة واحدة تهدف إلى التعاون والتكامل.
فإذا كانت تلك العيون الخمس التي تشكل عناصر مهمة ضمن هذه الرؤية التأسيسية فإنها في حقيقة الأمر تفضي إلى عيون خمس أخرى تنظم بين هذه العناصر والأركان، فتؤكد على ذلك العهد التوحيدي الجامع، والعقد التبادلي الشامل، والعمق الاستراتيجي الممتد، والعلاقات التكاملية والتعارفية بين كيانات الأمة المختلفة، لتحقيق الاستفادة والاستثمار من كل تلك الأركان والعناصر ضمن علاقات تعاونية استراتيجية تهدف إلى التكامل والتنسيق والقدرة على تمثيل مصالح الأمة وأهدافها الكبرى، وهي من خلال هذه العيون الخمس الناظمة، عهد، عقد، عمق، علاقات، عون، إنما تشكل في حقيقة الأمر ميثاق هذه العلاقات ضمن رؤية استراتيجية راشدة فاعلة، قادرة على أن تحقق كل ما يتعلق بنفع هذه الأمة ومصالحها.
هذه العيون الخمس التي تمثل الأركان والعيون الخمس التي تشكل نظما للعلاقات فيما بينها تتطلب ثلاث عيون أخرى تحقق المعنى والمغزى في وحدة الأمة الإسلامية؛ إن هذه الوحدة لا بد وأن تستند إلى تضافر ثلاثية الأداء، والأدوات معا، بحيث تشكل في الحقيقة مسارات تترجم تلك الأركان والنواظم إلى حركة فعلية شعارها ذلك المثلث المهم؛ "علم وعمل وعدة"؛ إنها تشير في حقيقة الأمر إلى الامتثال للقوانين والسنن الماضية والفاعلة، وليس لهذه الوحدة إلا أن تقوم على علم بصير، وعمل سديد، وعودة كافية. إنه الاستثمار الذي يؤكد على الخطط العلمية، والعمل التنفيذي يرفعه، والعدة تحقق هذا العلم والعمل ضمن سياقات تجعل من الأدوات والوسائل والآليات عملا مهما يترجم الأداء من خلال شروط الفاعلية والأدوات؛ من خلال استثمارها بالكفاية والكفاءات اللازمة، إن الإرادة في النهاية إنما تشكل علم وعمل، والإدارة إعداد وعدة، "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة" (التوبة: 46).
إن هذه الروابط والوشائج بين الأركان الخمسة ونواظم العلاقات الخمس، والثلاثية التي تتعلق بالأداء والأدوات والآليات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد صداها، ولا أصول الفاعلية وسننها، إلا من خلال رباعية من المؤسسات نقترحها في هذا المجال، أو تقوم على دعم مؤسسات قائمة تحرص على فاعليتها وتوفير تلك الشروط لأداء وظائفها، وتحقيق إنجازاتها؛ مؤسسة عدل، ومؤسسة علم، ومؤسسة عقل استراتيجي، ومؤسسة عمران، هذه المؤسسات التي تشير إلى مربع العيون تلك إنما تتمثل في حقيقة الأمر بضرورة بناء مصفوفة من المؤسسات تعكس وحدة الأمة الإسلامية، وتؤكد على معنى جامعيتها؛ ذلك أن تلك الوحدة والجامعية، والمؤسسية، إنما تشكل بحق عنوان الفاعلية.
وفي هذا المقام علينا أن نتحدث عن مربع المؤسسات تلك ضمن مؤسسات مهمة تضمن لهذه الأمة جامعيتها وفاعليتها معا، فتشكل أولاها مؤسسة عدلية، تتمثل في محاكم مهمة تشكل في حقيقة الأمر المعنى الذي يتعلق بهذا التكامل بين هذه الأمة؛ ضمن ما يمكن تأسيسه أو إقامته حول مشروعين مهمين؛ محكمة عدل إسلامية، ومحكمة إسلامية لحقوق الإنسان. تلك المؤسسات الضامنة لكرامة الإنسان المسلم هي عنوان لهذه الأمة وجامعيتها، ذلك أن الإنسان المسلم هو الوحدة الأساسية لتشييد هذا الكيان الذي يحقق معنى الحقوق للإنسان، ومعنى العدل بين الجماعات والتكوينات في الأمة الإسلامية.
ولعل ذلك الاجتهاد الذي طرح مبكرا في سياق فكرة الجامعة الإسلامية، أو تلك الفكرة التي أشار إليها مالك بن نبي حول "كومنولث إسلامي"، أو الفكرة التي أكد عليها الدكتور عبدالرازق السنهوري "عصبة أمم شرقية"؛ إنما تشكل في جوهرها ضمن هذه التمثلات والمؤسسات التي يجب أن تنشأ للحفاظ على الإنسان، وعلى علاقات العدل الفاعلة بين أجزاء هذه الأمة ومكوناتها.
المؤسسة الثانية، مؤسسة علمائية، هذه المؤسسة تشكل كيانا افتائيا إسلاميا يحفز جامعية هذه الأمة، ويؤكد عليها باعتبارها من ضرورات وواجبات الوقت، هذه المؤسسة الافتائية الإسلامية تنهض بفتاوى الأمة، والفتاوى الاستراتيجية، وكذا الفتاوى الحضارية التي تنهض بالأمة وترتقي بمقدراتها، وكذلك فإنها تقدم فتاوى رصينة وبصيرة تحرك التدبير، وتصنع المستقبل، هذه المؤسسة الافتائية إنما تتحرك على قاعدة تستلهم فيها كليات الدين الإسلامي الفاعلة التي تؤسس لحركة راشدة وسديدة، وبصيرة استراتيجية، واعية، ومديدة.
أما المؤسسة الثالثة فإنها تترافق مع هذه المؤسسة الإفتائية العلمائية، ولكنها تمثل في حقيقة الأمر عقلا استراتيجيا للأمة، تنهض بالأدوار والوظائف الفاعلة لمواجهة التحديات الحضارية المحيطة بالأمة وصناعة قنوات ومسالك الوحدة الإسلامية وجامعية الأمة؛ هذا العقل الاستراتيجي بما يمثله من خمائر يشكل في حقيقة الأمر بناء رؤية استراتيجية لمواجهة واقع التحديات، واستراتيجيات للعمل في مواجهة الأزمات، وكذلك تشييد جامعات حضارية، ومراكز بحوث استراتيجية، ومستودعات تفكير مستقبلية، تمثل أصولا مهمة في التفكير والتدبير والتسيير والتغيير والفاعلية والتأثير، وهي بذلك تمثل الشبكة العصبية والفكرية والثقافية والتربوية في هذه الأمة بما تستلزمه من وعي رشيد، وسعي سديد.
أما المؤسسة الرابعة؛ فهي المؤسسة العمرانية، تلك التي تقوم على صياغة العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية، الثقافية والفكرية والحضارية، وكذلك ما يمكن تسميته العلاقات الإسلامية الإسلامية من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يعني القيام بصياغة استراتيجيات تنموية وتكاملية على حد سواء، إن نمو الدول الإسلامية جميعا ضمن رؤية تكاملية ليحقق ويترجم للهدف المطلوب في الوحدة الإسلامية وفاعلية جامعية الأمة.
هكذا يمكن أن تتحقق عناصر الفاعلية تلك من خلال هذه المؤسسات التي تنهض على أركان خمسة: عقيدة دافعة رافعة، عالمية إسلامية، عدل شامل، عمران إنمائي، وعقل استراتيجي، استنادا إلى عهد تأسيسي وعقد تبادلي وعمق استراتيجي وحضاري وعلاقات تنسيقية وتكاملية، وعون يحقق الهدف في الجامعية والفاعلية، متوسلا مسالك العلم النافع، والعمل الصالح، والعدة الكافية، كل ذلك إنما يشكل في حقيقة الأمر أصولا لتلك الفاعلية الأساسية في وحدة الأمة الإسلامية.
هذه المصفوفات جميعا إنما تشكل مقدمات غاية في الأهمية لو أردنا أن نؤشر إلى بعض التفصيلات فيها فلربما يطول بنا المقام، ولكننا سنقوم على استعراضها جميعا، في عجالة تؤصل هذه المعاني التي وردت ضمن هذه الاستراتيجية الجامعة، والبصيرة الواعية.
ولعل الأمر الذي يتعلق بالمؤسسات الفاعلة هو من أهم المتحصلات والثمرات التي تضمن فاعلية لهذه الأمة، إن هذا التوجيه النبوي الذي يؤكد على أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل إنما يحمل معنى الاستدامة، والاستدامة لا يمكن تحقيقها إلا في سياق عمل مؤسسي مستمر، وأن هذا العمل المؤسسي لا يمكن أن يحقق ثماره المؤسسية إلا في سياق السعي الذي يحقق قوانين وسنن الفاعلية. عند هذا الأمر يجب أن يشكل هذا المثلث في أضلاعه من عقيدة دافعة، وأمة جامعة، ومؤسسات فاعلة، وهو ما يتطلب ذلك الفهم الواعي والبصير لكل تلك المتطلبات والمستلزمات التي يمكن أن تجمع هذه العيون التي تشكل أهم أدوات السير في الأرض، والنظر في الواقع والمستقبل.
إنها عيون لا تشكل فقط بصرا، ولكنها بصائر استراتيجية وجب علينا أن نصيغها وفق أصول مرعية، وقواعد كلية، وتطبيقات مؤسسية؛ هكذا يمكن أن نحقق الوعي بالأمة في هذا المقام باعتباره وعيا، ووعدا، وعهدا بين كل مكونات هذه الأمة، فإن لم نعمل بتلك السنن الماضية لرفعتها، وتحقيق معنى وسطيتها وشهودها، ومعنى خيريتها وغاياتها؛ فإننا بذلك نهدم أصلا أصيلا في معنى الأمة وبلوغ مقاصدها الكلية في الرقي والنهوض والعمران.
x.com/Saif_abdelfatah