صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-19@09:43:31 GMT

يختبئ البستان في ود المكي

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT

يختبئ البستان في ود المكي

فيصل محمد صالح

نحن، وبلا فخر، جيل الشعر، كانت الاهتمامات الأدبية والثقافية عند جيلنا تتجه للشعر. لم تكن كتابة الرواية منتشرة، وكنا نعرف قليل من كتاب القصة من خلال مجلة الثقافة السودانية، وأولهم، بالنسبة لي كان بشرى الفاضل، صديق وزميل الدراسة لشقيقي هاشم من حنتوب لجامعة الخرطوم.

لا أظن أن أحدا من جيلنا نجا من محاولة كتابة الشعر، سواء استمر بعد ذلك أم لا، وأغلبنا بدأ من المرحلة المتوسطة، فاحتفظ بكراس سجل فيه محاولاته الأولى، وغالبا عرضها على قلة ممن يثق بهم.

ولغشامتي، وتوهمي الذي ما زلت أخجل منه، أن أول من عرضت عليه محاولاتي الشعرية كان عبد الله بولا..! تخيل يا مؤمن أن من بين كل سكان الكرة الأرضية أحمل كراستي المكتوب فيها قصائد ركيكة وبخط لا يقرأ لأعرضها على بولا، وهو أستاذ وصديق هاشم شقيقي أيضا، وكان في زيارة لبورتسودان.

لكن لا يخلو الأمر من محاسن، فقد قادني بولا لسكة محمود درويش ومحمد المكي ابراهيم، عرفني عليهما وأهداني ديوانين لهما، كنت أعرف درويش لكنها المرة الأولى التي أسمع فيها بود المكي. أمسكت بديوان “أمتي”…أقرأ واستمتع وأحاول أن أفهم، ثم سقطت بعد يومين بحمى غريبة، قلت لصديقي الراحل معتصم جلابي ونحن طلبة في القاهرة إنها كانت حمى المعرفة…ضحك كثيرا، ثم قال لي “قوم لف…تلقاها ملاريا”..فأفسد علي حالة وهم أخرى.

لم يؤثر محمد المكي إبراهيم في شخصي فقط، لكنه أثر في جيلنا المهتم بالشعر، كتابة وقراءة، وقعنا أسرى له بشكل لا يصدق، وكنت ضنين بمعرفتي بشعره وتخيلت أني انفردت بذلك، حتى فوجئت وأنا في الصف الاول الثانوي بزميلي وصديقي عطية عبد القادر عطية، الطبيب الآن، يترنم بأبيات “لك يا هايدي يضج البوق والطبل انشنج، رحم الأرض اختلج، فاسمعي من ساحة الرقص الدعاء”..التفت إليه مذعورا وأنا أسأله “بتعرف هايدي” قال لي ببساطة : كيف ياخ .. دة محمد المكي.

لا زلت اعتقد أن محمد المكي قصر كثيرا في حق نفسه، مثلما قصرنا في حقه وحق كثير من المبدعين. كتب ود المكي ديوان “أمتي” في الستينات وهو طالب في الجامعة، أمسكه أحيانا وأقارنه بما كتبه درويش وأمل دنقل في تلك السنوات، وحقيقة أجد المسافة فارقة جدا، لكنه توقف قليلا حين تطور شعر درويش وأمل دنقل كثيرا، لأنهما عاشا في مناخ يحتفي بالشعر والشعراء ، وهناك حركة نقدية مواكبة، وحركة نشر واسعة تغطي كل المنطقة العربية، في حين تم نشر ديوان أمتي من دار نشر جامعة الخرطوم فقط في نهاية الستينات.

كانت قصائده الأكتوبرية، هي دستورنا الثوري، خاصة ” من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر”، “وإنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي”وهي قصائد معروفة وبعضها مغناة. لكن لم يلتفت الناس للدستور العاطفي الذي وضعه محمد المكي في قصيدته الفريدة “إهانات شخصية لقيس ابن الملوح”..كانت القصيدة صادمة لنا أول ما قرأناها، صورة قيس عند محمد المكي مغايرة وقدم لها قراءة مختلفة، هو لا يتعاطف معه، أسمعه من البداية…

“على ليلى تجرجر في الدواوين العتيقة حزنك الشحاذ، تنشر راية العجز الذليل عن المنى والأخذ والإنجاز، وتفتح صدرك الدامي لأجيال المحبين اليتامى في شعاب الأرض، بأسماء الهوى العذري تطعمهم تعازيك العفيفة عن أحابيل الزمان وعن قصور اليد، وعن ذل السؤال وعن هوان الصد، وعن طول الجوى والوجد لو صد الحبيب وضن”

قيس عنده رجل هوان ضعيف الشخصية، تخلى عن حبه “في أول لفة” ولم يقاتل من أجل حبه…

“لأنك باسم إرضاء القبيل وسطوة الآخر، تركت هواك للأعداء، ولم تصمد هشاشة عظمك العذري للقتلة، وإن صمدت لهول الموت في الصحراء.. لماذا والخيول تصاهلت شوقا إلى التسواح، وسيف شبابك الضاري سنين الحد، وألف مثابة للهاربين على معاقل نجد، لماذا لم تعشش كالنسور مع هواك على تعاظم نفرة وجماح؟، ولم تأخذ حياتك من فخاخ الناهشين ومن يد السفاح؟،

ثم يأتي لما يسميه الشباب اليوم “الردم” فلا يترك لقيس صفحة يرقد عليها

“أهينك، ها أنا عبر القرون، أهين حلمك بالخلود العذب، أهين نذالة الكسب الذليل على حساب القلب، أهين جميع من باعوا الشباب وفرطوا في الحب، ومن خفضوا الرؤوس وطأطأوا الهامات واعتذروا عن الأيام، .. أهين لك الرضاء العام.”

لا زلت اتلذذ وأمصمص شفايفي مستطعما قصائده، قطار الغرب، غنائي لأختي أمان، عيونهما عليها التوت، 21 طلقة لهانوي. أسمعه كيف خرج من السودان لألمانيا وهو ممتلئ ببلاده وشعبه، يقف منافحا لهم:

“رياحكم ماسخة عجوز، في بلدي نعطر الهواء بالمديح، روائح الطعام والضيوف من بيوتنا تفوح،، والجارة التي يرف بالشباب وجهها الصبوح، يا عطرها الشفيف ينشق النهار من شذاه،، أواه لو لمرة أشمه، أضمه، المسه، أراه ، أواه لو تفيد النازح الغريب آه”
كانت تلك خرطوم الستينات العزيزة الكريمة..
“عذراء كقلب القمحة أمتنا،عذراء، الألسن والشهوات هنا عذراء، أجفان الناس مكحلة بالعفة والإغضاء ، حتى صيحات اللذة عند عواهرنا عذراء، محض ثغاء.”
أو وهو يصدح غناءا عاطرا …..
“في أعلى قمم الشمس فرشنا للأضياف موائدنا، وركزنا في أحشاء الأرض بيارقنا، وتفيأنا نهر الدعوى وجبال العزة والنسيان، وتواصينا: دقوا طبل التمجيد لامتنا، غنوا للشعب ملاحم عزتنا، حريتنا، غنوا للشعب على قيثار السادة والفرسان”
ثم يودعهم غير نادم: “سأعود لا إبلا وسقت ولا بكفي الحصيد روائعا، مدوا بساط الحب واغتـفروا الذنوب وباركوا هذي الشهور الضائعة، ما زال سقف أبي يظل ، ولم تزل أحضان أمي رحبة المثوى مطيبة الجناب”.

نخرج الآن من بلادنا مكسورين ومهزومين، لا نعلم إن كنا نعود أم لا

هذا كله عن شهقة البدايات في ديوان “أمتي: الوعي والحلم والغضب”.. الذي هو من مداميك مدرسة الغابة والصحراء التي كان ود المكي من مؤسسيها مع محمد عبد الحي ويوسف عايدابي والنور عثمان أبكر

أما ” بعض الرحيق أنا، والبرتقالة أنت” فهذه كتابة لا يمكن اختصارها هنا، تحتاج لكتابة منفصلة، بجانب أعماله الأخر “يختبئ البستان في الوردة” و”في خباء العامرية”

والختام من ود المكي نفسه

“كان حبيبي شهقة ورنة الوتر، كان حبيبي أعذب البشر، ثم اختفى، كان حبيبا تافها يرحمه االله، إنا بكيناه وكنا مذنبين”

الوسومفيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: فيصل محمد صالح محمد المکی

إقرأ أيضاً:

باسم الجمل: مصر كانت ولا تزال قلعة العرب الحصينة

قال المهندس باسم الجمل، القيادي بحزب الجبهة الوطنية، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال انعقاد فعاليات القمة العربية بالعاصمة العراقية بغداد، أمس، السبت، لاقت قبولًا وترحابًا واسعًا من مختلف الأوساط السياسية والشعبوية، نظرًا لأنها عكست الضمير العربي تجاه القضايا العربية والإقليمية، وأكدت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن الدولة المصرية تبقى دائمًا مهمومة بقضايا أمتها، وتسعى حثيثًا لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار في دول المنطقة أجمع، والتي يعاني بعضها من أزمات حادة تستدعي التكاتف العربي والدولي ورؤية صادقة في مساعي تحقيق السلام.  

حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل الأمانة الفنية برئاسة فؤادحزب الجبهة الوطنية: تشكيل أمانة الاستثمار والشؤون الاقتصادية برئاسة سحر نصرلاستعراض الاستراتيجية الشاملة للتنمية.. محافظ جنوب سيناء يلتقي وفد حزب الجبهة الوطنية |صورحزب الجبهة الوطنية يطرح خطة عمل طموحة لدعم الاقتصاد الوطني

وأكد القيادي بحزب الجبهة الوطنية، أن حديث الرئيس السيسي في القمة أثلج صدور الجميع ممن يحمل هموم القضية الفلسطينية علي عاتقه، وبعثت رسالة طمأنة قوية للشعب الفلسطيني الشقيق الذى مازال صامدًا، رغم استمرار الحرب والجرائم الإسرائيلية، وسط صمت المجتمع الدولي، الذى يغض البصر عن المجازر الدامية التي ترتكب كل يوم في خرق واضح وصريح للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ودون تحرك فعلي وجاد، مؤكدًا أن مصر ستظل هي حائط الصد الأول للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومصر كانت ولا تزال قلعة العرب الحصينة.

وبحسب المهندس باسم الجمل، فإن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، حملت عددًا من الرسائل الحاسمة والواضحة للعالم أجمع، مفادها أن موقف مصر من القضية الفلسطينية ثابت لا يتغير ولن يتغير، ويستند إلى مبادئ راسخة تترأسها رفض أي محاولات لتقويض الحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني، وعدم قبول أي حلول مؤقتة أو جزئية لا تتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية

ولفت القيادي في حزب الجبهة الوطنية، إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، في معرض حديثه عن الأزمة الفلسطينية، وجّه رسالة واضحة للجميع، بأن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتحقق عبر الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل أو التطبيع معها، وإنما عبر معالجة واضحة لجوهر الصراع، وهو الاحتلال الإسرائيلي وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه، مؤكدًا أن الاستقرار الحقيقي لن يحدث ما لم يتم رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق وتمكينه من إقامة دولته المستقلة.

وأشاد المهندس باسم الجمل، بحرص الرئيس السيسي على تحقيق التكامل العربي العربي لحل الأزمات العربية العالقة، وحرصه كذلك على التأكيد على ضرورة تكثيف الجهود والمساعي الدولية التي تقر السلام في الأراضي الفلسطينية وتضمن تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثات لإنقاذ الأهالي في غزة، ولاسيما الأطفال، ومواجهة سلاح التجويع الذي تتخذه إسرائيل ذريعة في حربهم الدامية، لافتًا إلى أن مصر تعمل على قدم وساق على التنسيق المشترك لتحريك المجتمع الدولي نحو الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة التي باتت تهدد أمن واستقرار المنطقة بشكل كامل ومستقبلها التنموي.

طباعة شارك المهندس باسم الجمل حزب الجبهة الوطنية الرئيس عبد الفتاح السيسي القمة العربية العاصمة العراقية بغداد عبد الفتاح السيسي

مقالات مشابهة

  • فخ الذكاء الاصطناعي.. فيروس خبيث يختبئ في أدوات AI المجانية
  • وزير الخزانة الأمريكي: العقوبات ضد روسيا في عهد بايدن كانت "غير فعالة"
  • ابن شقيق العندليب: حب عمر عبد الحليم حافظ كانت أم لطفلين وجدها رفضه
  • أحمد سعد بعد نجاح حفلاته في استراليا: كانت أسطورية
  • مدرب نيجيريا تحت 20 سنة: سعيد بالبرونزية والمباراة كانت صعبة للغاية
  • باسم الجمل: مصر كانت ولا تزال قلعة العرب الحصينة
  • نيجيرفان بارزاني: قمة بغداد كانت ناجحة ويمكن ان يؤدي العراق دورا مهما بالمنطقة
  • اكتشاف أثري.. ألعاب الأطفال كانت تباع في سوريا قبل 4500 عام
  • اكتشاف أثري .. ألعاب الأطفال في سوريا كانت تباع قبل 4500 عام
  • محمد صلاح: نسبة بقائي مع ليفربول كانت لا تتعدى 10%.. وسأعتزل في سن الـ40