سودانايل:
2024-07-27@09:19:23 GMT

عقوق في حقوق أمة

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

بقلم: عمر العمر

مع تصاعد الحرب البشعة يزداد أخدود الفصام السوداني عمقا. فزهونا بسماحة أخلاقنا وطيبة طينتنا لم ينجحا في تطويق لهيب الحرب أو رقعة التدمير .كذلك اتسعت دائرة الفصام فطغى على النقدِ التجريحُ المباح والقذف الحرام للآخر أفرادا وجماعات. ثم انزلقنا من النقد الذاتي إلى لوم الآخر مرورا بالعتاب إلى جلد الذات وصولا إلى الإذلال الذاتي.

في هذا الجب المظلم الظالم لم نستثن شريحة مجتمعية ، طبقةً او حزبا .بل طالت الألسن الأمة بأسرها. لعل هذه الحرب القذرة كشفت تماما كم هو هذا الفصام لون فاقعٌ في نسيج الشخصية السودانية. فكلنا بما فينا الفئة المثقفة المفترض فيها الوعي تضج حزنا على ما فاتها عبر التاريخ المعاصر وعلى ما أصابها وغير راضية على ما أتاها.. نحن في حاجة مسيسة إلى التطهر من كل تلك الخطايا عبر شعيرة قهر الذات إذ هي طقس من التطهر رافعته النفس اللوامة.

*****
هناك بون شاسع بين النقد الذاتي وكل تلك الممارسات السلبية من جلد الذات إلى إذلالها. فالنقد في العمل العام فضيلة ديدنها تقويم التجربة بغية تجاوز السلبيات مقابل تعزيز الإيجابيات. بينما جلد الذات ضرب من ممارسة التوغل في الانكسار حد الاستسلام للاكتئاب بل الهزيمة. نجاح النقد الذاتي يعتمد على تطبيق النقد الموضوعي بغية بلوغ خلاصات سعيدة. لكن عمليات رجم السابقين ،تهشيم الآخرين وتحقير المنافسين لن تفضي إلى نهايات منطقية. كما ينبغي التحرر من الأحكام الشخصية خاصة المشرّبة بالأهواء والأغراض مثلما ينبغي الفرز بين الحقائق والأوهام .تلك قواعد بسيطة من منظومة متكاملة تستهدف النأي عن الاكتفاء بإصدار الأحكام المبتسرة.

*****
فغالبية أدبياتنا السياسية المكتوبة والمنطوقة تحت غبار الحرب تصدر عن انفعالات شخصية مشحونة بعواطف وقتية ،فتتخذ طابع القنابل إذ تحدث مزيدا من التشظي الإجتماعي .فبنيانها شتائم تستهدف تحقير أفراد و أُطر إجتماعية من منظمات الشباب إلى قوام القبائل . في تلك الأدبيات تكثر مفردات استصغار صادرة من نفسيات جوفاء إلا من الاستعلاء المعرفي أحيانا والإجتماعي غالباً. في ذلك يندرج من يحاول اطلاق أحكام معممة استناداً إلى حيثيات يتم بناؤها على عجل خارج مناهج البحث والتوثيق. العديد من المثقفين وربما كل الساسة المحترفين يتبادلون السباب والشتائم بعيدا عن مبادئ و أفكار غاياتهم المطلقة التهشيم لا التقويم.

*****
هكذا تُصب اللعنات على جيل الأباء المؤسسين جملة واحدة بلا استثناء. رغم وجو د ثلة بينهم من الوطنيين الانقياء سيرة وسريرة. كذلك يتم تحقير إرثهم ضمن توصيف ظالم لما عاد يُعرف بتبخيس دولة (ست وخمسين ). هي محاكمة ظالمة تتجاهل عمدا أو تجهل بيئة المؤسسين الدراسية تحت مظلة استعمارية لغايات ليست وطنية. كما تتجاهل أو تجهل نضالاتهم الاستثنائية بغية تثقيف أنفسهم مواكبة لنخب إقليمية معاصرةً سبقتهم. بين أولئك رجال يستحقون التبجيل كما فعلت شعوب مع أمثالهم. المحاكمة الظالمة تغمض الطرف عن حال البلد و مصادره المحدودة الضيقة عشية الاستقلال ،فجره وضحاه .من أولئك المدانين ظلماً في مرحلة ما بعد الاستقلال وطنيون خُلّص يتسمون مثل أولئك السابقين بالاستقامة الشخصية والوطنية ، شغلوا مناصبهم بتفانٍ وشفافية وغادروها مثلما خرجوا من الدنيا بلا أرصدة إلا من حب الناس. لو اقتدى اللاحقون و الحاليّون بنهجهم في الولاء و السخاء المجردين من الذاتية لبلغنا شأواً وطنيا شاهقا .

*****
كل من يدين أولئك الرواد يفتقد إلى الموضوعية إذ يجنح عمدا عن الحيادية العلمية لجهة تكريس المحاكمة الظالمة والاحكام الجائرة من أجل بلوغ غايات محددة ليست وطنية البتة .محاولة شجب ماضينا القريب حد المجاهرة بإلغائه تحت لافتة إدانة دولة ٥٦ أبرز أنمذجة هذه الممارسا الخرقاء. عديد من رافعي هذه اللافتة وجدوا في وصم استاذنا الراحل منصور خالد -ملأ الله مرقده بالمغفرة- النُخب ب(إدمان الفشل) وصفة جاذبة لدمغ كل المرحلة الوطنية بالاخفاق وجميع المشاركين فيها بالغباء. على قدر ماكان منصور دقيقا في تحديد من استهدف بالوصم على قدر ما انحرف الشاجبون الجدد عن الموضوعية لجهة التعميم المخل. حتى المتورطين في الحرب البلهاء الراهنة عمدوا إلى استثمار هذا التعميم في محاولة بائسة لتبرير جرائمهم الشنعاء ضد الشعب والوطن.
*****
فالعقوق السافر الجارح لم يقتصر على جيل الآباء المؤسسين والرواد والفاشلين حاليا بل أمسى يستهدف الأمة السودانية قاطبة. إذ صار مألوفا رجم الشعب بنعوت تكرس ذلك الفصام . فالتواضع صار بلهاً، السماحة صارت سذاجة، الكرم أمسى هدرا والغيرة أصبحت حسدا . في المقابل تصبح استباحة المال العام ممارسة مشروعة ، لايغض عنها المحاسبة بل يتحلى مرتكبوها بالاشادة! الراصد للفصول السياسية في حقبة (دولة ٥٦) يجد انجازات لا ينكرها إلا مكابر .لو ترسم اللاحقون ميسم أولئك السلف الأخلاقي ونهجهم الوطني لبلغنا شأوا وطنيا شاهقا في حقول التعليم ،التطبيب والتحديث الاقتصادي والاجتماعي .أسوأ من في أولئك الراحلين لو عاد إلى الحياة لمات مجددا من هول الوقع بما فيه من حملات النهب الممنهج للدولة وكهوف التعذيب .حتى أباء الادارة الأهلية لآثروا الموت على رؤية فصام أبنائهم .

*****
توغلا في العقوق راح البعض ينقب في التقارير والرسائل مستعرضا أقاويل المستعمرين والدبلوماسيين الاجانب شهادات ضد النخب الإدارية والسياسية الحاكمة سابقا .هم يفعلون ذلك دون محاولة إعمال الذهن في تفكيك ظروف ،دوافع وغايات تلك التقارير والرسائل. بل استسهلوا تلبيسها ثم ترويجها بخبث يوازي التلويح باهداف نبيلة فوق فوهات المدافع بغية تبرير التوغل في عمليات الحرب المتوحشة الراهنة.
صحيح ماضينا لم يكن زاهيا لكن نقده لا يستوجب لعنه . فما نحن فيه أكثر بؤسا مما كنا عليه .ممارسات التهشيم والتنابذ بلغة ناعمة أو خشنة و الوخذ بالألسن على شاشات التلفزة ووسائط التواصل لن تجمّل بؤس الواقع. كما لن يشكل الهجاء الفردي والجماعي رصيدا اخلاقيا يمكن الإقتداء به أو البناء عليه .أي فكر وطني مستنير يهزأ حتما من تبادل السباب بين النخب .فعوضا عن تكريس الوعي من أجل إطفاء نا الحرب الرعناء يشتبك عديد من مثقفينا في حروب شخصية جانبية تؤجج الكراهية والأحقاد! عقوق في حقوق أمة!

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

خبراء: رفع سعر «السولار والبنزين» يقرب مصر من صرف شريحة صندوق النقد الدولي الثالثة

قال خبراء إن رفع أسعار السولار والبنزين اليوم الخميس بنسبة 15% يقرب مصر من صرف الشريحة الثالثة لقرض صندوق النقد الدولي بقيمة 820 مليون دولار، عقب انتهاء مجلس إدارة الصندوق من مناقشة المراجعة الثالثة يوم الإثنين المقبل 29 يوليو.

وأشارت سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقا، في تصريحات خاصة لـ"الأسبوع" إلى أن صرف الشريحة الثالثة يمكن البلاد من التقدم للحصول على تمويل ميسر من صندوق الصلابة والاستدامة بقيمة 1.2 مليار دولار.

وتوقعت أن يواصل البنك المركزي المصري تشديد السياسة النقدية حتى مطلع الربع الأول من العام 2025، منوها إلى أن طلبات صندوق النقد الدولي من مصر صعبة في ظل الظروف الجيوسياسية الحالية وتبعاتها على اقتصاد البلاد.

وطالبت "الدماطي" بإعادة جدولة تنفيذ طلبات الصندوق بما يتواءم مع المتغيرات الجديدة التي تمر بها مصر لتحقيق النهضة الاقتصادية المرجوة دون حدوث انتكاسة أو رفع في أسعار المستهلكين عن طريق الخطأ، وهو ما اتفق عليه الخبير المصرفي محمد عبد العال.

رفعت لجنة تسعير المحروقات أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود بنسبة تصل إلى 15%، وقالت وزارة البترول في بيان لها، إن أسعار البنزين والديزل والكيروسين ونوع من أنواع الوقود ارتفعت جميعها باستثناء الوقود المستخدم في صناعات الكهرباء والمواد الغذائية.

وارتفع سعر السولار اعتبارا من اليوم إلى 11.5 جنيه مصري (0.24 دولار) للتر من 10 جنيهات. وارتفعت أسعار أنواع البنزين 95 و92 و80 التي تستخدمها معظم السيارات إلى 15 و13.75 و12.25 جنيها للتر من 13.5 و12.5 و11 جنيها على التوالي.

وتجتمع لجنة تسعير المواد البترولية في مصر كل ثلاثة أشهر لتحديد الأسعار في محطات الوقود.

وتعيد مصر ضبط اقتصادها بعد تأمين حزمة إنقاذ عالمية بقيمة 57 مليار دولار بقيادة صندوق النقد الدولي وهو ما يمنحها مخرجاً من التأثر الاقتصادي للتواترات الجيوسياسة المحيطة إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية وتعطل سلاسل الأمداد العالمية.

وفي مذكرة صادرة في السادس من يونيو، قالت المجموعة المالية هيرميس، إن التأثير التضخمي الناجم عن الإلغاء التدريجي لدعم المنتجات الوقودية والزيادة المحتملة في تعريفة الكهرباء هذا الصيف "من المرجح أن يكون صغيرا نسبيا"، وتتوقع أن يستمر تباطؤ أسعار المستهلك لبقية العام.

وفي مارس الماضي، قال صندوق النقد الدولي، الذي ضاعف قيمة برنامجه إلى أكثر من 8 مليارات دولار، إنه "من الضروري استبدال دعم الوقود غير المستهدف بالإنفاق الاجتماعي المستهدف كجزء من حزمة تعديل أسعار الوقود المستدامة".

ومن المقرر أن يعقد صندوق النقد الدولي اجتماعا مع مصر لمناقشة المراجعة الثالثة لبرنامج القرض في 29 يوليو ومن شأن موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي أن تفتح الباب أمام صرف شريحة قيمتها نحو 820 مليون دولار لمصر.

اقرأ أيضاًبعد رفع سعر البنزين والسولار.. اسطوانة الغاز بكام؟

بعد زيادة أسعار البنزين والسولار.. التعريفة الجديدة لركوب المواصلات بمحافظة الدقهلية

التعريفة الجديدة لركوب السيارات ببني سويف بعد زيادة أسعار البنزين والسولار

مقالات مشابهة

  • اطلاق محفظة تمويلية بمليار دولار تحت إشراف بنك السودان
  • النقد العربي: مصر تمتلك خطة طموحة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي
  • مصر ترفع أسعار الوقود.. وتحذيرات من نتائج تعهدات القاهرة لصندوق النقد
  • صندوق النقد العربي يتوقع تحسن معدل نمو الاقتصادات العربية إلى 2.8% في 2024
  • الأمن العام يضرب تجار العملة في 20 مليون جنيه
  • خبراء: رفع سعر «السولار والبنزين» يقرب مصر من صرف شريحة صندوق النقد الدولي الثالثة
  • مصر ترفع أسعار الوقود قبل 4 أيام من مراجعة صندوق النقد الدولي.. كم بلغت؟
  • مصر ترفع أسعار الوقود بما يصل 15% قبل مراجعة من صندوق النقد
  • مصر ترفع أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 15%
  • مدبولي عن زيارات وفد صندوق النقد الدولي لمصر: لا يفرض علينا شيء