مع حلول الذكرى السنوية الثانية للحرب الروسية الأوكرانية، يستمر المشهد الجيوسياسي في التطور، متأثرا بعدد لا يحصى من العوامل التي تتراوح بين صراعات القوى الإقليمية إلى المناورات الدبلوماسية العالمية. ومع ذلك، وفي خضم الاضطرابات المستمرة في أوروبا الشرقية، مارست حرب آخري، رغم أنها بعيدة جغرافيا، تأثيرها الكبير على ديناميكيات الحرب الأوكرانية.

ترددت أصداء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي عبر القارات، مما أثر على الحرب الأوكرانية في العديد من الجوانب الحاسمة.

أولاً، أدى العدوان الإسرائيلي علي غزة إلى تعطيل تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا من الولايات المتحدة وأوروبا. وسلطت التقارير الأخيرة الضوء على النداءات العاجلة والمناشدات التي وجهها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحصول على الدعم العسكري. ومع ذلك، فإن استجابة الحلفاء الغربيين التقليديين كانت فاترة، واتسمت بالتردد والحذر. 

ثانياً، من المحتمل أن يكون العدوان الإسرائيلي قد عزز ثقة روسيا في ساحة المعركة. وأصبح خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر جرأة، مع تردد أصداء التعهدات بالنصر الوشيك في مختلف أنحاء الكرملين

ثالثاً، أدت المعايير المزدوجة التي أبرزتها التقارير الإعلامية، مثل ما كشفته صحيفة واشنطن بوست عن المعاملة المتباينة للحروب، إلى تفاقم التوترات القائمة. إن التناقض الصارخ بين الإدانة العالمية للتصرفات الروسية في أوكرانيا والرد الصامت على العدوان الإسرائيلي في غزة يسلط الضوء على التناقضات في العلاقات الدولية وإزدواجية المعايير. 

وأكدت واشنطن بوست أن التورط الغربي المُحسوس في مُعاناة الفلسطينيين يعتبر عائقًا أمام دبلوماسية الولايات المتحدة. ففي خلال الاجتماعات الوزارية لمجموعة العشرين، تلقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن شكاوى من نظرائه بخصوص أحدث فيتو أمريكي في مجلس الأمن لدعوات وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وتمثل عزلة الولايات المتحدة الظاهرة في هذه القضية تناقضًا لقمة مجموعة العشرين في الهند العام الماضي، حيث نجحت إدارة جو بايدن في الحصول على إدانة واسعة النطاق للعملية الروسية في أوكرانيا.

وقال ريتشارد جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية التابعة للأمم المتحدة: "حقيقة أن الولايات المتحدة تستخدم حق النقض بشكل متكرر في المجلس تجعل من الصعب انتقاد حق النقض الذي تستخدمه روسيا".

 وبينما تزعم الولايات المتحدة أن المجلس يجب أن يتجنب التصويت على غزة حتى يجد الإجماع، فإن الولايات المتحدة لم تشعر قط بأي تأنيب ضمير بشأن إجبار روسيا على استخدام حق النقض بشأن أوكرانيا. إذا سُمح للولايات المتحدة بإجبار روسيا على استخدام حق النقض، فإن الدول الأخرى ستفعل الشيء نفسه مع الولايات المتحدة بشأن غزة”. وأضاف جوان أن الروس يشعرون بوجود فرصة واضحة للإشارة إلى نفاق الولايات المتحدة. ويُعَد "النظام القائم على القواعد" مفهوما عزيزا على الزعماء الغربيين، وخاصة بايدن، ويستشهدون به باستمرار عندما يحددون مواقفهم بشأن الشؤون العالمية. وقد يرون في أوكرانيا دفاعاً عن "النظام القائم على القواعد" ضد الوحشية الروسية، ولكن في الكارثة المستمرة في غزة، من السهل أيضاً رؤية انهيار ذلك النظام، بحسب واشنطن بوست.

علاوة على ذلك، أصبح ضعف التحالف الأوروبي والأمريكي واضحا بشكل متزايد وسط تكهنات تحيط بالولاية الثانية المحتملة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وأثار عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة ترامب، إلى جانب تقارب الرئيس الواضح مع بوتين، مخاوف بين الحلفاء الأوروبيين.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة الأوكرانية الروسية الحرب بوتين العدوان الإسرائیلی الولایات المتحدة حق النقض

إقرأ أيضاً:

روسيا تتهم حكومة الدبيبة بدعم أوكرانيا.. هل تحشد ضدها دوليا؟

طرح اتهام روسيا رسميا للحكومة الليبية في طرابلس برئاسة، عبدالحميد الدبيبة بدعم اوكرانيا وتنفيذ عمليات مسلحة في منطقة الساحل الكثير من التساؤلات حول تداعيات هذه الاتهامات وما إذا كانت موسكو ستقوم بحشد موقف دولي ضد الحكومة الليبية لإسقاطها.

وأكدت وزارة الخارجية الروسية رسميا بأن هناك أدلة جديدة تثبت أن حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة الدبيبة تتعاون مع أوكرانيا لتنفيذ هجمات "إرهابية" في دول منطقة الساحل، وأن قوات الأمن التابعة لحكومة الدبيبة تعاونت مع المسلحين في أوكرانيا، وأن هذا التعاون شمل قيام النظام في أوكرانيا بتوريد طائرات مسيرة هجومية، وإجراء تدريبات بإشراف مدربين من إدارة الاستخبارات الرئيسية التابعة لوزارة الدفاع في كييف، وفق الوزارة.

وسطاء ومسارات معقدة
وكشف تقرير سابق لمجلة "أجانب" المتخصصة في الشؤون السياسية والأمنية الدولية، أن "حكومة الدبيبة حصلت مؤخرًا على دفعات من طائرات مسيرة أوكرانية الصنع، يُعتقد أنها وصلت إلى طرابلس عبر مسارات معقدة، بينها طريق مر عبر الأراضي الجزائرية".

وذكرت أن "جزءا من هذه المسيرات دخل ليبيا عن طريق وسطاء في أذربيجان، بينما أشارت تقارير أخرى إلى أن دفعات منها نُقلت عبر الحدود الجزائرية، بمساعدة خبراء أوكرانيين في التشغيل والصيانة يُشتبه في دخولهم طرابلس في إطار تعاون تقني غير معلن.

ووفق المجلة، فإن المسيرات استُخدمت في تنفيذ عمليات استطلاع وهجمات دقيقة داخل العاصمة ومحيطها، لتعزيز قدرات حكومة الدبيبة.



صمت حكومي رسمي
ورغم أن هذه الاتهامات رسمية وجاءت لأول مرة على لسان الخارجية في روسيا إلا أن حكومة الدبيبة وأجهزتها الأمنية المقصودة في الاتهام التزمت الصمت حتى كتابة التقرير، ولم تصدر أي بيانات توضيحية رغم ردود الفعل المحلية على الاتهامات.

وجاءت هذه الاتهامات قبيل أيام من إحاطة المبعوثة الأممية لدى ليبيا، هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الدولي والمتوقع أن تستعرض فيها العراقيل التي تقابل خارطة الطريق الأممية والتي تقضي بتغيير الحكومتين في ليبيا والذهاب نحو الانتخابات.

فهل تحشد روسيا موقفا دوليا داخل مجلس الأمن لإسقاط حكومة الدبيبة والتسريع بتغييرها بسبب دعمها لأوكرانيا؟

لن تحدث أي تداعيات
من جهته، قال وزير الدفاع الليبي الأسبق، محمد البرغثي إن "اتهامات الخارجية الروسية للحكومة في طرابلس بدعم أوكرانيا أعتقد أنها مجرد تصريحات إعلامية عبر المتحدثة باسم الوزارة الروسية وأنها ستذهب مع الريح فإن الدول الكبرى تهمها مصالحها وفقط".

وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "روسيا بالذات لها مصالح كبيرة في ليبيا وأن تحقيق مصالحها هذه يتطلب تواصلها مع الحكومتين في طرابلس وبنغازي، كما أن تاريخ العلاقة مع أوكرانيا ليس وليد اليوم وخاصة في مجال التعاون العسكري، حيث كانت ليبيا تستورد قطع غيار ومعدات الطائرات الروسية عندما تضامنت روسيا مع الغرب في حصار حادثة "لوكيربي"، وفق معلوماته العسكرية.

صدام وصراع روسي - أمريكي
في حين أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعات الليبية، رمضان بن طاهر إن "ما يجري في جوهره ليس خلافا بين حكومة الدبيبة وروسيا، بل جزءا من صراع أوسع بين الولايات المتحدة وروسيا على الجغرافيا الليبية، ويعكس هذا الاتهام غضب روسيا من محاولات واشنطن احتكار الملف الليبي وتوسيع نفوذها عبر توظيف أطراف متعددة".

وأكد في تصريحه لـ"عربي21" أنه "حتى الآن، لا توجد أدلة مادية تؤكد صحة الاتهامات الروسية، ما يجعلها أقرب إلى أداة ضغط سياسي منها إلى كشف حقائق استخباراتية، فموسكو تستخدم هذا الخطاب لردع طرابلس عن أي تعاون محتمل مع أوكرانيا، ولتوجيه رسالة مباشرة إلى واشنطن بأنها لن تسمح بإقصائها من المشهد الليبي أو من عمقها الإفريقي"، حسب تقديراته.

وأضاف: "وبالتالي، المشهد الليبي اليوم يعكس اشتباكا استراتيجيا بين قوتين دوليتين، يفوق قدرة أي فاعل محلي على التحكم بمسار الأحداث"، كما صرح.

اظهار ألبوم ليست



تحركات ليست في صالح موسكو
الأكاديمي والكاتب الليبي، فرج دردور قال من جانبه إن "الأخبار عن تعاون حكومة الدبيبة مع أوكرانيا تفتقد إلى الدقة، فلا أعتقد أن العلاقة قد تجاوزت شراء بعض المعدات العسكرية من كييف، خاصة أن الأخيرة غارقة في حرب وجودية مع روسيا وليست في باب أنها تخوض حروبا أخرى خارج أراضيها بالاشتراك مع أيا كان".

وأوضح أن "تصريحات وزير خارجية روسيا الأخيرة لم تشر أن موسكو اتخذت موقفا معاديا ضد حكومة الدبيبة، بل أكد أن بلاده لازالت تحتفظ بحالة من التوازن بين البرلمان في الشرق وحكومة الدبيبة في الغرب، ولم يشر لوجود توتر في العلاقة بين بلاده وحكومة الدبيبة، حسب كلامه.

وتابع دردور لـ"عربي21": "لابد أن روسيا تتفهم أن حاجة حكومة الدبيبة لشراء السلاح لا يمنعها من التعامل حتى مع الطرف المعادي لروسيا، مادام في مصلحة ليبيا ولا يضر بشكل مباشر بموسكو ومصالحها، وليس في صالح روسيا أن تفقد التوزان في علاقاتها الدبلوماسية التي تدعيه، لأن هذا يفقدها عامل المنافسة في ليبيا مع أميركا وأوروبا"، وفق قوله.

مقالات مشابهة

  • الدفاع الروسية: تحرير بلدتين شرق أوكرانيا وتكبيد الجيش خسائر كبيرة
  • كوريا الجنوبية تعلن تلقي جارتها الشمالية دعما روسيا لتطوير الغواصات
  • موسكو تحذر من تصعيد دراماتيكي.. أوكرانيا تشن ضربات بعيدة المدى على روسيا
  • ترامب:  إذا لم يتم إنهاء الحرب الروسية سأرسل صواريخ توماهوك إلى أوكرانيا
  • كوبا تهاجم أمريكا بعد اتهامها بدعم القوات الروسية في مواجهة أوكرانيا
  • روسيا تحذر الغرب من لحظة تصعيد في الحرب الأوكرانية
  • روسيا توجه تحذيرات للدول الغربية بشأن أزمة أوكرانيا
  • فاينانشال تايمز: أمريكا تبادلت معلومات استخباراتية مع أوكرانيا لاستهداف روسيا
  • الدفاع الروسية: تدمير معدات عسكرية ومدفع مضاد للطائرات تابعة للقوات الأوكرانية
  • روسيا تتهم حكومة الدبيبة بدعم أوكرانيا.. هل تحشد ضدها دوليا؟