قال وكيل الأزهر، الدكتور محمد الضويني، إن الأزهر مؤسسة صاحبة أدوار متعددة فرضتها أمانة الدين التي تحملها وبلاغة بما يراعي أمور الناس وقضاياهم ومن ثم فإن الأزهر الشريف في أخص خصائصه مؤسسة علمية تصنع المعرفة وتنتجها وهي مؤسسة تراثية تعنى بالتراث تحفظه وتنقله للأجيال وتعيد قراءة العقول التي أنتجته في محاولة لضبط الواقع المعاصر وتعده ركنا ركينا ننطلق منه إلى المستقبل.

وأضاف الضويني - في كلمته بالمؤتمر الدولي بعنوان "حول التراث الإسلامي وتحدياته في عالم الملايو: الأزهر منهجا ومرجعا" - أن من تأمل الواقع المعاصر أدرك أن المعرفة قوة، ولذا لم يكن عجيبا ولا غريبا أن يبدأ نزول الوحي بقوله تعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، وكأنما هي إشارة إلى أن تحقيق الخيرية التي وصفت بها الأمة لا يكون عن طريق التميز العقدي والإيماني فحسب، وإنما تكون الخيرية بامتلاك أسباب الدنيا بقراءة واعية تبني ولا تهدم، وتعمر ولا تخرب وهذه المعرفة التي يقوم عليها الأمناء تضمن للأمة ألا تنحرف إلى يمين مفرط، ولا إلى يسار مفرط، وقد أخبرنا نبينا ﷺ أن ذهاب أنوار العلم إنما تكون بذهاب أهل العلم ورجال العلم ومؤسسات العلم.

وأردف الدكتور الضويني أنه منذ أكثر من ألف عام قامت منارة الأزهر في مصر فكانت منارة سامقة، تبعث بأضوائها الهادية إلى أطراف العالم كله، وليس الأزهر مجرد معهد عريق، أو جامعة عالمية هي الأقدم في تاريخ الإنسانية من حيث تواصل عطائها دون توقف، طوال هذه القرون العديدة إلى اليوم، وإنما هو في حقيقته رسالة ومنهج وخطاب فكري متميز يجري من الناس مجرى الدم من العروق والشرايين.

وأوضح أن تراث الأزهر يقوم على أركان ثلاثة معلم، ومتعلم، ومنهج، فركن التراث الأول المعلم أو الشيخ وربما كان هذا الركن من أهم ما يميز المدرسة الأزهرية وربما كان الاعتماد على المعلم مربيا ومرشدا وميسرا وموجها هو الذي يفرق بين المدرسة الأزهرية الأصيلة وكيانات أخرى يعتمد طلابها على عقولهم فحسب، أو على الكتب فقط، أو يتتلمذون على صفحات الإنترنت، وقد قالوا: "إن العلم كان في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال" وهذا الكلام يفضي إلى أن العلم لابد لتحصيله من الرجال، فالكتب وحدها لا تفيد الطالب دون فتح العلماء، فالعلم المسند المأخوذ من أهله طبقة عن طبقة هو ما يميز التراث الأزهري.

وبين الضويني أن التراث يتم تدريسه بالفعل لطلابنا في نظام تعليمي تربوي فريد ميزه عن غيره يتيح للتلميذ الصغير المبتدئ أن يختار منذ الطفولة الباكرة مذهبا من بين المذاهب الفقهية المتعددة يتدرج في دراسة مسائله وأحكامه، ويتهيأ شيئا فشيئا لاستيعاب أكثر من رأي واستنباط في المسألة الواحدة ليكون مستعدا لتقبل المذاهب المختلفة ليخرج بعدها بقناعة راسخة أن اختلاف العقول وتباينها مقبول ما دام في إطار من القواعد الحاكمة، وأنه ليس من حق أحد أن يمنع غيره من فهم أو استنباط توفرت له كل أدوات المعرفة والنظر والتفضيل.

وأردف أن التراث الأزهري يرسخ في ذهن الطالب الأزهري منذ نعومة أظفاره في قاعات الدرس مبدأ الحوار، وشرعية الاختلاف، موضحا أن الواقع العملي لحياة علماء الأزهر وطلابهم في عباداتهم ومعاملاتهم في أحكام الصلاة والصيام والحج والزواج والطلاق والفتاوى التي تتغير من بلد لبلد ومن زمان لزمان ومن شخص لشخص يؤكد أن منهج التعلم والتعليم في الأزهر مصمم - من قديم الزمان- على قاعدة التعدد، وما بين المذاهب الفقهية المعتمدة من تباين في الفتاوى والأحكام منذ عصر الأئمة الأربعة وحتى اليوم شاهد صدق على أن التراث الإسلامي هو تراث حواري تعددي يرفض الانغلاق في مذهب بعينه أو التمسك برأي واحد يتقيد به ويقصي غيره من الآراء.

وأوضح أنه في الوقت الذي نتكلم فيه عن التراث وضرورته، فإن الواجب أن ننقد بحكمة وبصيرة ووعي الأطروحات التي تعادي التراث، والتي ترى أن التراث بأصوله وفروعه لا يصلح للاعتماد عليه في هذا العصر، وأن من الضرورة إعادة إنتاجه وتوظيفه من خلال "التجديد" الذي أكثروا فيه الكلام، وإنا لنتفق مع التجديد إذا تم على أساس استبقاء الأصول والثوابت، وإطلاق أبواب النظر والاجتهاد فيما سواها بما يضمون مواكبة علمية صحيحة لما يستجد من النوازل والقضايا.

وشدد وكيل الأزهر على أن إغفال التراث العلمي النقلي منه والعقلي هو "انتحار حضاري"، ولا يمكن لمجتمع أن يتقدم إلا إذا انطلق من تراثه وتاريخه، حتى تكون أقدامه راسخة ثابتة، ومن الصواب أن ندرك أن تجديد التراث الإسلامي لا يحسنه إلا عالم ثابت القدمين في دراسة المنقول والمعقول، فاهم لطبيعة التراث، ولطبيعة المناهج وأدوات التحليل الفكري المستخدمة في البحث والتقصي.

وأوضح أن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت اهتماما متزايدا بعلوم الحضارة العربية الإسلامية، سواء من جانب الدارسين العرب والمسلمين أو من جانب المستشرقين ومؤرخي العلم الغربيين، ورغم هذا ما زال البعض يتساءل أحيانا عن جدوى البحث في كتب قديمة تعود بنا إلى ألف عام أو يزيد، وعن فائدة هذه الجهود التي تبذل في رصد المخطوطات وفهرستها وترميمها وحفظها، ثم في تحقيق نصوصها نسخا وقراءة وحلا لمشكلاتها واستجلاء لغوامضها، ثم في تناولها بالدراسة والتحليل بحثا عما يمكن أن تتضمنه من معلومات قد تفيد.

وأضاف وكيل الأزهر أنه للأسف الشديد إن هذه الأسئلة تشير إلى علاقة تشبه القطيعة بين البعض والتراث، أو بين الحاضر والماضي، وبخاصة لدى الجيل الجديد من الشباب الذين تشبعوا بالحضارة الغربية ومعارفها، وأفاقوا على ما قدمته من منجز تقني وعلمي وتكنولوجي أبهرت به العالم، وغيرت نظرته وتفكيره ومجرى حياته، وجعلته ينساق خلفها، في الوقت الذي يحظى فيه التراث الإنساني بتهافت كبير من قبل الهيئات العالمية التي وعت قيمته ودوره في المحافظة على الهوية والخصوصية الثقافية للأمم والشعوب، وهذا الموقف المتباين مدعاة للجميع: أفرادا ومؤسسات للعمل على سد هذه الفجوة، والتصدي لخطرها، والحد من آثارها في نفوس بناة المستقبل، الذين إن انقطعوا عن ماضيهم فلا حاضر لهم، ولا مستقبل.

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأن المحافظة على تراثنا وأزهرنا مهمة قومية وطنية من الطراز الأول، وإن الأزهر الشريف حين يعنى بالتراث وما يدور حوله من علوم فإنما يعنى بترسيخ الشخصية الوطنية ذات المكونات الصلبة التي تستعصي على الذوبان أو الاختراق.

اقرأ أيضاًوكيل الأزهر يفتتح المؤتمر الدولي للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر حول التراث الإسلامي

وكيل الأزهر يشهد تكريم الفائزات في النسخة الأولى من مسابقة «بنت الأزهر الوافدة»

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأزهر الشريف الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر وکیل الأزهر أن التراث

إقرأ أيضاً:

"شباب هارفارد يقودون التغيير" يصل عُمان ضمن فعاليات "مختبر التعلم"

 

مسقط- الرؤية

من المقرر أن يحظى طلبة المدارس الثانوية في سلطنة عُمان والبحرين بفرصة بناء شخصيتهم وتطوير مهاراتهم الأساسية مع قيام "مختبر التعلم" بتوسيع نطاق برنامج هارفارد المرموق "الشباب يقودون التغيير"؛ حيث سيتم تنظيم مؤتمر النخبة لتنمية المهارات القيادية الذي حوّل المراهقين الخجولين إلى رواد واثقين من أنفسهم في البلدين لأول مرة هذا الصيف.

وانعقد مؤتمر هارفارد الأول لبرنامج هارفارد "الشباب يقودون التغيير" في دول مجلس التعاون الخليجي في دبي في عام 2022، ويتمّ تنظيم تلك الفعاليات خلال شهري يوليو وديسمبر من كل عام منذ إطلاقها في المنطقة. وشهد برنامج تنمية الشباب الانتقائي للغاية نموًا كبيرًا في أعداد المشاركين والفعاليات على حد سواء، حيث استضافت الرياض في يناير الماضي أحدث مؤتمر في الرياض شمل أكثر من 100 طالب، معظمهم من المواطنين السعوديين.


 

ويوفر برنامج "الشباب يقودون التغيير" الذي ينظمه معهد القيادة في كلية هارفارد للشباب من سن 13 إلى 18 عامًا فرصة لتغيير حياتهم لتلقي التوجيه من طلبة من كلية Ivy League. يمكّن المؤتمر القادة الطموحين من التعرف على نقاط قوتهم وتحديد أهدافهم التي ستساعدهم على تحديد المهنة والمواضيع والجامعات التي تناسبهم في المستقبل.

ويشهد برنامج الفعاليات الطلبة يعملون من خلال مجموعات يقودها المرشدون للمشاركة في مجموعة من ورش العمل ودراسات الحالة والأنشطة القائمة على المشاريع لتعزيز التأمل الذاتي وبناء الثقة وتطوير مهاراتهم في حل المشكلات ومهارات تقديم العروض. من خلال الفهم المتبادل للفروق الدقيقة للنمو في القرن الحادي والعشرين، يقوم المرشدون بتوجيه المشاركين بمهاراتهم وخبراتهم التي لا تقدر بثمن في الحياة بعد المدرسة الثانوية. يتعاون المشاركون في إطار فرق متعددة الثقافات والتخصصات لتطوير مشاريع التغيير الاجتماعي التي يمكن أن تعالج بعض القضايا الأكثر إلحاحًا المتعلقة بالشباب.

وقالت جيهان إبراهيم، المشاركة في برنامج 2024، من مدرسة "جيمس آور أون إنجليش سكول": "لقد كان شرفًا لي أن أكون جزءًا من برنامج هارفارد "الشباب يقودون التغيير" وتكوين صداقات مع أفراد متشابهين في التفكير وتعلّم الكثير في هذه العملية. لقد كان كل من الطلبة موهوبًا للغاية في كل مجال، مما جعل من هذه المشاركة بيئة رائعة للتعلّم والنمو مع الآخرين. كان اللقاء مع مرشدي هارفارد، والتعرف على حياتهم في الحرم الجامعي وعملية التقدم باطلبات إلى الجامعات، إلى جانب مؤتمر القيادة، تجربة رائعة وأنا سعيدة بحصولي على هذه الفرصة".

وأفادت نيها كاول، والدة سمارا بهاردواج، إحدى المشاركات في برنامج هارفارد "الشباب يقودون التغيير" لعام 2023 والطالبة في الكلية الإنجليزية: "لقد كان برنامج هارفارد "الشباب يقودون التغيير" تجربة رائعة لسمارا. لقد استمتعت بالتفاعل مع جميع المرشدين والطلبة، وقد منحها ذلك ثقة أكبر بكثير. كان مفهوم العمل على مشروع اجتماعي رائعًا وجعلها تفكر في أشياء لم تفكر فيها من قبل".

وقال مؤسس مختبر التعلّم فارون جاين: "يعتبر برنامج هارفارد الشباب يقودون التغيير أحد أكثر البرامج التحويلية التي يمكن أن يكون طلبة المدارس الثانوية جزءًا منها في هذه المنطقة. بعد بضعة أيام فقط من التعلّم مع مرشدي هارفارد والتعاون مع أقرانهم، نرى الطلبة يخرجون بمزيد من الثقة والمهارات الحادة والتجارب الحقيقية في القيام بدور قيادي في قضية اجتماعية. يُعدّ البرنامج فرصة لا تقدر بثمن لوضع الطلبة على طريق النجاح الشخصي والمهني".

وتفتح هارفارد "الشباب يقودون التغيير" باب التقدّم بالطلبات للفعاليات القادمة التي سوف يتمّ تنظيمها في سلطنة عُمان خلال الفترة من 2 إلى 5 يوليو والبحرين خلال الفترة من 8 إلى 11 يوليو.

يُشار إلى أن مختبر التعلُّم "إيه ليرنينغ لاب" هو منصة لاستكشاف الحياة المهنية للمراهقين تقوم بإرشاد وتوجيه الطلبة خلال فترة انتقالهم من المدرسة الثانوية إلى الجامعة. يعمل مختبر التعلم في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، وقد نشأ مختبر التعلّم من عمل "معهد يوني هوك" الرائد في مجال استشارات القبول الجامعي والتحضير للاختبارات. من خلال مجموعة من فرص التعلم التجريبي والاكتشاف الوظيفي وتطوير المهارات، يقدم مختبر التعلم الدعم الشخصي والموارد المخصصة لإطلاق إمكانات الطلبة وتمهيد طريقهم نحو النجاح.

مقالات مشابهة

  • مصمم الأزياء رامي العلي: هذه القطعة يجب أن تكون في خزانة كل إمرأة عربيّة
  • طهران: الضربة التي أصابت مستشفى سوروكا استهدفت قاعدة للجيش الإسرائيلي
  • شيخ الأزهر: الحضارة الغربية ليست كلها خيرًا.. وبعضها دمار للإنسانية
  • شيخ الأزهر لوفد طلابي من جامعتي جورج واشنطن والجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة: العلم بلا إطار أخلاقي خطر على الإنسانية
  • “حلحلة كافة العقبات التي تواجه الكليات”.. وكيل جامعة كردفان يتفقد مجمع كلية التربية ومركز دراسات السلام والتنمية
  • نائب محافظ دمياط تشارك في الندوة الإلكترونية لليونسكو حول المهارات الحضرية
  • شيخ الأزهر: نحرص على أن يكون السلام والتفاهم قاعدة حاكمة للتعايش بين الجميع
  • وكيل الأزهر يعتمد نتائج البرنامج التأهيلي والابتدائية والإعدادية لأبنائنا بالخارج
  • وكيل الأزهر يعتمد نتيجة الشهادتين الابتدائية والإعدادية لـ أبناؤنا في الخارج
  • "شباب هارفارد يقودون التغيير" يصل عُمان ضمن فعاليات "مختبر التعلم"