مفاجآتٌ قادمة.. اليمنُ يواصلُ الخروجَ عن المألوف لوقف الإبادة في غزة
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
مَثَّــلَ إعلانُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير، عن مفاجآت عسكرية قادمة، صدمةً يمنيةً جديدةً لثلاثي العدوان الصهيوني: (الولايات المتحدة وبريطانيا والعدوّ الإسرائيلي)، خُصُوصاً وأن القائد أكّـد بوضوحٍ أن المفاجآتِ ستفوق توقعات الجميع.
هذا يعني أن العدوّ سيقف مجدّدًا أمام تَحَدٍّ عسكري إضافي لم يسبق أن واجهه من قبل؛ لتطول بذلك قائمة الأرقام القياسية الجديدة التي كسرها اليمن في تأريخ العمل العسكري، بدءًا من أول ضربة صاروخية على أم الرشراش المحتلّة والتي اعتبرت كأطول هجوم صاروخي من قاعدة برية في تأريخ الحروب الحديثة، وُصُـولاً إلى أول استخدام لصواريخ بالستية مضادة للسفن في التأريخ، وهي ليست مُجَـرّد أحداث عابرة، بل معادلات وتحولات استراتيجية ثابتة تمكّن اليمن من فرضها على واقع المواجهة باقتدار، متحديًا النفوذ الأمريكي والصهيوني العالمي.
وهذا يعني أيضاً أن المفاجآتِ القادمةَ ستكون تدشينًا لمرحلة جديدة يعلم العدوُّ جيِّدًا أنها ستكونُ كارثيةً بالنظر إلى الآثار الكبيرة والضاغطة التي أحدثها اليمن حتى الآن في معركة إسناد الشعب الفلسطيني وردع العدوان.
إعلانُ قائد الثورة عن المفاجآت القادمة جاء في إطار حديثه عن تمسك اليمن بمسار تصعيد العمليات العسكرية المساندة لقطاع غزة، وبعد تأكيد واضح على النتيجة العكسية للعدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، والمتمثلة بالتطور في القدرات العسكرية؛ وهو الأمر الذي أوضح أن الأعداء قد لمسوه.
ولذا فإن العدوّ أمام احتمالات لا يمكنه حصرها بخصوص طبيعة المفاجآت القادمة؛ فبالرغم من أن موضوع تطور القدرات اليمنية يبدو الأكثر ارتباطًا بهذه المفاجآت؛ فَــإنَّ ذلك لا يساعد العدوّ على تضييق دائرة التوقعات، خُصُوصاً وأنه قد تفاجأ أصلًا ومنذ بداية انخراط اليمن في معركة إسناد الشعب الفلسطيني، بالعديد من الأمور التي لم تكن بحسبانه، وقد عبَّر كبارُ القادة في البحرية الأمريكية بوضوحٍ وبعبارات مختلفة عن صدمتهم في مواجهة القدرات البحرية اليمنية خلال الفترة الماضية، وأكّـدوا أن الجيش الأمريكي لا يمتلك معلومات حول مخزون الأسلحة اليمنية.
لقد استطاعت القيادة اليمنية أن تثبت خلال الفترة الماضية أن حسابات العدوّ وتقديراته العملياتية والعسكرية خاطئة ودفعته للاعتراف بذلك؛ وهذا يعني يجعلُه فاقدًا لأَيِّ أَسَاسٍ منطقي يمكنُ أن يبني عليه أية توقعات لما هو قادم؛ الأمر الذي جعل موقفَه أكثر سوءًا من الآن وقبل أن تأتيَ المفاجآت.
وعلاوةً على ذلك، حرص قائدُ الثورة على أن يقطعَ أيَّ أمل للعدو بخصوص إمْكَانية توقُّع المفاجآت القادمة، بل أكّـد أنها ستفوقُ حتى توقُّعاتِ الأصدقاء، وإلى جانب ما يمثِّلُه هذا الأمرُ من دليلٍ على احترافيةٍ كبيرةٍ في إدارةِ المعركة وامتلاك زمام التصعيد فيها، فَــإنَّه يمثل أَيْـضاً حربًا نفسية مؤثِّرة، تدفع العدوَّ نحو اليأسِ والارتباك أكثر؛ لتأتي الضربةُ القادمةُ أشدَّ تأثيرًا.
وقد أكّـد القائد أن المفاجآت ستكون “فاعلة ومؤثرة” وهو ربما التلميح الأهم في الإعلان، خُصُوصاً بالنسبة للعدو الذي قد يذهب كالعادة إلى المكابرة والاعتماد على تقديرات خاطئة يحدّد فيها الخطر القادم بإطار معين يعتقد أنه يستطيع السيطرة عليه أَو تحمله، فتأكيد قائد الثورة هنا على فاعلية وتأثير المفاجآت العسكرية القادمة، ليس للتشويق؛ لأَنَّ العدوّ يعرف الآن جيِّدًا أن القوات المسلحة اليمنية قادرة على إحداث تأثيرات اقتصادية وميدانية مباشرة وغير مسبوقة.
احتمالات مرعبة للعدو
وللتوضيح أكثر، فَــإنَّ تأكيدَ قائد الثورة على فاعليةِ المفاجآت القادمة، تدعمُه حقائقُ نجاح القوات المسلحة في حظر الملاحة الصهيونية عبر البحر الأحمر بشكل شبه كامل، وشل حركة ميناء (إيلات) ورفع أسعار مختلف البضائع المستوردة إلى كيان الاحتلال (وقد قالت تقاريرُ عبرية الأسبوع الماضي: إن الزنجبيل أصبح بمثابة “ذهب جديد” في كيان العدوّ بعد أن أَدَّى الحصار اليمني إلى انقطاع وارداته) وُصُـولاً إلى توجيهِ ضربة قوية للصادرات والواردات البريطانية كشف عنها تقرير غرفة التجارة البريطانية الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى رفع كلفة الشحن إلى الولايات المتحدة، فضلًا عن إرساء معادلات عسكرية وجيوسياسية جديدة في البحر.
ونظرًا للمسارِ التصاعُـدي لعمليات القوات المسلحة اليمنية، ولتجربتها العسكرية الفريدة خلال السنوات الماضية، يمكن القول: إن تأثيراتِ المفاجآت القادمة ستبدأُ من حَيثُ وصلت إليه المفاجآتُ السابقة، سواءٌ أكانت هذه التأثيراتُ اقتصاديةً أَو عسكرية؛ وهو ما يفتحُ احتمالاتٍ كُلُّها مرعبةٌ للعدو؛ لأَنَّ اليمنَ بدأ هذه المعركةَ أصلًا من موقعٍ متقدِّمٍ جِـدًّا، وحرَقَ الكثيرَ من المراحل بسرعةٍ كبيرة؛ الأمرُ الذي يجعلُ أُفُقَ التصعيد مخيفًا جِـدًّا بالنسبة للعدو، خُصُوصاً وقد أقر صراحةً بفشله وعجزه.
وبصرف النظرِ عن التوقعات، فَــإنَّ إعلانَ القيادة اليمنية عن التوجُّـهِ نحوَ مفاجآت صادمة للعدو لا يأتي بغرضِ الاستعراض العسكري؛ فالهدفُ الرئيسيُّ للجبهة اليمنية هو إحداثُ تأثيرٍ كافٍ للضغط على الأعداء ودفعهم لوقفِ الإبادةِ الجماعية في غزةَ ورفع الحِصارِ عن الشعب الفلسطيني؛ ولذلك فَــإنَّ التأثيرَ الذي ألمح إليه قائدُ الثورة في حديثه عن المفاجآت القادمة يصُبُّ في هذا الاتّجاه بلا شك؛ الأمر الذي يعني أن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكية أَو بريطانيا أَو الكيان الصهيوني، وربما، جميعُهم على موعدٍ مع وَجَعٍ أكبرَ يجعلُهم أشدَّ “اضطرارًا” لوقف العدوان على غزةَ وإدخَال المؤن والمساعدات للفلسطينيين؛ أي أن التأثيرَ الذي ستُحدِثُه المفاجآتُ القادمةُ لن يكونَ منفصلًا عن الوضع في غزة، وهو في الحقيقة أمرٌ قد أثبتت القيادة اليمنية احترافيةً عاليةً فيه خلال الأشهر الماضية، حَيثُ استطاعت أن توجّـهَ تأثيرَ عمليات الرد على العدوان الأمريكي البريطاني في الاتّجاه المسانِد للشعب الفلسطيني، سواء على مستوى لَفْتِ أنظار العالم لضرورة وقف العدوان على غزة، أَو على مستوى الضغط الاقتصادي المباشر الذي لم تستطع الحكومتان الأمريكية والبريطانية احتواءه وتغييبَه عن الجماهير، وقد قاطع متظاهرونَ الأسبوعَ الماضيَ جلسةَ استماعٍ في مجلس الشيوخ الأمريكي حول مِلَفِّ اليمنِ والبحر الأحمر، وقال أحدُ المحتجين: “أنتم تعرفون جيِّدًا أن الحَلَّ هو وقفُ الإبادة الجماعية في غزةً”.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: قائد الثورة ف ــإن فی غزة
إقرأ أيضاً:
الضفة الغربية تُذبح بصمت… ومخططات الاحتلال تسير بخطى ثابتة نحو الإبادة والضم الكامل
يمانيون | تقرير
في وقتٍ تتوجه فيه عدسات الإعلام نحو المجازر المتواصلة في قطاع غزة، تُركت الضفة الغربية تواجه مصيرها القاتم بصمتٍ مدوٍ، حيث يمضي كيان العدو الصهيوني في تنفيذ مشروع إبادةٍ بطيئةٍ وممنهجة، لا تقل بشاعة عن ما يحدث في غزة، بل تُكمّل فصول التصفية الشاملة للقضية الفلسطينية على الأرض.
هذا المسار العدواني، الذي بات واضح المعالم، لم يعد مجرد سلسلة من الانتهاكات أو الإجراءات العسكرية التقليدية، بل تحوّل إلى سياسة استراتيجية محكمة، تهدف إلى اقتلاع الإنسان الفلسطيني من جذوره، وسحق كل ما يمتّ بصلة إلى هويته الوطنية والسياسية، عبر التهجير القسري، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وخلق واقع ديموغرافي جديد يُقصي الفلسطيني ويُحيل الضفة إلى منطقة صهيونية بالكامل.
الأرقام تتحدث: مجازر “موزعة” لكن ثابتة
منذ بداية هذا العام، ارتقى في الضفة الغربية ما لا يقل عن 986 شهيداً، وأصيب أكثر من 7000 فلسطيني في سلسلة عمليات اقتحام واعتداء متواصلة.
وعلى الرغم من أن هذه الأرقام قد تبدو “متواضعة” مقارنةً بالدمار الشامل الذي خلّفته آلة الحرب الصهيونية في قطاع غزة، إلا أنها تعكس وتيرة دموية ثابتة لا تنقطع، تُنفَّذ بشكل يومي ومنهجي تحت ذريعة “الأمن” وملاحقة “المقاومة”، في حين أن الحقيقة تفضح مشروعاً واضحاً للإبادة التدريجية.
وفي مدينة جنين، تُسجَّل أكبر صور هذه الاستراتيجية الدموية، حيث يواصل جيش العدو منذ مطلع العام تنفيذ حملة تدمير شاملة.. فقد تم هدم أكثر من 600 منزل بالكامل، بينما تضررت آلاف المنازل الأخرى بشكل جزئي، ما أدى إلى نزوح أكثر من 22 ألف فلسطيني قسرياً عن منازلهم وأراضيهم.
هذا النزوح القسري ليس حالة طارئة بل سياسة متعمدة، تندرج ضمن مشروع تطهير عرقي منظم.
من الهدم إلى المصادرة.. تكامل أدوات التهجير
في محافظة طولكرم، يمضي الاحتلال في سياسة المصادرة الهادئة التي تستهدف السيطرة على الرقعة الزراعية، وقد تم بالفعل الاستيلاء على مئات الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة، ضمن خطة تهدف إلى ضرب الأمن الغذائي الفلسطيني وتوسيع الرقعة الاستيطانية.
ولا يقتصر الهدم على الأرياف والمخيمات، بل وصل إلى مراكز المدن والضواحي.. ففي الأيام الأخيرة، أقدمت سلطات الاحتلال على إصدار قرارات بهدم 104 منازل وبنايات تضم نحو 400 شقة سكنية وعشرات المنشآت التجارية، جميعها مملوكة لعائلات فلسطينية تقطن في مخيمات اللجوء، لتُضاف إلى سجل هدم سابق شمل 400 منزل آخر، وتضرر ما يزيد عن 2500 منزل بدرجات مختلفة.
التطهير الممنهج في القدس والخليل
في القدس المحتلة، تتجلى السياسات الصهيونية في أبشع صورها، حيث تشهد المدينة اعتقالات جماعية لعائلات بأكملها، تُنفّذها قوات العدو في ساعات الفجر تحت غطاء الطوارئ الأمنية.
كما اقتحم المغتصبون اليهود بلدة “حزما” مطلقين الرصاص الحي على السكان، ما أدى إلى إصابة ثلاثة فلسطينيين، إلى جانب إحراق أحد الأكواخ السكنية.
أما في الخليل، فتستمر اعتداءات المستوطنين في قرى مثل “سوسيا” و”خلة الضبعة” و”أم الخير”، حيث نُفّذت اعتداءات دموية تحت حماية جيش الاحتلال أسفرت عن إصابة 11 فلسطينياً خلال الساعات الماضية، وسط تحليق مكثف للطائرات الاستطلاعية وتعزيزات عسكرية واضحة، ما يرفع من مؤشرات تصعيد ميداني قادم.
الاحتلال يذبح الدولة الفلسطينية بصمت
لا يعلن العدو بشكل صريح رفضه لفكرة “الدولة الفلسطينية”، لكنه يُعدمها عملياً كل يوم على الأرض، عبر تفكيك الجغرافيا، وسلب الديموغرافيا، وتجريف كل مظاهر السيادة والوجود الوطني الفلسطيني.
ومخططات ضمّ الضفة الغربية لا تُنفَّذ بشكل فجّ كما كانت عليه في بداياتها، بل تتم اليوم ضمن مراحل خبيثة تستند إلى شرعنة الاستيطان، وتمزيق وحدة الأرض، وزرع شبكات أمنية واستخباراتية تحول دون أي تحرك شعبي فلسطيني.
وقد لخص أحد أبناء القرى المستهدفة في الجنوب الفلسطيني ما يجري بمرارة وإصرار قائلاً:
“بدخل علينا العدو بالأغنام والأبقار، على الأشجار والسياج، ينفذ سرقات ونهب وترويع، لكننا صامدون، متجذرون في أرضنا، لن نغادرها حتى الموت.”
هذا الصوت الفلسطيني يلخص حقيقة الصراع: إنها معركة وجود لا معركة حدود، ومعركة هوية لا مجرد مواجهة أمنية.
الضفة جزء لا يتجزأ من معركة كسر المشروع الصهيوني
يرى مراقبون أن ما يجري في الضفة الغربية ليس منفصلاً عن سياق العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، بل هو جزء مكمل لمعركة تطهير وطنية، تسعى فيها تل أبيب إلى إعادة رسم الخارطة السكانية والسياسية لفلسطين وفقاً لمنطق القوة والهيمنة.
وما يُقلق أكثر أن هذا المشروع لا يواجه فقط بصمت دولي، بل بتواطؤ إقليمي واضح، حيث بدأت بعض الأنظمة العربية تُجاري الاحتلال في خريطته الأمنية الجديدة، عبر تنسيقات أمنية ومواقف سياسية هزيلة، بل وصلت إلى درجة الانخراط في مشاريع التطبيع الأمني مع العدو، ما يزيد من تعقيد المشهد.
في مواجهة الإبادة… لا خيار سوى الصمود والمقاومة
في ظل هذا الواقع الخطير، يُثبت الفلسطيني يوماً بعد يوم أن الصمود والمقاومة هما الخيار الوحيد، مهما بلغت آلة البطش الصهيوني من وحشية. فالمشروع الصهيوني في الضفة لا يترك مساحة للحياد، ولا يعترف بحل الدولتين، بل يُصادر كل ما يمتّ إلى فلسطين بصلة.
وعليه، فإن معركة الضفة اليوم، وإن بدت “بصوت منخفض”، إلا أنها تمثل أحد أخطر فصول المعركة الوجودية بين الاحتلال والشعب الفلسطيني.. فهي ليست معركة يومية تنتهي باعتقال أو هدم، بل صراع شامل على البقاء والكرامة والسيادة.
ومع تصاعد الردع من قبل محور المقاومة، ومعادلة “وحدة الساحات” التي باتت أكثر رسوخاً، فإن الاحتلال بات يعلم أن خطواته في الضفة لن تمر دون ثمن، وأن المساس بعمق الأرض الفلسطينية هو مقدمة لانفجار قادم قد يشعل الأرض تحت أقدام الغزاة.