رحلة البحث عن طعام داخل أسواق مدينة غزة
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
غزة- في سوق نشأ بشكل عشوائي بشارع الوحدة غربي مدينة غزة، ووسط الركام المتناثر على جانبي الشارع، يصطف باعة يعرضون سلعهم، حيث يمكن العثور على ملابس وأحذية وأدوات التنظيف وغيرها من السلع، في حين يجوب المواطنون الشارع ذهابا وإيابا، ويوجهون للتجار سؤالا موحدا "هل يوجد طحين؟".
يقول الباعة إن ما يعرضونه هو ما تبقى من السلع التي كانت مُخزنة في المتاجر، إذ لا تسمح قوات الاحتلال الإسرائيلية بإدخال أي بضائع إلى القطاع المحاصر.
ويبدو العثور على طعام داخل هذا السوق كاقتفاء أثر إبرة وسط كومة من القش، وإن توفّرت المواد التموينية، فإن أسعارها باهظة جدا، وليست في متناول السكان الذين نفدت مدخراتهم، ويعانون البطالة منذ قرابة 5 أشهر.
وتجبر سياسة التجويع التي تشنها إسرائيل على شمالي قطاع غزة كثيرا من السكان على زيارة الأسواق مرات عديدة خلال اليوم، بحثا عن أي شيء "يمكن أكله"، كما أنها تدفعهم للنزوح إلى جنوب القطاع، وفق ما يراه المراقبون.
ودفع العدوان المستمر على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي محكمة العدل الدولية لإصدار قرار يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي يأمر إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة، وضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية.
وقال المسؤول في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية راميش راجاسينجهام، أمام مجلس الأمن الدولي الثلاثاء الماضي، إن "ما لا يقل عن 576 ألف شخص في القطاع أصبحوا على بعد خطوة واحدة من المجاعة".
بشكل يومي، يزور رائد العدوي وزوجته السوق بحثا عن طحين القمح، لكن دون جدوى، وفي حال عثر على كميات منه، فإنه لا يقدر على شرائه، إذ يصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى 150 شيكلا (42 دولارا)، مما اضطره إلى المخاطرة بحياته والتوجّه إلى شارع الرشيد الساحلي، لعلّه يتمكن من الحصول على كيس من الطحين، لكنه لم ينجح في ذلك.
وتسمح إسرائيل التي أحدثت فراغا أمنيا كاملا في شمالي قطاع غزة، بدخول شاحنات قليلة محمّلة بالطحين، لكنها تطلق النار على الفلسطينيين الذين يأتون للحصول عليه، وهو ما جرى في المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الخميس الماضي، وراح ضحيتها قرابة 118 شخصا، وجُرح المئات ممن حاولوا الحصول على المساعدات.
يقول العدوي، الذي كان برفقة زوجته في سوق الوحدة، للجزيرة نت، إنه يطعم أولاده "أشياء لا تقبل أن تأكلها الدواب"، وتتدخل زوجته قائلة إنهم كانوا في السابق يجدون طحينا رديئا مصنوعا من الذرة والشعير، لكنهم -ورغم سوئه- لم يعودوا يجدونه، وقالت "لم نجد ذرة ولا قمحا ولا شعيرا، ولا شيء بالمرة".
بعد أن يأس من العثور على الطحين داخل السوق، قرر المواطن حسام أبو حصيرة شراء علبة من الحمص المطبوخ لإطعام أولاده، ويقول للجزيرة نت إنه يجوب الشوارع والأسواق بحثا عن الطحين بدون فائدة، وحينما يجد القليل منه، لا يستطيع شراءه بسبب ارتفاع ثمنه.
ويذكر أبو حصيرة، وهو أب لـ6 أبناء، أنه اشترى علبة الحمص التي تزن نصف كيلوغرام بـ14 شيكلا (نحو 4 دولارات)، بعد أن كانت في السابق بـ5 شواكل فقط (1.4 دولار) ويضيف "منذ 8 أيام نعيش على الحمص، أو نشتري (نبات) الخبيزة".
وبغضب شديد، خاطب أبو حصيرة إسرائيل والولايات المتحدة بقوله "لو لديكم بهائم ستطعمونها، نحن (بشر) أكلنا أكل البهائم، ولم يبق شيء نأكله، نحن أرواح، إسرائيل مجبرة على إطعامنا لأننا تحت احتلالها". ويشير إلى أن إسقاط المساعدات من الطائرات "غير مجدٍ"، فهي قليلة للغاية، ويستفيد منها "الأقوياء" فقط.
ونظرا لإصابة زوجها وابنها الكبير جراء قصف الاحتلال، اضطرت السيدة رندة اليازجي للذهاب بنفسها إلى السوق، للبحث عن طعام لأسرتها، مصطحبة ابنتها المصابة في رأسها.
ومتفقة مع سابقيها من المواطنين، تقول رندة اليازجي للجزيرة نت إن المواد التموينية نادرة، كما أن الأسعار غالية جدا، وتضيف "أجد معاناة كبيرة جدا في توفير أي لقمة عيش لأولادي، أتمنى من الله أن تنتهي هذه الحرب".
وتمنت، خلال رحلة بحثها عن الطعام في الأسواق، العثور على خضروات بأسعار مناسبة، فلم تجد سوى أصناف قليلة جدا مثل البصل الأخضر والليمون والخبيزة، أما الفواكه واللحوم فلم ترها في السوق منذ فترة طويلة، وتقول "أكثر شيء أتمناه -كوني أمًا- هو لقمة العيش والطحين".
دفعت سياسة التجويع التجار إلى إخراج ما تبقى من المكسرات التي سلمت من آلة الدمار الإسرائيلية من المخازن والحاويات، ودفعوا بها للأسواق كبديل عن الطحين المفقود، لكنّ ارتفاع ثمنها لا يجعلها في متناول جميع السكان.
ويقر البائع رمضان الحلاق بأن أسعار المكسرات مرتفعة، وهو ما يجعلها بديلا مكلفا على المواطنين، ويقول للجزيرة نت إن "المكسرات كانت لفئات معينة ومن أجل التسلية، إلا أنها الآن طعام أساسي بديل عن الطحين، لكنها ليست مشبعة كوجبة، ولا يستطيع جميع الناس شراءها".
قبل الحرب، كان عبد القادر مرشد يمتلك متجرا لبيع أدوات التنظيف وإكسسوارات المنازل، لكن متجره تعرض للقصف والتدمير، فقرر مؤخرا استخراج ما تبقى من بضاعة في محله المدمر، وعرضها للبيع على أحد أرصفة سوق شارع الوحدة، بهدف توفير مصدر دخل لأسرته.
وبينما يشير مرشد إلى القارورات الملونة المملوءة بأدوات التنظيف، قال للجزيرة نت "هذه البضاعة هي التي تبقت من متجري الذي تعرض للقصف"، ونظرا لخلو بسطته من أي نوع من الطعام، فإنه لا يبيع كثيرا من السلع، ولا يحقق ربحا جيدا.
ويعلق على ذلك بقوله "ناس قليلة تشتري مني، لأن الناس تبحث عن الأكل والشرب وعن الطحين، فقدان الطعام دفع الناس لأكل طعام الحيوانات".
لكن مرشد يصر على الاستمرار في عمله رغم قلة البيع والأرباح، معتبرا أن ذلك "أفضل من الجلوس في المنزل بلا عمل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العثور على للجزیرة نت عن الطحین أبو حصیرة بحثا عن
إقرأ أيضاً:
خبراء يكشفون للجزيرة نت دلالات وتوقيت خطاب حميدتي
الخرطوم- في ثاني لقاء وسط قواته منذ اندلاع الحرب في السودان، ظهر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أمس الأول، في مكان غير معروف، موجها رسائل إلى الداخل وأخرى للإقليم، في خطوة فسرها مراقبون على أنها محاولة لإعادة تقديم نفسه بوجه جديد وبث الروح المعنوية وسط قواته واستقطاب مقاتلين جددا.
وبثّت الدعم السريع خطابا لقائدها وسط حشد من المقاتلين، هو الثاني منذ آخر لقاء معها في اليوم الأول لاندلاع القتال، قرب ديوان الحكم الاتحادي في محيط القصر الجمهوري بالخرطوم، وذلك بعد أن اقتصرت إطلالاته السابقة على تسجيلات صوتية ومصورة.
ولم تفصح القوات عن الموقع، غير أن "حميدتي" ألمح إلى وجوده داخل الأراضي السودانية، ويرجح أن يكون في مناطق خاضعة لسيطرة قواته بإقليم دارفور، حيث تنتشر في رقعة جغرافية واسعة بعد التراجع الميداني الذي شهدته خلال الأشهر الماضية بخروجها من ولايات سنار والجزيرة والخرطوم وأطراف ولايات النيل الأبيض ونهر النيل والنيل الأزرق وجنوب شمال كردفان.
تشكيكغير أن وزير الشباب والرياضة وسفير السودان السابق في طرابلس حاج ماجد سوار كشف أن لقاء قائد الدعم السريع مع قواته، لم يتم في داخل الأراضي السودانية كما رُوّج، بل جرى في مناطق خاضعة لسيطرة قائد الجيش الليبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر داخل ليبيا.
وقال سوار، في منشور على صفحته على فيسبوك، إن لديه معلومات مؤكدة من مصادر ليبية موثوقة بالاحتفال الذي ظهر فيه "حميدتي"، وإنه تم تصويره في عمق الأراضي الليبية.
في المقابل، شكك الخبير الأمني والإستراتيجي العميد المتقاعد عامر حسن في هذا الحشد العسكري، وأوضح للجزيرة نت أن قوات الدعم السريع ليس لديها هذا العدد الكبير من القوات في موقع واحد كالتي ظهرت في التسجيل المصور، لأنه لو كان في أي منطقة في دارفور أو كردفان يمكن رصده واستهدافه باعتباره مناطق عمليات مفتوحة، ورجح أن تكون الصور مركبة عبر معالجة تقنية.
إعلانوخلال كلمته، اعترف "حميدتي" بخسارته عسكريا وقال إنهم "فقدوا أراضٍ غالية وأرواحا عزيزة"، لكنه تعهد بـ"العودة بعزّة وكرامة". وأشار إلى أن سيطرة قواته على مثلث العوينات الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، يمكن أن تشكل "إضافة إيجابية لجيران السودان" عبر تأمين الحدود، مؤكدا أنه ليس لديه مشكلة مع أي دولة جارة.
ورأى أن الخلافات مع مصر يمكن حلها عبر الحوار المباشر، وتابع "مشاكلنا مع مصر زرعها هؤلاء المجرمون ونحن راجعنا حساباتنا ولازم نحل مشكلتنا معها عبر الحوار وعلى الطاولة وليس عبر المشاحنات".
وجدد "حميدتي" هجومه على الجيش السوداني، قائلا إن قواته "تقلصت إلى حد كبير"، وطمأن سكان شمال السودان بأنه في حال وصول قواته إلى مناطقهم، فلن يكون ضمنها "نهّابون".
تبريرمن جانبه، اعتبر مساعد وزير الخارجية المصري ومسؤول ملف السودان السابق بالخارجية المصرية حسام عيسى أن حديث "حميدتي"، حول مراجعة حساباته تجاه القاهرة، "إدراك منه للثقل المصري ومحاولة لتجنب استفزاز الجار القوي".
وقال عيسى، في تصريح بثته مواقع سودانية، إن قائد الدعم السريع يحاول تبرير تحركاته في المثلث الحدودي، وعدّها "وسيلة براغماتية من أجل عدم استثارة جار إقليمي قوي له تأثير في هذه الظروف".
كما أكد أن القاهرة لن تتورط في أي حروب خارج حدودها وموقفها ثابت ولن يتغير من وقوفها مع الدولة السودانية ومؤسساتها وعلى رأسها القوات المسلحة، وأن وجود المليشيات والسلاح خارج سيطرتها هو الذي يؤدي إلى التقسيم وعدم الاستقرار.
تعليقا على دلالات خطاب "حميدتي" وتوقيته، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي عامر حسن أن قائد الدعم السريع يحاول معالجة عدة قضايا من خلال ظهور وسط قواته، أبرزها أنه لا يزال حيا وقادرا على الحركة وإدارة شؤون قواته، في رد ضمني على المعلومات التي راجت بسبب طول اختفائه.
ويوضح أن قوات الدعم السريع تلقت هزائم قاسية خلال المعارك في ولايات كردفان وخسرت عددا كبيرا من قادتها الميدانيين ومقاتليها وعجزت عن تعويضهم، وتنامى السخط من إهمال الجرحى، لذلك يحاول "حميدتي" بث الروح المعنوية وسط قواته واستقطاب مقاتلين جددا.
خيارات محدودةكما يسعى -برأي الخبير حسن- إلى تقديم نفسه بوجه جديد وفك الحصار الخارجي بسبب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قواته، لكنه وجه رسالة متناقضة للقاهرة بالدعوة الى الحوار معها، غير أن تهديده بالهجوم على الولاية الشمالية المتاخمة للحدود المصرية يقلق القاهرة لأنه يؤدي لنشر الفوضى بالحدود وإغلاق طرق التجارة ويوقف انسياب السلع السودانية لمصر.
ووفقا له، فإن تهديد "حميدتي" بالهجوم على شمال السودان للمرة الثانية ليس جديا وإنما محاولة تكتيكية لشد الجيش شمالا، وصرفه عن المعارك الجارية في ولايات كردفان غربا لأنه في حال تجاوزها فإن هذه القوات ستحاصر في دارفور.
ويسعى "حميدتي" أيضا بظهوره إلى معالجة تعثر تشكيل الحكومة الموازية في مواقع سيطرته بعد فشل أخيه ونائبه في القوات عبد الرحيم دقلو الذي يقود المفاوضات مع حلفائهم في كيان تحالف السودان التأسيسي "تأسيس"، وتصاعد الخلافات بينهم، حسب الخبير الأمني حسن.
أما الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم صديق فيقول للجزيرة نت إن عمليات الجيش خلال الفترة السابقة صارت أكثر دقة في "اصطياد" القادة الميدانيين للدعم السريع، مما أثار الاضطراب بين قيادات القوات وزعزع ثقتها، أو أصبحت حركتها بعيدة عن الأنظار في مناطق معزولة.
إعلانوحسب حديث الكاتب، فإن "حميدتي ظهر مختبئا، ومحاطا بقوة عسكرية لافتة، ويبدو وجهه أكثر دعة (راحة)"، مما يرجح أنه ليس في ميدان القتال.
ويعتقد أن القوة التي خاطبها "حميدتي" هدفها مهاجمة ولايتي نهر النيل والشمالية لإرباك المشهد، مع انشغالات القيادة السياسية وقادة الحركات المسلحة باقتسام السلطة. وعدّه "رجلا مغامرا يبحث عند مجد طار من يديه وباتت الخيارات أمامه محدودة، وستكون محاولة عسكرية يائسة".