الصين تهيمن على صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.. لماذا؟
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
مع ازدياد الوعي البيئي والضغوط للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تبرز السيارات الكهربائية بصفتها بديلا مستداما للسيارات التي تعمل بالوقود.
وتلعب بطاريات السيارات الكهربائية دورا محوريا في هذا التحول، إذ تعد العنصر الأساسي الذي يمد هذه المركبات بالطاقة اللازمة لتشغيلها.
وتتميز هذه البطاريات بمزايا عديدة، مثل تقليل الانبعاثات الضارة وتعزيز الاستدامة وتحسين كفاءة الطاقة وتقليل الضوضاء وتطوير التكنولوجيا.
إذا أردنا تعريف البطارية بطريقة مبسطة فإنها عبارة عن جهاز تخزين طاقة قابل لإعادة الشحن مصمم خصيصا لتشغيل السيارات الكهربائية. وتعد البطارية بمثابة المصدر الأساسي للطاقة التي تدفع السيارة عن طريق توفير الكهرباء للمحرك الكهربائي.
وتلعب هذه البطاريات دورا محوريا في التحول إلى النقل المستدام، حيث تُمكن المركبات من العمل دون الاعتماد على محركات الاحتراق الداخلي التقليدية.
وتتكون بطاريات السيارات الكهربائية عادة من خلايا الليثيوم أيون نظرا لكثافة الطاقة العالية وكفاءتها ووزنها الخفيف نسبيا. وتخزن هذه الخلايا الطاقة الكهربائية من خلال تفاعل كيميائي بين الكاثود والأنود والإلكتروليت داخل البطارية.
وعندما تكون السيارة قيد الاستخدام، تتحول الطاقة المخزنة إلى كهرباء، والتي تُشغل بدورها المحرك الكهربائي، مما يؤدي إلى تسارع سلس وخال من الانبعاثات.
الريادة العالميةيسيطر أكبر اقتصاد في آسيا على إنتاج البطاريات، مما يجعل شركات صناعة السيارات العالمية تعتمد على الشركاء الصينيين. وتورد شركات تصنيع البطاريات في الصين نحو 80% من الخلايا في جميع أنحاء العالم، بدعم من سلسلة التعدين والمعالجة.
وفي بداية عام 2023 أرسلت شركة تصنيع السيارات الألمانية "فولكس فاغن" ما يقرب من 300 موظف إلى شركة تصنيع البطاريات الصينية "غوتيون" للتعرف على تصنيع البطاريات، بدءا من أساسيات التركيب الكيميائي للبطارية، وحتى تجميع حزمة البطارية.
ويُجري موظفو "فولكس فاغن" مثل هذه الرحلات التعليمية منذ عام 2021 عندما بدأت الشركة الألمانية الاستثمار في "غوتيون" وأصبحت فيما بعد أكبر مستثمر فيها.
وتشير حقيقة أن "فولكس فاغن" -وهي شركة تصنيع سيارات تتمتع بخبرة قرن من الزمان- تحتاج إلى التعلم من شركة تصنيع البطاريات الصينية؛ إلى أن الصين في طليعة قطاع الطاقة الجديد في جميع أنحاء العالم.
لا شك في أن الصين تخطو خطوات كبيرة في مجال بطاريات السيارات الكهربائية، إذ تهمين البلاد على القطاع السريع النمو المدفوع بتحول الدول نحو السيارات الكهربائية.
وتعد البطارية بمنزلة الجزء الأكثر كلفة في السيارة الكهربائية، وهو الجزء الذي تهيمن عليه الصين عالميا. كما أن البطارية هي القلب النابض لسلسلة توريد السيارات الكهربائية التي تشمل العملية كلها، بدءا من إنتاج المواد الخام وحتى تصنيع البطاريات وإعادة تدويرها.
وتصل كلفة البطارية في الصين إلى 127 دولارا لكل كيلوواط ساعي على أساس متوسط الحجم المرجح، وذلك وفقا لبيانات وكالة بلومبيرغ. ويعني ذلك أن استخدام البطاريات الصينية الصنع يمكن أن يقلل بشكل كبير من الكلفة الإجمالية لمركبة الطاقة الجديدة.
وأظهرت إحصاءات شركة أبحاث السوق جاتو داينامكس أن متوسط كلفة السيارة الكهربائية في الصين يبلغ نحو 32 ألف يورو مقارنة بمتوسط قدره 56 ألف يورو في أوروبا.
ووفقا لبيانات شركة أبحاث السوق كونتر بوينت، أصبحت الصين اعتبارا من الربع الثالث من عام 2023 أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم بحصة قدرها 58%، تليها الولايات المتحدة وألمانيا.
وتوفر الشركات الصينية بطاريات رخيصة ومتقدمة، وتمتلك جزءا كبيرا من سلسلة التوريد العالمية لبطاريات السيارات الكهربائية، بدءا من استخراج المعادن النادرة والتكرير وحتى إنتاج الخلايا.
ووفقا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية في شهر يوليو/تموز 2022، فإن الصين تهيمن على سلسلة توريد بطاريات السيارات الكهربائية بعد التعدين. وتسيطر أيضا على مرحلة معالجة المواد الأساسية، مثل الغرافيت والليثيوم والنيكل والكوبالت.
وأمضت البلاد سنوات في بناء خبراتها، إذ تعالج الصين أكثر من نصف الليثيوم في العالم، وثلثي الكوبالت، وأكثر من 70% من الغرافيت، ونحو ثلث النيكل. وتستعرض الصين قوتها في مكونات الخلية، وهي الأجزاء الأربعة الرئيسية التي تعتبر ضرورية لعمل البطارية، إذ إنها تمتلك نحو 70% من القدرة الإنتاجية العالمية من الكاثود، وأكثر من 80% من الأنود، وأكثر من نصف إنتاج الإلكتروليتات.
ويعد الكاثود العنصر الأكثر أهمية، وهو الطرف الموجب للبطارية. ومن بين جميع مواد البطاريات، فإنه يعتبر الأكثر صعوبة واستهلاكا للطاقة. وتصنع الشركات الصينية معظم المكونات الأخرى للبطارية، وهي تهيمن كذلك على إنتاج الأنود، وهو الطرف السالب للبطارية. وتبيع الصين أيضا معظم الفواصل، وهي الطبقة التي تمر بين الكاثود والأنود لمنع حدوث ماس كهربائي.
كما أن هناك حاجة إلى الإلكتروليتات التي تتكون في الغالب من أملاح ومذيبات الليثيوم من أجل التوصيل، ويعتبر الصينيون هم أكبر أربعة منتجين للإلكتروليتات في العالم.
وتجتمع هذه الأجزاء معا لتكوين البطارية من نوع ليثيوم أيون، وتنفرد الصين وحدها بتصنيع مقدار 80% من الإنتاج العالمي لبطاريات السيارات الكهربائية، ومعظمها من قبل شركتين فقط، هما كاتل وبي واي دي، وشكلت الشركتان معا نحو 53% من استخدام بطاريات السيارات الكهربائية في العالم للأشهر العشرة الأولى من عام 2023، وفقا لبيانات من شركة أبحاث السوق إس إن إيه ريسيرش.
وسمحت هذه البنية التحتية التصنيعية الواسعة، إلى جانب الإعانات وغيرها من أشكال الدعم الحكومي؛ بجعل الصين موطنا لأكبر سوق للسيارات الكهربائية على وجه الأرض.
وتعد العناصر الأرضية النادرة -وهي مجموعة مكونة من 17 عنصرا- حاسمة لمحركات السيارات الكهربائية، وتستخدم السيارات الكهربائية معادن أرضية نادرة أكثر بستة أضعاف من السيارات التقليدية بسبب البطارية.
وتتقدم الصين بفارق كبير عن بقية العالم في استخراج هذه المعادن الأرضية النادرة، وتتحكم البلاد في كل خطوة من خطوات إنتاج بطاريات الليثيوم أيون، بدءا من استخراج المواد الخام من الأرض وحتى تصنيع السيارات.
وبالرغم من أن الصين لديها عدد قليل من المخزونات تحت الأرض من المكونات الأساسية، فإنها اتبعت إستراتيجية طويلة الأجل لتأمين الإمدادات الرخيصة والثابتة. واستحوذت الشركات الصينية على حصص في شركات التعدين في خمس قارات، وتمتلك الصين معظم مناجم الكوبالت في الكونغو التي تمتلك غالبية إمدادات العالم من هذه المادة النادرة اللازمة لصناعة النوع الأكثر شيوعا من البطاريات.
ونتيجة لذلك، تسيطر الصين على 41% من تعدين الكوبالت في العالم، والجزء الأكبر من تعدين الليثيوم الذي يحمل الشحنة الكهربائية للبطارية.
وعلى الرغم من أن الإمدادات العالمية من النيكل والمنغنيز والغرافيت أكبر بكثير ولا تستخدم البطاريات إلا في جزء صغير، فإن إمدادات الصين الثابتة من هذه المعادن لا تزال تمنحها ميزة.
وتساعد استثمارات الصين في إندونيسيا على أن تصبح أكبر متحكم في النيكل بحلول عام 2027، كما تستخرج الصين الجزء الكبير من الغرافيت، إلى جانب المعادن الأرضية النادرة والكوبالت والليثيوم، وهي المواد الخام المهمة لبطاريات السيارات الكهربائية.
العوامل التي ساهمت في الهيمنة الصينيةالاستثمار الحكومي: استثمرت الحكومة الصينية بكثافة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وساعد هذا الاستثمار في تطوير تقنيات جديدة وتحسين البنية التحتية لصناعة البطاريات، وقدمت الحكومة الصينية حوافز مالية للشركات التي تصنع أو تستخدم بطاريات السيارات الكهربائية.
التحكم في سلسلة التوريد: تسيطر الصين على العديد من المواد الخام الأساسية لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وساعد هذا التحكم في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة قدرتها على التنافس.
وجود قاعدة تصنيعية قوية: تمتلك الصين قاعدة تصنيعية قوية تمكنها من إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بكميات كبيرة، وساعدت هذه القاعدة التصنيعية الصين في تلبية الطلب المتزايد على بطاريات السيارات الكهربائية.
البحث والتطوير: تركز الصين بشكل كبير على البحث والتطوير في مجال بطاريات السيارات الكهربائية، وساعد هذا التركيز في تطوير تقنيات جديدة وتحسين أداء بطاريات السيارات الكهربائية.
قلة المنافسة: لا يوجد الكثير من الشركات التي تنافس الصين في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وساعدت قلة المنافسة في استحواذ الصين على حصة كبيرة من السوق.
الإستراتيجية الطويلة المدى: تخطط الصين لتصبح رائدة عالمية في صناعة السيارات الكهربائية، وساعدت هذه الإستراتيجية الطويلة المدى في التركيز على البحث والتطوير والاستثمار في البنية التحتية.
الاستفادة من التكنولوجيا: استفادت الصين من التكنولوجيا الحديثة لتحسين كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف، وساعد ذلك في أن تصبح الصين أكثر قدرة على التنافس في السوق العالمية.
تعتمد العديد من الدول على الصين في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، مما يثير المخاوف لدى خصوم الصين من استخدام هذه السيطرة لأغراض سياسية أو اقتصادية، ويهدد بتعطيل سلسلة التوريد العالمية.
ولا يوجد الكثير من الشركات التي تنافس الصين في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، مما قد يعوق الابتكار ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، كما أن قلة المنافسة تؤدي إلى تهميش الشركات الناشئة التي تطور تقنيات جديدة.
وتسيطر الصين على العديد من المواد الخام الأساسية لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية مثل الليثيوم والكوبالت، وقد تؤدي هذه السيطرة إلى احتكار هذه المعادن ورفع أسعارها، مما يؤثر في كلفة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.
وتعد عملية استخراج بعض المواد الخام المستخدمة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية مسببة للتلوث البيئي، وقد تساهم هيمنة الصين على هذه المواد في تفاقم هذه المشكلة، مما يهدد إمكانية تحقيق أهداف الاستدامة.
وتوجد مخاوف من استغلال العمال في مناجم استخراج المواد الخام المستخدمة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، وقد تؤدي هيمنة الصين على هذه المواد إلى تفاقم هذه المشكلة، مما يهدد بانتهاكات لحقوق الإنسان.
ولمواجهة هذه التحديات يجب تنويع سلسلة إمداد بطاريات السيارات الكهربائية عبر الاستثمار في استخراج المواد الخام في دول أخرى وتطوير تقنيات جديدة لا تعتمد على المواد الخام التي تسيطر عليها الصين. كما يجب دعم المنافسة عبر تقديم حوافز للشركات الناشئة التي تطور تقنيات جديدة لبطاريات السيارات الكهربائية ووضع قوانين تعزز المنافسة في السوق.
ويساعد وضع معايير عالمية لبطاريات السيارات الكهربائية في تقليل هذه المخاوف، إلى جانب تبادل الخبرات والتكنولوجيا بين الدول.
ويلعب الاستثمار في التقنيات الجديدة دورا هاما في تقليل الهيمنة الصينية، إذ ينبغي تطوير تقنيات جديدة لبطاريات السيارات الكهربائية أكثر كفاءة وأقل كلفة، بالإضافة إلى الاستثمار في تقنيات إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية.
تستطيع الدول تنويع سلسلة إمداد بطاريات السيارات الكهربائية من خلال الاستثمار في استخراج المواد الخام في دول أخرى، إلى جانب تطوير تقنيات جديدة لا تعتمد على المواد الخام التي تسيطر عليها الصين. كما أن هناك فرصة للاستثمار في تقنيات جديدة لبطاريات السيارات الكهربائية من خلال تطوير تقنيات جديدة أكثر كفاءة وأقل كلفة، إلى جانب الاستثمار في تقنيات إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية.
ويتيح الوضع الحالي فرص عمل جديدة في مجال تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، إذ تستطيع الدول الاستثمار في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية بعيدا عن الصين، إلى جانب إيجاد فرص عمل جديدة في مجال البحث والتطوير والتصنيع والتسويق.
ويساعد وضع معايير عالمية لبطاريات السيارات الكهربائية من فرصة التعاون الدولي في هذا المجال، إذ يمكن وضع معايير عالمية لبطاريات السيارات الكهربائية لضمان جودتها وسلامتها، إلى جانب إمكانية تبادل الخبرات والتكنولوجيا بين الدول.
وتستطيع الدول دعم الشركات الناشئة التي تطور تقنيات جديدة لبطاريات السيارات الكهربائية من خلال الحوافز والمكافآت والإعفاءات، بالإضافة إلى وضع قوانين تعزز المنافسة في السوق.
وفي الختام تعد بطاريات السيارات الكهربائية عنصرا أساسيا في صناعة السيارات المستقبلية، وتمثل الهيمنة الصينية على هذا العنصر ظاهرة معقدة لها تأثيرات إيجابية وسلبية في صناعة السيارات العالمية.
ومع ازدياد الاعتماد على السيارات الكهربائية، يزداد الطلب على بطارياتها، مما يشكل تحديا كبيرا لصناعة السيارات، إذ تساهم هذه البطاريات في تقليل الانبعاثات الضارة، وتعزيز الاستدامة، وتطوير التكنولوجيا، وتنوع الاستخدامات.
وتتطلب صناعة السيارات الكهربائية تعاونا دوليا لضمان مستقبل مستدام من خلال الاستثمار في تقنيات جديدة وتنويع سلسلة إمداد بطاريات السيارات الكهربائية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تطویر تقنیات جدیدة الکهربائیة من خلال البطاریات الصینیة الأرضیة النادرة البحث والتطویر صناعة السیارات الکهربائیة فی اللیثیوم أیون الاستثمار فی فولکس فاغن شرکة تصنیع فی تقنیات الصین على العدید من فی العالم إلى جانب فی صناعة الصین فی أکثر من فی مجال بدءا من کما أن
إقرأ أيضاً:
ما المساعدات التي دخلت قطاع غزة؟ ومن المستفيد منها؟
غزة- أعلن الجيش الإسرائيلي، أول أمس السبت، أنه بدأ بتوجيهات من المستوى السياسي سلسلة عمليات لتحسين الاستجابة الإنسانية في قطاع غزة، بإسقاط المساعدات من الجو وتحديد ممرات إنسانية يسمح عبرها لقوافل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتحرك الآمن بغرض إدخال المواد الغذائية والأدوية.
ويأتي الإعلان الإسرائيلي مع اشتداد التجويع الذي يعصف بأكثر من مليوني فلسطيني في غزة بعد مرور 5 أشهر على إغلاق إسرائيل المحكم لمعابر القطاع، ومنع دخول إمدادات الغذاء والدواء.
وتجيب الأسئلة التالية على تفاصيل التجويع التي يعيشها سكان غزة، وآليات إدخال المساعدات التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكميات المواد الغذائية التي يحتاجها القطاع يوميا.
كيف تعمقت المجاعة في قطاع غزة؟
منذ 2 مارس/آذار الماضي، أغلق الاحتلال الإسرائيلي جميع معابر قطاع غزة منقلبا بذلك على اتفاق التهدئة الموقع في 18 يناير/كانون الثاني، والذي نص على إدخال 600 شاحنة مساعدات و50 شاحنة وقود يوميا إلى قطاع غزة.
ومنذ ذلك الحين، اعتمد سكان القطاع على المواد الغذائية التي كانت لديهم، والتي بدأت تنفد تدريجيا من الأسواق، حتى انتشر التجويع بين السكان وظهرت عليهم علامات وأمراض سوء التغذية سيما مع نقص المواد الأساسية من مشتقات الحليب واللحوم والدواجن والخضراوات، كما طال المنع الأدوية ومستلزمات النظافة الشخصية.
وأدى التجويع إلى وفاة 133 فلسطينيا، بينهم 87 طفلا، حسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة، بعدما منع الاحتلال منذ ذلك الوقت -وحتى الآن- إدخال أكثر من 80 ألف شاحنة مساعدات ووقود.
كيف عادت المساعدات إلى غزة؟في 27 مايو/أيار الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتماد آلية جديدة لتوزيع المساعدات تعتمد على "مؤسسة غزة الإنسانية" الممولة أميركيا ويديرها ضباط خدموا في الجيش الأميركي، وافتتحت نقطة توزيع في المناطق الغربية لـرفح التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ومن ثم أقيمت نقطة أخرى في ذات المدينة، وبعدها نقطة ثالثة في محور نتساريم وسط قطاع غزة الخاضع لسيطرة جيش الاحتلال أيضا.
إعلانوأبقت المساعدات الأميركية سكان غزة في دوامة المجاعة، ولم تحدث تغييرا على واقعهم المعيشي الصعب لعدة أسباب:
تقام نقاط التوزيع في مناطق خطيرة "مصنفة حمراء" ويسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. لا يوجد آلية معتمدة بتوزيع المساعدات، ويغيب أي قاعدة بيانات للقائمين عليها، وتترك المجال للجوعى للتدافع والحصول على ما يمكنهم، دون عدالة في التوزيع. يضع القائمون على هذه المراكز كميات محدودة جدا من المساعدات لا تكفي لمئات الأسر الفلسطينية، وتبقي معظم سكان القطاع بدون طعام. ساهمت مراكز التوزيع الأميركية بنشر الفوضى وتشكيل عصابات للسطو عليها ومنع وصول المواطنين إليها. يتعمد الجيش الإسرائيلي إطلاق النار على الذين اضطروا بسبب الجوع للوصول إلى هذه المراكز، مما أدى لاستشهاد أكثر من 1100 فلسطيني من منتظري المساعدات، وأصيب 7207 آخرون، وفقد 45 شخصا منذ إنشائها، حسب وزارة الصحة بغزة. أغلقت المؤسسة الأميركية نقطتي توزيع خلال الأيام الماضية، وأبقت على واحدة فقط غربي رفح، مما فاقم أزمة الجوع.
وفي 28 مايو/أيار الماضي، أعلن جيش الاحتلال أنه سيسمح بإدخال المساعدات إلى غزة عبر المعابر البرية التي يسيطر عليها، وذلك عقب الاتفاق بين أميركا وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) القاضي بإطلاق سراح الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر مقابل السماح بتدفق المساعدات للقطاع.
ومنذ ذلك الحين، لم يلتزم جيش الاحتلال بالاتفاق، وسمح بمرور غير منتظم وبعدد شاحنات محدود جدا عبر معبر كرم أبو سالم جنوب شرق قطاع غزة، ومنفذ زيكيم شمال غرب القطاع، ومحور نتساريم وسط غزة، لكن الاحتلال:
يرفض وصول المساعدات إلى المخازن، ويمنع توزيعها عبر المؤسسات الدولية. يستهدف عناصر تأمين المساعدات بشكل مباشر، مما أدى لاستشهاد 777 شخصا، واستهداف 121 قافلة مساعدات منذ بداية الحرب. يريد البقاء على حالة الفوضى واعتماد المواطنين على أنفسهم في التدافع للحصول على القليل من الطعام، وفي معظم الأحيان يفشلون في ذلك. يستدرج المواطنين لمصايد الموت، ويطلق النار عليهم.بعد ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة وقف تجويع سكان قطاع غزة والضغط الذي مارسته المؤسسات الدولية، والتحرك الشعبي سواء العربي أو الأوروبي الرافض لمنع دخول المواد الغذائية، أعلن الجيش الإسرائيلي، أول أمس السبت، السماح بإدخال المساعدات بما فيها تلك العالقة على الجهة المصرية من معبر رفح والسماح بمرورها عبر معبر كرم أبو سالم.
ورغم أن الاحتلال حاول إظهار أنه سمح لتدفق المساعدات بكميات كبيرة، إلا أن قراره جاء لامتصاص الغضب المتصاعد، وذلك ما تؤكده الكميات المحدودة جدا التي سمح بإدخالها إلى قطاع غزة، أمس، واقتصرت على 73 شاحنة فقط دخلت من معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، ومنفذ زيكيم شماله، و3 عمليات إنزال جوي فقط بما يعادل أقل من حمولة شاحنتين.
من يستفيد من المساعدات الواردة لغزة؟مع رفض الاحتلال الإسرائيلي عمليات تأمين وصول المساعدات إلى مخازن المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة، وتعمده إظهار مشاهد الفوضى بين الفلسطينيين، يتجمع مئات الآلاف من المواطنين يوميا أمام المنافذ البرية التي تدخل منها المساعدات، وكذلك مراكز التوزيع الأميركية رغم خطورة ذلك على حياتهم، ويتدافعون بقوة على أمل الحصول على أي من المساعدات الواردة، ويضطرون لقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام في سبيل ذلك.
إعلانوأفرزت هذه الحالة التي يعززها الاحتلال الإسرائيلي ظهور عصابات للسطو على المساعدات وبيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة.
تُقدر الجهات المختصة حاجة قطاع غزة من المساعدات بـ600 شاحنة يوميا، و500 ألف كيس طحين أسبوعيا، و250 ألف علبة حليب شهريا للأطفال لإنقاذ حياة 100 ألف رضيع دون العامين، بينهم 40 ألفا تقل أعمارهم عن عام واحد، مع ضرورة السماح بتأمينها ووصولها للمؤسسات الدولية بهدف توزيعها بعدالة على سكان القطاع، والسماح بإدخال البضائع للقطاع الخاص التي توفر جميع المواد والسلع التي يحتاجها الفلسطينيون يوميا.