د. عبد المنعم مختار

استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

يجب الاعتراف بأن الشراكة المدنية-العسكرية عقب ثورة ديسمبر المجيدة كانت بقيادة العسكريين، وليس المدنيين، منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية وحتى انقلاب اكتوبر ٢٠٢١ وتحولت لشراكة عسكرية-عسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع من جانب والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام منذ الانقلاب وحتى اندلاع حرب ابريل ٢٠٢٣.



اسهمت الشراكة المدنية-العسكرية بقيادة شكلية للمدنيين في تسويق الانتقال دوليا مما قاد لإزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب ولرفع معظم العقوبات الدولية ولفتح ابواب المساعدات الاقتصادية والاعفاء من الديون. لكن قيادة العسكريين لجل ملفات السلام وبعض ملفات العلاقات الخارجية الحيوية واحتكارهم وتوظيفهم لملف الأمن الداخلي واحتكارهم لأضخم القطاعات الاقتصادية المدنية، كمجموعة شركات زادنا، وتدخلاتهم في معظم السياسات المدنية، جعل الحديث عن قيادة مدنية للشراكة المدنية-العسكرية منافيا للوقائع على الأرض.

الشراكة المدنية-العسكرية بين الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري

يعد الاتفاق الإطاري تطويرا نظريا للوثيقة الدستورية لصالح السيطرة المدنية على الشراكة المدنية-العسكرية. على عكس الوثيقة الدستورية، ابعد الاتفاق الإطاري العسكريين من تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي ومجلس الوزراء الانتقالي ونص على مدنية مجلس السيادة وابتدر آلية مدنية لاختيار رئيس القضاء والنائب العام ونوابهم وعضوية المحكمة الدستورية. ولكن الاتفاق الإطاري أشرك العسكريين، تحديدا الجيش وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق الإطاري، مع القوى المدنية في اختيار رئيس الوزراء الانتقالي ومجلس السيادة المدني مما يفتح الباب لتدخل العسكريين في اختيار عضوية هاتين المؤسستين، وان كانت مدنية.

الخلافات المدنية-المدنية حول الشراكة المدنية-العسكرية

لا شك أن أهم نقاط الاختلاف، بل والصراع، بين قوى الحرية والتغيير من ناحية وقوى التغيير الجذري ولجان المقاومة من ناحية أخرى كانت حول رفض أو قبول الشراكة المدنية-العسكرية. وتراوح الخلاف بين رفض لكل أشكال الشراكة ورفض الشراكة مع اللجنة الأمنية للنظام البائد.

تتفق القوى المدنية ذات المصلحة في الانتقال الديموقراطي في موقفها المناهض للحرب وترفع من أجل ذلك شعار لا للحرب.

اذا توافقت القوى المدنية على ابعاد العسكريين من الانتقال القادم بعد وقف الحرب فسيمهد ذلك الطريق لوحدة مطلوبة بينها وعندها سيكون الشعار المصاحب ل "لا للحرب" هو "لا للعسكر".

العلاقات المدنية-العسكرية بعد وقف الحرب وضرورة ابعاد العسكر من الانتقال القادم

إقتتال الشركاء العسكريين دليل كاف على عجزهم عن إدارة العلاقات العسكرية-العسكربة ناهيك عن الحكم الرشيد للمدنيين. تسبب تقويض الجيش وقوات الدعم السريع للأمن القومي، الذي هو أمن المواطن في المقام الأول، باشعال والاستمرار في حرب أهلية تسببت خلال عامها الأول في قتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين وارتكاب مئات الآلاف من الجرائم الأخرى في حق المدنيين، وتكبيد البلاد لخسائر بعشرات المليارات من الدولارات.

اهم الدروس المستفادة من الحرب الجارية وما سبقها في الانتقال هي عدم تأهيل العسكريين لإدارة العلاقات العسكرية-العسكرية (والدليل هو الحرب) وعدم قدرتهم على ادارة علاقات مدنية-عسكرية بقيادة مدنية (والدليل هو الانقلاب العسكري). لذا هناك ضرورة قصوى لإبعاد العسكريين من قيادة الانتقال القادم ورفض أي شراكة معهم في الحكم مستقبلا، بل وإخضاع شئونهم العسكرية للسيطرة المدنية، فقرار الحرب لا يمكن أن يترك مرة أخرى للجنرالات.

أن ابعاد العسكريين من الانتقال القادم ضرورة ولكنها ايضا مهمة صعبة ومعقدة ويمكن أن لا تتم. لذا يجب توحد اكبر قدر من القوى المدنية الحديثة والتقليدية حولها والعمل بقوة ومثابرة لتحقيقها. ويمكن لسلاح المقاطعة المدنية لاي انتقال مستقبلي يحوي شراكة عسكرية ان يكون احد الآليات.

فترة انتقالية تأسيسية طويلة بشرعية انتخابية خالية من المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وخطة عمل متوافق عليها

وفي المقال القادم سنعرض بتفصيل أكثر لمقترحنا التالي حول الانتقال القادم والذي يمكن اجماله في ثلاثة مراحل:

1. مرحلة ما قبل الفترة الانتقالية: وتهدف لوقف الحرب واغاثة المدنيين والبدء في إعادة الإعمار وتدشين الاصلاح العسكري والامني بفصل القوات وأبعادها من المدن والسيطرة المدنية على الأسلحة الثقيلة والطيران العسكري والتوافق على خطة عمل (أو خطتي عمل متنافستين في الانتخابات) الفترة الانتقالية التأسيسية الطويلة والتجهيز للانتخابات المبكرة. يمكن لهذه الفترة أن تمتد لعام ونصف.
2. انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة وتشمل كل القوى المدنية والواجهات المدنية للحركات المسلحة ويبعد منها بحسم وعزم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وكل واجهاتهم وقياداتهم القائمة والمستحدثة بآليات قانونية وسياسية وامنية فعالة. ويمكن استخدام التصويت الالكتروني عبر منصات الانترنت الآمنة في المناطق النائية.
3. فترة انتقالية تأسيسية طويلة تمتد لعشرة سنوات وتهدف ل (أ) اكمال السلام وتوحيد الجيوش وتقليصها وابعادها من السياسة والاقتصاد والجغرافيا المدنية تحت إشراف وسيطرة المدنيين خلال عشرة سنوات (ب) تنفيذ خطة إعادة إعمار وتنمية عشرية تركز على الأقاليم الأقل نموا والاكثر تأثرا بالحرب و (ج) ازالة التمكين وتحقيق العدالة والعدالة الانتقالية والبدء في مصالحات مجتمعية قاعدية وتوافقات على عقد اجتماعي جديد ونظام فيدرالي وديمقراطي مناسب لواقع المجتمعات السودانية

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الاتفاق الإطاری الانتقال القادم القوى المدنیة العسکریین من

إقرأ أيضاً:

المبادرة المطلوبة من الرئيس ترامب لإنهاء حرب السودان

(1) وهل تحررت أمريكا والسعودية من الأدوار الخبيثة في حرب آل دقلو ضد الدولة السودانية؟
ما هي التأثيرات الداخلية والاقليمية والدولية في حال سقوط الدولة السودانية في سيناريو الفوضى الخلاقة أو آل الحكم فيها لعصابة آل دقلو الارهابية؟

لقد تبدى لكل المجتمع السوداني إن مشروع مليشيا آل دقلو الثقافي والسياسي يحمل في جيناته الافكار العنصرية والنازية التي أججت النزعات الهوياتية وأشعلت صراع القوميات في أوربا والذي تطور الى الحرب العالمية الأولى والثانية بكل مآسيهما ومخازيهما على الانسانية والطبيعة والاقتصاد وإن تغلبت المليشيا المجرمة على الجيش الوطني سيتدحرج السودان في صراع الهويات القاتلة وحرب الكل ضد الكل والتفكك الى كانتونات جهوية متناحرة. لذلك فإن الشعب السوداني يخوض مع قواته المسلحة حرب وجودية تستهدف اجتثاثه من أرضه وهويته وثقافته ونهب موارده.

فلا غرو أن رفع هذا الشعب الواعي والجسور شعار . قسما نغلظه لن نبارح معركة الكرامة إلا بعز النصر أو نصر الشهادة.
(2)
أما التأثيرات الإقليمية والدولية في حال تدحرج السودان في سيناريو الفوضى أو دان الحكم فيه لعصابة آل دقلو تتبدى في نزوع العنصري حميدتي الى تصدير نموذج دولة إثنية العطاوة البدوية في الحكم الى تشاد وإفريقيا الوسطى وستمتد نزعاته العنصرية الى دعم سيطرة الإثنيات العربية البدوية على الحكم في النيجر ومالي وغانا مما يؤدي الى تغذية الحروبات الهوياتية والأهلية في كل دول الساحل الافريقي ذات الهشاشة الاثنية والأمنية. كذلك فإن إشاعة الفوضى الخلاقة في السودان سيغذي الصراعات العرقية واستفحال الحرب الأهلية في جنوب السودان وانهيار الدولة.وسيمتد صراع الهويات القاتلة الى منطقة البحيرات. والى اثيوبيا وارتريا وأبي أحمد يتأهب لخوض حرب بالوكالة للسيطرة على الموانيء البحرية الارترية.
(3)

كذلك ستؤدي حالة الفوضى والسيولة الامنية والمجتمعية في السودان ودول الجوار الى تكاثف موجات الهجرات غير الشرعية من الدول الافريقية الى دول الشرق الاوسط وأوربا . وستعيد خلايا الحركات الارهابية النائمة في المنطقة نشاطها العابر للحدود ، والفكر الإرهابي ينشط في بيئة الدول الفاشلة بالتالي ستعم حالة الفوضى الخلاقة في كل منطقة القرن الافريقي والمحيط الهندي حيث تعبر يوميا 20% من حركة التجارة العالمية مما سيؤدي الى اضطراب في الاقتصاد العالمي والذي يعاني من متلازمة الركود وشح الانتاج والانتاجية نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية. وسينعكس ذلك في تفاقم الخلخلة السكانية وحرب الكل ضد الكل في القارة الافريقية مما سيؤدي الى انهيار المشاريع الاستثمارية ورؤوس الاموال التي ضختها الدول الكبرى في اقتصاديات القارة الافريقية.
(4)
إن هذه المآلات الكارثية تؤكد أن سيطرة عصابة آل دقلو على السودان. أو إنزلاقه في أتون الفوضى الشاملة . أو إبرام تسوية سياسية تعيد إنتاج وتدوير المليشيا في مؤسسات الحكم والدولة السودانية يعني انفجار الحرب مرة أخرى بصورة أشد ضراوة ودموية في المستقبل مما يمثل تهديد وجودي مستمر للدولة السودانية. وتهديد للسلم والأمن الاقليمي والدولي .وإن كان ذلك كذلك فما المطلوب من مبادرة الرئيس الامريكي ترامب لإنهاء الحرب في السودان ؟؟
إن المطلوب هو تصنيف عصابة آل دقلو منظمة إرهابية، والضغط على المجرم محمد زايد لايقاف تمويل المليشيا بالمرتزقة والاموال والسلاح، والضغط على دول الجوار تشاد وافريقيا الوسطى وجنوب السودان، وخليفة حفتر لوقف عبور الدعم الاماراتي عبر حدودهم. ودعم القوات المسلحة السودانية بالمال والسلاح واللوجستيات لتؤدي مهامها وأدوارها الطليعية في صيانة الامن الداخلي والاقليمي والدولي حتى القضاء الناجز على المليشيا الارهابية أو استسلامها . وعندها سيدرك الشعب السوداني أن الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية تحررتا من الأدوار الخبيثة في حرب 15 ابريل 2023 الى الأدوار الحميدة.
(5)
حتى (بعد) أن يستبين الخيط الأبيض من الأسود في مبادرة الرئيس دونالد ترامب على الدبلوماسية الرسمية والشعبية السودانية الاستمرار في حراك التواصل وتنوير الدول والشعوب الحرة بأبعاد المؤامرة الاقليمية والدولية على الدولة السودانية. وعلى القيادة العليا نسج منوال التحالفات والشراكات مع الدول الداعمة للسودان في معركة الكرامة . وكذلك على المقاومة الشعبية الاستمرار في فتح وتمويل معسكرات التدريب القتالي في كل القرى والمدن والمحليات والولايات وتجييش كل المجتمع للقتال كتفا بكتف مع الجيش السوداني في معركة الشرف الوطني حتى التحرير الشامل وإعادة التعمير. وما حك جلدك مثل ظفرك، والجمرة بتحرق الواطيها.
عثمان جلال الدين
عثمان جلال

الجمعة: 2025/11/28

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/01 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة أبرز قيادات المليشيا المتبقية هم (..)2025/12/01 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كوشة العالم..)2025/12/01 إبراهيم شقلاوي يكتب: البرهان يستخدم تكتيكاً جديداً2025/12/01 د. حسن محمد صالح يكتب: صدمة ثانية تتعرض لها ثمود2025/12/01 عشوائية و غياب2025/11/30 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كوشة العالم واللغة)2025/11/30شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات إبراهيم شقلاوي يكتب: أمن المعلومات واستراتيجية إعادة البناء 2025/11/30

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • تدخل ترامب في السودان سلاحٌ ذو حدّين
  • عاجل: إتاحة المساعدات وعملية سياسية مدنية.. أبرز بنود مقترح أمريكا بشأن السودان
  • وزير الدفاع: "إيديكس 2025" يعكس صورة القوة الحديثة لمصر وقدراتها العسكرية المتطورة
  • المبادرة المطلوبة من الرئيس ترامب لإنهاء حرب السودان
  • السودان ومصر.. من الألفة إلى الشراكة الاستراتيجية
  • وزير خارجية بولندا: نرغب في إنهاء عادل للحرب وبحدود آمنة لأوكرانيا
  • إيران تعيد بناء ترسانتها العسكرية بعد الحرب الإسرائيلية بدعم روسى
  • النفوذ التقليدي يبتلع القوائم المدنية وتراجع التشرينيين في مواجهة منظومات النفوذ
  • سفير طوكيو لدى الخرطوم: المجتمع السوداني تعرض لهزات كبيرة تحتاج إلى معالجة طويلة المدى
  • كيف استمر نهب الأراضي بعد إجهاض ثورة ديسمبر؟