نجاة عبد الرحمن تكتب: 30 يونيو.. استرداد الوطن وفتح الأبواب أمام ذوي القدرات الخاصة
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
في تاريخ الأمم، هناك لحظات فاصلة لا تُنسى.. لحظات يخرج فيها الشعب ليقول كلمته، ليسترد روحه، وهويته، ومستقبله. هكذا كانت ثورة 30 يونيو 2013، صوت الملايين الذين نزلوا إلى الشوارع لا بحثًا عن الخبز فقط، بل عن الكرامة، والعدل، والهوية التي كادت أن تُمحى.
في ذلك اليوم، لم يكن المصريون يثورون فقط على جماعة أو نظام سياسي، بل كانوا يدافعون عن فكرة الوطن نفسها، عن حضارة سبعة آلاف عام كادت تُختطف على يد من لا يؤمنون بالعلم، ولا يعرفون قيمة الفن، ولا يدركون معنى الإنسانية.
لكن حين نتحدث عن الكرامة، لا يجب أن ننسى شريحة من أبناء الوطن ظلت لسنوات طويلة خارج دائرة الاهتمام: أصحاب القدرات الخاصة. تلك الفئة التي لطالما صرخ أبناؤها وأهاليهم في صمت، يطلبون فقط ما هو حقهم: أن يُنظر إليهم كبشر، كمواطنين، كأصحاب حق في العيش، والتعلم، والعمل، والمشاركة.
30 يونيو لم تكن فقط ثورة على حكمٍ قمعي أو مشروعٍ ظلامي، بل كانت إعلانًا جديدًا عن أن مصر لكل المصريين. ومنذ تلك اللحظة، بدأ وعي الدولة والمجتمع يتغير تجاه أصحاب القدرات الخاصة. شيئًا فشيئًا، لم يعودوا مجرد ملف مهمل في الأدراج، بل صاروا جزءًا من الحلم، ومن خطة البناء.
لقد بدأت الدولة المصرية، بعد الثورة، في اتخاذ خطوات ملموسة لتكريم وتمكين أصحاب القدرات الخاصة:
صدرت قوانين وتشريعات تضمن لهم الحق في التعليم، والعمل، والحماية من التمييز.
أعلنت القيادة السياسية عام 2018 "عام أصحاب القدرات الخاصة"، في رسالة واضحة أن مصر الجديدة لا تترك أحدًا خلفها.
وُفرت برامج تدريب وتأهيل، وأُطلقت مبادرات لدمجهم في المجتمع، ولإزالة النظرة النمطية عنهم.
هذه الخطوات لم تكن شكلية أو دعائية، بل كانت تعبيرًا عن تحول عميق في فلسفة الدولة الحديثة: أن القوة ليست في السلاح فقط، بل في رقي الإنسان. وأن العدالة لا تُقاس فقط بعدد المحاكم، بل بمدى اتساع القلب الذي يحتضن كل من يعيش على هذه الأرض.
لكن، رغم هذه الخطوات، فإن التحدي لا يزال قائمًا.. لأن الثورات الحقيقية لا تنتهي عند لحظة الانتصار في الشارع، بل تبدأ من التغيير داخل النفوس.
هل غيرنا نظرتنا لأصحاب القدرات الخاصة داخل بيوتنا؟
هل منحناهم المساحة ليتحدثوا، ليحلموا، ليقودوا؟
هل أدركنا أن أصحاب القدرات الخاصة لا يحتاجون إلى شفقة، بل إلى احترام وتمكين؟
ولأن الثورة لا تكتمل إلا حين تصبح إنسانية في جوهرها، فإن أصحاب القدرات الخاصة هم مِرآتنا الأصدق. فيهم نختبر مدى نضجنا كمجتمع، ومدى صدقنا حين نُردد شعارات العدل والمساواة.
إن الثورة التي لا تصل إلى الإنسان، لا تكتمل.
و30 يونيو كانت، في جوهرها، ثورة إنسانية، تمس القلب قبل أن تغير السلطة. كانت صرخة من كل أبٍ يرى ابنه بلا فرصة، ومن كل أمٍ تتمنى لابنتها مكانًا آمنًا في مدرسة، ومن كل شاب على كرسي متحرك يحلم بأن يكون جزءًا من فريق، أو موظفًا في شركة، أو نجمًا في سماء بلاده.
اليوم، ونحن نسترجع ذكرى الثورة، علينا أن نربط بين الوطن الذي نريد بناءه، والإنسان الذي نريد أن نكونه.
أصحاب القدرات الخاصة ليسوا "عبئًا"، بل هم كنز مصر الحقيقي. فيهم الفن، والموهبة، والإصرار، والبراءة التي تذكّرنا بجوهر الإنسان.
علينا أن نراهم كما يجب أن نرى مصر: جميلة، قوية، تستحق أن تُحَب وتُصان.
هم لا ينتظرون صدقة، بل فرصة.
لا يريدون تمييزًا، بل مساواة.
لا يطلبون أن نرفعهم على الأعناق، بل أن نمشي معهم على الأرض نفسها، بنفس الإيمان، ونفس الأمل، ونفس الأفق.
في النهاية، 30 يونيو كانت بداية الطريق، أما الغاية الحقيقية، فهي وطن يتسع للجميع، يُنصت لكل صوت، ويمنح كل إنسان الفرصة ليكون، ويحقق، ويزدهر.
وما زال على المجتمع دور كبير. فالمعركة لم تنتهِ، بل انتقلت من الشوارع إلى العقول، ومن الهتافات إلى القرارات، ومن السياسة إلى القيم.
ولا كرامة لشعبٍ يتقدم ويترك خلفه من يملك طاقة قادرة أن تغيّر وجه الحياة لو أُتيحت لها المساحة.
تحية لمن حمى الوطن.. وتحية لمن يحلم بالحق في هذا الوطن.
تحية إلى كل طفل أو طفلة تخطوا عتبة المدرسة بصعوبة، لكنهم يحلمون بالتعلم.
تحية إلى كل شابٍّ يتحدى الكراسي، والمجتمع، والسقف المنخفض.
تحية إلى كل أم مصرية لم تتخلَّ عن ابنها المختلف، بل آمنت أنه مِلكُ وطن لا يعرف المستحيل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ثورة 30 يونيو أصحاب القدرات الخاصة 30 يونيو أصحاب القدرات الخاصة
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة: يعلن افتتاح واحة الثقافة في ذكرى ثورة 30 يونيو
وزير الثقافة يعلن افتتاح واحة الثقافة في ذكرى ثورة 30 يونيو لتفتح فصلًا جديدًا في مسيرة الإبداع المصري.
رئيس الأوبرا: 37 عامًا تجملت بتاريخٍ مشرف من الفنون الجادة والريادة الثقافية
شهد الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة الاحتفاليةَ الكبرى التي أقامتها دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام بمناسبة عيدها السابع والثلاثين، وذلك بحضور السيد فوميو إيواي سفير اليابان بالقاهرة، وجمهورٍ غفير من محبي الفنون الراقية.
وفي كلمته، أعلن وزير الثقافة أن احتفال ثورة الثلاثين من يونيو القادم سيُقام من واحة الثقافة بمدينة السادس من أكتوبر التابعة لدار الأوبرا المصرية، تلك المنارة الجديدة التي تفتح فصلًا جديدًا في مسيرة الإبداع المصري.
وأكد الدكتور أحمد فؤاد هنو أن دار الأوبرا المصرية كانت ولا تزال رمزًا للقوة الناعمة، وسفيرًا دائمًا لوجه مصر الحضاري أمام العالم، مشيرًا إلى أن الأوبرا صرح أعاد لمصر مكانتها الفنية الرفيعة، ومنح جمهورها نافذةً يطلّون منها على أرقى ما في الإبداع الإنساني من موسيقى وغناء وباليه وأوبرا.
وأوضح أن دار الأوبرا المصرية، منذ افتتاحها، غدت أيقونةً ثقافية وبيتًا للفن الراقي ورسالةً متجددة تؤكد أن مصر ستظل دائمًا حاضنةً للجمال ومركزًا للحضارة. وأشار إلى أن تاريخ مصر الفني يشهد أنها كانت سبّاقة حين دشّن الخديوي إسماعيل “الأوبرا الخديوية” كأول دار أوبرا في القارة الأفريقية والعالم العربي، لتصبح منذ ذلك الحين مرآةً تُطلّ بها مصر على العالم ورسالةً حضارية تعبّر عن انفتاحها على الفنون الرفيعة.
وأضاف أن الأوبرا الخديوية، رغم رحيلها في ستينيات القرن الماضي، ظل حضورها حيًا في الذاكرة حتى تجسّد من جديد في دار الأوبرا المصرية الحديثة، التي أعادت للقاهرة نبضها الفني وصوتها العالمي.
وتوجّه الوزير بالتحية والتقدير إلى الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، صاحب فكرة إنشاء الأوبرا الجديدة، وإلى دولة اليابان الصديقة التي أسهمت في إقامة هذا المنجز الثقافي العظيم، كما ثمّن جهود كل من شارك في البناء من مهندسين وفنانين وعاملين، ولكل من تولّى رئاسة دار الأوبرا وأسهم في إثراء رسالتها وإعلاء شأنها.
وقال الوزير:"على مدى نحو عامٍ ونصف منذ تولّيت مهام وزارة الثقافة، شهدتُ هنا، على خشبة هذا المسرح وبين أروقته، لحظاتٍ غالية لا تُنسى… لحظاتٍ حفرت أثرها في القلب والذاكرة: يوم الثقافة، وتكريم المبدعين، والحاصلين على جوائز الدولة، وتلك اللحظة المفعمة بالامتنان حين وقف السير مجدي يعقوب بيننا، رمزًا للعطاء الإنساني الذي لا يعرف حدودًا.
ومن هنا أيضًا عشتُ سحر مهرجان الموسيقى العربية، وبهجة المسرح القومي والتجريبي، ووهج مهرجان القاهرة السينمائي، وبراءة المبدع الصغير، وروحانية المولد النبوي، وحماسة انتصارات أكتوبر.”
ومن جانبه، وجّه الدكتور علاء عبد السلام رئيس دار الأوبرا المصرية تحيةَ تقديرٍ لوزير الثقافة على دعمه المستمر لأنشطة وعروض الأوبرا، مؤكدًا أن الأوبرا نجحت خلال 37 عامًا في أن تكون منارةً للفنون الرفيعة وجسرًا يصل بين التراث المصري وروح المعاصرة العالمية، بفضل إيمان الدولة المصرية بأهمية الفنون في بناء الهوية الثقافية، وجهود الفنانين والعاملين وشركاء النجاح من الإعلام والجمهور المحب للفن.
وأشار إلى أن فرق الأوبرا المصرية تقدم عروضًا متنوعة من الموسيقى العربية والكلاسيكية والأوبرالية والباليه، تسهم في إعداد أجيالٍ جديدة تحمل حب الفن الراقي، كما تمتد رسالة الأوبرا إلى التعليم والتأهيل الفني من خلال مركز تنمية المواهب الذي يتيح فرصًا لاكتشاف ورعاية المبدعين الصغار.
وأكد رئيس الأوبرا أن هذا الصرح الثقافي سيواصل مسيرته نحو تقديم الأفضل، ليبقى منارةَ إشعاعٍ فني وثقافي تفخر بها مصر.
وانطلقت العروض الفنية من البهو الرئيسي، حيث قدّم كورال أطفال مركز تنمية المواهب بقيادة الدكتور محمد عبد الستار باقةً من الأغاني التراثية والمعاصرة، أعقبها على المسرح الكبير عرضٌ فني متكامل برؤيةٍ وإخراج الفنان وليد عوني، والمخرج المنفذ مهدي السيد، وتقديم الإعلامي شريف نور الدين، جسّد ثراء الفنون الراقية التي تختص بها دار الأوبرا المصرية.
وتضمّنت الفقرات عروضًا للموسيقى العربية بإشراف أماني السعيد، بقيادة المايسترو الدكتور مصطفى حلمي والمايسترو أحمد عامر، بمشاركة كورالي الموسيقى العربية وأوبرا القاهرة، ثم أوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو أحمد فرج الذي قدّم معزوفاتٍ من التراث العالمي والموسيقى المصرية الخالدة.
كما شاركت فرقة الرقص المسرحي الحديث في عرضٍ من باليه شهرزاد بتصميم وليد عوني، واختُتمت الأمسية بمشهد النصر من أوبرا عايدة للموسيقار الإيطالي فيردي، بمشاركة فرقتي أوبرا القاهرة وباليه أوبرا القاهرة وعددٍ من نجوم الأوبرا المصرية.
وتخللت الاحتفاليةَ عرض فيلمٌ وثائقي استعرض تاريخ دار الأوبرا المصرية منذ نشأتها وحتى اليوم، متضمنًا مشاهد نادرة من الأوبرا الخديوية، من إعداد استوديو المونتاج وإخراج سامر ماضي.
كما وجّهت الأوبرا الدعوة لعددٍ من أبناء جمعية قلوب الخير للمكفوفين لحضور الأمسية، تأكيدًا على دورها المجتمعي في نشر الفنون بين مختلف فئات المجتمع