تزييف ينبغي مواجهته.. هكذا يهدد الذكاء الاصطناعي الانتخابات الأميركية
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
كشف مسؤولون عن الانتخابات في الولايات المتحدة عن تخوفهم من تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي على العملية الانتخابية التي تحل في نوفمبر المقبل.
بعض هؤلاء عبروا عن درجات من القلق أن تجعل تلك الأدوات الهجوم على العملية الديمقراطية أكثر سهولة، مشددين في الوقت نفسه على حتمية البحث عن طرق لمكافحة ذلك.
ووفق ما أوردت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، يُعد العاملون في مجال الانتخابات أهدافا معرضة للخطر بشكل فريد، مع أنهم أصلا غير محددين تماما، بحيث لا يعرف أحد من هم فعلا، علما بأن معظم الأميركيين لا يزالون يثقون بمسؤولي الانتخابات على نطاق واسع.
وبحسب الصحيفة، فإن أحد التهديدات الخاصة يتمثل في انتحال شخصيات مسؤولي الانتخابات أنفسهم عبر الذكاء الاصطناعي، واستخدام ذلك لتضليل عاملين آخرين في الاستحقاق.
وعلى سبيل المثال، يمكن لسكرتير ولاية مزيف أن يدفع بتعليمات خاطئة يوم الانتخابات، مما يؤدي إلى إرباك مديري الانتخابات المحليين أو العاملين في مراكز الاقتراع وتعطيل التصويت.
أو يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي بـ"محاولة الوصول غير المصرح به إلى أنظمة مهمة" عبر محاكاة شخصية مسؤول ما، وفق الصحيفة.
وفي سياق التخوف من تأثير الذكاء الاصطناعي على العملية الانتخابية، كشف سكرتيرو الولايات الأميركية، خلال الاجتماع الشتوي للرابطة الوطنية لهم، الشهر الماضي، أنهم بدأوا بالفعل في تطبيق سيناريوهات الذكاء الاصطناعي في تدريباتهم مع المسؤولين المحليين.
وتوقع عدد منهم ظهور مخاطر محتملة بشأن معلومات خاطئة يغذيها الذكاء الاصطناعي، في خطط التواصل مع الناخبين، وفق الصحيفة.
وتوقعت سكرتيرة ولاية نيو مكسيكو، ماغي تولوز أوليفر، ظهور مقاطع فيديو مزيفة، أو سواها من المعلومات المضللة عن الانتخابات، وقالت: "أتوقع بنسبة 100 بالمائة أن يحدث تزييف في الدورة الانتخابية لهذا العام".
وبحسب الصحيفة، فقد أمضى مسؤولو الانتخابات السنوات الماضية في محاولة معرفة كيفية مكافحة البيئة غير الصحية، التي تهز من ثقة الجمهور في النظام الانتخابي، لكن مسؤولي الانتخابات يشعرون بالقلق حاليا من أن الذكاء الاصطناعي "سيجعل هذا التحدي أكثر صعوبة".
وتطرقت الصحيفة إلى تجربة سكرتير ولاية أريزونا، أدريان فونتس، الذي نشر أواخر العام الماضي تدريبا، شمل نسخة مزيفة له، تنشر معلومات كاذبة.
وأشارت الصحيفة إلى أن فونتس أكد على أن "أدوات الذكاء الاصطناعي لديها الكثير من الإمكانات لإحداث الكثير من الضرر".
ووفق خبراء ومختصين، فإن تلك التكنولوجيا "تطورت بسرعة كبيرة، لدرجة أن الناس في كثير من الأحيان لا يدركون مدى سهولة وفعالية انتحال شخصية ما بواسطة الذكاء الاصطناعي".
وتناولت الصحيفة أيضا، تجربة مجموعة مركز برينان للعدالة التابعة للحكومة الأميركية، وتطرقت إلى تدريباته الانتخابية على الذكاء الاصطناعي، وقالت إن "التجربة تُظهر مثالا ملموسا عن المعلومات الخاطئة التي تُنتج باستخدامه"، بهدف إعطاء رسائل مضللة للجمهور.
وبحسب كبير مديري انتخابات المجموعة، لورانس نوردن: فإن تفاقم عمليات التزييف العميق وتطور أدوات الذكاء الاصطناعي يؤكدان أن هذا النوع من الخداع ليس خيالاً علمياً.
وفي السياق ذاته، بدأت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، العمل على دمج سيناريوهات الذكاء الاصطناعي في التدريبات الانتخابية، وذلك ضمن جهود حماية "البنية التحتية الحيوية"، والأنظمة الانتخابية.
وقالت كبير مستشاري وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، كيت كونلي، إن "الوكالة تواصلت مباشرة من مسؤولي الانتخابات بشأن "المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي التوليدي وقدرته على جعلهم أهدافا شخصية".
وأضافت: "يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على تكثيف المخاطر السيبرانية والمادية والتشغيلية، لذلك أجرت الوكالة، وستستمر في إجراء تمارين الطاولة والدورات التدريبية بشأن الذكاء الاصطناعي".
ونقلت الصحيفة عن الموظفة والمسجلة في مقاطعة ويلد بولاية كولورادو، كارلي كوبس، قولها: "إننا نرصد رسائل بريد إلكتروني احتيالية أكثر ذكاءً، لأن الذكاء الاصطناعي يجعلها أكثر تقدما بعض الشيء".
وبحسب العديد من مديري الانتخابات، فإن "التركيز سيكون على الاستجابة بسرعة للمعلومات المضللة"، نظرا لمدى سهولة إنتاج الجهات المسيئة لقدر أكبر، وأكثر إقناعا، من المحتوى المضلل.
ووفق الصحيفة، كثف عدد من مديري الانتخابات، خططهم الخاصة بحملات التثقيف العام. كما يخططون أيضا "لمضاعفة برامج وتكتيكات مكافحة المعلومات المضللة التي طوروها في السنوات الأخيرة".
بدوره، أشار سكرتير ولاية كانساس، سكوت شواب، إلى التحول المستمر منذ فترة طويلة لإشراك مكاتب الانتخابات المحلية في مواقع الويب وعناوين البريد الإلكتروني ذات النطاق .gov لإثبات صحتها للناخبين.
وقال: "ببساطة أستطيع أن أقول، إذا لم يُذكر النطاق .gov، فإن البريد لم يصدر منا".
ويقول مسؤولون عن الانتخابات إنهم معتادون بالفعل على محاربة المعلومات المضللة، وما عليك سوى إلقاء نظرة على موجة الشكوك ونظريات المؤامرة منذ عام 2020.
وحث نوردن، من مركز برينان، مسؤولي الانتخابات على بدء التدريب الآن لمنح العاملين في الانتخابات مستوى ملائما من التحوط والانتباه، وهو ما يجعلهم يتحققون مرة أخرى بأي توجيهات غير عادية قد يتلقونها، وفق الصحيفة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن أن تتفوق الصين في سباق الذكاء الاصطناعي؟
ترجمة: قاسم مكي
كل شهر يَمُرّ يأتي بمؤشرات جديدة على أن الصين تلحق بالولايات المتحدة في تطوير الذكاء الاصطناعي. في نهاية عام 2024 بيَّنت الشركة الصينية الناشئة «ديب سيك» عمليا وبشكل قاطع أن وادي السليكون (مركز شركات التكنولوجيا المتقدمة والابتكار في الولايات المتحدة- المترجم) لا يحتكر النماذج المتقدمة للذكاء الاصطناعي.
فقد اتضح أن نموذج الذكاء الاصطناعي اللغوي الكبير الذي ابتكرته الشركة يحقق أداء مماثلا للنماذج الأمريكية باستخدام عدد أقل بقدر كبير من الرقائق الإلكترونية التي تستخدمها تلك النماذج. وفي أعقاب نموذج «ديب سيك» كشفت على بابا وبايت دانس ومونشوت أيه آي ومختبرات صينية أخرى عن قدرات جديدة. بل حتى قطاع صناعة الرقائق الإلكترونية الصيني المحاصر بالعقوبات شهد ارتفاعا في إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.
في وادي السيلكون تقدِّر أعداد متزايدة من مؤسسي الشركات الناشئة وأصحاب رأس المال المغامر حجم الإنجازات الأوسع نطاقا للصين، ويتعاظم إعجابهم بقدرتها على إتقان تصنيع المنتجات المعقدة بكميات كبيرة كالسيارات الكهربائية، وأيضا بالقدرة الصينية على استثمار أموال ضخمة في الطاقة الكهربائية.
رافق ذلك خلال الشهور العشرة الماضية إحساس بالضيق من سياسات إدارة ترامب لا سيما الحد من إصدار تأشيرات «اتش-1 بي» تحت كفالة صاحب العمل. وهي خاصة بالمهنيين المتخصصين (المهرة)، وتستخدم على نطاق واسع بواسطة الشركات في قطاع التقنية.
لا تزال الولايات المتحدة بكل المقاييس تقريبا محافظة على الصدارة العالمية في الذكاء الاصطناعي؛ فهي تملك أهم أصلٍ له، وهو السعة الحاسوبية (الحوسبية) كما تتمثل في رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما. لكن القدرة الحاسوبية ليست المكوِّن الوحيد للذكاء الاصطناعي؛ فالصين تتمتع بميزات هيكلية أخرى في هذه المنافسة؛ لذلك حان الوقت لكي نسأل: هل يوجد سيناريو محتمل تتفوق فيه الصين على الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي؟
تحتاج مراكز البيانات إلى كميات مذهلة من الطاقة الكهربائية.
وفي هذا المجال لدى الصين ميزة فائقة على الولايات المتحدة؛ فحسب تقديرات مركز أبحاث الطاقة «إيمبر إنيرجي» في النصف الأول من عام 2025 أنجزت الصين تركيب سعة توليد كهرباء من الطاقة الشمسية تبلغ 256 جيجاوات، وهي تساوي 12 مرة سعة التوليد المركبة في الولايات المتحدة (21 جيجاوات.) وفيما تشيد الصين 32 مفاعلا نوويا في الوقت الحاضر ليس لدى الولايات المتحدة مفاعل واحد قيد الإنشاء.
في الأثناء ظل الرئيس دونالد ترامب نشطا في عدائه لتوليد الكهرباء من الشمس والرياح؛ فهو يندد بهذه التقنيات، ويعتبرها «خدعة القرن»، ويوجه إدارته بإلغاء مشاريع تطوير كهرباء الرياح البحرية. وفي الأجل الطويل قد تواجه الولايات المتحدة مشكلات في إمداد الكهرباء؛ بسبب الاستهلاك الكبير في مراكز البيانات. أما الصين -وهي دولة تبذل قصارها لتجنب حرمان الصناعة الثقيلة من الكهرباء- فلا تواجه مخاطر تذكر في هذا الجانب.
الذكاء الاصطناعي أنتجته فئة من المواهب الفنية البشرية عالية المهارة وباهظة التكلفة. لبناء قدرات شركة ميتا (فيسبوك سابقا) ذُكِر أن مؤسسها مايكل زوكربيرج عرض رواتب بمئات الملايين من الدولارات لمهندسين أفراد، وحصل عديدون من الذين أُعلِن عن توظيفهم في مختبر «ميتا» على مؤهلاتهم من جامعات صينية منها جامعات تسينغهوا وبكين وشيجيانغ .
يميل هؤلاء المهندسون الصينيون إلى تغيير أماكن عملهم بسهولة؛ فهم أحيانا يتنقلون بين المختبرات في وادي السيلكون، وأحيانا يعودون إلى بلدهم حين تكون العودة جاذبة، أو عندما يخيب ظنهم في الولايات المتحدة.
أيضا في هذا الجانب يمكن أن تقوض سياسات ترامب الدينامية التنافسية؛ فتعاظم رهاب الأجانب في أوساط حركة ماغا يمكن أن يدفع المزيد منهم إلى العودة بمهاراتهم للصين.
الذكاء الاصطناعي ليس «سباقا» بسيطا. ما يهم ليس فقط إيجاد التقنية، ولكن ما يفعله كل بلد بها. لقد ظل وادي السليكون مهووسا بالذكاء الفائق وكأن من الممكن حبس المطلق في قمقم. أما بكين فأقل اهتماما بمعاملة الذكاء الاصطناعي وكأنه هدف فوق طبيعي، بل تعتبره تقنية ينبغي استغلالها؛ فالأكاديميون وواضعو السياسات الصينيون يتحدثون باستمرار عن الذكاء الاصطناعي كأداة «عملية» لتعزيز الصناعات القائمة.
سيساعد الذكاء الاصطناعي كلا البلدين على تقوية تخصصاتهما.
فأمريكا على سبيل المثال أفضل في قطاع الخدمات كالاستشارات والتقاضي. ومع الذكاء الاصطناعي ربما يصبح من الممكن زيادة عدد الدعاوى القضائية. والصين التي لديها بيانات تدريب على التصنيع أكثر تفوقا إلى بعيد قد تحقق نموا أفضل في إنتاج الإلكترونيات والمسيَّرات والذخائر.
العائق الرئيسي في مسار الصين نحو إتقان الذكاء الاصطناعي هو الافتقار إلى القدرة الحاسوبية، لكن في هذا المجال قد يفيدها ترامب؛ ففي صفقة غير مسبوقة من المقرر أن يقدم الرئيس الأمريكي رُخَص تصدير لشركتي إنفيديا، وأيه أم دي تسمح لهما ببيع رقائق إلكترونية إلى الصين إذا دفعتا إلى حكومة الولايات المتحدة 15% من عائدات مبيعاتهما.
من المؤكد أن فرص الصين في تطوير الذكاء الاصطناعي ستكون أفضل إذا خفَّفت الولايات المتحدة من قيودها؛ فهي لن تتمكن فقط من سد الفجوة في تدريب الذكاء الاصطناعي، ولكن ستكون قادرة أيضا على تزويد مواهبها التقنيَّة بقوة حاسوبية أكبر بكثير وقاعدة تصنيعية أشد متانة لتحسين الأداء.
دان وانغ زميل في معهد هوفر بجامعة ستانفورد ومؤلف «العجلة الفائقة- سعي الصين لهندسة المستقبل.»
الترجمة عن الفايننشال تايمز