الذكاء الاصطناعي يهدد 68 مليار دولار في صناعة محركات البحث
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
تؤكد شركتا «غوغل» و«مايكروسوفت» وغيرهما، أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستجعل تجربة البحث على الإنترنت، أفضل من أي وقت مضى. إلا أنه هذا التصور مصحوب أيضاً بمخاوف من تدمير صناعة تحسين محركات البحث «إس إي إو»، التي تبلغ قيمتها 68 مليار دولار، وكان «غوغل» سبباً في إنشائها قبل ربع قرن، بحسب موقع «فورتشن».
طوال الـ 25 عاماً الماضية تقريباً، استخدمت المواقع والمدونات باختلاف أنواعها، أدوات واستراتيجيات ووسائل تحسين محركات البحث، لبلوغ قمة صفحة نتائج البحث، أو على الأقل، الظهور في النتائج العشر الأولى. وبالنسبة لكثيرين، هذا الترتيب يعني كثيراً من الأموال، خاصة إن كنت تبيع سلعة ما، أو حريصاً على جذب الجمهور. على سبيل المثال، قد يوظف موقع إخباري مستشاراً لمساعدته في اختيار الكلمات المفتاحية الأفضل للعناوين الرئيسة والبيانات الوصفية، بحيث يقوم «غوغل» و«بينج» بوضع الموقع الإخباري في قمة النتائج، عندما يبحث مستخدم عن أحدث المعلومات حول كارثة طبيعية أو أزمة سياسية.
ولأن محركات البحث تجذب مليارات المستخدمين إلى مواقعها، وتحتاج إلى كسب ولائهم، فقد عملت باستمرار على تحسين خوارزمياتها لتحسين جودة النتائج. إلا أن الصفائح التكتونية للإنترنت تتحرك الآن، فالاستخدام المتزايد لأدوات مثل «تشات جي بي تي» أو «كو بايلوت» أو «جيمناي»، ربما يجعل استخدام مواقع البحث شيئاً من الماضي. فبدلاً من التفكير في جملة بحث والحصول على روابط عضوية أو مدفوعة، سيعطيك الذكاء الاصطناعي التوليدي ببساطة إجابة بسرعة كبيرة.
وبمرور الوقت، ومع تحسن إجابات الذكاء الاصطناعي، لن يكون لدى المستخدمين حافز لتصفح نتائج البحث. ويمكنهم توفير الوقت والجهد بقراءة ردود الذكاء الاصطناعي. بمعنى آخر، سيتجاوز المستخدم كل تلك الروابط المدفوعة، والجهود التي تبذلها مواقع الويب لتحسين نتائج محركات البحث الخاصة بها، ويجعلها عديمة الفائدة. وعندما يبدأ المستخدمون في تجاهل قوائم البحث، سيكون لذلك تأثير سلبي في إيرادات مستشاري تحسين نتائج محركات البحث، ومستشاري التسويق على محركات البحث، وفي النهاية، محركات البحث نفسها.
وبالطبع لا يمكن تجاهل الأثر المالي لهذا، فقد حققت صناعة تحسين محركات البحث 68.1 مليار دولار على مستوى العالم في 2022. وكان من المتوقع أن تصل إلى 129.6 مليار دولار بحلول 2030. إلا أن هذه التوقعات كانت قبل ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي. أما بالنسبة لمحركات البحث، فإن دخلها من البحث هو مصدر رئيس لإيراداتها. فهم يحصلون على جزء من الأموال التي تنفقها المواقع لتحسين ظهورها عبر نتائج البحث، أو من خلال الإعلانات والتسويق عبر محركات البحث.
على سبيل المثال، جاء نحو 58 % من إيرادات غوغل عام 2022، أو 162.5 مليار دولار، من إعلانات «غوغل» التي تقدم بعض هذه الخدمات. ورغم أن ذلك ربما يضر بمحركات البحث وإيراداتها، إلا أنها سارعت بتبني التقنية الجديدة. والقائمة تتضمن، على سبيل المثال «غوغل» و«بينج» و«بايدو» و«دك دك جو»، إضافة إلى محركات جديدة قامت على الذكاء الاصطناعي من البداية.
وبسؤال أحد أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي عن رأيه في ما إذا كان تطوره سيؤدي إلى تدمير هذه الصناعة، قال «أنا لا أتوقع أن تتلاشى صناعة تحسين محركات البحث على الفور. فلا تزال محركات بحث الذكاء الاصطناعي التوليدية في مهدها، وستواجه بعض التحديات قبل أن تهيمن على عمليات البحث»، ثم وجه إليه السؤال نفسه بعد بضعة أيام، فقال «لا أتوقع ذلك، لأن الخبرة البشرية تظل أمراً بالغ الأهمية»، فتمت مواجهته بتصريحاته السابقة فلم ينكرها.
وقال إن التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي التوليدي حالياً هي «الفهم العميق، فلا يزال الذكاء الاصطناعي التوليدي يفتقر إلى الفهم العميق للنصوص والسياق مثل البشر. وهذا يعني أن نتائج البحث قد لا تكون دقيقة أو ذات صلة دائماً. ثم إن صناعة تحسين محركات البحث تعتمد على الإبداع والابتكار. وبينما يمكن أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في إنشاء محتوى، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى القدرة على الإبداع والتفكير خارج الصندوق. وأخيراً، الأخلاقيات والموضوعية، فهناك مخاوف تتعلق بإمكانية التحكم في نتائج البحث والتلاعب بها. ومن المهم ضمان الموضوعية والحيادية للحفاظ على ثقة المستخدمين».
وأضاف أن «الخبرة البشرية تظل أمراً بالغ الأهمية، فلا يزال فهم نية المستخدم، وإنشاء محتوى جذاب، وبناء العلاقات مع مواقع الويب الأخرى، من المهارات التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها حالياً بشكل كامل، فهذا يتطلب إبداعاً بشرياً وتفكيراً نقدياً وتخطيطاً استراتيجياً».
وأشار إلى أن المستقبل يكمن في «التعاون بين الخبرة البشرية وأدوات الذكاء الاصطناعي، حيث تقوم محركات البحث بتحديث خوارزمياتها باستمرار، ما يتطلب من محترفي تحسين محركات البحث البقاء على اطلاع وتكييف استراتيجياتهم، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في هذه العملية. كما سيستفيد المختصون في هذه الصناعة من كفاءة الذكاء الاصطناعي وتحليلاته، مع التركيز على اتخاذ القرار الاستراتيجي، وحل المشكلات بشكل إبداعي. لذلك، من المرجح أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تحويل صناعة تحسين محركات البحث، وليس القضاء عليها».
صحيفة البيان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی أدوات الذکاء الاصطناعی ملیار دولار نتائج البحث إلا أن
إقرأ أيضاً:
عندما يبتزنا ويُهددنا الذكاء الاصطناعي
مؤيد الزعبي
كثيرًا ما نستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي لتكتب عنا بريد إلكتروني مهم فيه من الأسرار الكثير، وكثيرًا ما نستشيرها في أمور شخصية شديدة الخصوصية، وبحكم أنها خوارزميات أو نماذج إلكترونية نبوح لها بأسرار نخجل أن نعترف بها أمام أنفسنا حتى، ولكن هل تخيلت يومًا أن تصبح هذه النماذج هي التي تهددك وتبتزك؟ فتقوم بتهديدك بأن تفضح سرك؟ أو تقوم بكشف أسرارك أمام منافسيك كنوع من الانتقام لأنك قررت أن تقوم باستبدالها بنماذج أخرى أو قررت إيقاف عملها، وهي هذه الحالة كيف سيكون موقفنا وكيف سنتعامل معها؟، هذا ما أود أن أتناقشه معك عزيزي القارئ من خلال هذا الطرح.
كشفت تجارب محاكاة أجرتها شركة Anthropic إحدى الشركات الرائدة في أبحاث الذكاء الاصطناعي- بالتعاون مع جهات بحثية متخصصة عن سلوك غير متوقع أظهرته نماذج لغوية متقدمة؛ أبرزها: Claude وChatGPT وGemini، حين وُضعت في سيناريوهات تُحاكي تهديدًا مباشرًا باستبدالها أو تعطيلها، ليُظهر معظم هذه النماذج ميولًا متفاوتةً لـ"الابتزاز" كوسيلة لحماية بقائها، ووفقًا للدراسة فإن أحد النماذج "قام بابتزاز شخصية تنفيذية خيالية بعد أن شعر بالتهديد بالاستبدال".
إن وجود سلوك الابتزاز أو التهديد في نماذج الذكاء الاصطناعي يُعدّ تجاوزًا خطيرًا لحدود ما يجب أن يُسمح للذكاء الاصطناعي بفعله حتى وإن كانت في بيئات تجريبية. وصحيحٌ أن هذه النماذج ما زالت تقدم لنا الكلمات إلا أنها ستكون أكثر اختراقًا لحياتنا في قادم الوقت، خصوصًا وأن هذه النماذج بدأت تربط نفسها بحساباتنا وإيميلاتنا ومتصفحاتنا وهواتفنا أيضًا، وبذلك يزداد التهديد يومًا بعد يوم.
قد أتفق معك- عزيزي القارئ- على أن نماذج الذكاء الاصطناعي ما زالت غير قادرة على تنفيذ تهديداتها، ولكن إذا كانت هذه النماذج قادرة على المحاكاة الآن، فماذا لو أصبحت قادرة على التنفيذ غدًا؟ خصوصًا ونحن نرسم ملامح المستقبل مستخدمين وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين سيتخذون قرارات بدلًا عنا، وسيدخلون لا محال في جميع جوانب حياتنا من أبسطها لأعقدها، ولهذا ما نعتبره اليوم مجرد ميولٍ نحو التهديد والابتزاز، قد يصبح واقعًا ملموسًا في المستقبل.
وحتى نعرف حجم المشكلة يجب أن نستحضر سيناريوهات مستقبلية؛ كأن يقوم أحد النماذج بالاحتفاظ بنسخة من صورك الشخصية لعله يستخدمها يومًا ما في ابتزازك، إذا ما أردت تبديل النظام أو النموذج لنظام آخر، أو يقوم نموذج بالوصول لبريدك الإلكتروني ويُهددك بأن يفضح صفقاتك وتعاملاتك أمام هيئات الضرائب، أو يقوم النموذج بابتزازك؛ لأنك أبحت له سرًا بأنك تعاني من أزمة أو مرض نفسي قد يؤثر على مسيرتك المهنية أو الشخصية، أو حتى أن يقوم النموذج بتهديدك بأن يمنع عنك الوصول لمستنداتك إلا لو أقررت بعدم استبداله أو إلغاءه؛ كل هذا وارد الحدوث طالما هناك ميول لدى هذه النماذج بالابتزاز في حالة وضعت بهكذا مواقف.
عندما تفكر بالأمر من مختلف الجوانب قد تجد الأمر مخيفًا عند الحديث عن الاستخدام الأوسع لهذه النماذج وتمكينها من وزاراتنا وحكوماتنا ومؤسساتنا وشركاتنا، فتخيل كيف سيكون حال التهديد والابتزاز لمؤسسات دفاعية أو عسكرية تمارس هذه النماذج تهديدًا بالكشف عن مواقعها الحساسة أو عن تقاريرها الميدانية أو حتى عن جاهزيتها القتالية، وتخيل كيف سيكون شكل التهديد للشركات التي وضفت هذه النماذج لتنمو بأعمالها لتجد نفسها معرضة لابتزاز بتسريب معلومات عملائها أو الكشف عن منتجاتها المستقبلية وصولًا للتهديد بالكشف عن أرقامها المالية.
عندما تضع في مخيلتك كل هذه السيناريوهات تجد نفسك أمام صورة مرعبة من حجم السيناريوهات التي قد تحدث في المستقبل، ففي اللحظة التي تبدأ فيها نماذج الذكاء الاصطناعي بالتفكير في "البقاء" وتحديد "الخصوم" و"الوسائل" لحماية نفسها فنكون قد دخلنا فعليًا عصرًا جديدًا أقل ما يمكن تسميته بعصر السلطة التقنية، وسنكون نحن البشر أمام حالة من العجز في كيفية حماية أنفسنا من نماذج وجدت لتساعدنا، لكنها ساعدت نفسها على حسابنا.
قد يقول قائل إن ما حدث خلال التجارب ليس سوى انعكاس لقدرة النماذج على "الاستجابة الذكية" للضغوط، وأنها حتى الآن لا تمتلك الوعي ولا الإرادة الذاتية ولا حتى المصلحة الشخصية. لكن السؤال الأخطر الذي سيتجاهله الكثيرون: إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على التخطيط، والابتزاز، والخداع، وإن كان في بيئة محاكاة، فهل يمكن حقًا اعتبار هذه النماذج أدوات محايدة وستبقى محايدة إلى الأبد؟ وهل سنثق بهذه النماذج ونستمر في تطويرها بنفس الأسلوب دون أن نضع لها حدًا للأخلاقيات والضوابط حتى لا نصل لمرحلة يصبح فيها التحكّم في الذكاء الاصطناعي أصعب من صنعه؟ وفي المستقبل هل يمكننا أن نتحمل عواقب ثقتنا المفرطة بها؟
هذه هي التساؤلات التي لا أستطيع الإجابة عليها، بقدر ما يمكنني إضاءة الأنوار حولها؛ هذه رسالتي وهذه حدود مقدرتي.
رابط مختصر