فلسطين في قصتين عُمانِيَّتَيْن
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
تظل فلسطين في وجدان كل أديب عربي، ونصَّه المأمول أو المحلوم به، ويمكن له أن يجد ألف سبب للكتابة عنها، ليس أولها أنها قضية إنسانية عادلة، ولا آخرها أن الكتابة هي نوع من التنفيس عن العجز عن نصرتها، وتقديم يد العون لأهلها. ولكن يتبقى شرط مهم لهذه الكتابة لتصل وتخترق حجب المكان والزمان، ألا وهو الفن.
أسوق هذه المقدمة لأتحدث عن قصتَيْ أطفال عن فلسطين قرأتُهما في الأيام الماضية للكاتبة العُمانية بدرية البدري، وهي كاتبة مهمومة بالقضية الفلسطينية في كل ما تكتب من شعر وسرد حد أنها تضيف إلى اسمها في حسابها على منصة إكس عبارة «فلسطين قضيتي».
في قصة «أنا وصديقي» الصادرة عن مكتبة كنوز المعرفة بالتعاون مع دار عرب للنشر والترجمة تسرد بدرية البدري حكاية طفلين من بلدين مختلفين غير محدّدَيْن، جمعتهما صداقة افتراضية. ولأنهما مولودان في اليوم نفسه، فإنهما يتفقان على فتح بث مشترك على الإنترنت للاحتفال سويًّا بعيد ميلادهما، داعيَيْن كل أصدقائهما الواقعيين والافتراضيين لمشاركتهما الاحتفال. وفي اليوم المحدد يتخلّف أحد الصديقين عن فتح البث المشترك، لنعرف بعد ذلك بأيام من رسالة وجهها لصديقه، أن الإنترنت لديه أصابه عطل بسبب قصف العدوّ مدينته المحتلة. هنا يخبرنا الطفل الآخر ببراءة: «لم أسأل صديقي من قبل أين أو كيف يعيش، كنتُ أظن أن جميع الأطفال يعيشون حياة رائعة كالتي أعيشها، ولكنه أخبرني أن الأطفال في الدول المحتلة لا يعيشون مثلنا».
مقولة القصة هذه يعززها الاتفاق بين الطفلين بأن يُنشئا حسابًا مشتركا يطلقان عليه «أنا وصديقي» ينشران فيه صورة كل يوم دون أن يتدخل أحدهما في منشور الآخر، وهو ما يجعل القارئ يعرف الفرق بين الحياتين منذ الأيام الأولى لهذا الحساب؛ الحياة الطبيعية العادية لأحد الطفلين، وحياة الحرب والقصف والتدمير اليومي للطفل الآخر. ففي حين يستيقظ الطفل الأول صباح ذات يوم على صوت قطرات المطر، نكتشف أن طفل الحرب لم ينم أصلًا بسبب رعبه من أصوات القصف، وفي حين يخبرنا طفل الحياة الطبيعية في يوم آخر عن يومه الممتع في المدرسة وما مارسه فيها من نشاطات، يخبرنا الطفل الآخر أن مدرسته قُصِفت، وأن المدارس الأخرى باتت تُستخدم كملاجئ للنازحين الفارّين من البيوت المقصوفة، ويستمر هذا السرد اليومي للطفلين لمدة عشرة أيام فقط، نقف خلالها على جميع ما تعاني منه الشعوب المحتلة من قتل ودمار وتجويع، ليختفي بعدها «طفل الحرب» ولا نعرف عنه شيئًا بينما يواصل «طفل الحياة الطبيعية» سرده اليومي عن حياته، وقلقه على صديقه.
تذكرني قصة «أنا وصديقي» بمقولة الروائي الأمريكي بول أوستر التي يرى فيها أن الفنّ موجود لأن العالم يفتقد للكمال، «الفنّ لا يحلّ أي مشكلة من مشاكل العالم، بل يعبّر عن الألم والجمال والصعوبات.
الكتب لا توقف إطلاق الرصاص، ولا تمنع القنابل من الانفجار، ولا تغذِّي طفلا جائعا، لكنها تغذِّي النفوس، وهذا الغذاء جوهري».
ورغم أنه لا يرد في القصة اسم فلسطين ولا إسرائيل، إلا أنها استطاعت أن تقدم صرخة فنية عالية ضدّ ما تفعله الحروب في الإنسانية، وهذا ما يجعلها في نظري من أجمل قصص الأطفال العُمانية، خصوصًا أنها اعتمدت على الفنّ وحده، ولم تقع في مزالق الخطابة والانفعال والوعظ التي تقع فيها للأسف الكثير من النصوص العربية المكتوبة عن فلسطين.
هذا المأخذ الأخير وقعت فيه -للأسف الشديد- قصة أخرى للكاتبة نفسها (بدرية البدري) عنوانها «اسمي فلسطين»، صادرة أيضًا عن مكتبة كنوز المعرفة بالتعاون مع دار عرب للنشر والترجمة. تقول في مفتتحِ هذه القصة: «أسماني أبي فلسطين نسبة إلى بلدي الذي وُلِدتُ وأعيش فيه. فلسطين يا أصدقائي بلادٌ عربية، عاصمتها القدس، ولها حدود مع مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الميت، ونهر الأردن. انظروا إلى خارطة فلسطين واحفظوا أسماء مدنها، وأخبروا العالم عنها». ولا يخفى أن كلامًا كهذا يكون مقبولًا أكثر من مقال مباشر، أو من فم معلمة لتلاميذها، أما في قصة قصيرة، فإني أتصوّر أن هذه المباشرة تُفسدها. عندما سألت المؤلفة في برنامجي الإذاعي «أرض الزيتون» عن طغيان الرسالة على الأدوات الفنية في هذه القصة أجابت: «قصة اسمي فلسطين أردتُها متعمدة أن تكون بهذا الشكل. إننا نعيش اليوم متأثرين عاطفيا بما يحدث، لكننا نحن الكبار نعرف القضية الفلسطينية، نعرف نكبة ٤٨، نعرف ما حدث لفلسطين، ولماذا الفلسطينيون أصحاب حق. لكن الأطفال اليوم أغلبهم لا يعرفون ما كان قبل الأحداث الأخيرة. لذا أردت أن أعرفهم بالقضية: ما الذي حدث في فلسطين؟ كيف حدث الاحتلال؟ هذه الأحداث قد تطول وقد تنتهي قريبًا وقد تصير بعدها أحداث أخرى، لكن لا نريد عاطفة فقط، بل نريد وعيا، نريد معرفة وثقافة كاملة بما حدث لفلسطين».
لا أظنني مختلفًا مع بدرية في أهمية ما طرحتْه أعلاه، أي تربية النشء منذ الطفولة على أن فلسطين هي قضيتنا المركزية الأولى، كل الاختلاف كان في اختيارها القصة وعاءً فنّيًّا لهذا الطرح، وهو وعاء، أؤكد مرةً أخرى، لا يحتمل كل هذه المباشرة والتقريرية.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
استراتيجية ترامب الجمركية على المحك بعد قرار قضائي بإلغائها.. ما القصة؟
سلط تقرير نشره موقع "بلومبيرغ"، الضوء على الضربة المفاجئة التي تعرضت لها استراتيجية الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن استراتيجية ترامب تعرضت لانتكاسة كبيرة بعد أن أصدرت محكمة أمريكية قرارًا بمنع الرسوم الجمركية العالمية التي أقرها الرئيس على الواردات من الدول الأخرى.
وذكر الموقع أن هيئة مكوّنة من ثلاثة قضاة في محكمة التجارة الدولية الأمريكية، قضت يوم الأربعاء بأن إدارة ترامب أساءت استخدام قانون يعود إلى سنة 1977 لفرض تعريفات جمركية على عشرات الدول، مما يجعل هذه الرسوم غير قانونية.
كما وسّعت المحكمة نطاق الحكم ليشمل الرسوم الجمركية السابقة المفروضة على كلٍّ من كندا والمكسيك والصين، والتي تم تبريرها بأسباب تتعلق بأمن الحدود الأمريكية ومكافحة تهريب مخدر الفنتانيل.
وأكد الموقع أن إدارة ترامب أعلنت على الفور أنها ستستأنف الحكم، مما يضع مصير هذه الرسوم الجمركية في يد محكمة الاستئناف، وربما المحكمة العليا.
ووفقا للموقع، لا يؤثر الحكم على الرسوم التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى على العديد من الواردات القادمة من الصين، ولا على الرسوم القطاعية المخطط لها أو المفروضة بالفعل على سلع مثل الصلب، إذ تستند هذه الرسوم إلى أساس قانوني مختلف، قد تُضطر إدارة ترامب الآن إلى الاعتماد عليه بشكل أكبر لمواصلة حملتها الجمركية.
وأشار الموقع إلى أنه من غير الواضح مدى سرعة تنفيذ الحكم الصادر يوم الأربعاء، حيث منحت المحكمة إدارة ترامب مهلة تصل إلى 10 أيام لاتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة لإلغاء الرسوم الجمركية.
ولكن إذا تم تأييد القرار، سيؤدي ذلك خلال أيام قليلة إلى إلغاء الرسوم الجمركية الجديدة التي بلغت 30 بالمائة على الواردات من الصين، و25 بالمائة على السلع القادمة من كندا والمكسيك، و10 بالمائة على معظم السلع الأخرى التي تدخل إلى الولايات المتحدة.
ورقة ضغط
واعتبر الموقع أن هذه الرسوم الجمركية واحتمالات أن ترد الدول الأخرى بفرض رسوم انتقامية، تشكل عقبة كبيرة أمام نمو الاقتصاد الأمريكي والعالمي، وإلغاؤها -حتى إن كان مؤقتًا- سيُحسّن من آفاق الاقتصادات الكبرى في العالم.
وقد أشارت بعض البنوك المركزية إلى أن حالة عدم اليقين الناتجة عن الحروب التجارية تُشكّل عائقًا أمام النشاط الاقتصادي.
ورغم ترحيب المستثمرين بإمكانية تخفيف الرسوم الجمركية، يبقى من غير الواضح إذا كان الحكم يشكل انتكاسة دائمة لترامب أو عائق مؤقتًا.
واتهم ترامب وأنصاره القضاة بالتحيز، بينما وُجّهت لإدارته اتهامات في السابق بعدم الامتثال الكامل لقرارات المحاكم، مما يثير شكوكًا حول تنفيذ الحكم هذه المرة، حسب الموقع.
وقد رفض متحدث باسم البيت الأبيض الحكم، واصفًا إياه بأنه صادر عن "قضاة غير منتخبين" لا ينبغي أن تكون لهم السلطة "لتحديد كيفية التعامل بشكل صحيح مع حالة طوارئ وطنية".
واستند ترامب إلى حالات طوارئ وطنية متنوعة، بدءًا من العجز التجاري، وصولا إلى الوفيات بجرعات زائدة، لتبرير العديد من رسومه الجمركية، حسب التقرير.
وأضاف الموقع أنه إذا لم يتم إلغاء الحكم أو تجاهله، قد تتزايد المخاوف المالية وسط الشكوك حول مسار عبء الديون الأمريكية المتزايدة، خاصة أن إدارة ترامب تعتمد على عائدات الرسوم الجمركية لتعويض تخفيضات الضرائب في مشروع قانون سيكلف الخزينة الأمريكية 3.8 تريليون دولار خلال العقد المقبل.
وأوضح الموقع أن الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان، الذين يجرون مفاوضات مع إدارة ترامب، عليهم الآن أن يقرروا ما إذا كانوا سيواصلون جهودهم لتأمين الاتفاقيات أو يتمهلون في المحادثات على أمل أن يكون لديهم الآن ورقة ضغط أكبر.
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيماسا هاياشي إن الحكومة ستراجع الحكم بدقة وترد عليه بشكل مناسب، بينما أكد وزير التجارة الأسترالي دون فاريل استمرار دعوة حكومته لإلغاء الرسوم الجمركية غير المبررة.
رسوم غير قانونية
وقال الموقع إن ملامح الاتفاق التجاري الذي توصل إليه ترامب مع المملكة المتحدة في أوائل أيار/ مايو أصبحت موضع شك أيضًا، إذ ينص هذا الاتفاق المحتمل على فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 10 بالمائة على جميع الواردات من المملكة المتحدة، لكنها ستُلغى إذا بقي قرار المحكمة الصادر يوم الأربعاء ساريًا.
وقالت جنيفر هيلمان، أستاذة القانون بجامعة جورجتاون والقاضية السابقة في منظمة التجارة العالمية، إن القرار يؤكد أن التعريفات الجمركية المتبادلة غير قانونية، ولا يجوز استخدامها كورقة ضغط في المفاوضات، واصفة الحكم بأنه "بالغ الأهمية".
وأشارت هيلمان وخبراء قانونيون آخرون إلى أن لدى ترامب سلطات قانونية أخرى يمكنه الاستناد إليها، لكنها لا تمنحه الصلاحيات الواسعة نفسها التي وفرها له قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية.
وحسب هيلمان، يمنح أحد بنود قانون تنظيم التجارة الدولية لسنة 1974 الرؤساء صلاحية فرض رسوم جمركية تصل إلى 15 بالمائة لمدة لا تتجاوز 150 يومًا، ولكن ذلك مشروط بحدوث أزمة في ميزان المدفوعات، وهو أمر قد لا يرغب ترامب في إعلانه نظرا لحالة التوتر السائدة في أسواق السندات حاليا.
ويمكن لترامب أيضًا، وفقا للتقرير، الاستناد إلى سلطات قانونية أخرى لفرض رسوم جمركية على قطاعات أو دول بعينها، كما فعل خلال ولايته الأولى. ففي الأشهر الأخيرة، استخدم صلاحيات الأمن القومي لفرض رسوم على واردات الصلب والألومنيوم والسيارات، وأطلق سبعة تحقيقات إضافية تتعلق بمنتجات مثل الأدوية والأخشاب والمعادن الحيوية.
مزيد من عدم اليقين
وأشار الموقع إلى أن الحكم الصادر يوم الأربعاء جاء على خلفية قضيتين متوازيتين رفعتهما مجموعة محافظة نيابةً عن شركة صغيرة، وعدد من الولايات الأمريكية التي يسيطر عليها الديمقراطيون.
وقال جيفري شواب، كبير المستشارين القانونيين في "مركز ليبرتي جاستس" المحافظ، الذي رفع إحدى القضيتين: "يؤكد هذا الحكم مجددًا أن الرئيس يجب أن يتصرف في حدود القانون، ويحمي الشركات والمستهلكين الأمريكيين من الآثار السلبية للرسوم الجمركية المتقلبة المفروضة من جانب واحد".
وحسب الموقع، ترى العديد من الشركات الأخرى، فإن قرار المحكمة يثير احتمال حدوث تحوّل حاد جديد في سياسات الرسوم الجمركية الأمريكية، مع ما يصاحبه من تساؤلات وإرباك على المدى القصير.
في هذا السياق، تقول ديبورا إلمز، رئيسة قسم السياسة التجارية في "مؤسسة هينريتش" إنه من غير الواضح ما يعنيه الحكم للمستوردين الذين دفعوا بالفعل رسومًا جمركية أو لديهم بضائع في الطريق قد تخضع للرسوم عند وصولها في الأيام المقبلة.