"الأهرام": جهود مصرية متواصلة لوقف حرب غزة
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
أكدت صحيفة "الأهرام" أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس عبدالفتاح السيسي - خلال حواره مع الطلاب المستجدين بأكاديمية الشرطة أثناء تفقده مقر الأكاديمية فجر أمس الأول لتهنئتهم بحلول شهر رمضان المبارك - تعكس الجهود المصرية المتواصلة لوقف حرب غزة الحالية، المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر، عبر عدة مسارات متوازية.
وأشارت "الأهرام" - في افتتاحية عددها الصادر اليوم /الأحد/ - إلى أن جهود مصر تتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية، الغذائية والطبية، إلى القطاع الذي يضم 4ر2 مليون شخص، في ظل معوقات تفرضها دولة الاحتلال الإسرائيلي، واستخدام سلاح الحصار والتجويع في مواجهة المدنيين الأبرياء في القطاع بهدف الضغط على حركة حماس لتقديم المزيد من التنازلات في سياق التوصل لهدنة مؤقتة.
وتابعت الصحيفة: "في هذا السياق، انضمت مصر للمبادرة التي تستهدف إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عن طريق الجو بواسطة الطائرات، وذلك بالتعاون مع الإمارات وقطر والولايات المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى، فيما أطلق عليه من جانب وسائل الإعلام الدولية مساعدات السماء في ظل حاجة أهالي القطاع إلى آلاف الأطنان بشكل يومي لتلبية احتياجاتهم، الأمر الذي يفسر سعي مصر الدءوب للتوصل إلى هدنة في غزة لإدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية والحد من تأثير حالة المجاعة على أهالي القطاع والسماح للفلسطينيين في وسط وجنوب القطاع بالتحرك في اتجاه الشمال لأماكنهم".
ونوهت إلى التحذير الذي تطلقه القاهرة بشأن خطورة الاجتياح الإسرائيلي لرفح ومن اتساع نطاق الحرب لتشمل أطرافا أخرى.
كما أن هناك مسارا آخر تبذله القاهرة يتعلق بالنقاش حول إعادة إعمار قطاع غزة بعد سكوت المدافع في سياق ما يعرف بترتيبات اليوم التالي، حيث كشف الرئيس خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة في ذكرى يوم الشهيد، في 9 مارس الحالي التكلفة المتوقعة لإعادة بناء القطاع، التي توقع أن تصل إلى 90 مليار دولار إذ تم تدمير ما بين 60% و70% من القطاع بما يتضمن مباني ومنشآت حكومية وخدمية كانت تمثل العمود الفقري للقطاع، فضلا عن تدمير البنية التحتية، فيما أطلق عليه الرئيس نزيف المنشآت. علاوة على سعي مصر لإيجاد فرصة حقيقية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة باعتراف دولي على حدود 5 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إذ يعد ذلك المخرج الرئيسي من المأزق المستدام الذي تواجهه المنطقة ككل.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
غزة وهندسة الكابوس: بين السياسة والكارثة الإنسانية
يظهر العالم قدرا كبيرا من البلادة تجاه ما يجري في قطاع غزة، بينما مئات الآلاف يعيشون ظروفا كارثية، في مواجهة منخفضات جوية متتابعة في الخيام التي تشبه محاولة لترقيع العراء، وبالتوازي مع ذلك يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليفقد حماسه تجاه ما يجري في غزة، فيؤجل الإعلان عما يسمى مجلس السلام إلى بداية العام المقبل.
يظهر المجلس نفسه خارج أية أطر معروفة سابقا للحلول الدولية، التي قدمت لتسوية الأوضاع في مناطق الصراع، والرئيس الأمريكي يريده كذلك بالفعل، لأنه يبحث عن هامش للتصرف خارج أي تصورات قانونية تتعلق بحقوق الفلسطينيين، ليحولهم من شعب يبحث عن حريته واستقلاله إلى مجرد كتلة سكانية، والإسرائيليون في المقابل يضعون شروطهم لتصنيف الفلسطيني المقبول وغير المقبول، ويحولون غزة إلى نسخة تستجمع تراثا كابوسيا، يسعى إلى تجريد البشر من إنسانيتهم بمعناها الحداثي والمعاصر ليصبحوا مجرد وقود حيوي لمشروعها الاقتصادي، بعضهم سيكون مفيدا ولا بأس أن يعيش مقابل لقمة العيش، والآخرون عليهم أن يبحثوا عن مكان آخر في تغريبة جديدة يتعرض لها الفلسطينيون.
تبقى الأسئلة معلقة حول غزة وكل الأحداث التي تتابعت بعد السابع من أكتوبر 2023، وفي زيارة قريبة للقاهرة، وحديث مع بعض الغزيين الذين خرجوا من القطاع بعد أسابيع من الأحداث، وصلت إلى نتيجة مفادها أن الطرقة التي تقصدتها المقاومة في القطاع على جدار الخزان، أدت إلى تصدعه وانهياره، وكان ذلك مفاجئا للجميع، بمن فيهم المقاومة نفسها، فالفشل الإسرائيلي في احتواء الهجمة التي تقصد أن تكون واسعة في ذلك اليوم، أدى إلى تحويلها إلى حدث غير مسبوق ومنفلت من أي حسابات يمكن التعامل معها.
في البداية كانت النشوة، يخرج الغزيون في مواكب احتفالية إلى شواطئ القطاع، ويتجمهرون في المخيمات، وفي ذاكرتهم ما تعرضوا له من اعتداءات إسرائيلية متواصلة على مراحل مختلفة، وما عايشوه حصارا طويلا كان يتقصد إبقاءهم على الحافة الحرجة للحاجة والعوز، لم يفكروا في شيء في البداية، ولكن في الليلة الثانية، وبعد تكشف المدى الذي وصلته عملية طوفان الأقصى، بدأت مشاعر القلق تنتاب الأهالي في القطاع، ومع الضربات الجوية الأولى ظهرت إسرائيل وكأنها تريد محو غزة من الوجود، فالمناطق التي تقصدها القصف، لم تكن مجرد أهداف متفرقة ومدروسة، ولكنها بدت وكأنها عملية تجريف ممنهج للقطاع لتقويضه بالكامل.
يتابع محدثي أن بيوت عائلته التي كانت تشكل مربعا صغيرا على مقربة من الشاطئ سويت بالأرض تماما، ومن تبقى من أقاربه يتنقلون من مكان إلى آخر حتى اليوم، ولا توجد أية فرصة للعودة، والكثير من أهالي القطاع يفكرون في الخروج، إلا أن انعدام الفرص في الخارج وعدم وجود ما يكفي لمباشرة حياة جديدة دائمة، أو مؤقتة في خارج القطاع تبقيهم داخل الدوامة غير المنتهية من الاحتمالات المرتبطة بتصورات يجري تداولها على نار هادئة بخصوص المستقبل، ونوعية الحياة التي ستوضع أمام الغزيين بعد دخول القوى الأمنية ومباشرة ما يسمى بعملية إعادة الإعمار، التي ما زالت النقاشات حول تكلفتها وشكلها النهائي عالقة، تنتظر دورها في جدول أعمال مزدحم أمام الرئيس الأمريكي، الذي يعاني من تعدد الحسابات الثقيلة على أسلوبه في التفكير من أوكرانيا إلى فنزويلا.
ما عايشته إسرائيل مع الفلسطينيين في العامين الأخيرين، نقلها إلى اعتبارهم مسألة عسكرية بعد عقود من التعامل معهم بوصفهم تحديا أمنيا
ما عايشته إسرائيل مع الفلسطينيين في العامين الأخيرين، نقلها إلى اعتبارهم مسألة عسكرية بعد عقود من التعامل معهم بوصفهم تحديا أمنيا، ويبدو أن هذه العقيدة المستجدة ستتواصل في الجانب الإسرائيلي لسنوات مقبلة، وستكون تكلفتها مرتفعة، فالإسرائيليون لا يظهرون مهتمين بإعادة الإعمار، وكل ما قدموه حاليا هو أحاديث عن المساهمة في رفع الأنقاض، ما تبدو عملية منصبة في الرؤية العسكرية من أجل تحويل القطاع إلى أرض منبسطة وخالية تخضع لشروط إعادة بناء يخدم الغايات والمصالح الإسرائيلية، ولا يضع في الحد الأدنى مصالح الغزيين وأنماط معيشتهم في الاعتبار.
الواضح أن الغزيين سيفقدون عمقا عسكريا ـ أمنيا وراء الخط الأصفر، الذي سيصبح تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفي المقابل سيسلبون الشواطئ التي ستتوزع بين مرافق تجارية ولوجيستية ومنتجعات سياحية يحلم بها الرئيس الأمريكي، ليضع نموذجه الخاص بالسلام ذي الطبيعة العقارية والتجارية، وفي الوسط سيتبقى الفلسطينيون الذين يمكنهم أن يتسقوا مع الواقع الجديد المصمم لمصلحة إسرائيل شكلا وموضوعا. بغض النظر عن التباين في وجهات النظر والحديث حول الأدوار والمسؤوليات، يبقى أن سجل الرئيس الأمريكي الذي يخلو من إحداث تغيرات جذرية قائمة على فهم حقيقي للواقع ومعطياته، لا يشجع على التبني المتفائل لأي تسوية يمكن أن تعود بالفائدة على الغزيين بشكل خاص، والفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل أوسع.
هل سيلقي الرئيس ترامب بتصوراته أمام مجلس السلام ليصبح مجرد جهة تنفيذ لأحلامه أو أوهامه، وهو ما سيتبدى في التصور الذي سيقدمه، أم أن المجلس سيكون جهة استشارية تقدم تصورا يصبح في حد ذاته موضوعا للجذب والشد؟
يتحدث الرئيس الأمريكي عن وجود رغبة من قيادات بعض الدول للوجود في المجلس الذي يؤجل الإعلان عنه، ولكن لا يبدو أن ذلك سيكون منتجا إلا في ممارسة الضغوطات على الفلسطينيين، لا الجانب الإسرائيلي الذي يظهر غير مكترث بأي مبادرة لا تخدم مصالحه بالكامل، وهو يحمل مقولة الأمن وتقديم الضمانات للحيلولة دون تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر بصورة نهائية، بمعنى إدارة القطاع بالوكالة لمصلحة هذه الغاية، التي تلتهم المطالب الفلسطينية المقابلة حول توفير سبل العيش الكريم للفلسطينيين على أرضهم وبأنماط الحياة التي يتطلعون لها.
الفجوات في الوقت، التي يعيشها الفلسطينيون وسط المياه التي تجرف خيامهم، تبدو مقصودة، من أجل توهين الخيارات الفلسطينية والوصول بها إلى الحد الأدنى وتفريغ أي شعور بجدوى ما حدث في السابع من أكتوبر، والعالم الذي تصاعدت عاطفته المناصرة للفلسطينيين، وضعت أمامه جزرة وقف إطلاق النار لتهدئته وتفريغ حركته المناصرة للفلسطينيين تجاه العمل على إعادة ترميم الرواية الإسرائيلية.
يعتاد العالم على فكرة الموت البطيء والمدروس، يحدث ذلك في بقاع كثيرة في الأرض، وغزة تتحصل على مكانها في وسط هذه المنظومة غير الصادمة، التي تعمل على هندسة الاعتياد تحت وطأة إدارة الآمال الفارغة والفواصل الإعلانية التي يقدمها الرئيس الأمريكي، والتخوف الحقيقي من أن تكون فترة الاستيعاب الراهنة مدخلا لتجريد الفلسطينيين من كل شيء في مقابل ترميم الأولويات الإسرائيلية تجاه واقع يحول غزة إلى بؤرة عشوائية محاصرة متوارية خلف قشرة من المنجزات الصغيرة التي ستظهر هي الأخرى مثل الفواصل الإعلانية في وسط مسلسل كابوسي يتابعه العالم بصمت وبلادة.
القدس العربي