مستقبل «الرأسمالية الشيوعية» في الصين
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
ترجمة : قاسم مكي -
ما هو المستقبل الاقتصادي للصين؟ هذا السؤال يثير عدة قضايا أبرزها اختلالات الاقتصاد الكُلِّي المستمرة في الصين ونقص أعداد السكان والعلاقات المتدهورة مع أجزاء من العالم الخارجي وفوق كل هذا الولايات المتحدة التي يزداد عداؤها.
لكن تحت كل هذه القضايا توجد قضية أعمق تتمثل في السؤال التالي: هل «الرأسمالية الشيوعية» وهي اختراع دنغ شياو بينغ الذي ينطوي على تناقض ذاتي ستنحسر وتتلاشى دون هوادة تحت قيادة شي جين بينغ؟ وهل سيتكلَّس نظام الحكم في الصين؟
سبق أن تطرقتُ إلى هذه القضايا في سلسلة من المقالات نشرت في العام الذي سلف.
في هذا المقال أنوي الكتابة عن تلك القضية الأكبر بكثير والمتمثلة في السؤال التالي: هل ستقضي الشيجينبنغية (أيديولوجيا وسياسات شي جي بينغ) على الدينغشياوبينغية (آيديولوجيا وسياسات دنغ شياو بينغ)؟
كان عدد من ذوي الدراية الذين قابلتهم متشائمين بشدة خصوصا تجاه مستقبل القطاع الخاص. لكن هل مثل هذه المشاكل سيتم حلها في نهاية المطاف أم لا؟
جرى تسليط قدر كبير من الضوء على هذا الموضوع بواسطة كتاب نشر مؤخرا تحت عنوان « نظرة الصين للعالم». وهو من تأليف ديفيد داوكوي لي أستاذ الاقتصاد المتميز الذي تدرب في جامعة هارفارد ويدرِّس في جامعة تسينغهوا. على المهتمين بالصين سواء كانوا صقورا أو حمائم قراءة هذا الكتاب القيِّم بعناية.
ربما ملاحظة المؤلف الأكثر إثارة للذهول هي «أن دخل الفرد تدهور في الفترة من عام 980م وحتى بداية تاريخ الصين الحديث في عام 1840». فالصين القديمة كانت في قبضة مصيدة «مالتوسية».
هذه الصورة أسوأ حتى من تلك التي وردت في دراسة الراحل آنجوس ماديسون. وحتى بعد عام 1840 لم يتحسَّن كثيرا هذا الواقع الكئيب. لقد تغير فقط بعد «إصلاح وانفتاح» دنغ شياو بينغ.
بتحرير الاقتصاد الخاص والاعتماد على قوى السوق والانفتاح على اقتصاد العالم أوجد دنغ شروط تحول استثنائي. لكنه مع ذلك بقمع المطالب بالديمقراطية في ميدان تيانينمين عام 1989 عزز أيضا سيطرة الحزب الشيوعي. لقد اخترع اقتصادا سياسيا جديدا كانت نتيجته صين اليوم.
هل هذا الاقتصاد السياسي مستدام أيضا؟ إجابة كتاب ديفيد لي على هذا السؤال هي «نعم» قاطعة. فهو أساسا يحاجج بوجوب عدم اعتبار نظام الصين السياسي نظاما سوفييتيا ولكن شكلا مُحدَّثا للدولة الإمبراطورية الصينية التقليدية. هذه الدولة أبوية. إنها مسؤولة عن الشعب ولكنها لا تخضع لمحاسبته إلا بطريقة جوهرية واحدة. فهي إذا فقدت التأييد الجماهيري ستتم الإطاحة بها. ومهمتها تقديم الاستقرار والازدهار. لكن في قيامها بذلك لا تحاول إدارة كل شيء من المركز. فذلك سيكون جنونا في بلد باتساع الصين. إنها تعتمد اللامركزية. ويعتقد ديفيد لي بوجوب اعتبار الحزب الشيوعي أساسا الحزب القومي للصين.
من هذا المنظور نظام «شي» لا يمثل تخليا عن أهداف عهد «دنغ» ولكن محاولة لعلاج بعض المشاكل التي أوجدها اعتماده على الرأسمالية وتحديدا استشراء الفساد وتصاعد اللامساواة والدمار البيئي.
تشمل المشاكل أيضا نقد البلوتوقراط (الأثرياء أصحاب النفوذ) الجدد وخصوصا «جاك ما» مؤسس شركة علي بابا لمجالات السياسات والسياسة المحمية. فالسلطات الصينية قلقة بشأن احتكارات المنصات وعدم استقرار التمويل، تماما كما هي الحال مع السلطات في الغرب. وفوق كل شيء تظل التنمية الاقتصادية الهدف الأساسي كما يجادل ديفيد لي. فقط هنالك أهداف أخرى الآن أيضا أبرزها تعزيز سيطرة الحزب والرفاه الاجتماعي والتنمية الثقافية وحماية البيئة.
ترك عهد دنغ وراءه حقا العديد من التحديات. تتحمل بعض المسؤولية عنها السلبية النسبية التي اتسم بها عهد هو جينتاو ووين جياباو. لكنها في أغلبها تعود إلى النزعة المتأصلة للفساد في اقتصادِ سوقٍ يعتمد على التقدير الإداري. مع ذلك من الواضح أن اتجاه «شي» لمركزة اتخاذ القرار لم يحسِّن الأمور. فهو يخاطر إما بالشلل ومثاله الإخفاق في التحول بسرعة من الاعتماد على القطاع العقاري أو المبالغة في رد الفعل ومثاله الفشل في التخفيف من قيود إغلاقات كوفيد في الوقت المناسب.
ببساطة إدارة اقتصاد مدفوع سياسيا بأهداف متعددة أكثر صعوبة من اقتصاد له هدف وحيد هو النمو. أيضا فاقمت السياسات الحازمة التي يتبعها شي جين بينغ من سوء العلاقات مع واضعي السياسات الغربيين.
من الممكن جدا إذن اعتبار أن ما يحدث محاولة لمعالجة المشاكل الصعبة التي تعود إلى عهد دنغ في بيئة عالمية أكثر تعقيدا إلى حد بعيد. ومن الممكن أيضا القول إن تأكيد شي على سيطرة الحزب موقف عقلاني تماما. البديل للاتجاه نحو نظام قانوني مستقل مع حقوق ملكية راسخة ونظام سياسي أكثر ديموقراطية كان أخطر بكثير. ففي بلد بحجم ومستوى تطور الصين كان من الممكن أن يوجد ذلك فوضى. ويلزم أن يبدو البديل المحافظ لشي جين بينغ أكثر أمانا حتى إذا كان من المحتمل أن يقتل الإوزة الاقتصادية التي ظلت تبيض ذهبا.
عند النظر في الاحتمالات المستقبلية للصين يجب عدم التركيز أساسا على قائمة المشاكل الواضحة مثل هبوط أسعار العقارات والديون المفرطة والمدخرات الزائدة عن الحد وشيخوخة السكان وعداء الغرب. كل هذه المشاكل يمكن لبلد لديه موارد الصين وإمكانيات نموها التعامل معها ولو بصعوبة.
القضية الأكبر هي: هل في عهد «شي» المركزي والحذر والمحافظ من الحتمي أن يعود تحول دنغ من الركود إلى النمو الانفجاري مرة أخرى إلى الركود.
إذا اعتقد الناس أن دينامية الماضي القريب فُقِدَت إلى الأبد قد تتوالى سلسلة آمالهم المحبطة. لكن عزيمة شعب يبلغ تعداده 1.4 بليون ويريد حياة أفضل قوية جدا. هل يمكن السماح لأي شيء بأن يوقفها؟ لا أظن ذلك.
مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الصین
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تحث الصين على كبح طموحات إيران النووية
حثت إسرائيل الصين على استخدام نفوذها الاقتصادي والسياسي "لكبح طموحات إيران العسكرية والنووية"، معتبرة أن الصين لديها "العديد من الأمور التي يمكنها القيام بها" في هذا الشأن.
جاء ذلك أمس الثلاثاء على لسان رافيت باير، القنصل العام الإسرائيلي في شنغهاي، التي قالت للصحفيين في المدينة "إن الصين هي الوحيدة القادرة على التأثير على إيران" مضيفة أن إيران ستنهار إذا لم تشترِ الصين نفطها".
وفي إشارة إلى القيادة الصينية، قالت إن "بإمكانهم الضغط على إيران، ولديهم نفوذ سياسي عليها، ويمكنهم المساعدة في تغيير أنشطتها المشوهة في المنطقة. وهناك العديد من الأمور التي يمكن للصين القيام بها".
وقالت باير "لا أعتقد أن الصين مهتمة بدور الوسيط بين إسرائيل وإيران؛ فدور الوسيط مسؤولية كبيرة، ويتطلب أموالًا طائلة وقرارات صعبة".
وعن طبيعة العلاقات بين إسرائيل والصين أكبر شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة، قالت إنها "لم تتدهور بشكل ملحوظ على الرغم من النزاعات منذ عام 2023، وما زلنا نجري محادثات جيدة. حتى لو اختلفنا سياسيا، فهذا لا يعني أنه لا يمكن التعاون".
تأتي تصريحات باير في ظل توتر العلاقات الإسرائيلية الصينية بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة وهجماتها الشهر الماضي على إيران، الشريك الرئيسي لبكين في الشرق الأوسط.
وخلال حرب إسرائيل وإيران التي استمرت 12 يوما، تضررت المواقع العسكرية والنووية للجمهورية الإسلامية بشكل كبير، وقتل عدد من كبار قادة الجيش وعلماء الذرة.
وتوسطت الولايات المتحدة في وقف لإطلاق النار بدأ الأسبوع الماضي، إلا أن طهران أبدت تشكيكها في استمرارية الهدنة، وأكدت استعدادها للرد على أي عدوان متجدد من إسرائيل.
وأدانت الصين وروسيا -الشريكان الرئيسيان لإيران بين القوى العالمية- الضربات الإسرائيلية، لكنهما لم تدعما طهران بشكل يُذكر.
إعلانكما دعت بكين إسرائيل باستمرار إلى إنهاء صراعها في غزة ضد حماس واتخاذ خطوات نحو حل الدولتين للفلسطينيين، وهو أمر يقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه سيهدد أمن بلاده.
يذكر أن الصين تشتري نحو 90% من صادرات النفط الإيرانية، التي تبلغ حوالي 1.7 مليون برميل يوميا. كما وقعت بكين وطهران شراكة إستراتيجية في عام 2021 تحدد استثمارات صينية محتملة بقيمة 400 مليار دولار على مدى 25 عامًا في إيران.
ومع ذلك، لا توجد أدلة تُذكر على قدرة الصين على التأثير على إيران بشكل كبير في ما يتعلق بالإستراتيجية العسكرية والنووية.
وفي حين عززت طهران علاقاتها في السنوات الأخيرة مع بكين وموسكو، إلا أنها دأبت على رفض أي تدخل أجنبي في القرارات السياسية الرئيسية.
وفضلا عن ذلك، من المرجح أن يُفضّل الرئيس شي جين بينغ التركيز على العلاقات الاقتصادية مع إيران.