ألــوان||سلفادور دالى.. سريالي دمج الفن بالفيزياء
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
يُعد الرسام التشكيلي الإسباني سلفادور دالي، أحد رواد المدرسة السريالية، ذلك الفنان المتعدد المواهب، فهو رسام ونحات ومصمم ديكور وكاتب، ومهتم بالعلوم والنظريات العلمية.
ولد سلفادور دالي، في مايو ١٩٠٤، في كتالونيا بإسبانيا، وسمى باسم أخيه الذي تُوفى قبل ولادته بثلاث سنوات، فهو الابن الوحيد والمدلل لعائلة ثرية، جعلت منه ثائرًا على قيم المجتمع.
عاش «دالي» مُرفهًا بين أسرة ثرية، وكان والداه يوفران له كل مطالبه، ونتيجة لدلاله المبالغ فيه عُرف عنه سلوكه الطائش، كدفعه صديقه عن حافة عالية كادت تقتله، أو رفسه رأس شقيقته آنا ماريا، التي كانت تصغره بثلاث سنوات، أو تعذيب هرّة حتى الموت، واجدًا في أعماله تلك متعة كبيرة كالتي كان يشعر بها حين يُعذب نفسه أيضًا، حيث كان يرتمي على السلالم ويتدحرج أمام نظر الآخرين، ولعل هذه التصرفات التي أوردها سلفادور دالي، في مذكراته فيما بعد هي التي شكّلت الشرارة النفسية الأولى للمذهب الفني الذي اختاره للوحاته.
حياته الفنية
بدأ رحلته مع الرسم مُبكرًا، فكانت أولى لوحاته حين كان في السابعة من عمره، ولفت نظر العائلة فشجعته على الدراسة فى كلية الفنون الجميلة فى سان فيرناندو، ولكنه تمرد عليها فتركها، واختار أسلوبه الخاص المتأثر بالمدرسة التكعيبية بابلو بيكاسو.
شارك فى أول معرض سريالي بأمريكا عام ١٩٣٢، وبدأت تتجلى الرمزية في أسلوبه، وكانت لوحاته تجسيدا لعوالم افتراضية، وتعبر عن خياله المنطلق، وانضم إلى السيراليين مجموعة كتاب وفنانين.
متعدد المواهب
لم يكتف «دالي» بالفن فقط، ولكن امتد عطاؤه ليشمل الأفلام، والنحت، وفيلم الرسوم المتحركة القصير، ومن أفلامه فيلم «دزتينو» فاز بجائزة أكاديمية.
لوحاته الأسطورية
أصبح «دالي» أشهر الفنانين العالميين السرياليين، وذلك عام ١٩٢٩ إلى ١٩٣٧، حيث رسم أشهر أعماله الفنية منها لوحته المُبهمة «إصرار الذاكرة»، والتي بها ساعات متعرجة رخوة، ولوحة «جالاتيا ذات الأفلاك»، التي أظهرت عبقريته وجنونه في رسم زوجته وحبيبته بطريقة مميزة، مما جعلت اللوحة أسطورية.
دمج الفن بالفيزياء
كان «دالي» مهووس بالعلوم، خاصة الفيزياء النووية منذ انفجار القنبلة الذرية عام ١٩٤٥، حيث وصف الذرة بـ«طعامه المفضل للفكر»، فكانت مصدر إلهامه، ظهر ذلك فى لوحاته التى كانت معظم العناصر والكائنات بها معلقة ولا تتصل ببعضها، كما فعل في عمله المميز «مادونا بورت ليجات»، وهي لوحة كانت لزوجته جالا.
أفلام سلفادور
عام ١٩٢٨ كتب «دالي» في باريس سيناريو فيلم «كلب أندلسي» والذي أخرجه المخرج الإسباني لويس بونويل، ويبلغ طول الفيلم ١٧ دقيقة، وهو مزيج حُلمي غريب، والمشاهد والأفكار لا يمكنها أن تُثير تفسيرًا عقلانيًا من أي نوع: شفرة موسى تفقأ عين فتاة، رجل ينزع فمه من وجهه، بيانو تزينه جثث حمير، نمل يزحف على يد رجل، رجل في الشارع يحمل مكنسة تنتهي إلى يد آدمية يدفع بها الفضلات، ومن الطريف أنه لايوجد في الفيلم أي كلب أو أندلس، وفي عام ١٩٣٠ كان الفيلم الثاني لدالي بعنوان «العصر الذهبي» ويتميز أيضًا بعدم إمكانية تفسيره تفسيرًا عقلانيًا، وهو من إخراج «بولونيل» أيضًا.
مؤلفات العبقري المجنون
له عدة مؤلفات أشهرها كتاب بعنوان «يوميات عبقري في باريس»، وهو مقتبس من دفتر يومياته لعام ١٩٥٣ إلى ١٩٦٣ من حياته، ويُشكّل تكملة لسيرته الذاتية التي صدرت بعنوان: «الحياة السرية لسلفادور دالي»، ليصبح أكثر كتبه إثارة للجدل.
رحيله
توفى «دالى» فى ٢٣ يناير ١٩٨٩، بكتالونيا عن عمر ناهز ٨٤ عامًا، تاركًا إشارة استفهام ضخمة حول حجم الإرث الذي خلّفه، بجانب قائمة من الفضائح التى تشكل تراثًا شعبيًا حسب قوله.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: السريالية فن تشكيلي
إقرأ أيضاً:
ما قصة تماثيل عين غزال الأردنية التي احتفل بها غوغل؟
احتفى محرّك البحث العالمي "غوغل" بتماثيل "عين غزال" الأردنية، مسلطًا الضوء على واحدة من أقدم الشواهد الفنية في تاريخ البشرية.
هذا الاحتفاء أعاد هذه التماثيل إلى الواجهة، حيث تعتبر تماثيل عين غزال، نافذة على بدايات التفكير الرمزي والديني لدى الإنسان في العصر الحجري الحديث.
تماثيل عين غزال تعد شاهدة على مجتمع استقر قبل نحو تسعة آلاف عام على أطراف عمّان الحالية، وترك خلفه إرثًا فنيًا وروحيًا ما زال يثير أسئلة العلماء والمؤرخين حتى اليوم.
موقع عين غزال
يقع موقع عين غزال الأثري في الجزء الشرقي من العاصمة الأردنية عمّان، قرب مجرى سيل الزرقاء، في منطقة كانت تُعدّ من أكبر المستوطنات البشرية في العصر الحجري الحديث قبل الفخاري.
وتشير الدراسات الأثرية إلى أن الموقع كان مأهولًا بشكل متواصل تقريبًا بين عامي 7200 و5000 قبل الميلاد، أي في مرحلة مفصلية من تاريخ البشرية شهدت الانتقال من الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة والاستقرار.
ما يميّز عين غزال عن غيره من المواقع المماثلة في المنطقة، هو ضخامته نسبيًا؛ إذ قُدّر عدد سكانه في ذروة ازدهاره بالآلاف، وهو رقم كبير جدًا بمقاييس تلك الفترة. هذا الاستقرار السكاني الكثيف أتاح نشوء أنماط اجتماعية ودينية معقدة، انعكست لاحقًا في طقوس الدفن والعمارة والفنون، وعلى رأسها تماثيل الجص الشهيرة.
اكتشاف تماثيل عين غزال عام 1983
بدأت قصة الاكتشاف في عام 1983، عندما كانت أعمال توسعة عمرانية تجري في المنطقة. وخلال حفريات إنقاذية، عثر فريق من علماء الآثار على مجموعة غير متوقعة من التماثيل المدفونة بعناية تحت أرضية أحد المباني السكنية القديمة. لاحقًا، كشفت حملات تنقيب إضافية عن مجموعتين رئيسيتين من التماثيل، يعود تاريخ دفنهما إلى نحو 6500 قبل الميلاد.
شكّل هذا الاكتشاف صدمة علمية حقيقية، إذ لم يكن معروفًا آنذاك وجود تماثيل بشرية كاملة الحجم تقريبًا تعود إلى هذا الزمن السحيق. ومنذ ذلك الحين، أصبح اسم «تماثيل عين غزال» حاضرًا في أبرز المراجع الأكاديمية، وغالبًا ما يُشار إليها بوصفها من أقدم التماثيل البشرية في العالم.
تماثيل من الجص
صُنعت تماثيل عين غزال من مادة الجص (الجبس الجيري)، وهي مادة كانت تُحضّر عبر حرق الحجر الجيري ثم خلطه بالماء لتكوين عجينة قابلة للتشكيل. وقد بُنيت التماثيل حول هيكل داخلي من القصب أو الأغصان، ثم جرى تغليفها بطبقات من الجص المصقول بعناية.
تتراوح أطوال التماثيل بين نصف متر ومتر تقريبًا، وبعضها تماثيل كاملة، فيما صُنعت أخرى على شكل أنصاف تماثيل (بوست). اللافت للنظر هو التركيز الشديد على ملامح الوجه، ولا سيما العيون الكبيرة المصنوعة غالبًا من القار أو الصدف، والتي تمنح التماثيل نظرة حادة ومقلقة، كأنها تحدّق في المشاهد عبر آلاف السنين.
ملامح بلا أفواه
من أكثر ما يثير الجدل العلمي حول تماثيل عين غزال، هو غياب الفم في معظمها، مقابل إبراز واضح للعيون والرؤوس. هذا الاختيار الفني المتكرر دفع الباحثين إلى طرح تفسيرات متعددة، من بينها أن التماثيل لم تكن تمثّل أفرادًا بعينهم، بل كائنات رمزية أو أسلافًا مقدسين، أو ربما آلهة مرتبطة بالخصوبة والحياة والموت.
كما يرى بعض العلماء أن غياب الفم قد يرمز إلى الصمت الطقسي، أو إلى عالم روحي لا يحتاج إلى الكلام، فيما تبقى العيون وسيلة الاتصال بين العالم المرئي والعالم غير المرئي.
لماذا دُفنت تحت الأرض؟
لم تُترك التماثيل معروضة أو مهجورة، بل دُفنت بعناية فائقة داخل حفر خاصة تحت أرضيات المنازل، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للتأويل. فالبعض يرى أن الدفن كان جزءًا من طقس ديني دوري، حيث تُصنع التماثيل وتُستخدم في شعائر معينة ثم تُوارى الأرض بعد انتهاء دورها الرمزي.
ويذهب رأي آخر إلى أن هذه التماثيل كانت مرتبطة بطقوس حماية المنزل أو الجماعة، وأن دفنها تحت الأرضية يهدف إلى ضمان البركة أو الحماية الروحية لسكان المكان.
وعُثر في موقع عين غزال على ما يقارب 32 تمثالًا وتمثالًا نصفيًا، وهو عدد كبير قياسًا بالفترة الزمنية التي تعود إليها.
أين توجد تماثيل عين غزال اليوم؟
تتوزع تماثيل عين غزال اليوم بين عدد من المتاحف العالمية، أبرزها متحف الأردن في عمّان، الذي يضم مجموعة مهمة تُعدّ من أثمن معروضاته الدائمة.
كما توجد تماثيل أخرى في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني في لندن، ومتحف اللوفر في باريس، ضمن سياق التعاون العلمي الذي رافق عمليات التنقيب والدراسة.
ويُنظر إلى عرض هذه التماثيل في متحف الأردن على وجه الخصوص بوصفه استعادة رمزية للإرث الحضاري المحلي، وربطًا بين سكان عمّان المعاصرين وأحد أقدم فصول تاريخ مدينتهم.