أسطوانات المهنة.. "السقا" عطشان يا صباي دلوني على السبيل(1)
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
الكتبة والمادحون وشيوخ الطوائف والبناءون والنحاسون، وغيرهم الكثير من المهن التي اشتهرت في مصر خلال العصرين العثماني والفاطمي والذي سجلت الجدران والمساجد إبداعاتهم التي ظلت راسخة ومنقوشة عبر مئات السنين.
وتأخذكم "البوابة نيوز" في رحلة طوال شهر رمضان المبارك وحديث حول تلك المهن وشيوخها وأسطواتها التي اشتهرت في مصر والعالم العربي، والتي لا يزال الكثير منها موجودا حتى عصرنا الحالي ومنها من اندثرت وأصبحت تراثا تشهد به جدران المساجد والقصور.
وعلى مدار الشهر الكريم نقدم لكم حرفة من الحرف التي اشتهرت في تلك الفترة واقفين أمام إبداعات فنانيها وقوانينها التي كانت تتوارث جيلا بعد جيل، وحكايات المعلم والصبي والأسطى الذي كان يعتبر رب المهنة.
شهدت شوارع القاهرة قديمًا مهنة من المهن الحيوية والتي لم تعد موجودة في عصرنا الحديث وهي مهنة "السقا" وكانت من المهن التي لها رواج كبير وذلك قبل دخول المياه المنازل.
ففي نهاية القرن الثامن عشر كانت تعتمد القاهرة على مياه نهر النيل، والذي كان يجري على بُعد كيلو متر من الحد الغربي للمدينة، أما مياه الخليج المصري فكانت لا تجلب المياه الصالحة إلا بعد مرور ثلاثة أشهر بعد الفيضان.
ولهذا كانت المنازل في حاجة ماسة إلى وجود المياه للاستخدام وكانت تعتمد بشكل كبير على السقايين، والذين كانوا يمثلون ثماني طوائف، فما هي تلك الطوائف الثمانية وكيف كان عملهم ووظائفهم في عملية توصيل المياه إلى المنازل.
وصل عدد الأسبلة في القاهرة مطلع القرن التاسع عشر نحو 300 سبيل
ففي البداية كانت تأتي المياه من النهر من خلال الموردات التي كانت تتواجد على جانبي النيل، كان يصب من عندها السقايون، ولهذا ظهر الأربع طوائف الأولى وهي التي يبدأ عملهم من عند النهر.
فكانت الطوائف الأربع لحاملي المياه على ظهور الحمير بالقرب من المدخل الغربي للمدينة، فنجد أولًا طائفة "حاملي المياه على ظهور الحمير" لحي باب البحر، ثم طائفة لحي باب اللوق، ثم حارة السقايين والرابعة كانت في قناطر السباع، والتي عُرفت بهذا الاسم نسبة إلى نقش السباع الموجود عليها "وهو "الرنك" أي العلامة الخاصة بالظاهر بيبرس.
كما أنها عُرفت أيضًا فيما بعد بقنطرة السيدة زينب، أما في وسط الحد الغربي للقاهرة فكانت توجد طائفة لحاملي المياه على ظهور الجمال.
وكان حاملو "القِرب" وهي وعاء جلدي مصنوع من جلد الماعز يحافظ على المياه ويحتفظ ببرودتها، وكان يستخدمها السقاة لنقل المياه من المورد إلى المنازل، وكانوا يسيرون على أقدامهم يوزعون المياه في أحياء القاهرة، ولم نكن هناك طائفة واحدة تضم باعة المياه بالقطاعي في الشوارع.
وكان نشاطها لا يقتصر على القاهرة فقط، ولكن كانوا يذهبون لعدة مناطق أخرى مثل بولاق ومصر القديمة، فبعد أن يأخذ السقا حصته من المياه لتوزيعها كانوا يتوجهون إلى عملائهم حاملين قربهم التي كانوا يحملونها فوق ظهورهم.
وكان حينما يصل إلى المنزل أو وجهته يقوم بصب المياه في الخزان المخصص لها بداخل المنزل، أو يقوم بصبه في الزير، وكان يقوم السقا بعمله هذا بمقابل مالي مقابل عدد القرب التي يستهلكها صاحب المنزل.
ولما كانت كمية المياه المأخوذة من النيل يتم بيعها كلها على سكان القاهرة، بل كان يوضع جزء منها في الخزانات أو السبل "السبيل" حيث يستطيع الفقراء الذين لا يملكون ثمن شراء المياه من السقايين أن يحصلوا على حاجتهم بأنفسهم.
ووصل عدد الأسبلة أو السبل في القاهرة في مطلع القرن التاسع عشر نحو 300 سبيل، وكانت عبارة عن منشآت خيرية يؤسسها الأمراء والأغنياء للمنفعة العامة، وليتمكن الفقراء في الحصول على المياه الصالحة للشرب دون مقابل من خلال السبل المتواجدة في كل أحياء القاهرة المحروسة.
فهل كان يقتصر عمل السقايين على توصيل المياه وحسب هذا ما سنعرفه في الحلقة المقبلة...
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البوابة شوارع القاهرة السقا
إقرأ أيضاً:
مطلوب صحفي.. أو ما يوازيه!
في مشهد مفرحٍ محزن، يطلق خريجو طلبة الإعلام قبعات تخرجهم في الهواء، ابتهاجا بنيلهم شهادة جامعية تقول إنهم "صحافيون"، لكن سرعان ما يكتشفون أن شهادتهم لها ما "يوازيها" في سوق العمل.. ومنافسون غير متوقعين.
أولى الصفعات التي تُوجَّه إلى خدود الصحفيين الجدد -وقد تبقى هذه الخدود مرتجفة من شدة الصفع لسنوات- تأتي من إعلانات التوظيف التي تطلب "صحفيا يحمل شهادة في الصحافة أو الإعلام، أو ما يوازيها من التخصصات ذات الصلة". كمثال، نقتبس إعلان توظيف لعدد من المؤسسات الإعلامية " Bachelor’s degree in Journalism, Communications, Media Studies, English, or a related field".
مع عبارة "الشهادات ذات الصلة" -الغامضة وغير المحددة- تبدأ فوضى التوظيف القائم على أسس هشة، سهلة الانهيار عند أول اختبار حقيقي في "مهنة المتاعب". كيف يمكن للموظف الذي يحمل شهادة في الرياضة، أو الكيمياء، أو اللغات، أو الهندسة.. أن يخوض معركة الصحافة اليومية دون أن يعرف قواعدها، وخصوصا في بداية فترة توظيفه التي لا تحتوي على خبرة، معرفة، أو حتى أخلاقيات المهنة؟
المؤسسات الصحافية توظف أعدادا كبيرة من غير المتخصصين أكاديميا في هذا المجال، حتى أنك قد تلاحظ أن حملة شهادة الصحافة والإعلام هم "أقلية ساحقة" داخل تلك المؤسسات! فصاحب العمل يضع شهادة الصحفي -الذي قضى أربع سنوات يتعلّم أصول المهنة، مثقلا بالرسوم الجامعية والواجبات الأكاديمية- إلى جانب شهادة أخرى يراها "تعادلها"، ثم يفاضل بينهما. وقد تميل الكفّة أحيانا لصالح "ما يوازيها"، لا لصاحب الاختصاص الحقيقي.
لا نقلل هنا من خبرات بعض الصحفيين الكبار الذين لم يدرسوا المهنة أكاديميا، بل على العكس، هناك من تفوقوا على طلبة وأساتذة الإعلام بفضل خبرتهم العملية العميقة. لكن: ما نسبة هؤلاء؟ وهل هم قادرون على مواكبة أدوات العصر، والتكنولوجيا الحديثة التي تُعيد تشكيل القصة الصحفية يوما بعد يوم؟ وكيف سينقلون هذه الخبرات إلى الأجيال الجديدة؟ والأهم: ما النسبة المخصصة لهم فعلا في سوق العمل؟
الصحافة والإعلام تخصص مستقلّ لا "يوازيه" أي تخصص آخر؛ له أدبياته، ونظرياته، وأدواته العلمية والعملية. مهنة تحرّك الرأي العام، وتشكّل الوعي، وتبني (أو تهدم) الثقة؛ مَن يملك أن "يوازي" هذا التخصص الشرس، الدقيق، شديد التغيّر؟ وإن كان هناك ما "يوازيه"، فما هو هذا التخصص؟ وما حجمه في مواجهة تعقيدات العمل الصحفي؟
هل سمعتم يوما بإعلان من مستشفى يبحث عن "طبيب أو ما يوازيه"؟ أو مكتب محاماة يطلب "محاميا أو ما يوازيه"؟ أو مدرسة تبحث عن "معلّم أو ما يوازيه"؟ بالتأكيد لا. فلماذا إذا يُباح هذا الغموض فقط في الصحافة؟ وهي المهنة التي "قِوامها الخبر المدفون"، كما قال الصحافي والروائي البريطاني جورج أورويل: "الصحافة هي نشر ما لا يريد الآخرون نشره. كل ما عدا ذلك علاقات عامة".
يجب على أصحاب المؤسسات الصحافية أن يمنحوا النسبة الأكبر من فرص العمل لحملة شهادات الصحافة والإعلام، دون أن يتجاهلوا الأقلية من أصحاب الخبرة غير الأكاديمية الذين أثبتوا كفاءة واضحة.
أكثر من أي وقت مضى، تحتاج مهنة الصحافة اليوم إلى أصحاب الاختصاص من خريجي كليات الصحافة والإعلام، لا إلى أولئك الذين يحملون شهادات تُصنَّف كمكافئة. فثمة فرق شاسع بين شغف شاب اختار هذه المهنة عن وعي وهو في 18من عمره، وبين من وصل إليه بالصدفة وحمل شهادة "ما يوازيها".