منير أديب يكتب: الإرهاب في روسيا والحرب الأوكرانية
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
العملية الإرهابية الأخيرة التي ضربت مركز كروكس سيتي مول التجاري في روسيا أمس الجمعة لا يمكن أنّ نفصلها عن الحرب الأوكرانية والتي واجهت فيها روسيا الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا، ولا شك أن كل منهما استخدم أدواته في مواجهة خصومه، بما فيها توظيف الحركة الجهادية في هذه المنطقة.
توقعنا في بدايات هذه الحرب قبل عامين أنها سوف تُؤثر إيجابًا على تنامي الحركة الجهادية في شرق أوروبا؛ لأسباب ترتبط بطبيعة هذه الحركة من جانب وقوة داعش خرسان من جانب آخر، فضلًا على انشغال القوى الدولية الكبيرة بالحرب بدلًا من مواجهة تنامي هذه التنظيمات.
الأخطر أنّ كلا من طرفي الصراع وجه انتقادًا للطرف الآخر في الحرب الأوكرانية يتهمه فيها بتوظيف جماعات العنف والتطرف في هذه المواجهة؛ وربما كانت المحصلة العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت قاعة حفلات موسيقية قرب موسكو، فضلًا عن احباط عمليات إرهابية لاستهداف كنيس يهودي منذ أيام.
لا شك أنّ الحروب والصراعات التي ضربت العالم بدءًا من شرق أوروبا وتحديدًا في أوكرانيا وانتهاءًا بالشرق الأوسط وتحديدًا في فلسطين ومرورًا بما يحدث في السودان وسوريا واليمن وعدد من الإنقلابات العسكرية التي ضربت بعض العواصم الأفريقية مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كل هذا ترك أثرُا إيجابيًا على نشاط الحركة الحركة الجهادية العالمية.
التنظيمات المتطرفة وداعش على وجه التحديد ينشطون جميعًا بصورة كبيرة في ظل الحروب والصراعات؛ فدائمًا تلجأ هذه التنظيمات إلى صناعة الفوضى التي تُخلفها هذه الحروب، فأما وأنّ هذه الحروب والصراعات واقعًا قائمًا بالفعل، فمن الطبيعي تظهر هذه التنظيمات بصورة أكثر وضوحًا، ونتوقع معها عمليات نوعية مثل ما حدث في روسيا.
صحيح نجح التحالف الدولي في القضاء على دولة داعش منذ العام 2014، وأعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، انهيار دولة داعش في 22 مارس من العام 2019، لكن ها هو التنظيم يعود من جديد من خلال تنفيذ عمليات نوعية في كبرى دول العالم.
وهذا ما نقصدة من عودة داعش، صحيح قد لا يعود داعش بدولة له بعد أنّ سقطت في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذه العودة قد تكون أخطر؛ وتبقى الخطورة في عدم وجود بقع جغرافية يٌسيطر عليها التنظيم، وإنما يتواجد في شكل خلايا خاملة ومنفردة ومتخفية، ولكنها قد تنشط في أي وقت وتقوم بتنفيذ عمليات نوعية مثل ما حدث في روسيا مؤخرًا.
صحيح مجتمع الاستخبارات الأمريكي حذر روسيا من إمكانية تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها بعدما تدفقت معلومات تفيد بأنّ داعش يعتزم مهاجمة روسيا، المعلومات كانت محدودة ولكنها ارتفعت إلى مستوى واجب التحذير، وهو ما تجاهلته روسيا ووصفت هذا التحذير بأنه استفزازي!
على كل الأحوال الصراع الدائر في أوكرانيا أثر على التنسيق الاستخباراتي ما بين المخابرات المركزية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الروسية، وبالتالي كان نتيجة ذلك، تجاهل الأخيرة التحذيرات التي أبلغت بها، حتى أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتبر أنّ الغرب يتدخل بشكل مُسيء لروسيا على خلفية هذه التحذيرات.
العملية النوعية الأخيرة لـ داعش في روسيا ليست الأولى بعد سقوط دولة داعش ولن تكون الأخيرة، بل هناك عددًا من العمليات الإرهابية خلال الفترة القادمة في كل قارات العالم؛ سواء في أوروبا المشغولة بالصراع الدائر في شرقها أو في أفريقيا بعد عدد من الانقلابات العسكرية أثرت على جهود مكافحة الإرهاب في القارة السمراء.
وهذه العمليات الإرهابية سوف تطول أيضًا منطقة الشرق الأوسط، فداعش نشأ فيها ومازال موجودًا بخلاياه في الرقة والموصل، ونفذ عشرات العمليات النوعية؛ فضلًا عن اتساع نطاق الصراع في أكثر من عاصمة عربية، منها السودان، حيث حذر تقرير أممي من تنامي التنظيمات المتطرفة في هذه المنطقة بعد استمرار الصراع ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
بدأت تخرج قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية من العراق بعد توتر العلاقات بين البلدان على خلفية ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا في غزة؛ وهو ما قد يكون له تأثير إيجابي على بقايا داعش في هذه المنطقة، كما أنّ تأثير الصراع في أوكرانيا ظهرت ملامحه في هجوم موسكو الأخير.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: روسيا داعش روسيا الارهاب في روسيا الهجوم في روسيا هجوم موسكو فی روسیا فی هذه
إقرأ أيضاً:
كيف شل الاحتلال الإسرائيل الحركة التجارية جنوب لبنان؟
بيروت- لطالما شكّل الخط التجاري جنوبي لبنان -والذي يمتد من الناقورة قضاء صور مرورا بمدينة بنت جبيل ووصولا إلى مرجعيون في البقاع اللبناني- شريانا حيويا لمنطقة الحافة الأمامية، والذي توقف مع الاحتلال الإسرائيلي للجنوب بدءا من عام 1982، لكن بعد التحرير عام 2000 عاد الخط التجاري الجنوبي إلى نشاطه من جديد.
وأكسب الخط الحيوي البلدات التي يمر بها ميزة فريدة، حيث انتعشت الحياة الاقتصادية وأنشئت فيها عشرات المؤسسات التجارية والصناعية، وأصبح خط الحافة الأمامية منطقة مزدهرة.
لكن حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان -والتي اندلعت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023- أطاحت بهذا الخط الذي يسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي حاليا عليه في نقاط أساسية عدة، في بلدات راميا وحولا ومركبا وكفر كلا، مما أدى إلى تقطّع أوصاله، الأمر الذي انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي في منطقة الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة.
أهمية إستراتيجيةيقول رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزّي للجزيرة نت إن مدينة بنت جبيل تعد مركزا تجاريا مهما، وهي تعتمد على الخط التجاري الذي يبدأ من بلدة الناقورة القريبة من مدينة صور التي تتميز بمرفئها التجاري حيث تأتي عبره البضائع إلى المنطقة، ويصل هذا الخط إلى البقاع باتجاه سوريا حيث تأتي الخضروات والمواشي من هناك إلى الجنوب.
إعلانويشير بزّي إلى أن هذا الخط تاريخيا كان يسلكه التجار والمزارعون من كل منطقة الجنوب اللبناني ليشاركوا في سوق الخميس الشعبي الذي يقام أسبوعيا في مدينة بنت جبيل، حيث يعرضون بضائعهم في السوق أمام الزبائن.
وأشار إلى أن قطع هذا الخط من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي في نقاط عدة -ومنها في راميا- يعني قطع الشريان الحيوي لبنت جبيل وقرى الشريط الحدودي، مما يسبب أعباء كبيرة على أصحاب المؤسسات في المدينة، وكذلك سيحرمهم من زبائنهم من منطقتي صور والنبطية.
تدمير المؤسساتميس الجبل بلدة أخرى ازدهرت بعد التحرير عام 2000 بفعل هذا الخط التجاري، وهي المشهورة بصناعة السجاد والمفروشات والأدوات المنزلية، فبعد التحرير عاد أبناؤها إليها مع مؤسساتهم التي كانت خارج البلدة، وأنشئت على طول طريقها العام أكثر من 175 مؤسسة تجارية، وأصبح سوقها مقصدا لكل اللبنانيين من شمال لبنان وحتى جنوبه.
ويقول رئيس بلديتها عبد المنعم شقير للجزيرة نت إن هذا الخط التجاري المميز الذي كان ممتدا من الناقورة وحتى العرقوب وكذلك إلى سوريا أنعش القرى الجنوبية، حيث انتشرت المؤسسات التجارية والصناعية على امتداده، ولم يقتصر التصنيع لرفد السوق المحلي، بل تعداه إلى التصدير للخارج أيضا.
ويلفت شقير إلى أن قطع هذا الخط في نقاط عدة أدى إلى شله كليا، حيث توقفت الحركة التجارية وبات من الصعوبة الوصول إلى ميس الجبل بسبب السيطرة الإسرائيلية على بعض النقاط، وبسبب الخروقات الإسرائيلية المتكررة التي توتر الأجواء.
ليس فقط انقطاع الطريق هو العائق أمام عودة الحياة التجارية إلى قرى الشريط الحدودي، بل تدمير هذه المؤسسات وجرفها بشكل متعمد من قبل الاحتلال أدى هو الآخر إلى خسارة معظم هذه القرى، في حين قام العشرات من أصحاب هذه المؤسسات بنقلها نهائيا إلى خارج المنطقة.
شهادات حيةيملك حسن قبلان مقهى في ميس الجبل، ووسط الدمار والركام أصر على إعادة افتتاحه.
إعلانويقول قبلان للجزيرة نت إن هذا الخط التجاري المميز كان يضج بالحياة على مدار الساعة، وكان الزبائن يقصدونه من كل الجنوب اللبناني، لكن الوضع الراهن تغير كليا لأسباب عدة:
وجود الاحتلال الإسرائيلي في منطقة مركبا ومحيطها، مما أدى إلى قطع الطريق تماما. العائلات التي سلمت منازلها من التدمير لم ترجع إلى المنطقة لحين انتهاء العام الدراسي. أما السبب الأخير -بحسب قبلان- فهو ضعف الإمكانيات المادية للعائلات المتضررة أو المدمرة بيوتها، في ظل تأخر انطلاق مشروع إعادة الإعمار.وتأثرت بلدة عيترون (قضاء بنت جبيل) بالواقع الجديد، ويشير خليل محمد -الذي يملك مقهى على طريق عام البلدة- إلى الخط التجاري في منطقة عيترون كان نشطا للغاية قبل الحرب، قبل أن تتراجع الحركة الاقتصادية بشكل ملحوظ بعد هذه الحرب.
وتوقع محمد في حديثه للجزيرة نت أن يعود الوضع أفضل، قائلا "ما دمره العدو سيبنى من جديد بفضل تضحيات الشهداء وصمود سكان القرى الحدودية في جنوب لبنان".
حرب مستمرةبدوره، يقول الخبير والباحث الاقتصادي عماد فران في حديث للجزيرة نت إن آثار الحرب الأخيرة كانت مدمرة على البنية التحتية وعلى المؤسسات الخاصة والعامة في المناطق الحدودية.
ويضيف فران أن الحرب أثرت مباشرة على السكان أنفسهم، حيث حدثت حركة تهجير واسعة، وأصبحت المنطقة الحدودية شبه خالية.
أبعاد توسعية للاحتلالمن جهته، يقول عضو البرلمان اللبناني النائب قاسم هاشم إن هدف الاحتلال الإسرائيلي من البقاء في نقاط عدة على طول الخط الحدودي له أبعاد توسعية، ويهدف من خلاله إلى إحكام السيطرة والمراقبة على قرى وبلدات الجنوب اللبناني.
ويضيف هاشم في تصريح للجزيرة نت أن الاحتلال يريد أن يقطّع أوصال البلدات الجنوبية ويمنع الحياة فيها، وهذا ما انعكس سلبا على الحركة التجارية والاقتصادية في القرى الجنوبية.
إعلانويؤكد هاشم أن ما قام به الاحتلال إضافة إلى الخروقات المتكررة انتهاك صارخ لاتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدا أنه يجب على الدول الراعية للاتفاق أن تُلزم إسرائيل بضرورة الانسحاب الفوري من هذه النقاط المحتلة داخل الأراضي اللبنانية.
ويضيف "إن لم تنسحب إسرائيل بالطرق الدبلوماسية فلبنان لديه ورقة المقاومة، وهي ورقة قوية ورابحة، والتجارب مع الاحتلال أثبتت أنه لا ينصاع للدبلوماسية، لأنه يتنصل من الاتفاقات ويضرب المواثيق الدولية عرض الحائط، ولذلك لا ينصاع إلا للغة القوة".