بقلم الدكتور/ سعيد بن سليمان العيسائي   
كاتب وأكاديمي
تمرُّ الأيامُ والسنواتُ، وبمُرورها نفقدُ أحباباً وخِلاناً، كانوا يملؤون حياتنا ودِيارنا حُباً وحناناً ولُطفاً.
رَحَلَ عن عَالمنا أقارب وزملاء وأساتذة وعلماء، كان لهم من الفضل والطيبة والخُلقِ الرَّفيع الشيء الكثير.
فكم من كريم رَحَلَ, فأصبح مجلسه خاوياً بعد رحيله.


وكم من مجلس عَالمٍ كان عامراً بطلابِ العلم والمريدين، فتفرَّقَ طُلابه بعد رحيلِ هذا العالم.
وكم من أُسَرٍ أُغلقت بُيوتها بسبب موت ساكنيها، غَرقاً أو احتراقاً أو في حادث سَيْرٍ مُؤلمٍ.
سنذكرُ هؤلاءِ الراحلينَ في المناسباتِ التي كانوا يحضرونها، فيأتي موعد هذه المناسبة، وهي خالية من هذا الراحل أو ذاك، أو هذه الراحلة أو تلك، وكأن هذه المناسبة ينقصها وجود هذا الذي لا تكتمل الفَرحةُ إلا بوجوده.
والرحيلُ في مقالنا  هذا ينقسم إلى نوعين:  
الأول: الرحيل الأبدي وهو الموت،  
والثاني: الرحيل الوقتي المحدد بزمن معين، والذي يكون عَادةً من بلدة إلى أُخرى، ومن دَولة إلى دولة.
ويندرج تحت كل نوع من هذين النوعين أشكالٌ مختلفة، سندلك عليها بما قيل فيها من أشعار وقصائد.
ونودُّ أن نشير هنا إلى أنَّ الشهداءَ الفلسطنيين في غزة وفي غيرها من دول العالم، والأَسْرَى الفلسطنيين في السُّجون الإسرائيلية، المسجونين ظُلماً وعُدواناً لسنواتٍ طويلةٍ، والسُّجناء في سُجون الأنظمة الديكتاريوية والقمعية، يتصدرونَ قوائمَ الرَّاحلينَ، ولكنَّ المقالَ لا يتسع للحديث عنهم، لأنهم يستحقون منا مقالة مستقلة.
وقد قيل في النوع الأول، وهو الموت آيات وقصائد كثيرة نذكر منها قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ ، ومنه قولُ كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ:
كلُّ ابنِ أُنْثى وإن طالَتْ سَلامتُهُ *** يَوْمًا على آلةٍ حَـــــــدْبـــــــاءَ مَحْـــمولُ
وقولُ الخنساء في قصيدة من قصائد الرِّثاء التي نظمتها في رِثاء أخيها صخر:
وَلَــــولا كَـــــــــــــــــــثرَةُ الـبـاكــــــــــــــــينَ حَــــــــولي *** عَلى إِخــــــــوانِهِم لَقَــتَــلــتُ نَفـــــــــــســـي
وإذا كانت الخنساءُ قد نظمت هذا البيت في أخيها صخر، فإننا لو وضعنا مكان كلمة (إِخوانِهِم) كلمة من الكلمات الآتية: (أولادهم، أحبابهم، خلانهم، أصحابهم)، أو جيرانهم، ونقصد بهم الطيبيين، لاستقام المعنى، ولما انكسر  البيت.
وإذا انتقلنا إلى النوع الأول من أنواع الرحيل، وهو الموت، فإنَّ الشُّعراء قد نظموا فيه أروعَ قصائدهم، لأنَّ الرِّثاء هو أحدُ أبرز فنون الشِّعر العربي، بل إِنَّهُ يتصدرها من حيث صدق التجربة، وحرارة التعبير، ودِقةُ التصوير.
يقول الدكتور شوقي ضيف عن الرِّثاء عند المشرق: بدأ عند العرب كما بدأ عند كثير من الأمم الأخرى، بصورة تشبه أن تكون سحراً حتى يطمئن الميتُ في مَرْقَدِهِ.
وقد رَثَى الشعراء العرب أنفسهم وإخوانهم وأزواجهم وزوجاتهم وأبناءهم، ومن أشهر الذين رَثُوا أنفسهم مالك بن الريب (17 هـ - 638م / 57 هـ - 677م) بقصيدة رائعة مُؤثرة فَريدة يقول في بعض أبياتها:
 
تـــقــولُ ابنـــــتيْ لمّا رأت طـُــــــــولَ رِحْلَتِي *** سِـــــــــــــــفارُكَ هــــــــــــــذا تــاركــــــــــي لا أبــــــــــــــــا ليا
لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي *** لقد كنتُ عـــــــــــــــــن بابَي خراسان نائيا
تذكّرتُ مَـــــنْ يبكي عليَّ فلم أجــــــــــــــدْ *** سِوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
 
وهذه القصيدة هي من أجمل القصائد التي قرأتها وحفظتها أثناء الدراسة ما قبل الجامعية حيث كان كتاب [مع الرعيل الأول] للشيخ: محب الدين الخطيب، مُقرراً علينا في مادة المطالعة والنصوص.
 
ومن أشهر الذين رَثُوا الإخوة، الشاعرة الخنساء، التي رثت أخاها صخراً بقصائد عصماء أشهرها:
 
قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ *** أمْ ذرَّفتْ إذْ خلتْ منْ أهلهَا الدَّارُ
كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ *** فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مــــدرارُ
إلى أن تقول:
وإنّ صَـــخـــراً لوالِينا وســـــــــــيّدُنا *** وإنّ صَخْراً إذا نَشْـــــــــــــــــــــــــــــــتو لَنَــــحّارُ
وإنّ صَخْراً لمِقْدامٌ إذا رَكِــــــــبوا *** وإنّ صَخْراً إذا جـــاعــوا لَعَـــــــــــــــــــــــقّارُ
وإنّ صَخراً لَتَأتَمّ الــــــهُـــــــــداة بِهِ *** كَأنّهُ عَــــــلَـــــــــــــــــــــــــــمٌ في رأسِـــــــــــــــــــــــــهِ نـــــــــــــــــــارُ
 
ورثت بعضُ الشاعرات، أو الشواعر العربيات أزواجهنَّ بقصائد يعبرن فيها عن حُزنهم وألمهم لفراق هذا الزوج، ومن أشهر اللائي يرثين أزواجهن جليلة بنت مرة الشيبانية (801 ق. هـ - 54 م) في كليب زوجها حين قتله أخوها جساس:
 
جَلَّ عِنْدِي فِعْلُ جَسَّاسٍ فَيَا ***حَسْرَتِي عَمَّا انْجَلَتْ أَوْ تَنْجَلِي
فِعْلُ جَسَّاسٍ عَلَى وَجْــدِي بِهِ *** قَاطِعٌ ظَهْرِي وَمُـــــــــــــــــــــــــــــــدْنٍ أَجَلِي
إلى أن تقول:
إِنَّنــــــــــــــــــــــــــِي قَـــاتِــلَــةٌ مَـــقْــــــــــــــــــــــــــــــــــــتُولَةٌ *** وَلَــــعَـــــلَّ اللَّهَ أَنْ يَــــــــــرْتَــــــــــــــــــــــــــــــــــــاحَ لِي
وإذا كانت الشاعرات أو الشواعر العربيات قد رثين أزواجهن، فإن الأزواج من الشعراء العرب لم يكونوا أقلَّ وفاءً وحُزناً على فِراق الزوجة رفيقة الحياة.
وهناك نوعان من الرثاء للزوجة، لأن الرحيل في فُقدانها نوعان:  
رحيل أبدي: وهو الموت، ورحيل غير أبدي، أو أبدي دنيوي ليس كالموت: وهو الطلاق، وهو ما سيكون مجالاً لحديثنا عند الولوج في أشكال الرحيل الوقتي أو غير الأبدي.
ومن أجمل قصائد رِثاء الزوجة في الشعر العربي القديم رثاء جرير لزوجته بقصيدة خالدة جميلة يقول في بعض أبياتها:
 
لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِـــــــــعبارُ *** وَلَزُرتُ قَـــــــــــــــــــبرَكِ وَالحَــبيبُ يُزارُ
وَلَقَد نَظَرتُ وَمـــــــــــــــــا تَمَتُّعُ نَظرَةٍ *** في اللَحدِ حَيثُ تَمَــكَّنَ المِحفارُ
فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظرَةً *** وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِــدرارُ
ومن أشهر شعراء العصر الحديث الذين رَثُوا زوجاتهم محمود سامي البارودي (6 أكتوبر 1829 – 12 ديسمبر 1904) حيث رثاها بقصيدة يقول فيها:
يــــــا دَهْــــــــرُ فِيمَ فَجَعْــــــــــــــــــــتَنِي بِحَلِيلَةٍ *** كَانَتْ خُلاصَةَ عُـــــــــــــــــــدَّتِي وَعَتَادِي
إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَ لِبُعْدِهَا *** أَفَلا رَحِمْتَ مِـــــــــــنَ الأَسى أَوْلادِي
أَسَلِيلَةَ الْقَـــــــــــــمَـــــــــرَيْـــــــــــــــنِ أَيُّ فَجِيعَةٍ *** حَلَّتْ لِفَقْدِكِ بَيْنَ هَـــــــــذَا النَّادِي
ومن شعراء الشعر الشعبي العُماني الذين رثوا زوجاتهم الشاعر الراحل: محمد بن سالم الحوسني [أبو علي]، الذي له قصيدة مؤثرة بصوته الحزين في رثاء زوجته، وهي موجودة في لقاء تليفزيوني معه، وتم تنزيلها على اليوتيوب، وقد أخبرني رحمه الله عندما دعوناه للمشاركة في سُوق صُحار الأدبي عام 2003 أنه ألقى هذه القصيدة أمام الشيخ: زايد بن سلطان  آل نهيان رحمة الله عليه، وعندما سمعها قال له: (هَوِن عَليكَ يا شاعر كلنا مجاريح).
ورثى الشعراء العرب أبناءهم بقصائد مُؤثرة ملؤها الحزن والآسى، ومن أشهر الذين رَثُوا أبناءهم: أبو ذؤيب الهذلي، الذي رثى أبناءه الخمسة الذين ماتوا بالطاعون حيث يقول:
أَمِــــــــــنَ المَنونِ وَريــــبِها تَتَـــــــوَجَّـــــــــــعُ *** وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
أَودى بَـــــــنِيَّ وَأَعقَـــــــــــــبوني غُصَّةً *** بَـــــــعـــــدَ الــــرُقـــــــادِ وَعَــــــــــــــــــــبرَةً لا تُقلِعُ
سَبَقوا هَوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُ *** فَتُــــخُــرِّمــــــــــــوا وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُ
وهذا البيت هو شاهد من شواهد الشعر العربي في شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك و (هواي) لغة من لغات العرب، والمشهور (هواى)، وفي قصة سيدنا يعقوب عليه السلام وحزنه وكمده على رحيل ابنه سيدنا يوسف عليه السلام صورة رائعة لمدى الأسى الذي يختلج في نَفْسِ الأب تجاه فَقْدَ فلذة كبده.
ومن أنواع الرثاء، رثاء الدُّول والمُدن، والبكاء على رحيل الأوطان وضياعها، فقد ظهر هذا النوع من الرثاء في الأندلس بقوة، وبشكل واسع، وذلك راجع لما آلت إليه الأندلس من نكبات وسقوط لولاياتها.
ومن أهم شعراء رثاء المُدن في العصر الأندلسي: أبو البقاء الرندي، ومن أشهر قصائده في هذا المجال قوله:
 
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا مـــــا تَـــــــــمّ نُقصانُ *** فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُـــــورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَـــــــــــــن سَـــــــــــرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ *** وَلا يَدُومُ عَلى حـــــــــــــــــــالٍ لَها شانُ
 
وقد رَثَى الشعراء سُقوط بغداد على يد هولاكو، وخراب البصرة، ورَثَى الكثير من الشعراء العرب والفلسطنيين القدس وفلسطين، وقد أشرنا إلى ذلك في مقالنا المنشور في صحيفة الرؤية بعنوان: (صورة النكبة في الشعر الفلسطيني).
ومن أنواع الألم على الرحيل، الألم والحزن على رحيل الشباب الذي لن يعود، لأنه يحمل الكثير من الذكريات الجميلة التي لا تُنسى، وبخاصة في أيام الطُّفولة والشباب، فقالوا فيه الكثير من الأبيات والقصائد نذكر منها قولهم:
لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتُ *** لَيْتَ شَبَابًا بُوْعَ فَاشْتَرَيْتُ
وهو من شواهد ابن عقيل على ألفية ابن مالك، والمشهور أن يقال: (بيع).
وقالوا:  
أَلا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً *** فَأُخـــــــــــبِرُهُ بِـــمـــا صَنَعَ المَشيبُ
وقال الشاعر:
أَلا لَيتَ رَيعانَ الشَبابِ جَديدُ  *** وَدَهــــــراً تَـــــــــوَلّى يا بُثَينَ يَـــــعــــودُ
وَتَحَدَّثَ بعضهم عن الشَّيْبِ، وما يجلبه من هُموم وأمراض وأحزان.
 
ومن أنواع الرحيل شِبْهُ الأبدي: رحيل المحبوبة، ولهذا الرحيل ثلاثة أشكال هي:
الأول: الآسى والألم على رحيل المحبوبة بشكل مباشر.
والثاني: الوقوف على الأطلال بعد رحيل المحبوبة.
أما الثالث: فهو توديع المحبوب، وهي في لحظة الاستعداد للرحيل مع أهلها وقافلتها.
وهنالك نوعان من المقدمات:  
الأولى: المقدمة الغزلية.
والثانية: المقدمة الطلبية.
تركز المقدمة الغزلية على موضوعات الحب والرومانسية، ووصف المحبوبة، بينما تتضمن المقدمة الطلبية غالباً على عناصر من النسيب (مقدمة غَرامية)، وإنَّ التركيز الأساسي في المقدمة الغزلية ينصب بشكل صريح على الحب والمحبوبة، ويتشابه كِلا النوعين في التعبير على مشاعر الشاعر وتَجاربهُ الشخصية.
ومن قصائد النوع الأول، وهو المقدمة الغزلية، قصيدة (بانت سعاد)، أو (البردة) لكعب بن زهير التي ألقاها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الشاعر في مطلعها:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ *** مُتَيَّمٌ إِثـــــــــــــــــــــــــــــــــــرَها لَـــــــم يُجزَ مَكــــــــبولُ
وَما سُــــــعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا *** إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيــــــــــــــــــفاءُ مُقــــــــــــــــبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً *** لا يُشــــــــــــــــتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طــــــــــــــــــولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَـــــــــ  *** ـــــــــــــــــــــــسَمَت كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
ومن النوع الثاني (الوقوف على الأطلال) قصيدة (قِفَا نَبْكِ) لامرئ القيس حيث يقول:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ *** بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْملِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لمْ يَعْفُ رَسْمُها *** لِمَا نَسَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
تَـــــــــــــرَى بَــــــــــعَـــــــــرَ الأرْآمِ فِي عَــــــــــــــرَصَاتِهَا *** وَقِيْــــــــــــــــــــــــــعَانِهَا كَأنَّهُ حَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبُّ فُلْفُلِ
كَأنِّي غَـــــــــــــــــــــــــــــــــدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا *** لَــــــــــــــــدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُــــــــــــوْفــــــــــــاً بِهَا صَــــــــحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُمُ *** يَقُوْلُـــــــــــــــــــــــوْنَ:لاَ تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَـــــــــــــــــــمَّلِ
وإِنَّ شِــــــــــــــــــــــــــــــــفائِي عَــــــــــــــــــــــــــــــبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ *** فَهَلْ عِنْدَ رَسْـــــــــــمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟
أما من قصائد النوع الثالث: وهو توديع المحبوبة، وهي في راحلتها مع أهلها وقافلتها استعداداً للرحيل، قصيدة ماني الموسوس من شعراء القرن الثالث الهجري حيث يقول:
وَوَدَّعَــــت بِبَنانٍ خِلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتُهُ عَنَماً *** فَقُلتُ لا حَمَلَت رِجـــــــــــــــــــــلاكَ يا جَمَلُ
وَيلي مِــــــــنَ البَينِ ماذا حَلَّ بي وَبِها *** مِن نازِحِ الوَجدِ حَلَّ البَينُ فَاِرتَحَلوا
يا حادِيَ العيسِ عَرِّج كَي أُوَدِّعَها *** يا حـــــــادِيَ العيسِ في تِرحالِكَ الأَجَلُ
وقد غنا هذه القصيدة الفنانان الكبيران: ناظم الغزالي، وصباح فخري.
وننتقل الآن إلى الرحيل المُؤقت أو المُحدد، أو غير الأبدي، ومنه رحيل الزوجة بالطلاق بعد عِشرة عُمْرٍ، وهو عَادة ما يتمُّ بالغضب أو التعجل، ومن هذه الصورة المؤلمة قول الفرزدق:  
 
نَدِمتُ نَدامَةَ الكُسَعِيِّ لَمّا  *** غَــــــــدَت مِـــــــــــــــــــنّي مُطَلَّقَةٌ نَوارُ
وَكانَت جَنَّتي فَخَرَجتُ مِنها *** كَآدَمَ حـــــــــــــينَ لَجَّ بِها الضِرارُ
وَكُنتُ كَفاقِئٍ عَينَيهِ عَــــمــداً *** فَأَصبَحَ ما يُضيءُ لَهُ النَهارُ
 
وفي سياق الحديث عن توديع الأنثى بكل أنواعها وأشكالها، فإنه بلغني عن أحد الزملاء أنه عندما زُفَّت ابنته إلى بيت الزوجية في ليلة عُرسها بكى بكاءً شديداً لسببين:
أولهما: أنَّ بيت الزوجية ليس دائماً جنة من جنان الخلد، بل قد تكون ناراً ولهيبا لا يطاق.
والثاني: هو أنَّ حَنان البنت لوالديها ولإخوانها وأخواتها حَنان فَقْدُهُ لا يعوض.
وقد نصحت إحدى الأمهات العربيات ابنتها في ليلة زفافها بنصحية تُوزنُ بالذهب، وليت كل الأمهات والبنات يقرأنها، فإنها من روائع الحِكَمِ والنصائح في تاريخنا العربي المليء بالروائع والنفائس.
 
ومن أمثلة هذا النوع من الرحيل رحيل الأبناء وسفرهم، فقد عبَّرّ عن هذه الحالة الشاعر السوري الراحل: عمر بهاء الدين الأميري، مُعبراً عن حنينه إلى أولاده بقوله:  
أين الضجيجُ العذبُ والشغبُ *** أين التدارسُ شابه اللعـــــــــبُ ؟
أين الطـــــــــــــــــــفــولةُ في تـــــــــــــــــــــــــوقــدها *** أين الدمى في الأرض والكتب؟
أين التشاكسُ دونـــــــــــــــــــــما غرضٍ *** أين التشاكي ماله ســـــــــــــــــــــــــــــــــبب؟
أين التــبــاكــــــــــــي والتـــضــــــاحكُ في *** وقت معا والحـــــــــــــــــــزنُ والطرب؟
أين التـــــسابـــــــــــــــقُ في مـــجـــاورتـــــــــــــي *** شغــــــــــــــــفاً إذا أكلوا وإن شـــربوا؟
يتزاحــــــــمون على مــــــــجــــــالــســـــــــــــــتي *** والقربِ مـــــــــــــــــــــــــــني حيثما انقلبوا
إلى أن يقول:
بالأمسِ كــــانـــــوا مِــــــــــــــــــــــــــــــلءَ منزلنا *** واليوم ويــــــــــــــــــــــــح اليوم قد ذهبوا
ومن أنواع هذا الرحيل توديع المسافرين إلى الديار المقدسة، ورؤيتهم وهم يرحلون في قوافلهم، التي قد تستمر شُهوراً طويلة ذهاباً وإياباً، يحدوهم الحنين والشوق إلى رؤية الديار المقدسة، والكعبة المشرفة، وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن أشهر الذين بَرِعُوا في هذا المجال الشاعر البوصيري (608 هـ - 696 هـ / 7 مارس 1213 – 1295)، ومن أشهر قصائده قصيدة [البردة] التي يقول في مطلعها:
أَمِــــــــــــــــــــــــنْ تَذَكُّرِ جِــــــــــــيرَانٍ بِذِي سَلَمِ *** مَزَجْتَ دَمْعًا جَــــــــرَى مِــــــــــنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ
أَمْ هَبَّتِ الرِّيحُ مِـــــــــــــنْ تِلْقَاءِ كَاظِمَةٍ *** وَأَوْمَضَ الْبَرْقُ فِي الظَّلْمَاءِ مِنْ إِضَمِ
فَمَا لِعَيْنَيْكَ إِنْ قُلْتَ اكْفُفَا هَمَتَا *** وَمَا لِقَلْبِكَ إِنْ قُلْتَ اسْتَــــــــــــــــــــــــــــفِقْ يَهِمِ
ومن  شعراء هذا المجال الشاعر عبد الرحيم البرعي اليمني المتصوف، ومنها قصيدته:
يا راحلينَ إلى منىً بقيادي *** هيجتُمو يومَ الرحيل فؤادي
رحل عن عالمنا أساتذة  وعلماء أجلاء، إما بالسفر إلى بلادهم، أو بالموت ، كانت لنا معهم أجمل الذكريات، وأحلى اللحظات، وسنتذكر هنا قول المتنبي:
إذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قدَروا *** ألا تُـفـارِقــهُــمْ فــالــرَّاحــلــونَ هُــمُ
واستحضر هنا أيضاً مقولة أحد كبار المسؤولين لجلسائه في منزله: (أكثروا من اللقاء قبل أن يأتي يوم ليس فيه لقاء).
رحل الأحباب والطيبون، وبقيت ذكراهم محفورة في قلوبنا وعقولنا.
رحم الله الراحلين، وأنعم بالصحة والعافية والعمر المديد على الباقين.
 
 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الشعراء العرب الذین ر ث وا وهو الموت ومن أنواع من أنواع على رحیل یقول فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

سجال محتدم بين رياضيين وإعلاميين.. رونالدو.. استمراره مع النصر ضرورة.. أم حان وقت الرحيل؟

عائشة الشهري- جدة
عامان ونصف؛ قضاهما النجم الأسطوري كريستيانو رونالدو مع نادي النصر؛ حقق خلالها بطولة كأس الملك سلمان للأندية العربية، ووصافة الدوري والكأس والسوبر العام الماضي، لكنه هذا العام اكتفى بالمنافسة على لقب هداف الدوري؛ حيث لا يزال متصدرًا الهدافين حتى قبل جولتين من النهاية، لكن نتائج الفريق النصراوي لم تكن جيدة، فقد خسر الدوري، وكأس النخبة الآسيوية هذا العام، وربما يخسر المشاركة في النسخة المقبلة، وخرج من كأس الملك، وربما يخسر حتى فرصة المشاركة في السوبر المقبل.
“البلاد” استطلعت آراء مدربين ولاعبين سابقين وإعلاميين حول جدوى استمرار رونالدو مع النصر، أو رحيله، ومبررات كل منهم.

إضافة هائلة
البداية كانت مع المدرب الوطني علي كميخ؛ حيث قال: أنا مع استمرار النجم العالمي رونالدو مع النصر؛ لأنه شكل إضافة هائلة لدورينا، وأوجد جوًا جميلًا بين لاعبي النصر. الدون إضافة قويه جدًا، ويجب استمراره.

خلل إداري
أما الكابتن حاتم الخيمي؛ فيرى استمرار النجم البرتغالي لموسم آخر؛ كونه يقوم بدوره كلاعب على أكمل وجه؛ فالخلل الذي يعانيه النصر ليس بسبب وجود رونالدو؛ بل هو إداري بحت، وإذا ما تم إصلاح هذا الخلل، فسوف تتعدل كل أمور النصر.

 

العنصر الأهم
من جانبه، اتفق نجم النصر الأسبق الكابتن ناصر الفهد مع كميخ قائلًا: أنا مع استمرار القائد كريستيانو رونالدو؛ لأنه أهم عنصر داخل الملعب. بعض الجماهير ربما تعتقد أن كريستيانو يضعف التكتيك، ولكن الحقيقة أن المدرب بيولي هو من يضعف التكتيك؛ لأنه لا يدرك قدرات لاعبيه، وحقيقة أستغرب ممن يطالبون برحيل رونالدو. وهنا أوجه لهم سؤالًا.. ما المطلوب منه كمهاجم غير تسجيل الأهداف، وهو يفعل ذلك بامتياز، فالعام الماضي هو هداف الدوري، وهذا العام حتى قبل نهاية الدوري بجولتين، هو متصدر الهدافين، فكيف يطالبون برحيله؟ أنا مع استمراره، ورحيل المدرب بيولي سيكون صائبًا.

لا جديد
فيما اختلف معه نجم النصر الأسبق الكابتن إبراهيم العيسى، الذي قال: السن له حكم. من وجهة نظري استمرار رونالدو كلاعب لن يضيف جديدًا، ولكن من الممكن أن يستفاد منه في الجوانب التسويقية للنصر، والسعودية بشكل عام.

ناد آخر
من جهته، قال المدرب الوطني صالح المحمدي: إن من مصلحة النصر عدم استمرار رونالدو. أعتقد أن الطرفين قد اكتفيا من بعضهما البعض، أو ما يشبه حالة تشبع، لكنني مع استمرار رونالدو في السعودية، مع ناد آخر غير النصر؛ لاستمرار دعم مشروع تطوير رياضتنا ودورينا، وجذب أنظار العالم، وجلب المستثمرين واللاعبين العالميين.

الهلال.. محطته المقبلة
الإعلامي علي هبه من جانبه، أكد أن وجود كريستيانو رونالدو في الدوري السعودي يُعد أحد أهم المكاسب الكبيرة لمشروعنا الرياضي، وقال: أنا ضد استمراره مع النصر لعدة عوامل؛ منها إدارية، وأخرى فنية، وأهمها نفسية، وقد ذكرت قبل عام، أن الهلال سيكون هو محطة كريستيانو القادمة خصوصًا في كأس العالم للأندية، لأسباب عدة؛ منها تسويق ومنها جبر خواطر؛ لذلك أتمنى مغادرة الدون ومعه دوران؛ من أجل مصلحة النصر وجماهيره.

 

هداف الدوري
فيما قال الإعلامي محمد الغامدي: بالطبع مع ضرورة وجود رونالدو في النصر، لأسباب منها: أن مشاكل النصر الفنية ليست بسبب وجود كريستيانو؛ بل هي أعمق من ذلك؛ سواء في مدرب لا يجيد إدارة الفريق تكتيكيًا، أو لاعبين أجانب، ومحليين غير جديرين بحمل شعار النادي. وأضاف: العلة في النصر تنطلق من طابور من المشاكل الإدارية والفنية، قبل التفكير في أن تحميل كريستيانو مشاكل النصر الفنية، وأستغرب بشدة ممن يتناولون في كتاباتهم عبر منصاتهم أو في البرامج الرياضية، أن هداف الدوري في الموسم الماضي والموسم الجاري، يمثل مشكلة لابد من التخلص منها.

خسائر بالجملة
أما الإعلامي فلاح القحطاني فقال: أنا مع استمراره وبقوة. كريستيانو رونالدو لو غادر نادي النصر نهاية الموسم، فستكون خسائر النصر بالجملة على كافة الأصعدة؛ فنيًا وإعلاميًا وجماهيريًا وتسويقيًا.
وأردف: وجود كريستيانو أحدث “توازنًا” للنصر في كثير من الأمور، واستمراره يجب أن يستثمر بشكل أفضل من خلال بناء عناصر الفريق على وجوده، خصوصًا أن ارتداءه لشعار النصر، يسهل كثيرًا من قدوم أي لاعب؛ يريد النصر التعاقد معه، وحتى من ينتقد حضوره الفني، الرد عليهم سهل.. فقط انظر إلى هداف الدوري السعودي منذ قدومه، وستدرك أن ما يطرحونه لايمت للواقع بصلة. وكل البطولات الأخرى؛ مثل النخبة والعربية وكأس الملك، التي شارك بها ستجده؛ إما الهداف أو الوصيف.

مقالات مشابهة

  • الزمالك يكشف حقيقة طلب الرمادي الرحيل عن الفريق
  • نتنياهو يقول إن إسرائيل مستعدة لصفقة تؤدي لوقف نار مؤقت بغزة
  • فيغا يفاجئ الأهلي بقرار الرحيل نهاية الموسم
  • العرادي: لا مفر من الرحيل.. الحكومة فشلت وأشعلت فتيل النزاع في طرابلس
  • الحاج حسن: من ينتقد مشروع المقاومة عليه أن يقول ماذا قدمت السياسة والديبلوماسية
  • أموريم يرفض الرحيل عن مانشستر يونايتد
  • سجال محتدم بين رياضيين وإعلاميين.. رونالدو.. استمراره مع النصر ضرورة.. أم حان وقت الرحيل؟
  • دقت أجراس الرحيل.. نجم ريال مدريد على طاولة تشيلسي
  • عاجل. ترامب يلتقي رئيس جنوب إفريقيا في المكتب البيضاوي ويعرض ما يقول إنها أدلة على إبادة جماعية بحق البيض
  • التجديد لم يُحسم بعد..فاسكيز على أعتاب الرحيل من ريال مدريد