قال  الأستاذ الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن المتأمل في النصوص الشرعيَّة والسيرة النبوية وتاريخ الأمة يجد أن هناك علاقةً وثيقةً بين شهر رمضان وبين العمل والحث على إتقانه؛ وذلك من خلال ما اختص الله تعالى به هذا الشهر الفضيل من نفحات؛ أهمها عبادة الصوم التي ترسخ في المسلم التعلق بالله تعالى ومراقبته على الدوام، وفي ذات الوقت تحث الصائمين على ترك العجز وأسباب الكسل والتهاون؛ بل ترشدهم إلى العمل وإتقانه والتحقق بأسباب القوة وعلو الهمة والانتصار على شهوات النفس التي تميل دائمًا إلى التواني والراحة.

جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أنه لم يَرِد أن النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين كانوا يتركون فيه أعمالهم وأمور معاشهم للتفرغ للعبادة، سواء كانت الصيام أو القيام، بل يجمعون بين ذلك كله في توازن وانسجام وفق نظام مُحكم يضمن أداء العبد ما افترضه الله تعالى من عبادات واستقرار العمل واستمرار الإنتاج وسلامته بطريقة وسطى لا إفراط فيها ولا تفريط.

وأردف فضيلته قائلًا: إن الصوم يرتقي بطبع الصائم -الذي قد يكون عاملًا أو صاحب جهة عمل- إلى جماع الكمالات المحمودة كمراقبة الله تعالى، وانضباط الباطن كما هو في الظاهر، والحلم، والعدل، والعفو والصفح، وحسن المعاملة، وجميل العِشرة، والوقار، والأمانة؛ بل استجابة الدعوة فضلًا عن تحقيق مظاهر احترام الآخر، والمحافظة على الوقت؛ مما يفيد إنجاز الأعمال وشيوع الحب والاحترام بين جميع العاملين؛ لأن الصوم الحقيقي هو الـمُـحَلَّى بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة التي تحمل المسلم على مجانبة اللغو والكلام فيما لا يفيد والفحش من القول ومنكر العمل.

وردًّا على سؤال عن حكم تعارض العمل مع العبادة قال فضيلته: إذا تعارض فرض كالعمل مع فرض كالصلاة فيجوز جمع الصلوات في بداية الوقت، أو جمعها جمع تأخير، وإذا كان العمل لا يجوز تأخيره لأنَّ أداءه مطلوب على الفور، والصلاة وقتها متَّسع فعليه المواءمة بين الأمرين، حيث إن إتقان العمل المكلَّف به الموظف وأداءه فرض، والتقصير فيه يجعل الموظفَ آثمًا عند الله حتى لو كان في حال طاعة، وعلى المسلم الموازنة بين النوافل والفروض.

وفي رده على سؤال عن جواز إمامة المرأة لبناتها في الصلاة في البيت قال يجوز للمرأة أنْ تَؤُمَّ غيرَها مِن النساء في صلاة الفرض، ويكون وقوفها للإمامة معهنَّ في وسط الصف، فإنْ تقدَّمَت عليهنَّ صَحَّت صلاتهنَّ مع الكراهة، ولكن لا يجوز إمامتها للرجال.

وعن حكم مخالفة إشارة المرور أثناء الصيام قال فضيلته: لا يجوز السير المخالف في الطرق العامة أو مخالفة إشارة المرور لا في رمضان أو غيره؛ لما يترتب عليه من تلف الأنفس والأموال، ولمخالفة التعليمات والقوانين التي قررها ولي الأمر، ومن يفعل ذلك أثناء الصيام تنقص من ثوابه وتمامه على الوجه الأمثل.

وفي معرض رده على سؤال عن حكم الطلاق في نهار رمضان قال فضيلته: إن حكم الطلاق في نهار رمضان كغيره في باقي الأيام والشهور، والجزم بوقوعه ينبغي أن يتم بعد جلوس الزوج أمامنا، حيث إن علماء دار الإفتاء يقومون بالتحقيق مع الزوج لمعرفة هل كان مدركًا لهذه المسألة والكلمة وما يترتب عليها، وهل صدرت عن رضا حقيقي عنده وقصد، فإنه حينها يقع الطلاق، كما أن الطلاق هو علاج إذا ما استحالت الحياة الزوجية، وينبغي أن يوضع في هذا الموضع والمكان ولا يتعداه إلى أماكن أخرى لأن الطلاق إنما جاء لحل مشكلات معينة.

واختتم فضيلته حواره بالرد على سؤال عن حكم من يفطر جهرًا أمام الناس في نهار رمضان، قائلًا: إنَّ مَن أكل أو شرب في نهار رمضان عامدًا عالمًا بوجوب الصوم عليه من غير عذرٍ ولا ضرورةٍ من سفرٍ أو مرضٍ أو نحوهما، فقد ظلم نفسَهَ باقترافِ كبيرة من كبائر الذنوب، والواجب عليه في هذه الحالة أن يتوب إلى اللهِ تعالى منها بالاستغفار والندم، مع وجوب قضاء الصوم، ولكن ينبغي للناس ألا يفتشوا عن النوايا أو يسيئوا الظن ببعض المفطرين لعل عندهم عذرًا، ولكن أيضًا ينبغي على من أفطر لعذر ألا يجهر بذلك إن استطاع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصوم فی نهار رمضان على سؤال عن الله تعالى لا یجوز عن حکم

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 6 من سورة القارعة: ” فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ”.
مما استوقفني في هذه الآية ثلاث مسائل، الأولى: لماذا جاء ثقل الموازين دلالة على زيادة الأعمال الصحيحة، مع أن الميزان واقعيا يوازن بين شيئين، فهو إما أن تضع الشيء في كفة وفي الكفة الأخرى ما يعادله من أثقال مقدرة، فتحسب قيمة الثقل الموازن لتعرف وزن الشيء الموزون، وإما أن تضع الشيئين فتنقص أو تزيد من أحدهما لكي يتعادلا فيصبحا بالوزن ذاته.
في الحالتين يلزم الميزان التوازن، فإن رجحت كفة فلا يعلم مقدار زيادة وزنها إن كان قليلا أو كثيرا إلا بالترجيح وهو إضافة أثقال معلومة وحساب قيمتها.
فإن كانت الحسنات في كفة والسيئات في الأخرى، فلماذ اعتبر الله تعالى ثقل الميزان لصالح الصالح، وأنّ خِفّتَها تعني رجحان السيئات؟، مع أن كفة السيئات من الممكن أن تكون الراجحة، فلم يقل من ثقلت (أي رجحت) كفة أعماله الصالحة، بالمقابل من ثقلت كفة أعماله السيئة؟.
معنى ذلك أنه تعالى لم يقم وزنا للأعمال السيئة!، أليس في ذلك بشارة وطمأنة للبشر؟
إذاً فالعمل الصالح هو المعتبر عنده تعالى، وهو الذي له قيمةٌ وحساب، وتقدير قيمته عائد لعدل الله وكرمه، وتقدير قيمة السيء من العمل عائد لرحمة الله وعفوه.
التساؤل الثاني يتعلق بدلالات استعمال الميزان في التقييم، وهو عنوان العدالة، إذاً فالأمر ليس تقديريا، بل يُحسب بدقة، فكل شيء فعله في الدنيا أحصاه الله، و”لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى” [طه:52]، و”وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا” [الإسراء:13]، لذا فلا يستصغر المرء أعماله التي قصد بها رضا الله تعالى مهما ضؤلت، لأنه لا يهمل الله أمرا كان بقصد نيل رضاه جل وعلا مهما قل، ولا أمرا أغضب الله فيه مهما صغر” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” [الزلزلة:7-8]، وإنه “لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً” [الحجرات:14].
من هنا يتعلم المرء حسن الأخلاق، فليس عمل الخير مقصورا على من يملك المال، بل الكلمة الطيبة والإبتسامة والود في التعامل وحتى في رفع الأذى عن الطريق، كل ذلك رصيد له يوم لا يتمنى المرء غير إثقال الميزان.
كما جاءت لفظة الموازين بصيغة الجمع لأن الصالحات كثيرة التنوع ومتفاوتة في الأثر، فلا تقاس بميزان واحد، فذكر الله يقاس بمقدار ما حققه من تقوى وبعد عن المعاصي وليس بعدد الأذكار، والصدقات بمقدار النفع المتحقق وليس القيمة، ونوافل العبادات بالإخلاص في أدائها وليس بعددها، والجهاد بمقدار صدق النية في التضحية وليس بعدد المعارك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقدار الأثر المتحقق،..الخ.
وأما الثالثة فهي في دلالة استعمال (راضية) والتي هي إسم فاعل، ولم ترِدْ (مرضي عنها)، أي في مقام إسم المفعول، فالمفترض أنّ العبدَ هو الذي يرضى عن العيشة.
إن استعمال اسم الفاعل في مقام اسم المفعول أحد الإعجازات القرآنية الباهرة ، ومثلها قوله تعالى:”جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا” [الإسراء:45]، فالحجاب يكون ساترا أي إسم فاعل فكيف جاء مستورا(اسم مفعول)؟، قال العلماء في تفسير ذلك أنه يكون حجابا مضاعفا بطبقات عديدة تستر بعضها بعضا، وإذاً فتفسير العيشة الراضية أنها ليست مُرضِيةً فحسب، بل هي متعددة الإرضاء، وكأنها هي الراضية بذاتها عن العبد، لأنها محققة لجميع ضروب السعادة والكفاية.
كم من الكنوز النفيسة في قرآننا العظيم، والتي مهما نقب الإنسان سيجد منها الجديد في كل عصر، وبما وسعته مدارك كل زمان، لذلك حض الله على دوام التفكر في كتابه، ولم يقل بالاقتصار في فهمه على ما جاء به الأولون، وذلك لأجل استنباط فهم جديد ينفعهم في حل مشكلات استحدثت بفعل التطور والتغيير على مر الأزمنة.
فالحمد لله على هذه النعمة الدائمة الباقية أبد الدهر، قد تزول أية نعمة لكنها لا تزول.

مقالات ذات صلة كاريكاتير د. علاء اللقطة 2025/07/30

مقالات مشابهة

  • كفارة من ترك صلاة الجمعة ثلاث مرات متتالية .. عليك 4 أمور واجبة
  • تأملات قرآنية
  • فتاوى وأحكام| هل يجوز للمرأة قراءة القرآن وهي كاشفة شعرها؟.. هل المتوفى بسبب السرطان يُعتبر من الشهداء؟
  • أوقاف الإسماعيلية تشارك في البرنامج الرئاسي المرأة تقود في المحافظات
  • هل يجوز للمرأة قراءة القرآن وهي كاشفة شعرها؟.. أمين الفتوى يجيب
  • حكم تأخير الصلاة عن وقتها.. الإفتاء: يجوز في هذه الحالات
  • هل يجوز ترديد آيات قرآنية في السجود؟.. دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز قطع الصلاة لإنقاذ طفلي من خطر؟ ..الإفتاء تجيب
  • من دون تكييف ولا دعم.. لاعبات عراقيات على الكراسي المتحركة إلى العالمية
  • سر الخصوبة.. دراسات تكشف تأثير النظام الغذائي على الصحة الإنجابية للمرأة