جمال القليوبي يكتب: إيران والنيجر.. اتفاق منافع من أجل اليورانيوم
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
لم تكن النيجر حديث الصحافة والإعلام منذ نشأتها واستقلالها في عام ١٩٦١ حتي وقت قريب ولكن الانقلاب العسكري الأخير علي رئيس البلاد محمد بازوم جعل منها مادة إعلامية دسمة في الصحافة العالمية.
فلم تكن تلك الدولة الفقيرة المحصورة بين دول شمال أفريقيا لكل من الجزائير وليبيا بينما في الغرب مالي وبوركينا فاسو وفي الجنوب كلا من نيجيريا وبنين ومن الشرق دولة تشاد ومنذ استقلال النيجر حتي يومنا هذا لم يستقر الحكم فيها فقد مرت البلاد بأكثر من خمسة انقلابات عسكرية علي الحكم الرئاسي وكان آخرها الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد عبد الرحمن تشيبانى وعين نفسه رئيسا للبلاد وقام بتعيين وزير المالية السابق علي لامين زين رئيسا للحكومة وعمل تشيباني علي أن تتخلص النيجر من الاستعمار الشكلي والتبعية الخفية لدولة فرنسا والتي ظلت تستورد كل مقدرات النيجر منذ إن كان الاستعمار الفرنسي متحكما في البلاد إلى وقت قريب والذي منح فيه العميد عبّد الرحمن وقت محدد يكون فيه رحيل آخر الجنود الفرنسيين الذين كانوا يقطنون قاعدة نيامي الجوية.
وطوال تلك السنوات من التواجد الفرنسي والذي كانت أهداف ذات توجه استراتيجي يخدم فيه المصالح الاقتصادية والسياسية للفرنسيين وخاصة أن النيجر من أغنى الدول في العالم الزاخرة بخام اليورانيوم الذي تستجلبه باريس من مناطق اغاديز بكميات كبيرة حيث يمثل الوقود الأساسي لكل محطات الطاقة النووية للجيل الثالث الفرنسي والتي تمثل عصب ال ٥٨٪ من صناعة الكهرباء المنتجه لفرنسا . وتعتمد النيجر علي مصادر دخل قومي محدود ومحصور للغاية حيث إن ٧٠٪ من حجم الصادرات لديها يتمثل في استخلاص وإنتاج خام اليورانيوم طبقا لآخر إحصائية صادرة من حكومة النيجر حيث وصل الإنتاج إلى ٢٠٠٠طن في عام ٢٠٢٢ وتحتل النيجر بذلك رابع منتج لليورانيوم عالميا وكذلك كأكبر دولة لديها مخزون استراتيجيين الخام يصل إلى حوالي ١٠٠مليون طن منتشر في معظم الصحراء الكبري للنيجر.
ويبدو ان الحكومة العسكرية المتوليه زمام الحكم في النيجر علي وفاق واتفاق حدودي لحكومات الانقلابات العسكرية في كلا من بوركينافاسو ومالي وكلاهما اتفاقا علي كارهي السيطرة والاستعمار الفرنسي الحديث لأراضيها تحت مسمي دعم باريس الاقتصادي والسياسي لتلك الدول والذي يخفي وراءه دعم الأشخاص الذين يصلون إلى سدة الحكم ولديهم التابعية إلى قصر الإليزيه وحريصين علي الخضوع والاستلام للمصالح الفرنسيه في بلادهم.
ومن هنا فإن كل العسكريين لدي هذه الدول لكلا من النيجر ومالي وبوركينا فاسو لديهم هدف واحد وهو السعي لإيجاد بدائل فرنسا في بلادهم ومن هنا ذهبت النيجر إلى طلب الدعم الروسي بديلا الولايات المتحدة والتي لم تعطي اهتماما بالأحداث الجارية علي ارض النيجر من صراع علي سلطةُ وبالرغم من وجود قاعدتين عسكريتين لها في النيجر بعد مبادرة السلام في غرب افريقيا لوقف التمدد الإرهابي لحركة بوكوحرام إلا وأنها تجاهلت ما يحدث في البلاد ولهذا وجدت حكومة تشيباني مصالحها في اقامه علاقات مع اي دولة تستطيع دعم النيجر اقتصاديا.
وتأتي الظروف التي تمر بها النيجر من الناحية الاقتصادية ملاذا تسعي الية طهران حيث وجدت ان مصالحها في اقامه علاقات خفية لدعم حكومة تشيباني بالسلاح والعتاد والتدريب وكذلك الدعم الاقتصادي التجاري الذي شمل كثير من المنتجات الزراعية والسيارات والاجهزةالكهرباءيية وفي المقابل الحصول علي اليورانيوم بطرق ليست رسمية تفاديا لتدخل وكالة الطاقه ومنعها ولذا ظهر ذلك التعاون منذ يناير ٢٠٢٤ حيث بينت التقارير في ٢٠٢٣ الصادرة من الوكالة الطاقة النوية التابعة للأمم المتحدة من أن وتيرة تخصيب اليورانيوم الايراني كانت قد تباطأت قليلا منذ نهاية العام الماضي، الا ان إيران لا تزال تقوم بالتخصيب بمعدل مرتفع يبلغ حوالي سبعة كيلوجرامات من اليورانيوم شهريا بنسبة نقاء 60 بالمئة.
وبينما يعد التخصيب بنسبة 60 بالمئة في كون ان اليورانيوم قريبا من درجة صنع الأسلحة، وهو ليس ضروريا للاستخدام التجاري في إنتاج الطاقة النووية. وتنفي إيران سعيها للحصول على أسلحة نووية لكن لم تقم أي دولة أخرى بالتخصيب إلى هذا المستوى دون إنتاجها.
وبموجب اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية، والذي لم يعد ساريا، كان على إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 بالمئة فقط.
وبعد أن سحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في عام 2018 وأعاد فرض العقوبات على طهران، وهنا انتهكت إيران القيود النووية للاتفاق وتجاوزتها. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق أن إيران أبطأت في الفترة بين يونيو حزيران ونوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى ثلاثة كيلوجرامات شهريا، لكنها قفزت مرة أخرى إلى معدل تسعة كيلوجرامات في نهاية العام. وجاءت هذه الزيادة بعد وقت قصير من قيام طهران بمنع ثلث فريق التفتيش الأساسي التابع للوكالة، ومنهم كبار الخبراء، من المشاركة في المراقبة المتفق عليها لعملية التخصيب.
ويبدو أن الخداع السريع الذي استهدفته إيران من دورة التباطؤ والتسريع كان وراءها اتجاه مستقر ومستمر في زيادة مخزون اليورانيوم من مصادر ليست معلومة لدي الوكالة وان المصادر الجديدة أعطت كميات كبيرة للإيرانيين سمحت لهم بزيادة كميه التخصيب المنتظم شهريا وايضا أعطت الثقة في انهم بدأوا بالفعل في انتاج القنابل النووية ابتداء من يناير ٢٠٢٤ تماشيا مع الأحداث في النيجر والتواجد المفاجىء لإيران والجيش الثوري الايراني والذي يقوم بتدريب الحرس الخاص النيجري والذي يقوم علي حراسة عبد الرحمن التشيباني .
وهنا يظهر جليا أن التواجد الإيراني في النيجر والذي استطاع من خلال الظروف الاقتصادية الصعبه التي تواجه حكومه الانقلاب العسكري ان يكون طوق النجاة في حكومة تشيباني ويمد يد العون والدعم من اجل الحصول بأمان علي كميات اليورانيوم في وقت قصير وقد يمتد هذا العون والدعم من ايران الي بقية حكومات بوركينافاسو ومالي وهي حكومات تسعي الي دعم اقتصادي وتسلحي بعيدا عن فرنسا وحلفاءها الأوربيين بل وبعيدا عن الولايات المتحده وهنا يكون فرص سانحه لتوجه عربي مصري يأخذ دورا استراتيجيا في وسط القارة السمراء ... وإلى تكملة قادمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: النیجر من فی النیجر
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة الرباعية وتكتيكات الإسلاميين
تقود اللجنة الرباعية الدولية ، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، مع ترقُّب انضمام قطر والمملكة المتحدة، جهودًا لإنتاج تسوية سياسية تنهي النزاع في السودان، وتُمهِّد لمرحلة جديدة. وتستند هذه المبادرة إلى مقاربة سياسية فوقية، قوامها دمج مساري جدة والرباعية في صيغة موحدة، مستوحاة من تصورات غربية، يخطط لعرضها علي مجلس الأمن لاعتمادها كمرجعية دولية ملزمة. ضمن مسار يُعيد تشكيل المشهد السياسي السوداني، بمعزل عن السودانيين.
ورغم النوايا المعلنة لتحقيق السلام، تثير هذه المقاربة قلقًا كبيراً لدى قطاعات واسعة في البلاد، إذ يُنظر إليها كمسار يتجاوز الإرادة الوطنية، ويستند إلى صياغة حل جاهز ينبع من موازين ومصالح النفوذ الإقليمي والدولي.
وتزداد هذه المخاوف مع تصاعد الخطاب الإقليمي المعادي للإسلاميين، وظهور أجندات دولية تدعو إلى استبعادهم كشرط مسبق للانتقال السياسي. غير أن هذا المسار يصطدم بواقع أكثر تعقيدًا، حيث لا تزال التيارات الإسلامية في السودان تحتفظ بقاعدة اجتماعية واسعة، وتنظيم سياسي محنّك، ومهارات تكتيكية مكّنتها تاريخيًا من المناورة، والبقاء، والتكيّف مع تقلبات المشهد السياسي.
لذلك من المهم التمييز بين الموقف من الإسلاميين كحركة سياسية، وبين محاولات عزلهم كمكوّن اجتماعي له امتداداته العميقة والمتجذرة في الدولة والمجتمع.
ورغم ما يُؤخذ على الإسلاميين من أخطاء خلال تجربتهم في الحكم، إلا أنه لا يمكن إنكار أنهم لا يزالون لاعبًا مؤثرًا، ليس فقط على مستوى الإدارة والتنظيم، بل أيضًا في معركة الكرامة للدفاع عن وحدة البلاد، التي خاضها السودانيون ضد محاولات التفكيك، حيث شاركوا بفعالية – مع غيرهم – في المقاومة الشعبية وصون السيادة الوطنية.
بات الحديث عن المراجعات داخل التيار الإسلامي، وفق كثير من المراقبين، ضرورة ملحّة. وقد بدأت بالفعل محاولات لإعادة صياغة الخطاب السياسي، والتحول من الأفق الحزبي إلى مشروع وطني جامع، يقوم على إدراك حقيقي بأن زمن الانفراد قد ولي، وأن السودان لا يمكن أن يُحكم إلا بشراكة وتوافق حقيقي.
لذلك الإسلاميون اليوم أمام لحظة مفصلية: إما أن يوحدوا صفوفهم و يعيدوا تعريف دورهم كقوة مدنية منفتحة قادرة علي تطوير تجربتها، أو أن يُعاد دفعهم إلى الهامش بذرائع سبق أن أنتجت مزيدًا من الاحتقان والاستقطاب والارباك.
تزداد فرص تحوّل الإسلاميين في السودان إلى فاعل سياسي مقبول في هذه المرحلة، بفضل فهمهم العميق لتعقيدات البيئة السياسية، وامتلاكهم لمرونة تكتيكية أثبتوها في محطات متعددة. ويُعزز هذا الاحتمال النموذج السوري، حيث قاد أحمد الشرع تحوّلاً لافتًا لتيار إسلامي مسلح إلى كيان سياسي مستقر، عقد تفاهمات مع قوى إقليمية وازنة، من بينها السعودية، التي أبرمت معه مؤخرًا اتفاقًا اقتصاديًا غير مسبوق، وساهمت في إعادة تأهيله إقليميًا.
فإذا كانت جماعة ذات خلفية حادة كهذه قد تمكنت من إيجاد موطئ قدم في التوازنات الإقليمية، فإن الإسلاميين في السودان، بما يملكونه من تماسك سياسي وتنظيمي، يمتلكون فرصًا أوفر لتقديم تجربة سياسية مختلفة، متى ما أحسنوا إدارة خلافاتهم، ومراجعاتهم، وتحالفاتهم.
تمثل السعودية ومصر وقطر وتركيا في هذه المرحلة أطرافًا إقليمية مؤثرة وحليفة للسودان، وقد أبدت انفتاحًا واضحًا تجاه مسارات تُفضي إلى تسوية سياسية شاملة لا تستثني أحدًا، انطلاقًا من إدراكها لأهمية الاستقرار في السودان ضمن معادلة الأمن الإقليمي.
لذلك، فإن أي مشروع تسوية يقوم على الإقصاء، لا يعكس فقط قصر نظر سياسي، بل يهدد بنسف فرص الاستقرار ويُعيد إنتاج الصراع بصيغ أكثر تعقيدًا. إن مغادرة البلاد لمربع الحرب لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس شراكة حقيقية تضمن الاعتراف المتبادل والتوازن في معادلات القوة والنفوذ.
الرهان الحقيقي في هذه اللحظة لا ينبغي أن يكون على إقصاء الإسلاميين أو تمكينهم وحدهم، بل على كيفية بناء نظام سياسي سوداني مستقر، يحتكم فيه الجميع لصناديق الاقتراع، ويتساوى فيه الجميع أمام القانون.
الإسلاميون كغيرهم، لا يملكون تفويضًا أبديًا، لكن لا يجوز أيضًا معاملتهم كطرف خارج السياق. إذا قدموا مراجعات صادقة، وشاركوا في بناء مشروع وطني، فإن وزنهم الجماهيري والتنظيمي كفيل بأن يجعلهم جزءً من الحل لا جزءً من الأزمة. كذلك ينبغي ان نأخذ في الاعتبار ما تمتلكه التيارات الإسلامية هو براعة تكتيكية لا يُستهان بها.
فهم يجيدون إعادة التموضع، وبناء التحالفات، والتفاعل مع المتغيرات. لذلك يظل التحدي الحقيقي هو القدرة على الخروج من عالمهم الخاص، والتفاعل مع المزاج العام الذي يُعبّر عن تطلعات شعب يريد الخروج من دوائر الفشل والإقصاء والدماء. عليه لا بد من خطاب جديد يتجاوز الأيديولوجيا نحو الواقعية الوطنية، ويخاطب الشعب بلغة إعادة الأمل.
الإسلاميون سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا، يملكون قدرة حقيقية على تشكيل المشهد إن هم تحرروا من أوهام الماضي، ومدوا اليد نحو شراكة وطنية حقيقية. وفي المقابل، فإن الرباعية الدولية إذا أرادت تسوية قابلة للحياة، فعليها أن تتعامل مع كل القوى السودانية بواقعية ، لا أن تسعى لقصّ المشهد وفق حسابات مصالحها.
في ضوء ما نراه من #وجه_الحقيقة فإن السودان لا يحتاج إلى هندسة سياسية تُرسم في الخارج، بقدر ما يحتاج إلى إعادة بناء مشروع وطني من الداخل، يُنجزه السودانيون بأنفسهم، ويشارك فيه الجميع دون إقصاء. وهذا ما لا يتحقق إلا إذا إلتقت براعة التكتيك الإسلامي مع صدق المراجعة الوطنية، وتخلّت الرباعية عن منطق الحلول الفوقية، لصالح دعم حوار شامل لا يُقصي أحدًا ولا يستثني أحدًا.
إبراهيم شقلاوي
إنضم لقناة النيلين على واتساب