ضريح ومسجد «أم العواجز» فى انتظار حُلته الجديدة.. والمريدون فى شوق
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
بدأ العد التنازلى لافتتاح ضريح ومسجد «أم العواجز»، ليُشع حى السيدة زينب ببركة رئيسة الديوان وصاحبة الشورى، وينتظر مريدوها فى شوق موعد فتح أبوابها لهم، فيتوافدون على أعتابها غير عابئين بتعب السفر أو الازدحام، لتتعلق عيونهم بسماء ساحتها البهية وألسنتهم بالرجاء والدعاء لله عز وجل، ارتبط المصريون بالسيدة زينب بصورة وثيقه غير معهودة، فيقبلون عليها لزيارة مشهدها الزينبى ولمحادثتها كأنها صاحبة وجليسة حاضرة، وكان المصريون إذا أحبوا شيئاً أو خافوا منه أكثروا من أسمائه، فحين مَلكت السيدة زينب قلوبهم أبدعوا فى أسمائها، فلقبوها بالطاهرة وأم اليتامى وأم العواجز ورئيسة الديوان.
نسب عقيلة بنى هاشم
السيدة زينب رضى الله عنها، هى بنتُ على بن أبى طالب بن عبدالمُطّلب الهاشميّة، وأُمُّها فاطمة الزهراء بنت النبى عليه الصلاةُ والسلام، فزينب سِبطة النبى -عليه الصلاةُ والسلام، وهو من أطلق عليها اسم زينب إحياءً لذكرى ابنته السيدة زينب رضى الله عنها، وهى أختُ الحسن والحُسين سِبْطَى الرسول رضى الله عنهم، وولدت السيدة زينب حكيمة آل البيت وعقيلة بنى هاشم فى السادس من الهجرة، وعاشت تحت ظل جدها حضرة النبى (صلى الله عليه وسلم) نحو ٤ سنوات حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، قبل أن تتجاوز السيدة زينب رضى الله عنها الخامسة من عمرها، وبعد أشهر قليلة تبعته أمّها السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها، وأوصتها أمها رضى الله عنها قبل وفاتها بشقيقيها الإمام الحسن والإمام الحسين، أوصتها بأن ترعاهما وتصحبهما، وأن تكون لها أمًّا بعدها.
زواج حكيمة بنى هاشم
عاشت السيدة زينب رضى الله عنها فى صغرها بين محنة انتقال جدّها حضرة النبى المصطفى ومحنة فقدان أمها السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها، مما جعلها صلبة تتحمل المشاق، ونشأت رضى الله عنها صوامة قوامة ذات حكمة وفطنة وعقل راحج، وقد اشتهرت ببلاغتها وحكمتها حتى إن أباها وإخوتها يرجعون إليها ويطلبون مشورتها، كما يأتى إليها الكثير من آل البيت لاستشارتها فى شتى شئون الحياة، تزوجها الصحابى الجليل عبدالله بن جعفر بن أبى طالب رضى الله عنهما فولدت له عليًّا وعونًا الأكبر وعبّاسًا ومحمّدًا وأمّ كلثوم.
وتزوجت من عبدالله بن جعفر وأنجبت بنتًا واحدة وستة من الأولاد.
أم هاشم من الحجاز للمحروسة
راقبت الحياة السياسية ووالدها وهو يخوض المعارك إلى أن استشهد سنة40هـ وبعده أخوها الإمام الحسن رضى الله عنه، وعندما خرج الإمام الحسين رضى الله عنه إلى العراق صحبته إلى هناك لتكون عونًا له، وشهدت قتاله مع جند يزيد بن معاوية فى معركة كربلاء، وشهدت استشهاد أهلها صغارًا وكبارًا.
ولـمّا استشهِد الإمام الحسين رضى الله عنه وساقوها أسيرةً مع السبايا، وقفت على ساحة المعركة تقول: «يا محمداه! يا محمداه! هذا الحسين فى العراء، مزمَّلٌ بالدماء، مقطعُ الأعضاء. يا محمداه! هذه بناتك سبايا، وذريتك قتلى، تسفى عليها الرياح». فلم تبقَ عين إلا بكت، ولا قلب إلا وجف، فكانت بطلة كربلاء بمواقفها الخالدة.
رحلت رضى الله عنها إلى المدينة بعد أن مرت بأيام شداد بعد المعركة، ثم أنقذت ما تبقى من آل البيت، ووجهت قلبها شطر المحروسة، وهاجرت من الحجاز ومعها حفنة كريمة من آل البيت، فكانت مصر الحماية والملاذ، وقد علمت حب أهلها لأهل بيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم؛ فدخلتها فى أوائل شعبان عام 61هـ، ومعها أبناء الإمام الحسين فاطمة وسُكينة وعلى زين العابدين رضى الله عنهم، واستقبلها أهل مصر استقبالًا مهيبًا، واحتملها والى مصر (مَسْلَمةُ بن مخلد الأنصارى) إلى داره وهو مسجد السيدة زينب حاليًّا.
وصية أم المساكين
وعلى أرض الكنانة وافقت على الإقامة فى دار والى مصر، وكرست حياتها تُعلّم الناس وتُفقّههم بأمور دينهم، وتفيض عليهم من الأنوار والبركات والأمداد الربّانية، وآثرت المكوث بغرفة واحدة، تتعبد فيها وتفضى بكرمها على المحتاجين، قضت بها قرابة ١٨ شهراً حتى توفاها الله فى ٦٢ من الهجرة فى شهر رجب الأصم، عن عمر 75 عاماً، ودفنت بحجرتها التى توفيت فيها وأصبحت القبة الموجودة حاليًّا بالمسجد الزينبى المعروف، وقد أوصت قبل وفاتها بأن يتحول باقى القصر إلى مسجد، فكان لها ذلك، وتحول قصر الوالى إلى مسجد السيدة زينب، واليوم، يعتبر مسجد السيدة زينب من أهم المساجد فى مصر، ومن أهم المزارات الإسلامية فى مصر إلى جانب مسجد سيدنا الحسين بن علي- رضى الله عنهما- ومسجد الأزهر الشريف.
مراحل مشهد أم العواجز
يَلوح مسجد السيدة زينب فى أٌفق حى السيدة زينب بالقاهرة، وسط منطقة شعبية تحوى العديد من البنايات ذات الطراز الإسلامى والمتاجر الشعبية، وأول ما وصل له المؤرخون عن نشأة المسجد كان تجديده على يد والى مصر العثمانى على باشا عام 1547م، وفى عام 1768 تم تجديده مرة أخرى من طرف الأمير عبدالرحمن كتخدا، أما الشكل الحالى للمسجد قامت به وزارة الأوقاف سنة 1940 ليكون مسجدًا بطراز إسلامى راقًا، حيث شُيد بسبعة أروقة موازية لجدار القبلة، يتوسطها صحن مربع، وفى الجهة المقابلة لجدار القبلة ضريح أم العواجز رضى الله عنها محاط بسياج من النحاس، وعلى طرفه الشمالى الغربى ضريح العتريس خادم المقام وأحد الأقطاب الصوفية، وعلى وفى عام 1969 تم تجديد المسجد مرة أخرى من قبل وزارة الأوقاف التى ضاعفت مساحته.
وبدأت أعمال ترميم ضريح ومسجد السيدة زينب، رضى الله عنها مرة أخرى العام الماضى، فى إطار توجيهات الدولة برئاسة عبدالفتاح السيسى لتطوير وترميم مساجد آل البيت فى مصر، وشمل التجديد المبنى الرئيسى وملحقاته وزيادة مسطح المسجد إلى 900 م2 ليتسع 1500 مصلى، فضلاً عن مركز للوثائق الإسلامية النادرة، وكذلك أعمال الترميم الدقيق للعناصر المعمارية، بالإضافة لتطوير المنطقة المحيطة بالكامل، ويبدأ التطوير من شارع بورسعيد الذى تم رفع مقلب كبير للقمامة منه ليصبح مكانه أنشطة مشابهة لما فى شارع خان الخليلى من بيع للخردوات والأنتيك ومستلزمات المصلين، وكذلك تم تخصيص سيارات للشباب لبيع المأكولات والمشروبات.
كما تم توحيد طلاء العقارات المجاورة لمسجد السيدة زينب وتخصيص سيارات تعمل بالكهرباء لاستقبال الزوار واحدة من خطوات التطوير أيضاً، مع العلم أن للمسجد محطة المترو باسمه وقريبة منه، وكل هذا التطوير يهدف فى النهاية إلى الوصول بالمنطقة المحيطة إلى شكل المزار والمتنزه الدينى والسياحى، وتم افتتاحه فى رمضان الماضى قبل غلقه مرة أخرى للانتهاء من الترميم.
والجدير بالذكر أن الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أعلن فى مطلع فبراير الماضى عن غلق مسجد السيدة زينب بشكل مؤقت، وجاء ذلك القرار بشكل اضطرارى من مديرية أوقاف القاهرة لتتمكن الجهة المنفذة من سرعة الانتهاء من المرحلة الأخيرة من عملية التطوير الشاملة الجارية بالمسجد حاليًا بكل ساحاته وملحقاته ولكثافة العمل به، وافتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى أعمال التطوير فى المسجد فى العاشر من مارس الجارى، ومن المنتظر افتتاحه قريبًا بعد اكتمال الترميم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مسجد السیدة زینب الإمام الحسین مرة أخرى آل البیت مسجد ا
إقرأ أيضاً:
كيف أبر زوجتى بعد موتها؟.. الإفتاء توضح الطريق
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل يشرع للزوج التصدق عن زوجته أو بِرُّها بعد وفاتها بأيِّ عملٍ من أعمال الخير؟.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلا: يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.
مظاهر بر الزوجة بعد وفاتها في الإسلام
جعل اللهُ الرباطَ الأوثقَ بين الزوجين هو المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، وقد حرص الإسلام على استدامة هذه المودة، حتى لو طرأ على الحياة الزوجية أسوأ ما يمكن أن تتعرض له، وهو انتهاؤها؛ وهو ظاهر قول الله تعالى بعد بيان الحقوق عند الطلاق قبل الدخول: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].
والفضل والمودة بين الزوجين اللذين عاشا معًا -أوثق وأعمق ممَن تفرقَا قبل الدخول، وأنه أشد عمقًا بين من فرقهما موتُ أحدهما؛ إذ لا يوجد في الغالب ما يُضْعِفُ هذه المودة أو يؤثر على سلامتها، كما في الطلاق، فيكون خطاب الشارع الطالب لاستدامة المودة متوجهًا بالقياس الأولوي للزوجين عند انتهاء الزوجية بموت أحدهما.
وليس في الشرع الشريف ما يمنع من إحسان الزوج لزوجته وبرِّها بعد موتها، بل إن نصوص السُّنَّة النبوية المطهرة، ووقائعها أصَّلَت للبر بالزوجة المتوفاة بصور متعددة، تجعل الناظرَ في هذه النصوص مُدركًا بإيقانٍ معالم الإنسانية في أسمى معانيها.
فمن صور بِرِّ الزوج بزوجته بعد وفاتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُكثر من ذكر زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بعد موتها، وكان يُكْرِمُ أقرباءها؛ إكرامًا لها وبرًّا بها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وعنها رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: "اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» فَغِرْتُ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم، فدلَّ على امتداد المودة والوفاء بحقِّ الزوجة بعد موتها.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 202، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولها: "فارتاح لذلك" أي: هش لمجيئها، وسُرَّ بها؛ لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الْوُدِّ، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب] اهـ.
ومن هذه الصور: أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكرم أصدقاءها، ويتعهدهم بالهبات والعطايا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ» رواه البخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "المستدرك".
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»" رواه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وغيرهم.
ومن هذه الصور: دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، واستغفاره لها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَالِاسْتِغْفَارِ لَهَا" رواه الطبراني في "المعجم الكبير".
فيتبين لنا من هذه الصور الإنسانية، وتلك المظاهر النبوية أن البر بالزوجة أمر مطلق عن الحصر، فيصح بكل ما يصلح برًّا.
حكم التصدق عن الزوجة بعد وفاتها
أما عن التصدق عنها بخصوصه، فمع كونه مشروعًا باعتباره أحد أنواع البر الذي يسن فعله -كما قررنا-، إلا أنه من جملة الأعمال التي لا يقطعها عن الإنسان قاطع حتى الموت، بل تكون متصلة به من حيث انتفاعُه بها بعد موته؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم، ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة بأن الصدقة على الميت جائزة من أيِّ أحد من جهة، ويصل ثوابها إليه وينتفع بها من جهة أخرى، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السُّنَّة والجماعة، صلاة كان أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتَصِله] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 385، ط. عالم الكتب): [(وكلُّ قربةٍ فعلها مُسْلِمٌ وجعل) المسلم (ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل) ثوابها (له ولو جهله) أي الثواب (الجاعل)؛ لأن الله يعلمه كالدعاء والاستغفار وواجب تدخله النيابة وصدقة التطوع إجماعًا... قال أحمد: الميت يصل إليه كلُّ شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره؛ للأخبار] اهـ.
فيظهر مما ذُكر أن الإحسان للزوجة وبرِّها بعد وفاتها بصفة عامة أمرٌ مشروع، وأنه من السنن التي سنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن صنوف البر والخير أمرها واسعٌ، فيجوز برها وصِلتها بكلِّ شيءٍ يتحصل به البر، كالثناء عليها بالخير وذكرها به، أو الدعاء والاستغفار لها، أو بالتصدق عنها، أو بفعل أيِّ عبادة ثم وَهْب ثوابها لها.
وأوضحت بناءً على ذلك: أنه يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.