رغم المحافظة على التقاليد.. لماذا يعتبر عرب الأهواز بإيران فرحة رمضان منقوصة هذا العام؟
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
طهران- انطلاقا من خصوصيته ومنزلته الرفيعة لدى مسلمي العالم، تكاد مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك لدى عرب إيران لا تختلف عن أجواء الشهر الفضيل في البلاد العربية، وإن كانت تختلف في بعض الطقوس ومنها غياب صلاة التراويح بمدينة الأهواز.
ومن خلال رصد الجزيرة نت لأجواء ليالي الضيف الكريم لدى عرب إيران بمدينة الأهواز جنوب غربي إيران، وجدت أن مظاهر الشهر المبارك تكاد تتطابق مع الدول العربية.
ولعل أبرز ما يلفت انتباه زائر مدينة الأهواز في شهر رمضان الأجواء الروحانية التي تحف قاصدي المساجد قبيل أذان المغرب، ولا سيما طريقتهم في "فك الريق" (الإفطار)، وتناول إفطار خفيف يتكون من كأس شاي أو حليب ساخن وتمر وحلوى "الزلابية"، قبيل صلاة المغرب التي تعقبها صلاة العشاء مباشرة تسهيلا على الصائمين.
وبعد تناول وجبة الإفطار الأساسية في البيوت، تعود الجموع إلى المساجد لحضور مجالس الوعظ والاستماع إلى المحاضرات التوعوية التي يلقيها رجال الدين، وعادة يكون الإقبال كبيرا على تلاوة جزء من القرآن الكريم.
وطالما اشتهرت الأهواز بمدينة الجسور التسعة وكورنيش نهر كارون، فإن سكّانها يقولون إنهم اعتادوا مشاركة معالمها السياحية، الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الممتد حتى الألفية الثالثة قبل الميلاد، أفراحهم وأتراحهم وطقوسهم الدينية والقومية.
وليس بعيدا عن المساجد ودور العبادة، فإن شريحة من الأهوازيين تسارع إلى شواطئ نهر كارون، لبسط مائدة الإفطار تحت إضاءة الجسور المتلألئة وعلى أنغام موسيقى المطاعم الشعبية المطلة على النهر بما يمهد للأطفال أن يخطفوا لحظات من متعة اللعب.
وبعد يوم من الصيام، يبحث الشباب عن فسحة للترويح عن النفس تتناسب وعطلة رأس السنة الإيرانية، والتي تزامنت هذا العام مع حلول الشهر الفضيل، وذلك عبر التزاور والقيام بجولات ليلية، والمشاركة في الفعاليات الثقافية والترفيهية، لا سيما الأمسيات الشعرية والألعاب الرمضانية.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4حنين إلى دفء الماضي.. كويتيون يبحثون عن "رمضان أول"list 2 of 4كيف يقضي النازحون السودانيون رمضان في مصر؟list 3 of 4مسيرات السيارات والصيد والتصوير.. هوايات تنشط في قطر خلال رمضانlist 4 of 4خروجات الإفطار بمصر.. "اللمة" الرمضانية تتحدى الظروف الاقتصاديةend of listوبينما تفضل شريحة من الشباب ممارسة هواياتهم الرياضية في ليالي رمضان المبارك، تحرص بعض المؤسسات الأهلية على إقامة مهرجانات للشعر العربي ومسابقات القرآن الكريم وأخرى، كما احتفلت بمناسبة "قرقيعان" (منتصف الشهر الفضيل)، لا سيما عقب تصنيفها في الجمهورية الإسلامية عام 2017 ضمن قائمة التراث المعنوي للعرب في إيران.
وفي مهرجان قرقيعان الأهواز، يتجمع الأطفال عقب تناول الإفطار ويقومون بجولة على بيوت الأزقة القريبة من منازلهم، ويصطحبون معهم أكياسا لجمع الهدايا والحلويات من المنازل، مرددين أناشيد شعبية مثل "قرقيعان وقرقيعان، الله يعطيكم رضعان" و"يا أهل السطوح تعطونا لو نروح؟".
وخلال شهر رمضان المبارك، يزداد الإقبال الشعبي على لعبة "المحيبس" التراثية أو "إخفاء الخاتم" في الأهواز، حيث تجتمع حشود الشباب في البيوت أو في الساحات العامة، لمشاهدة المسابقات التي تقام بين فريقين يتنافسان على الاحتفاظ بالخاتم أو المحبس كما يعرف في اللهجة العربية الأهوازية.
وتبدأ الأجواء الرمضانية في المدينة قبيل حلول الشهر الفضيل، إذ يعتبر الأهوازيون الأسبوع الأخير من شهر شعبان موعدا سنويا لاستقبال رمضان، فتتحسن الحركة الشرائية، لا سيما شراء حاجات المطبخ لترسم البسمة على ملامح الباعة الذين طالما يشكون تراجع القدرة الشرائية جراء التضخم المستفحل.
أمّا في ليالي شهر الطاعة، فتصبح أسواق الملابس وكل ما يرتبط بزينة العيد السعيد عامرة وسط أصوات الباعة المنادية "عيّد يا سعيّد"، فتنهمك النساء ساعات طويلة في تفحص البضائع المتنوعة ذات الألوان الزاهية في أسواق "عبد الحميد والعرب وكيانبارس" وغيرها من الأسواق الشعبية والحديثة.
فرحة منقوصةفي المقابل، يهتم الرجل الأهوازي عادة بما تعرف باسم "كشخة الديوانية" فيكاد يتحول سوق الفرحاني (جنوبي المدينة) بعد الإفطار إلى سوق رجالي، فيتفنن أصحاب المحال في عرض دلال القهوة والدشاشة والغترة والعقال والعطور العربية وتزيين الخواتم والمسبحات.
ولعل أكثر ما يثير الانتباه خلال رمضان المبارك في الأهواز زيادة أوجه التكافل الاجتماعي وكثرة الموائد الرمضانية والمسارعة إلى فعل الخير بجهود فردية ومؤسساتية، فتطلق بعض الشخصيات المؤثرة مبادرات تطوعية لتأمين "كسوة العيد"، وآخرون ينشرون إعلانا على مواقع التواصل للحث على التبرع بشراء سلال مواد غذائية لتوزيعها على الأسر محدودة الدخل.
ووسط أجواء مفعمة بالسكينة والروحانية، حاورت -الجزيرة نت- عددا من الأهوازيين في الأسواق والمساجد، وكلهم يجمعون على أن "فرحة رمضان المبارك جاءت منقوصة هذا العام بسبب ما يرتكبه العدو الصهيوني من مجازر بحق أهلنا الفلسطينيين في غزة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات رمضان 2024 رمضان المبارک الشهر الفضیل هذا العام شهر رمضان لا سیما
إقرأ أيضاً:
فرحة بنت رضا!
1-«فرحة»:
أخي القارئ، أتحسب أن هذا اسمها؟ لا يا صاحبي، ليس ذاك اسمها، ولن أفصح عنه. لقد أحببتها حبًّا جمًّا، حبًّا فريدًا لا يضاهيه شيء؛ فقد كانت ذات ملامح آسرة وروح وضّاءة، لا تلقاني إلا وابتسامة بهية تشرق على محياها. نشأت في كنف أسرة متواضعة، لأب يعيل جمعًا من الأبناء، وكانت هي واسطة عقدهم، فلم تنل حظوة الابن الأكبر ولا تدليل آخر العنقود، فغدت شبه منسية، وكأنها طيف لا وجود له، إذ كان الاهتمام والحنان شحيحين.
ومع هذا، عاشت طفولتها قانعة هانئة. ترعرعت وبلغت أوان الزواج، وما إن طرق أول خاطب باب أبيها، حتى وافق عليه الأب دون إبطاء أو تمحيص. فكان نصيبها من الزواج لا يختلف كثيرًا عن حالها في بيت أبيها؛ فالزوج قليل ذات اليد، يمتهن حرفة بسيطة لا تكاد تسد رمق العيش، ويعيبه بعض الطيش وقلة الاتزان، وشيء من الدهاء. ومع ذلك، رضيت به، بل وأحبّته بكل ما فيه من نقائص، فقد كان الرضا قرين دربها على الدوام. عاشت مع زوجها خير زوجة صالحة، واجتهدت في تحمّل أعباء الحياة، وذلك بالكد في بعض الأعمال التي تدر دخلًا يسيرًا، لتساهم في مواجهة نوائب الدهر.
وما إن وضعت مولودها الأول، حتى قضى نحبه، ولم يكد يبلغ بضعة أشهر، فحمدت الله ورضيت واحتسبت. ثم رزقها الله ذرية صالحة من البنين والبنات، أثقلت كاهلها بأعباء جسام من تربية وتعليم وإنفاق. كنت أحبها كأمي، وكانت بحق جديرة بهذا الحب. فقد علمتني أمي الكثير بطريقة مباشرة، وهي أيضًا علمتني الكثير، ولكن بطريقة غير مباشرة، وذلك بمجرد تأمل أحوالها وأفعالها.
فقد تعلمت منها كيف يكون العطاء حتى وأنت لا تملك الكثير، وكيف أن العطاء المعنوي أجدى وأنفع من العطاء المادي؛ فابتسامة وبشاشة عند اللقاء، ودعوة صادقة من القلب، وحب حقيقي لا زيف فيه ولا مراء، هو بحق عطاء جزيل. وتعلمت منها أيضًا كيف يكون جمال الروح سببًا لجمال الحياة، حتى وإن ضاقت بنا السبل، وكيف يكون حسن المعشر ورقي التعامل ديدن ذوي الأصل الكريم.
أما أهم درس تلقيته منها، فهو كيف يكون الرضا أسلوب حياة، وكيف يكون حمد الله تطبيقًا عمليًّا فعليًّا، لا قولًا لفظيًّا فحسب، حتى ولو أطبقت عليك الدنيا بأسرها.أذكر يومًا، وأنا صبي، أن ذهبت جدتي لزيارتها في المستشفى، حيث كان ابنها البكر يعالج من مرض عضال قلما يشفى منه أحد.
وحين عادت جدتي إلى المنزل، كانت متبرمة جدًا، يظهر الغيظ على ملامحها، فظننا أن ذلك من جراء حزنها على ابن جارتها المريض، لكنها تحدثت إلينا قائلة: «ذهبت لزيارتها لأطمئن على ابنها، وحين دخلت عليها، استقبلتني هاشة باشة، ووجهها مضيء وكأنها في ليلة عرس، وليست على شفا مأتم لفلذة كبدها. فالابن يحتضر، ويملأ الغرفة صراخا من شدة الألم، ولا يبدو أن هناك أثرًا لذلك على ملامحها».
وبعد هنيهة، إذا بصوت أذان العصر يرتفع، فاستأذنت مني لتتوضأ وتصلي الفرض في وقته الأول. وبالفعل، تركتني مع الابن المحتضر وذهبت للصلاة، والدهشة تملؤني. كيف لها أن تترك ابنها على هذا الوضع وتذهب للصلاة؟ فالأم منا إذا اشتكى ولدها من ألم، فإن عقلها يذهب وتنسى الدنيا بما فيها، فما بال هذه المرأة؟ أما أنا، فلم أندهش مما روته جدتي، وحدّثت نفسي قائلًا: «عجبًا لجدتي! أتلوم المرأة على أنها رضيت بقضاء الله، وصبرت واحتسبت، وتركت الأسباب ولجأت إلى رب الأسباب!».
2- «براءة»:
مع الفجر، كنت دائمًا أنتظر قدومه... كان يحضر لينثر البهجة في الأرجاء، بصوته العذب، وضحكاته الرنانة، وروح الدعابة التي يمتلكها، وكأنما يحمل مفتاح الفرح أينما حلّ.
كان صبيًا صغيرًا يعمل مساعدًا لصاحب عربة الفول: يغسل الأطباق، ويقدم الطعام للزبائن.
كنت أراقبه في صمت، يملؤني العجب من تصرفاته وسلوكياته، وأسأل نفسي: من أين له بكل هذه السعادة والرضا، رغم بؤسه وفقره، ورغم أن قسوة الحاجة قد دفعته إلى العمل وتحمّل المسؤولية مبكرًا جدًا؟
لم تكن معاناته تقتصر على الفقر فحسب؛ فقد كان وجهه يحمل آثار حريق قديم، شوّه ملامحه، ومع ذلك، كان يُقبل على الحياة بقلب مفعم بالسرور والرضا!
تُرى، ما السر؟ هل لأن الطفولة ما زالت تحجب عنه قسوة الواقع، فيعيش سعيدًا بجهله بمرارة الحياة؟ (لا أدري!) أم تراه يمتلك دماغًا يفرز هرمونات السعادة بقدر يفوق سائر الناس؟ (لا أدري!)
أم أن فطرته السليمة، ونفسه المتوكلة على خالقها، هما ما يغذيان قلبه بالأمل، ويجعلان عينيه لا ترى إلا أن الغد أجمل مما مضى؟ (حقًا لا أدري!)
3- «لحاف»:
كان شابًا يافعًا، بهي الطلعة، دمث الأخلاق، مهذبًا محبوبًا من الجميع. لكنه كان يتيم الأم، بلا إخوة يشاركونه درب الحياة، أما والده، فكان رجلاً رقيق القلب، عوّضه بحنانه عن يتمه ووحدته، وكان ذا مال وفير وحال ميسور.
شاءت الأقدار أن يُبتلى هذا الشاب بمرض عضال لا يُرتجى منه شفاء. غير أن والده أصر على علاجه، مرددًا بثقة: «سأداويك حتى لو أنفقت كل ما أملك».
وبالفعل، بدأ الأب رحلة العلاج، يجوب المستشفيات وينفق ماله بلا تردد، حتى أفنى ثروته حبًا بابنه ورغبة في شفائه. لكن إرادة الله كانت فوق كل شيء؛ فلم يُكتب للشاب الشفاء، ورحل والده عن الدنيا، تاركًا ابنه مريضًا، وحيدًا، بلا سند ولا مال.
ومع ذلك، عاش الشاب سنوات طويلة، حاملًا مرضه برضا عجيب، مستسلمًا لقضاء الله وقدره بطمأنينة نادرة. وكنت كلما التقيته، أراه يُقبل عليّ بوجه بشوش وروح مضيئة، فأشعر بجمال روحه، وقوة الرضا التي تغلف قلبه كحُلة لا تُثقلها الأحزان. ومن عجائب الأقدار أن اسمه كان له نصيب من معناه؛ إذ كان مشتقًا من كلمة «الصبر»، وكأنما اسمه قد خطّ له قدره منذ البداية.
4-«بؤس»:
في روايته الرائعة «شجرة البؤس»، يسرد طه حسين قصة رجلٍ تزوج بامرأة دميمة، نزولاً عند رغبة أبيه.
ورغم قلة حظها من الجمال، عاش معها أيامًا ملؤها الرضا والسعادة، مكتفيًا بحبها الصادق وطاعتها له.
غير أن القدر شاء أن يرزقهما بطفلة فائقة الحسن، تفيض جمالًا وروعة، فغمره الفرح وأخذه الزهو بابنته البديعة.
عندها، وللمرة الأولى، التفت إلى قبح زوجته، وأخذ يقارن بين جمال ابنته وقبح أمها.
بل بلغ به الأمر أن أصبح يعاير زوجته بدمامتها، ويُظهر لها ندمه على هذا الزواج الذي ارتضاه يومًا.
هكذا، انقلب حاله؛ بعدما كان يعيش في نعيم الرضا، غرق في مستنقع السخط والبؤس، وتحولت حياته إلى مرارة لا تطاق.