السفير عبد الله الأزرق يكتب: ????رسالة لسعادة الفريق البرهان ولرفاقه
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
من فَرْطِ ثقتي في الجيش ، أنني في اليومين الأولين لهجوم مليشيا أولاد دقلو كنت أراهن أبنائي ، أن الجيش سيحسم أمرهم في يومين ثلاثة ومضت أسابيع وأصبحوا يتندرون عليّ ثم أصبحت ألتمس للجيش المعاذير . وقلت :
حسبي – وإن مزّق الخذلانُ أوردتي
أنّي صدقتُ ولم يظهر بِيَ الوَجَلُ .
وها نحنُ أولاءِ ندخل العام الثاني !!!
وبالأمس هجمت المليشيا على الدرادر وقتلت تسعة من شبابنا النضير وجرحت العشرات ثم نهبت ومارست كل جرم
وقبلها اجتاحت قرى ود آمنة والخور واب سير وغيرها كثير .
وقبل ثلاثة أيام رأيت صورة لأهلنا في الحلاوين وهم ينزحون ، فطافت بذهني صورة الفلسطنيين وهم ينزحون من دير ياسين في 1948 ، هلعاً من عصابات شتيرن والأرغون الصهيونية .
تكرار لنفس الصورة المأساوية ورأيت من بينهم سيدة من الحلاوين وهي تحمل وليدها :
أثوابها رَثّةٌ والرجلُ حافيةٌ
والدمعُ تذرُفُهُ في الخدِّ عيناها
قُتِلَ الذي يحميها ويُسعدُها
فالدهرُ من بعدهِ بالفقرِ أشقاها
الموتُ أفْجَعَها والفقرُ أوجعها
والهمُ أنْحَلَها والغَمُّ أضْنَاهَا
مأساةٌ موجعةٌ تُدمي القلبَ وتفطِر الفؤاد :
ماتت جميعُ أحاديثِ الهوى ومضتْ
وماتَ – في القلبِ والأسطورةِ – البطل .
ليس البليةُ في أيامنا عجباً
بل السلامةُ فيها أعجب العجبِ .
وبعد : فقد مضت سبعة أشهر والجزيرة – سُرّة السودان – تستباح كل يوم . وسمعنا منك ومن الكباشي والعطا وجابر ومن نائبك عقار مواعيد لتحريرها من النجس . ومضت الأيام والمأساة تتواصل وتتناسل ؛ فظَفِرْنَا بمواعيد عرقوب :
كانت مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلاً
وما مواعيدها إلّا الأباطيلُ .
أصبحتم جميعكم كعرقوب .
وعجبت حين سمعت حديثكم عن الانتخابات والبلد تحتلها مليشيات ومرتزقة وأعجب العجب تهافتكم على التفاوض في كل عاصمة .
يحدث هذا والخواجات يسنون سكاكين التدخل بذرائع إنسانية ، وبقرارات من مجلس الأمن ، وعبر تفاوض ظللتم تُهرعون إليه .
أنتم يا سادتي ضباط ؛ مسؤوليتكم الأولى هي التحرير وحماية البلد من المعتدي ، وليس المفاوضات والسياسة . شوفوا شغلتكم .
ثم أنكم تَدَثّرتم بالغموض ، وتركتمونا في ظلام لا ندري ما تمخّضت عنه المنامة ، ولا تزمعونه في جدة تفعلون بنا هذا كأن الأمر لا يعنينا . علماً أننا – جماهير الشعب – أهل الجلد والراس . وما أنتم إلا خداما لشعب كريم.
ولا ندري ما قررتموه بشأن الخونة : جناح الجنجويد السياسي . وهؤلاء أشد خطراً من الجنجويد :
أُثِرَ عن أبراهام لينكولن قوله :
” الذين أكثر سوءاً من الخونة الحاملين للسلاح ، هم أولئك الرجال الذين يتظاهرون بالولاء للعلم ويأكلون ويزدادون شحماً على حساب عثرات الأمة ”
Worse than traitors in arms are the men who, pretending loyalty to the flag, feast and fatten on the misfortunes of the nation.
Abraham Lincoln
نحنا في ظلام ياسعادة الفريق . فأنتم لا تنورون الشعب .نراكم تتجولون شهوراً بين معسكرات الجيش لكننا لم نَرَ طِحِنَاً .
والقيادة يا سيدي : هي الفعل الموثّر وليس المنصب Leadership is Action Not Position
وتشيع أخبار من الفرق العسكرية أنها جاهزة ، وكل ما يؤخرها هو صدور التعليمات للتحرك لتحرير الجزيرة . ولأننا في الظلام فلا ندري أحقٌ ما يُشاع أم باطل !!!
ولأن الظلام يولّد الإشاعات والكلامات : حقّها وباطلها . يشيع بين الناس أنكم تتقاعسون في تحرير الجزيرة لأن الخواجات حذروكم من شن الحرب . وأنهم ألزموكم بانتظار مفاوضات جدة !!!
لعل الذين حولكم يا سعادة الفريق لا يبلغونكم أن الناسَ طفقوا يتبرمون من قيادتكم . وقد لا يُبلغونكم أن ثقة الناس في الجيش قائمة ؛ لكنهم ينحون باللائمة عليكم ؛ واضمحلّت آمال كانوا يعلقونها عليكم جراء تباطأكم وتقاعسكم في حسم العصابة المجرمة . فلا أنتم أمرتم الجيش بالتحرك ، ولا سلحتم الناس ، ولا سمحتم للمقاومة الشعبية ان تحسمهم .
أخذ الناس يقولون في حقكم ما يماثل ما قاله الاسكندر الأكبر ، حين قال :
” إنني لا أخاف من جيش من الأسود يقوده خروف ، لكنني أخاف من جيش من الخراف يقوده أسد ”
“I am not afraid of an Army of lions lead by a sheep; I am afraid of an Army of sheep lead by a lion.”
سيدي البرهان ، ورفاقه الأربعة :
حدث لحزب أردوغان بالأمس ما فيه عبرة لأولي الألباب . علماً أن أردوغان نهض ببلاده من بلاد مدينة إلى بلد دائنه ، وبلغ بها شأواً عظيماً حتى عدّت من أقوى إقتصاديات العالم العشرين ؛ وأصبحت تنتج الطائرات الأحدث وأطلقت الأقمار الصناعية التي صنعتها . لكن كل ذلك لم يشفع له .
ولم يشفع له : لأن الشعوب تتذكر الأخطاء والإخفاقات ، وتنسى النجاحات والانجازات .
ولكم في الإنقاذ عِظة : فقد قلبَ الناس لها ظهر المِجَن في زيادة جنيه في رغيفة ونسوا بناها التحتية غير المسبوقة ، ومرافقها الخدمية التي لا تخطئها عين ، والأمن الذي نعموا به في ظِلّها .
ولتتذكّروا أنّ :
” نصف الناس أعداء للحاكم ؛ هذا إن عدل ”
فماذا سيكون قولهم إن ترك الجزيرة تئن سبعة أشهر ، وهو يرى ؟؟؟
والناصح الأمين هو :
” من صَدَقَكَ لا من صَدَّقَكَ ”
السفير عبد الله الأزرق
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كتابات)
ويومًا في الطريق يقفز إلى ذهني… عثمان…
عثمان الذي لم أره منذ عشرين سنة.
وخطوات… وعثمان يخرج من طريق جانبي،
ليصبح ظهوره هذا حدثًا من سلسلة طويلة… أحداث لا تفسير لها… والأمر يتكرر… وتخطر بالذهن أغنية… وخطوات… والأغنية هذه تطل من راديو سيارة، أو محل.
ويخطر للذهن أن مشاجرة سوف تنفجر هنا… ولحظات… ومشاجرة تنفجر و…
والظاهرة هذه نجدها عند كثيرين…
والظاهرة توحي إلينا بقصة…
وفي القصة…
عثمان ينظر إلى وجهه في المرايا، لكن ما يراه في المرايا لم يكن هو صورته… عثمان يرى صورة رجل آخر.
وعثمان يخرج من البيت، وفجأة يجد أمامه الرجل الذي رآه في المرايا قبل قليل…
في يوم آخر، عثمان يرى في المرايا وجهًا ليس هو وجهه… ثم يرى الرجل هذا وهو يرتكب جريمة أمس…
وعثمان يصبح معتادًا على رؤية وجوه في المرايا… ثم رؤية ما في نفوس هذه الشخصيات…
ويومًا، عثمان الذي يعمل مدرس رياضيات، يخرج من بيته ويتجه إلى المستشفى، وكان شيئًا يقوده… وفي المستشفى يستقبله العاملون هناك، وكلهم يرحبون به في احترام عميق:
— أهلًا دكتور بركات… المريض جاهز في غرفة الجراحة.
وعثمان يدخل غرفة الجراحة، وفريق طبي ينتظره هناك… وعثمان يقوم بالجراحة الدقيقة، ويعود إلى بيته، وينظر إلى المرايا، ويجد أن وجهه في المرايا… وكل جسمه… هو وجه وجسم دكتور بركات الطبيب الشهير…
والوجه في المرايا كان يحدثه بعيون تقول له إنها تفهم…
وعثمان يجلس إلى نشرة الأنباء، ويجد أن الجراح العظيم بركات توفي صباح ذلك اليوم…
وعثمان ينظر في مواقع الشبكة الإلكترونية، ويجد أن الأطباء الذين كانوا معه في غرفة العمليات ينكرون بشدة خبر الوفاة…
وعثمان يندفع إلى بيت الطبيب بركات، وهناك يجد صيوان العزاء، لكن ما يدهشه هو:
— كيف رأى الأطباء وجهي، وأنني كنت هناك دكتور بركات… بينما هنا في صيوان العزاء كنت أحمل وجهي العادي؟
عثمان يجد أن ما يراه… لما كان يرى وجوه آخرين، ويرى ما فعلوه… يتطور الآن بحيث يصبح ذاته الجسم الذي يرتديه الآخرون هؤلاء، ويجعله كل أحد أسلوب التخفي الأعظم.
……
والجزء أعلاه مقتطع من رواية نكتبها…
لكن ما يجعلنا نتوقف هو الشعور العميق بأن الأيام هذه ليست هي أيام الرواية، ولا الشعر، ولا الفن، ولا… ولا…
المجد الآن للرغيف… ولمن ينظرون إلى السماء في الفاشر ينتظرون طائرات الإغاثة… ولمن يبايعون الله على أن يلقوه وأيديهم ليس فيها شيء… وقلوبهم فيها كل شيء.
……..
وذكرى الإنقاذ تطل،
وعام 2019 يرسل إلينا الأستاذ علي عثمان كتابًا فيه مذكراته…
مذكرات الرجل الذي قاد كل شيء ولم ينطق بحرف…
والمذكرات تُرسل إلينا/ وإلى أربعة آخرين/ لإبداء الرأي فيها، مع الالتزام الصارم بألا نشير إلى حرف فيها.
والمذكرات فيها ما لا يستطيع أحد أن يشير إليه.
وفي فقرة عابرة نشير إلى المذكرات، وعلي عثمان في غضبة حارقة يسترد الكتاب منا…
ولما كنا لا نستطيع الإشارة إلى المذكرات هذه، فإننا نتمنى أن يقوم الأستاذ حسين خوجلي بـ (انتزاع) المذكرات هذه ونشرها…
حسين… هذا كنز لا يُهمل.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب