هيفاء وهبي هاربة من العصر العثماني والذهبي يبرز فخامتها
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
خضعت النجمة اللبنانية هيفاء وهبي لجلسة تصوير جديدة جذابة متناغمة مع أجواء شهر رمضان المبارك وشاركت متابعيها بمجموعة من صورها عبر الإنستجرام؛ لتكن محط أهتمام وإعجابهم طوال الوقت.
وتألقت هيفاء وهبي بإطلالة ساحرة، تنتمي للعصر العثماني، حيث ارتدت قفطان مقسم من قطعتين الأولى بيضاء طويلة مجسمة عكست قوامها الرشيق والثانية يشبه الكرديجان صمم من قماش الساتان باللون الفستدقي الفاتح وطزر من الاكتاف بالذهبي اللامع لتزيد من فخامة إطلالتها، فيما انتعلت حذاء بكعب عال.
وتزينت ببعض الإكسسوارات العصرية مع حقيبة اليد باللون الأخضر الفاتح.
أما من الناحية الجمالية اعتمدت تسريحة شعر جذابة على طريقة الويفي الواسع ووضعت مكياجًا جذابًا مرتكزًا على الألوان الترابية مع تحديد عينيها بالكحل والماسكرا السوداء ولون الكشمير في الشفاه.
هيفاء وهبي
هيفاء وهبي (10 مارس 1976-)، مغنية وممثلة وفنانة استعراضية لبنانية _ مصرية، حصلت خلال مشوارها الفني على العديد من الجوائز عن فئة الممثلات والمغنيات والفنانات الإستعراضيات. أصدرت عدد من الألبومات الغنائية وعدد من الأغاني المصورة فيديو كليب. حازت على رقم 49 من قائمة أكثر 99 «النساء المرغوبات» ، وظهرت في لائحة أجمل النساء في مجلة بيبول الأمريكية.
في عام 1991 وهي في سن الثامنة عشرة، تم اختيارها كملكة جمال جنوب لبنان. وحاملة لقب ملكة جمال لبنان لعام 1992، لكن اللقب سحب منها بسبب مخالفتها قوانين المسابقة حيث كانت متزوجة وأم. وبدأت حياتها كعارضة أزياء وشاركت أيضاً كمودل في عدة فيديو كليبات وأعلانات تلفزيونية، ثم عملت كمذيعة في شبكة راديو وتلفزيون العرب عام 1999، وقدمت أولى ألبوماتها الغنائية في 2001 وقدمت العديد من الألبومات الغنائية وأحيت عدة حفلات في العديد من الدول العربية. دخلت مجال التمثيل كضيفة شرف في فيلم بحر النجوم عام 2008 وفي عام 2009 اختيرت لبطولة فيلم دكان شحاتة الذي أخرجه المصري خالد يوسف استمرت بالتمثيل ايضًا وقدمت عدد من الأعمال مثل: فيلم حلاوة روح ومسلسل كلام على ورق ومريم والحرباية.
ولدت في بلدة محرونة في قضاء صور جنوب لبنان، وهي من أب لبناني مُسلم شيعي «محمد وهبي» وأم مصرية «سيدة عبد العزيز إبراهيم»، وقد نشأت وترعرعت هيفاء فيما بعد بالعاصمة بيروت، ولديها ثلاث شقيقات وشقيق واحد، وفي بداية التسعينات تزوجت من ابن عمتها «نصر فياض» زواج عائلي وأثناء حملها سافرت معه إلى أفريقيا حيث كان يعمل، وخلال فترة حملها عادت إلى لبنان ووضعت طفلتها في بيروت وتم طلاقهما بعد أن أنجبت ابنتها زينب في يونيو 1993، وفي 24 أبريل 2009 تزوجت من رجل الأعمال المصري أحمد أبو هشيمة وانفصلت عنه في نوفمبر 2012.
بدأت هيفا تظهر في المسابقات الجمالية فقد شاركت عام 1992 في انتخابات ملكة جمال الجنوب بلبنان، حيث كانت تجري المسابقة على صعيد المحافظات، فازت هيفا باللقب ولكن سحبت منها الجائزة بسبب اكتشاف المنظمين وجود ابنة لها من زواج سابق، وبعدها بدأت العمل كعارضة أزياء في وكالة نضال البشراوي وكانت من أشهر عارضات الأزياء في العالم العربي وبدأ الجمهور يتعرف عليها عندما قامت ببطولة إعلان «معكرونة دانا» الذي حقق نجاحا كبيرا في العالم العربي. وعادت عام 1994 لتكون موديل في فيديو كليب أغنية «يا قصص» للمطربة الوطنية جوليا بطرس. وفي عام 1995 كانت موديل في فيديو كليب أغنية «بحبك حبيبي» للفنان هاني العمري لكن منع عرض الكليب من قبل الأجهزة الأمنية حينها، نظرًا لتصوير بعض مشاهد الكليب في مراكب بحرية الجيش اللبناني.
وفي نفس العام صورت هيفا إعلان «مبيض الغسيل». وفي عام 1996 كانت موديل في كليب الأغنية الشهيرة «إرضى بالنصيب» لسلطان الطرب جورج وسوف. وفي عام 1997 كانت موديل في كليب أغنية «يا ميمة» للمطرب اللبناني عاصي الحلاني. وقد قامت أيضا ببطولة إعلان «مسحوق الغسيل» في نفس السنة، ثم بدأت في العمل كمذيعة لبرنامج عملوها إزاي بمشاركة أحمد السقا وإخراج مجدي الهواري على قناة art المنوعات من خلال خيمة القاهرة الرمضانيه في رمضان من ديسمبر سنة 1998 حتى يناير سنة 1999.
في العام 2001 وقعت عقدًا مع شركة فيرجن العالمية لكنها فسخت العقد بسبب إخلال الشركة بشروط العقد المتمثلة بطرح شريطها الغنائي الأول في الأسواق مطلع العام 2001 صورت هيفاء أغنية «أعشق قلبي والحياة» على طريقة «الفيديو كليب» من توقيع المخرج شادي حنا. التي كتبت كلماتها غريتا غصيبة ولحنها رينيه بندلي، في لبنان بناء على طلبها التي فضلت عدم الاعتماد على المناظر الخارجية في فرنسا لصالح التركيز عليها كمغنية وعلى قصة الاغنية لتصل بشكل أفضل إلى المستمعين.. لكن الكليب لم يبصر بسبب تغيير شركة الإنتاج، «حيث جرى توزيع جديد لبعض الاغنيات وتبديل مجموعة اغنيات بأخرى». وعزت السبب إلى وجود مجموعة من الاغنيات باللغة الفرنسية كتبت خصيصاً لشركة فيرجين، اختارت بعدها شركة «روتانا» للإنتاج الفني «لاستكمال الشروط الغنائية» وكانت ترتبط بعقد شراكة مع شركة EMI العالمية.
في بدايات عام 2002 بدأت بتسجيل أغنيتها الأولى بعنوان «أقول أهواك» وذلك حينما رشحها الملحن والموزع جان ماري رياشي للغناء، وكان مقررا أن تصدر الأغنية منفردة ولكن منحت شركة روتانا لها الفرصة أن تصدر ألبوم غنائي كامل، وقد وافقت على هذا القرار وبدأت تختار أغاني ألبومها الأول تحت عنوان «هو الزمان» عام 2002 مع الأغنية المصورة «أقول أهواك» والتي كتبها طوني أبي كرم ولحنها طارق أبو جودة ووزعها جان ماري رياشي واخرج الكليب اللبناني سليم الترك. وقد سبب الكليب انتقادات الكثير من الناس واتهمتها وعمل ثورة في عالم الفن لكون هيفا أول مغنية وقتها قد قامت بالرقص والاثارة التي اعتمدتها هيفا وقد اتهمتها الصحف بأنها تثير مشاعر المشاهدين وقد لاقى الكليب انتقاد كبير بسبب اللبس والرقص الذي اعتمدت بالكليب وقد صنفت هيفا كفنانة مغرية حتى ان أجرت معاها قناة CNN الأميركية مقابلة مع شبكة الأخبار العالمية ضمن برنامج Inside the Middle east في عام 2002، وتم التعريف عن هيفا بأنها «فنّانة لبنانية صاعدة ومغنية بوب ونجمة جذابة»، ودارت الكاميرا مع وهبي في وسط العاصمة اللبنانية بيروت، حيث تهافت المعجبون من اللبنانيين والعرب لالتقاط الصور معها، وصورت أغنية «بدي وما بدي» من تأليف الياس ناصر والحان جان صليبا تحت إدارة المخرج شادي حنا وعرض حصريا على شاشة art الموسيقى بعدها صورت هيفا أغنية «وحدي» عام 2002 تحت إدارة المخرج «سامح عبد العزيز» وصورت معه أيضا أغنية «ما صار» عام 2003 لكنهما لم يلقيا النجاح الكافي. بداية سنة 2003 ظهرت هيفا في مقابلة مع الإعلامي اللبناني طوني خليفة في برنامجه «ساعة بقرب الحبيب» ولاقت الحلقة أصداء كبيرة حيث بكت هيفا بالحلقة عندما سألها طوني عن ابنتها «زينب» التي لم ترها هيفا سنوات عدة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هيفاء وهبي الإنستجرام الاكسسوارات مارس راديو فیدیو کلیب هیفاء وهبی مودیل فی وفی عام فی عام عام 2002
إقرأ أيضاً:
في العصر الرقمي تتغير التعريفات
آخر تحديث: 11 دجنبر 2025 - 11:38 ص د. عبد الجبار الرفاعي مع كل ثورة تكنولوجية كبرى يولد الإنسان من جديد، ويعيد تعريف ذاته ومعنى وجوده. حتى لو قاوم هذه الثورة أو أوهم نفسه بالانفصال عنها، فإنها تفرض حضورها على الإنسان حيثما وأنى كان.وإن كانت آثارها تتفاوت من مجتمع لآخر، إلا أنها بوصفها قدرًا لا مهرب منه، تعيد إنتاج الواقع بكل ما فيه، وتعيد تشكيل وعي الإنسان ورؤيته للعالم ونمط عيشه، وتفرض عليه أن يصير تابعًا لها، ما لم يمتلك أدوات الفهم والتمثل والتكيف، كي يواكبها ويقطف ثمراتها. بقدر ما يمتلك الإنسان التكنولوجيا يمتلك إمكانية التحرر منها، وإن عجز عن ذلك استعبدته، وتحولت إلى سجن يصادر حريته ويبتلع وجوده. التكنولوجيا لا تهمش الإنسان، بل تتيح له فرصًا للارتقاء بذاته وتوسيع آفاق حياته، متى ما كان قادرًا على الإصغاء لتحولاتها، واستثمار هذه الفرص بما ينسجم مع ولادته الجديدة. الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل أشد هذه الثورات عمقًا وتأثيرًا في إعادة تشكيل الحياة البشرية، وخلخلة مفاهيم الإنسان وتعريفه لذاته والعالم من حوله. مَن يستوعب هذا التحول ويدرك أبعاده الوجودية والنفسية والعاطفية والروحية والقيمية والاجتماعية والثقافية، ويتمكن من بناء مهارات تتناغم مع ايقاعه المتعجل، وقدرة على توجيهه توجيهًا خلّاقًا، يستطيع أن يحول هذا التحدي إلى إمكان للتحرر والإبداع والابتكار والتطور. أما مَن يعجز عن ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي لن يكون بالنسبة له ولمجتمعه سوى قوة منفلتة، تتغذى على ضعفه، وتتحول إلى تهديد دائم لسلامه الشخصي والمجتمعي وأمنه، وتزلزل كيفية عيشه وعلاقاته ونمط حياته. في العصر الرقمي تتغير التعريفات وتتبدل، فمثلًا يتغير تعريف الزمن ويجري اختزله، تبعًا لما ينجزه هذا الذكاء من إنتاج اقتصادي وابتكار علمي وابداع معرفي وتطور تكنولوجي واثراء ثقافي وبناء قيمي، فلم يعد القرن يعني مائة سنة، ولا العقد يعني عشر سنوات، ولا السنة تعني اثني عشر شهرًا، ولا الشهر يعني ثلاثين يومًا، ولا اليوم يعني أربعًا وعشرين ساعة، إذ غدا الزمن مضغوطًا تتراكم فيه الأحداث والاختراعات والمعارف وتتلاحق بسرعة فائقة، كما لو أنها تتزاحم في لحظة واحدة. وصار الإنسان يعيش في تيار متعجل من التحولات لا يمنحه فسحة للتأمل أو المراجعة، بعدما انتقل الزمن من كونه وعاءً للأحداث إلى كونه طاقة خلّاقة تبتكر الإيقاع والمعنى في آن واحد، فصار الحاضر يتسع للماضي والمستقبل معًا، وصار الوجود الإنساني يقاس بما ينجزه المرء في لحظته لا بما تمضي عليه من سنوات، حتى أصبح التحدي الأكبر في هذا العصر هو استعادة المعنى الإنساني للزمن، قبل أن يتحول الإنسان إلى ظل يركض خلف سرعة الذكاء الاصطناعي وما تحققه الروبوتات. شركات الذكاء الاصطناعي اليوم هي الأغنى رأسمالًا من كل الشركات عبر التاريخ، رأسمالها ينمو باستمرار. لم يشهد الاقتصاد تراكمًا لرأسمال بهذه الوتيرة من السرعة الفائقة وبهذه الأحجام، بنحو صار يتضاعف بمرور الزمن سريعًا، فمثلًا بلغت القيمة السوقية على وفق تقارير متعددة، لشركة إنفيديا (NVIDIA) 4.54 تريليون دولار أمريكي، في 5 ديسمبر 2025، ما جعلها الشركة الأعلى قيمة في العالم. وذلك يتماشى مع تقارير حديثة تشير إلى أن إنفيديا أصبحت أول شركة مدرجة علنًا تصل إلى هذا الإنجاز التاريخي، مدفوعة بالطلب القوي على رقائق الذكاء الاصطناعي. والقيمة السوقية لشركة أبل (Apple) تقدر بحوالي 4.20 تريليون دولار أمريكي، في 5 ديسمبر 2025، مدفوعة بالتقدم في الذكاء الاصطناعي، وزيادة الطلب على أجهزة آيفون. وبلغت القيمة السوقية لشركة مايكروسوفت (Microsoft) حوالي 3.574 تريليون دولار أمريكي، في 5 ديسمبر 2025. وفي التاريخ ذاته بلغت القيمة السوقية لشركة Amazon نحو 2.454 تريليون دولار أمريكي، بينما وصلت القيمة السوقية لشركة Alphabet (Google) إلى ما يقارب 3.84 تريليون دولار أمريكي، أما شركة Meta فكانت قيمتها السوقية في ذلك الوقت بحدود 1.54 تريليون دولار أمريكي. وهذه الأرقام تعكس موقع هذه الشركات في قمة الاقتصاد الرقمي العالمي خلال تلك الفترة. يتضخم عاجلًا رأسمال الشركات الكبرى المنتجة للرقائق والفاعلة في الذكاء الاصطناعي حتى تخلق سلطة تخضع لها الحكومات والسلطات السياسية، إذ تتدخل في رسم صورة الدولة وتوجيه اقتصادها وسياساتها من الداخل، وتمتلك قدرة واسعة على التأثير في هندسة إدارة الحكم ومرافقه وبناء الدولة وفقًا لما يحقق أهدافها، وفي تشكيل وعي المؤسسات التي ينهض عليها تدبير الشأن العام. ويغدو رأسمالي مثل ايلان ماسك قادرًا على التأثير في سياسة بلده وسياسات بلدان أخرى بمقدار ما يتيحه رأسماله من نفوذ، وما تمنحه شركاته من فاعلية في الاقتصاد، فيتسع أثره على صناعة القرار، ويتغلغل في مسارات الاقتصاد والثقافة والتربية والاعلام، ويتحول حضوره الى قوة تتجاوز حدود السوق لتلامس حدود الدولة والمجتمع، حيث يتخذ رأس المال موقعًا مرجعيًا في توجيه الحياة العامة، وفي إعادة تشكيل شخصية الفرد وبناء الجماعة وفق ما يحقق أقصى عائد ممكن. تتمدد هذه الشركات من الاقتصاد والتقنية إلى بناء التربية والتعليم، والثقافة والاعلام، والقيم والسلوك، فتتدخل في صياغة العلاقات الدولية والاقليمية، وتعيد ترتيب مواقع الدول وفق مصالحها، وتشكيل المجتمع والفرد معًا، من خلال منظومات رقمية تعيد تعريف حاجات الإنسان وطريقة عيشه، وتتحكم بميول الإنسان وخياراته، وتفتعل احتياجات فائضة عن اللزوم. تقترب هذه الشركات من موقع السلطة المتسيدة بسبب حجم رأسمالها الهائل، وقوة حضورها في البنية التحتية للدول، فتعمل ببراعة على توجيه العالم نحو ما يحقق لها أعلى قيمة من الأرباح، عبر كل وسيلة تراها مناسبة، مشروعة أو غير مشروعة، من دون أن تنشغل بالأثر الروحي والاخلاقي والجمالي والقيم التي تتطلبها حياة الإنسان، كأن الإنسان يتحول بواسطتها الى مجرد رقم في سوق مفتوح تعاد صياغته باستمرار بما يخدم مصالحها الخاصة. وسائل التواصل وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لم تعد أدوات محايدة، بل غدت بيئات قيمية تصوغ معاييرها الخاصة، وتنتج نمطًا جديدًا من العلاقات الاجتماعية لا يشبه ما ألفته أجيال الأمس. لم تعد هذه الوسائل مجرد أدوات للتواصل، بل تحولت إلى منظومات تصوغ السلوك، وتعيد تشكيل إدراك الإنسان لذاته وللآخرين، وتؤسس لعالم مختلف في الإحساس بالعلاقة بالآخر، وتكييف منابع المعنى. وعي الآباء بهذه التحولات، وتفهمهم لما تفرضه هذه الوسائل من أنماط مختلفة في التفكير والسلوك لم يعد ترفًا أو خيارًا، بل ضرورة تمليها التحولات العميقة في العلاقة بين جيل الآباء وجيل الأبناء. المسافة بين الجيلين لا تتسع فقط بسبب العمر، بل تتعمق بفعل الفجوة الرقمية، وتباين مصادر المعرفة، وتغاير المرجعيات التي يتشكل منها الوعي. وسائل التواصل اليوم وتطبيقات الذكاء الاصطناعي تملك تأثيرًا سحريًا فائقًا، لا لأنها تحجب الواقع أو تغلفه فقط، بل لأنها تصنع واقعا موازيًا يزاحم الواقع ويتغلب عليه، ويتقدمه أحيانًا، ويغدو المصدر الأول لتشكيل رؤيتنا للعالم. في هذا الواقع المصطنع تصاغ معتقداتنا، وتعاد تعريفات مفاهيمنا، وتتشكل آراؤنا، وترسم خرائط سياساتنا، وتنتج رموزنا، وتبنى مواقفنا، وتحاك أحلامنا. نحن نعيش في عالم هجين يمتزج فيه الواقعي بالافتراضي، وتتفشى فيها المحاكاة، ويتداخل فيه الحضور الفيزيائي بالوجود الرمزي. هذا الواقع الهجين يفرض على التربية أن تعيد بناء رؤيتها، وأن تؤسس لقيم جديدة في فهم العلاقة بين الأجيال، تتلاءم مع بنية الوعي المتحولة، وتستجيب لتحولات التأثير، ومصادر تشكيل الوعي والوجدان والهوية. يتغير معنى القيم والدين والأخلاق والعلم والمعرفة في العصر الرقمي، لأن البيئة التي تولد فيها المفاهيم تبدلت جذريًا؛ فالقيم تنتقل من منظومات ثابتة إلى قيم تشكّلها الخوارزميات والبيانات وثقافة المنصات، فتتحول الخصوصية إلى سلعة، والوقت إلى عملة، والاعتراف الاجتماعي إلى ظهور رقمي. ويتراجع الدين المؤسسي لصالح التجارب الدينية الفردية المفتوحة على تفسيرات لا نهائية للنصوص الدينية، وتنتشر الروحانيات التي تمنح الإنسان علاقة شخصية مع الغيب تتجاوز احتكار المفسرين في المؤسسات الدينية. وتتشكل الأخلاق بوصفها مسؤولية تصميم تكنولوجي لا مجرد حكم عقل عملي بالحسن والقبح، وتتزحزح المعاني المتعارفة للحقوق والجرائم والجنايات والعقوبات، إذ تظهر أسئلة لم يعرفها التاريخ، مثل: مسؤولية السيارة الذاتية القيادة عن القتل، أو تأثير الخوارزميات الموجهة في إنتاج خطاب الكراهية، وأمثال ذلك. ويتحول العلم من التجريب المختبري إلى التجريب الحسابي عبر المحاكاة والذكاء الاصطناعي الذي يفك ألغاز البروتينات، ويكتشف ويطور أدوية أمراض السرطان وأمراض عجز الطب من قبل عن اكتشاف لقاحات وعلاجات فاعلة لها. في هذا الواقع يغدو الإنسان محتاجًا الى فلسفة جديدة توقظ وعيه، وتمنحه قدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، وتعينه على اكتشاف كيفية تشكل الحقيقة في العصر الرقمي، حيث تتدفق البيانات بلا انقطاع، وتتحول عبر الخوارزميات إلى صور ومعانٍ تعيد ترتيب وعيه ومفاهيمه الأساسية على نحو مستمر. في هذا الفضاء يتبدل إدراك الإنسان للعالم مع كل مرحلة من مراحل المعالجة الرقمية، فيحتاج ذهنه الى دربة فكرية، وشعوره إلى استعداد لإعادة بناء صلته بالمعنى، يقيه من الانجراف مع ما تصنعه الآليات الذكية من أوهام، حتى يستعيد الإنسان موقعه الفاعل، ويغدو قادرًا على أن يميز ما ينير ذهنه مما يشتته، ويميز ما يوسع أفقه الوجودي مما يصادر حريته ويطمس وعيه.