الأحزاب السياسية.. التقزم في تقدم
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
الأحزاب السياسية هي كيانات تنشأ وفقاً لرغبة أعضائها ليكونوا أكثر تأثيراً في الواقع السياسي، فالحزب السياسي هو جماع عضوية ومرجعية أيدولوجية تكون بمثابة الرؤية الاستراتيجية تنبثق عنها برامج مرحلية، وبناء تنظيمي يشمل فيما يشمل دستوره و نظامه الأساسي الذي يحدد معالم هيكله التراتبي.
فالحزب السياسي بهذا يُعتبر جزء مهم وأساسي من مكونات المجتمع المدني العريض.. وهذا الأخير يشمل فيما يشمل كل المنظمات والكيانات الحرة المتجاوزة لروابط الدم كالاسرة والقبيلة. وكل ما هو دولة بالمعنى المؤسسي للكلمة. إذن فالمجتمع المدني هو كل المؤسسات الطوعية ذات العضوية الحرة التي تنشأ في الفضاء العام الناتجة عن حركة التفاعل بين ثلاثة قوى أساسية هي (الدولة، السوق والمجتمع) بحيث يجب تعريف وتحديد هذه القوى جيدا حتى لا تتداخل مع مؤسسات المجتمع المدني. فالدولة هي الكيان القابض على أدوات القهر والعنف بما فيها من جيش وشرطة وقضاء وسلطة بيروقراطية، والسوق هو فضاء التفاعل الحر تنتظم فيه حركة تبادل المصالح الإقتصادية والتجارية وحركة الأموال والبضائع المنقولة وغير المنقولة. أما المجتمع فهو مجموع الأفراد وروابطهم وما ينشأ عنهم من وتفاعل و تداخلات .. ويجدر بالتذكير هنا اعتبار المنظمات الدينية جزء من منظمات المجتمع المدني حتى وأن لم تكن الروابط فيها قائمة على أسس ديمقراطية - كالطرق الصوفية على سبيل المثال- وأكثر ما يعبر عنها هي المنظمات المعروفة بالمنظمات القائمة على العقيدة Faith Based Organizations.
هنالك من يُحاجج بأن الأحزاب السياسية ليست ضمن مؤسسات المجتمع المدني، ذلك لأنها في بعض الأحيان تكون حاكمة أو ضمن سلطة الدولة، وهذا تقدير صحيح بالمجمل، غير أنه غير صحيح بالنظر الدقيق لكونها في الأصل تتحرك بين الحكم والمعارضة في الأنظمة الديقراطية، كما أنها عندما تحكم لا تحتكر السلطة بالمطلق ولا أدوات العنف ولا تُعرّف بهما، وإنما تكون قَيّمة عليها لأجلٍ مسمى بحسب النظام الديمقراطي الذي شرطه الأساسي الليبرالية بما تفرضه من تدوال سلمي للسلطة.
على عموم يظهر أن هنالك إشكال حقيقي في تصنيف الأحزاب السياسية ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وقد يمتد هذا الإشكال حتى للأحزاب السياسية نفسها، فعلى سبيل المثال ما يحدث في واقع السودان السياسي يبدو أن الأحزاب غير قادرة على تصنيف نفسها كجزء من قوى ومؤسسات المجتمع المدني.. وهو الإشكال الذي وقعت فيه قوى (تقدم) فتقدم هي في خلاصة الأمر تشكيلة تحالفية أخذت على عاتقها وقف الحرب التي تدور في السودان بين القوات المسحلة والدعم السريع.. فقد خصصت نسبة 70% للقوى المدنية والشخصيات في الهيكل القيادي وتركت بقية ال 30% للأحزاب السياسية والحركات المسلحة.. وهنا يبدو أن الإشكال قد تجسد بصورة واضحة، وأن الأمر مختلط وملتبس بصورة حادة على أكبر كيان مدني يعمل على أخطر أجندة وهي وقف الحرب... وهذا ما تنبه له وَفَق صحوة متأخرة حزب الأمة الذي إعترض على هذا التوزيع.. فبرغم أن هذا التوزيع مجحف في ذاته ويقزِّم الأحزاب لدرجة التلاشي، إلا أنه يعكس حالة التوهان المعرفي الذي ينتظم مثل هذه الكيانات.. فحزب الأمة الذي تنبه لهذه الحالة المجافية لطبيعة كونه مؤسسة مجتمع مدني، لم ينطلق من رؤية مفهومية لحالة الخلط، وإنما من منطلق منظور ذاتي نبهته لحالة التقزيم التي انطلت على قيادته عندما تم إنشاء كيان تقدم... فالمذكرة التي دفع بها الحزب لقيادة تقدم في العاشر من مارس 2024م اعترضت على تصنيف الحركات المسحلة مع الأحزاب، كما اعترضت على النسبة " المُهينة" 30% ومنشأ ذلك الإعتراض هو فيما يبدو ليس معرفياً ولا مفهومياً، وإنما انطلاقاً من "الثقل الجماهيري" للحزب وليس لعدم تصنيفه كؤمسسة مجتمع مدني. وهنا أيضا تبدو اشكالية المفاهيم قائمة، فقد كان من الأجدر إذا كان هنالك إعتراض أن يُؤسس ذلك الإعتراض على الخلفية المفاهيمية التي صيغ على أساسها تحالف تقدم، وليس وضع الحزب في تصنيف واحد مع الحركات المسلحة مثلاً.
من ناحية أخرى يمكن النظر للفوضى المفاهيمية أن تمتد لتشريح وضع المؤسسات المدنية (بما فيها النقابات المِهنيّة) في تقدم نفسها، فهي في الغالب الأعم كيانات هلامية وغير قادرة على التأثير في الفضاء العام Public Sphere وهي في أحسن الأحوال إنعكاس لحالة الاحتكار من قبل شخصيات محددة بالإسم لتلك المؤسسات، ويمكن القول أن تلك "المؤسسات" -والتسمية هنا تجاوزاً - مرتبطة بالشخصية، والشخصية بدورها مندمجة في "المؤسسة" وتعتمد في تحركاتها على دوائر إجتماعية تصورها على أساس أنها تمثل الكيان المجتمعي أو المهني المحدد، بينما في الواقع هي لا تمثل إلا ذاتها فحسب ولا تعبر إلا عن حالة Ego خاص بها. لذلك فالصفة المائزة لهذه الكيانات أنها مجوفة من الداخل، وتُعبّر عن مصالح الشخصيات التي تقف على رأسها لا غير... والدليل على ذلك عجزها الكامل عن تحريك الرأي العام السوداني عموماً ضد الحرب وخلق تيار عام مناهض لها.. مثلما فعلت مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا أثناء حرب فيتنام.
مهما يكن من شي، يمكن القول إجمالا أن الأحزاب السياسية في تحالف تقدم قد رضيت بحالة التقزم الذي ترك لها فقط 30% من قيادة كيان هو من صميم عمل الأحزاب السياسية. لترضى تلك الأحزاب بحالة هي أقرب للهوان والتبعية منها للنشاط والفعالية في قضية سياسية محضة.
د. محمد عبد الحميد
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مؤسسات المجتمع المدنی الأحزاب السیاسیة
إقرأ أيضاً:
الرئيس الفلسطيني يلتقي عدد من القيادات ورؤساء الأحزاب الإيطالية
التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم السبت عددا من قيادات ورؤساء الأحزاب الإيطالية وذلك خلال زيارته للعاصمة الإيطالية روما.
وحسبما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" التقى الرئيس الفلسطيني في مقر إقامته بروما، مع زعيم حزب خمس نجوم الإيطالي جوزيبي كونتي، وأمين عام الحزب الديمقراطي الإيطالي إيلي شلاين، وأمين عام ائتلاف الخضر واليسار الإيطالي نيكولا فراتوياني، والناطق باسم الائتلاف آنجيلو بونيللي، بالاضافة أمين عام الحزب الشيوعي الإيطالي ماوريسيو أكيربو .
واستعرض الرئيس الفلسطيني، خلال اللقاءات، مجمل التطورات السياسية على الساحة الفلسطينية، لاسيما الجهود المبذولة لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأهمية وقف الإجراءات الأحادية الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس، التي تقوض تنفيذ حل الدولتين.
وشدد على عمق علاقات الصداقة والتعاون التي تربط بين فلسطين وإيطاليا وشعبيها، والقائمة على الاحترام المتبادل، مجددا الشكر لإيطاليا على مواقفها الداعمة لشعبنا في الحرية والاستقلال وبناء مؤسسات دولة فلسطين.
"اليونيسف" تحذر من تفشي الأمراض بين أطفال غزة
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، اليوم السبت، من تزايد مخاطر تفشي الأمراض بين أطفال قطاع غزة، داعية لتكثيف إدخال المساعدات الإنسانية، لاسيما الملابس والخيام في ظل الظروف الجوية القاسية.
وأوضحت المنظمة - في بيان نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"- أن الأوضاع الحالية تهدد سلامة الأطفال بشكل متزايد مع استمرار المنخفض الجوي وتأخر وصول الإمدادات الأساسية.
ودعت إلى السماح بنقل المساعدات الإنسانية بما في ذلك كميات كبيرة من إمدادات الشتاء المتراكمة على حدود القطاع بشكل آمن وسريع ودون أي عوائق.
استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في جباليا
استشهد شاب فلسطيني، صباح اليوم السبت، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة، مع تواصل خروقات وقف إطلاق النار.
وذكرت مصادر طبية فلسطينية - وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" - باستشهاد شاب فلسطيني يبلغ من العمر (19عاما) برصاص الاحتلال في جباليا النزلة.
وفي سياق متصل، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي البلدة القديمة بمدينة نابلس وقامت بمداهمة مناطق داخل البلدة القديمة، وسط انتشار واسع لفرق المشاة داخل حاراتها، دون أن يبلغ عن اعتقالات.
أونروا: إسرائيل ما زالت تمنعنا من إيصال المساعدات مباشرة لغزة
قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، اليوم السبت، إن إسرائيل ما زالت تمنعنا من إيصال المساعدات مباشرة إلى قطاع غزة.
وأضافت :"لدينا مخزون من مستلزمات الإيواء يكفي 1.3 مليون شخص بقطاع غزة".
وأكد مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن أكثر من مليون ونصف المليون نازح يقيمون حاليًا في مراكز إيواء داخل القطاع، في ظل وضع إنساني وصفه بالكارثي في جميع المناطق.
وأشار إلى تعطل خطوط نقل المياه في عدد من مراكز الإيواء المؤقتة، ما يزيد من المخاطر الصحية والإنسانية التي تواجه النازحين، خصوصًا مع استمرار تداعيات المنخفض الجوي ونقص الخدمات الأساسية.
وأعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن المنخفض الجوي الذي يضرب القطاع تسبّب بكارثة إنسانية واسعة، أدّت إلى تضرر نحو مليون نازح في مختلف المناطق.