القمص روفائيل الأنبا بيشوي يشهد بداية "أسبوع المخلع" بالعبور
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
شهد القمص روفائيل الأنبا بيشوي، اليوم السبت، فعاليات بداية أسبوع "المخلع"، بكنيسة القديس بولس التابعة للأقباط الأرثوذكس بمدينة العبور.
أقيمت الطقوس الأرثوذكسية الخاصة بمناسبة الاسبوع الخامس للصوم الكبير وأحد المخلع، بحضور خورس الشمامسة وعدد من المصلين.
“أحد المخلع”..قصة الاسبوع الخامس في الصوم
يُعد "اسبوع المخلع" الاسبوع الخامس من فترة الصوم الكبير التي بدأت في مارس الماضي والمقرر أن تنتهي 5 مايو المقبل، ويقصد بـ"المخلع" مريض بيت حسدا وهو اسم أرامي يعني في أصله كلمة بيت الرحمة، ويعود إلى قصد الشخص الذي شفاه السيد المسيح بمعجزة كبيرة وتمكن من الركة بعدما قضى 38 عام مشلولًا ولا يتحرك من سريره.
وتروي هذه القصة تفاصيل لها معاني روحية كبيرة عندما جلس "مريض بيت حسدا" وكانت على مقربه من بِركة ماء كان يجتمع حولها عدد من المرضى من أجل الشفاء، وكان ينزل ملاكا يحرك مياه البركة ثم يشفون ودار حوراًا بين المريض والسيد المسيح الذي سأله "تريد أن تبرأ"،فقال له "ياسيدي ليس لي انسانًا ليلقيني في البركة متى تحركت المياه"، ورده المسيح ثم قال: " قم أحمل سريرك وأمش" ( يو 8:5)، وتحققت المعجزة التي تعيد الكنيسة ذكراها في هذا التاريخ سنويًا.
المناسبات في الكنيسة القبطية
يحصد الأقباط حصيلة التراث المسيحي العريق التي شهدته الكنيسة المصرية، وتعيد إحياء ذكرى عدد من الفعاليات فمنذ أيام شهدت احتفالات بمناسبة عيد البشارة التي تعيد ذكرى بشرى مولد المسيح حين ظهر الملاك غبريال إلى السيدة العذراء ليخبرها بحملها وأن ف أحشائها مخلص الأمة، ويأتي ذلك بالتزامن مع الفترة المقدسة التي تعرف بـ الصوم الكبير تستمر لمدة ٥٥ يوما، وينتهي باحتفالية عيد القيامة المجيد المقرر في مايو المقبل.
وجاء هذا بعد فترات من الكنائس فعاليات روحية بمناسبة “صوم يونان” واستمر حتى “فصح يونان” الذي اقيم بالكنائس في مختلف الإيبارشيات، ويأتي ضمن الأنشطة الروحية للكنيسة المصرية التي عاشت عدة فعاليات كان من ابرزها احتفالية عيد الغطاس التي أقيمت السبت الموافق ١١ طوبة، وجاءت بعد أيام بعيد الميلاد المجيد والذي جاء بعد صوم ونهضة الميلاد، لمدة ٤٣ يوما، تخللت طقوس روحية واقامت سهرة "كيهك".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كنيسة القديس بولس كنيسة القديس بولس بالعبور
إقرأ أيضاً:
السفر كحاجة روحية
لا يذكر المرء حاجياته الأساسية فـي الحياة إلا ويذكر السفر معها، ورغم أن كلمة السفر التي نتداولها اليوم نطلقها على التنقل من البلاد التي نقيم فـيها إلى بلاد غيرها؛ فقد كان للسفر معان واسعة لا يحدها هذا الفهم والتعريف. ولولا أهمية السفر لما ورد فـي القرآن والسنة، فكم من آية نزلت وذكرت السفر نصا، حتى وردت فـي تسع آيات، عدا الآيات التي تكني عن السفر والترحال ولا تصرح به بالكلمة ذاتها. وكما فـي الحديث الشريف «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر..». وحاجة المرء للسفر خارجة عن إرادته أحيانا؛ فمنهم من يسافر للترفـيه -وهذا المعنى المرتبط بكلمة السفر اليوم- ومنهم من يسافر لضيق الحال فـي بلاده وموطنه، ومنهم من يسافر لطلب العلم، أو للعلاج من مرض لا يجد له علاجا فـي بلده، أو لهرب من الظلم أو القتل، أو لعبادة الله وتعظيم شعائره أو لغيرها من الأسباب.
ومن معانيه كما ورد فـي لسان العرب «..وسمي السفر سفرا، لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فـيُظهر ما كان خافـيا منها». وإذا كان من معاني السفر الانتقال من مكان إلى آخر، فإن القراءة والتأمل والتفكر كلها أسفار حتى وإن لم ينتقل جسد الفاعل لها من مكانه الذي هو فـيه، فضلا عن بلده وموطنه.
عبّر عن هذه الحاجة الروحية غير واحد من الحكماء والأدباء، فلا تجد أديبا أريبا من أرباب الحكمة والفصاحة والبيان إلا وقد أتى على ذكر السفر إما ذكرا مستفـيضا مبينا لمحاسنه وآثاره على المسافر، أو معرّضا بذكره فـي ثنايا حديثه أو بالكناية عنه والإشارة إليه بمعانيه التي ذكرتها سابقا. ومن هؤلاء التوحيدي الذي كرر ذكر السفر فـي عدة مواضوع من كتبه، فـيقول فـي أحد هذه المواضع من كتاب الإمتاع والمؤانسة: «ورسم بجمع كلماتٍ بوارع، قصار جوامع، فكتبتُ إليه أشياءً كنتُ أسمعها من أفواهِ أهلِ العلم والأدب على مَرِّ الأيامِ فـي السفرِ والحضر، وفـيها قَرعٌ للحسِّ، وتنبيهٌ للعقلِ، وإمتاعٌ للروح، ومَعونةٌ على استفادةِ اليقظة، وانتفاعٌ فـي المَقامات المختلفة، وتمثُّلٌ للتجاربِ المُخَلَّفَة، وامتثالٌ للأحوالِ المُستأنَفَة». فانظر إلى هذه القطعة العالية التي جمعت ما يستفـيده المرء من حياته فـي سفره وحضره.
وفـي السفر يرى المرء أشياء جديدة غير ما اعتاد عليه فـي بلده وموطنه، وإذا ما نظرنا إلى تاريخ البشرية وأمكنة استيطان الناس، فسنجد أن التطور فـي كل حضارة كان نتاجا مباشرا للسفر؛ فتتلاقح علوم الحضارات بانتقال السكان وذهابهم إليها ومجيئهم منها. كما أن هذا الأمر غيّر مجرى الطبيعة حتى؛ فكم من شجرة نقلها الإنسان بيديه من مكانها الطبيعي إلى آخر لم تكن فـيه من قبل، ولنا فـي قصة شجرة الأمبا وأسباب دخولها إلى عمان عبرة وخبر طريف. كما أن السفر يعلّم الإنسان التواضع ويبيّن له مدى جهله وضآلة معرفته، فـيرى بأم عينيه كيف يعيش الناس وكيف يعيش هو، ويرى كيف يعملون وكيف يعمل هو، ويرى العمران وطريقة التعامل والبديهيات التي عندهم والتي يراها هو شيئا كبيرا أو أمرا عجيبا.
كما أن فـي السفر تعليما للمرء حين يرى الأشياء التي يصنعها فـي معاشه وحياته اليومية فـي وطنه، يراها بطريقة أيسر وأسهل وأجدى. ومن ذلك ما يكون فـي الحرف اليدوية والبناء والتعمير، ففـي كل قُطر من أقطار الأرض طريقته التي لها فوائدها ومضارها فـي آن.
كما أن فـيه تطهيرا للنفس من عصبيتها وظنونها، فـيرى كيف يُعَامل العظماء فـي بلدانهم ويقارنها بالكيفـية التي يعامل بها تراثه وحاضره؛ ولنا فـي مدينة شيراز الإيرانية عبرة ومثال. فلا تجد طريقا، ولا محلا، ولا نصبا تذكاريا، ولا شارعا رئيسا أو مَعلما مقصودا؛ إلا وفـيه لشاعرهم الكبير وأستاذهم القدير حافظ الشيرازي ذكرا وإشارة. ويفتخر أبناء تلك المدينة بهذا الشاعر كما لو أنه أبوهم الأكبر، ومعلمهم الحكيم الذي لا ينتسبون إلا إليه، حتى ليكاد الناس ينسبون أنفسهم إليه لا إلى مدينته.
وفـي هذا الأمر تهذيب للنفس، وذلك لأن المرء لا بد وأن يقتدي بأحد ما فـي حياته، سواء أدرك ذلك وراقبه بوعي منه وبصيرة، أو كان خارجا عن إرادته ووعيه وإدراكه. وتهذيب النفس يأتي من الاقتداء بالعظماء الكبار، فـيحفظ مآثرهم ويردد كلماتهم أو أشعارهم، وحتى إن كانت لهؤلاء العظماء سقطات وهفوات؛ فإن ما يبقى ذكره ويمتدّ أثره، إنما هو الطَّيّب الحسن من سيرتهم وأخبارهم وأقوالهم وآثارهم. ولنتخيل كيف سيكون احتفاؤنا بأبي مسلم البهلاني فـي سمائله، أو العوتبي فـي صحاره وغيرهم من الكبار النوابغ الذين لا يجود بمثلهم الدهر إلا فـي السوانح القليلة النادرة جدا.
أما السفر فـي العلم ولأجل العلم، فأخباره طويلة كثيرة، عصيّة على الحصر ولا يحدها الفكر. وكم من عالم بارع نبغ فـي فنه وأتى بالعجائب، وهو لم يبرح مكانه ومدينته، بل وربما كان رهينا لمحبسه ومنزله كحال أبي العلاء المعري الذي لُقّب برَهين المحبسين الذي تحدثنا عنه فـي سلسلة البطاريق الكبار المنشورة فـي جريدة عمان سابقا. كما أن أحد أهم الفلاسفة فـي العصر الحديث الذي يُكنى بأبي الفلسفة الغربية وربّانها الأشهر إمانويل كنط، لم يغادر مدينته قط كما فـي أخبار حياته؛ لكن سافر بعقله وبكتبه ومعارفه إلى عوالم وقرون لم يكن ليسافر إليها دون مخيلته الوقادة، وذهنه الحاد، وبصيرته النافذة. وما أحسن ما قاله الشاعر:
تغرّب عن الأوطان فـي طلب العُلا
وسافر ففـي الأسفار خمسُ فوائدِ
تَفرُّجُ هَمٍّ واكتساب معيشةٍ
وعِلمٌ وآدابٌ وصُحبَةُ ماجدٍ