طبول الحرب الإقليمية لم تدق بعد، ومحاولة نتانياهو للمرة الألف جر إيران لحرب شرق أوسطية واسعة يحدد هو توقيتها.. ستلقى في الغالب الفشل نفسه الذي مُنيت به سابقا.

لكن ترجيح عدم حدوثها الآن الذي يستند إلى حسابات معقدة لحقائق القوة هو نفسه الذي يجعلنا نرجح وبقوة أنه ومع تغير هذه الحسابات فإن قيام حرب إقليمية في المستقبل سيكون احتمالًا كبيرًا وجسيمًا.

الأخطر وما يثير القلق أن هذه الحرب إذا وقعت قد يتطاير شررها إلى منطقة الخليج بل وقد تكون ضفتاها ساحة مواجهة رئيسية من ساحاتها!!

سيكون هناك رد إيراني على الهجوم الإسرائيلي الاستفزازي على القنصلية الإيرانية بدمشق الذي أودى بحياة قيادات إيرانية، وربما يكون هذا الرد قد وقع عند نشر هذا المقال وربما يتأخر قليلًا لكن من المؤكد أن هذا الرد سيكون بعيدا تماما عن كل فرضيات الحملة الإعلامية الأمريكية في الأيام الأخيرة. إن كذبة أن إيران ستهاجم مباشرة أهدافًا أمريكية لن تحدث. وكذبة أن صواريخ باليستية سيتم إطلاقها مباشرة من إيران نحو مدن إسرائيل الكبرى لتدميرها مثل غزة هي كذبة أكبر لن تحدث.

الرد سيكون في إطار ما يسميه البعض حرب «الظل» المستمرة منذ نحو عقدين بين إيران وحلفائها الإقليميين من ناحية وأمريكا وإسرائيل وحلفائها من الدول العربية المعتدلة من ناحية أخرى. لن تنتقل طهران فجأة في هذه المرحلة من قواعد حرب الظل أو حرب الوكالة إلى حرب العلن أو الحرب المباشرة.

لا يتعلق الأمر فحسب بما يسميه البعض بفضيلة «الصبر الاستراتيجي» الذي تتمتع به الدولة الإيرانية والذي يعد أكبر نموذج له هو الاعتراف الدولي لها في حرب غزة بأنها أهم لاعب إقليمي يحسب الجميع حسابه إذ كان بيدها وحدها تحويل هذه الحرب لحرب إقليمية شاملة أو حصره -كما فعلت في نطاق محدود- ولكن يتعلق أيضا بقرارات استراتيجية، وعناصر ردع، وسوابق خبرة تاريخية.

القرار الاستراتيجي الإيراني الأول هو أن لا تدخل إيران باختيارها في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة ما لم تفرض عليها هذه الحرب بغزو أمريكي للأراضي الإيرانية وهو خيار مستبعد أمريكيا؛ لأن كل حسابات البنتاجون تقول: إن غزوًا لإيران على النمط العراقي والأفغاني قد يقود لهزيمة مذلة لا تقل عن حرب فيتنام.

القرار الثاني هو عدم التورط في حرب مباشرة مع إسرائيل ولدى الأخيرة هذا التفوق العسكري الخطير خاصة الجوي. وفي كل الأحوال لا حرب قبل أن يكتمل البرنامج النووي الإيراني فلن تعطي طهران فرصة لتل أبيب أن تنقض على برنامجها النووي وتدمره قبل أن يكتمل كما فعلت مع العراق وليبيا وسوريا.

صبر وصبر حتى ينفد صبر الآخرين سيتفادى أي مواجهة شاملة حتى الاطمئنان لولوج «النادي» الذهبي وإنهاء احتكار إسرائيل للخيار النووي إقليميا.

القرار الثالث هو مجموع الاثنين السابقين فإذا كانت إيران قررت عدم مواجهة أمريكا مباشرة وعدم مواجهة إسرائيل مباشرة قبل ولادة ابنها النووي فمن البديهي أنها لن تخاطر بمواجهة مع الطرفين يكونان متحدين فيها ضدها وهو ما وضعته واشنطن أمام أعين طهران بكل الطرق الممكنة خطرًا داهمًا لا يجب أن تشك لحظة في حدوثه إذا ما خرج ردها على قواعد حرب الظل.

هنا تأتي عناصر الردع الأمريكية التي يمكن تلخيص بعضها في تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكية عن جدية احتمال مشاركة القوات الأمريكية في حرب قد تشنها إيران على إسرائيل. طهران تعلم الآن من هذا التصريح ومن تحريك القطع والطائرات للمنطقة ومن الرسائل العارية من المكياج التي نقلتها لها عواصم عدة أن واشنطن لن تتردد لحظة واحدة في استعمال قوتها الشاملة ضد إيران لو هاجمت إسرائيل.

في الخبرة التاريخية فإن إيران التي ردت بشكل محسوب على قتل الأمريكيين الجنرال قاسم سليماني أهم قائد عسكري لها والتي رأت ما يزيد عن ١٢٠ ألف شهيد وجريح ومفقود في غزة ولم تتزحزح عن اختيار متى وكيف تحارب إسرائيل والنفوذ الأمريكي «وليس أمريكا».. هي نفسها البلد الذي لن ينجر لرد يوفر لنتنياهو فرصة للبقاء السياسي ويرفع شعبيته لدى غالبية متطرفة من الشعب الإسرائيلي مدعيا عودة ذراع إسرائيل الطويلة التي عرتها المقاومة في طوفان الأقصى.

لكن عدم حدوث الحرب اليوم لا يعني أنها لن تحدث في المستقبل. مصادر هذه الحرب تختمر، تتراكم كلها في اتجاه تصاعدي مستمر ينذر بأشد الخطر. علينا أن نضع نصب أعيننا إمكانية تكرار الخبرة المريرة للحرب العراقية-الإيرانية ٧٩-٨٨ التي تراكمت أسبابها طويلًا وتأخرت كثيرٍا ولكنها حدثت في نهاية المطاف..

ما الذي يختمر في قلب الشرق الأوسط والخليج ويجعل احتمالات نشوب حرب إقليمية في المستقبل احتمالات جدية بل ومرجحة؟

إذا كان لحرب طوفان الأقصى من فضل فإنها كشفت حقيقة أن بايدن عبر صفقة بهارات للتطبيع الشامل وتكوين تحالف أمني عربي/ إسرائيلي لمواجهة إيران كان يستكمل عمليا ما بدأه ترامب في التحول من استراتيجية «إدارة» الصراع العربي-الإسرائيلي والصراع الإقليمي إلى استراتيجية «حسم» الصراع لصالح إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية.

اعتراض حماس في ٧ أكتوبر طريق المشروع الأمريكي لقتل القضية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.. استفز واشنطن وأطراف مشروع تعميم «نموذج» السلام الإبراهيمي وجعلهم مصممين على سحق المقاومة وإزاحتها من الطريق بل ومحوها من خريطة المنطقة.

بمقتضى هذا المشروع ستدمج إسرائيل في المنطقة وأقسام واسعة من الضفة العربية للخليج ليس فقط اقتصاديًا وإنما عسكريًا وأمنيًا. وقد تنتشر كالفطر محطات الرادار والتنصت والأسلحة الإسرائيلية وخبرائها الأمنيين في المنطقة. سيمثل إدخال العامل الإسرائيلي عبر التطبيع الإبراهيمي المأمول أمريكيًا إلى زيادة مصادر التوتر وتشعل الاستخبارات الإسرائيلية مصادر النزاع القديمة الحدودية البرية والبحرية والتي تشمل خلافات لم تحل ليس فقط بين الضفة الفارسية والضفة العربية بل في الضفة العربية نفسها بين الدول حديثة التكوين بعد خروج الإنجليز من الخليج وشرق السويس في ١٩٦٨. ستستقوي بإسرائيل دول في المنطقة تبحث عن دور أكبر يلائم ثرواتها ولكن لا يلائم أبدا تاريخها وقدراتها الحقيقية. ستستعمل إسرائيل سلاحها واقتصادها المدعوم أمريكيًا وأوروبيًا في التلاعب بالعلاقات البينية بين إيران وعرب الخليج وبين عرب الخليج أنفسهم تماما كما فعلت في الشمال الإفريقي في السنوات الأربع الأخيرة.إيران التي لم تتغير استراتيجية أمنها القومي التي بلورتها بوضوح منذ نحو ١٠٠ عام تقريبا وهي أن تكون القوة الرئيسية المؤثرة على الملاحة والأمن في الخليج لن تقبل أن تكون محاصرة بتحالف معادٍ يخترق فيه الإسرائيليون -من بعض أقرب المواقع عند جيرانها- كل أسرار أمنها. إذا مضت خطة تعميم التطبيع الإبراهيمي دون أن يسبقها حل شامل لدولة فلسطينية على حدود ٦٧ وعاصمتها القدس.. تكون واشنطن قد أعدت المسرح لانفجار حرب إقليمية كبيرة في المستقبل لن تقتصر حدودها على غزة والأراضي الفلسطينية بل قد يمتد شرر نيرانها ليشمل المشرق العربي والخليج.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حرب إقلیمیة فی المستقبل هذه الحرب فی حرب

إقرأ أيضاً:

البحرين وإيران.. “فرصة حقيقية” لاستئناف الدبلوماسية وتجاوز عقود التقلبات

بعد الاتفاق السعودي بوساطة الصين، وبعده عودة التمثيل الدبلوماسي الكامل مع الإمارات، العام الماضي، ظلت البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي ليس لها علاقات رسمية مع إيران.

وقبل ذلك بعام، أعادت الكويت سفيرها إلى طهران بعد سحبه عام 2016 في أعقاب قرار السعودية قطع علاقاتها مع إيران خلال تلك الفترة.

والجمعة، قال محمد جمشيدي، الذي يشغل منصب نائب رئيس الشؤون السياسية لمدير مكتب الرئيس الإيراني في عهد الراحل، إبراهيم رئيسي، إن “البحرين طلبت عبر روسيا تطبيع العلاقة مع إيران”.

وأضاف في تصريحات للتلفزيون الرسمي، أوردتها وكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، أن “رئيسي قرر بصفته رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، إقامة العلاقات مع البحرين ورفع تقاريره بهذا الصدد إلى قائد الثورة”.

وتعد البحرين، الأرخبيل الصغير في الخليج، حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة وتستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية.

والشهر الماضي، نقلت وكالة أنباء البحرين الرسمية (بنا) عن العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قوله خلال اجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الكرملين إنه لا يوجد سبب لتأجيل عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران.

وأضاف الملك حمد أن المنامة تتطلع إلى تحسين علاقاتها مع طهران، التي لطالما اتهمتها البحرين بتأليب الأغلبية الشيعية من سكانها على النظام الملكي السني.

ويرى زميل أبحاث سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، حسن الحسن، أن البحرين ترغب “بمواكبة دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تملك علاقات أو أعادت علاقاتها مع إيران”.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، قال الحسن إن السبب الآخر الذي تسعى من خلاله المنامة لإعادة علاقاتها مع طهران، يتمثل في إنشاء “قناة تواصل مباشرة” يمكن من خلالها “حل أي خلافات والحد من احتمال حدوث تصعيد غير مقصود”.

وأضاف أن “القناة قد يكون لها فائدة في إدارة العلاقات وتجنب التصعيد في سياق احتدام التوتر الإقليمي المتزايد، والمواجهة بين إيران إسرائيل والتقدم في البرنامج النووي الإيراني”.

وبعد نجاح الوساطة الصينية في كسر الجمود بين إيران والسعودية، تعد روسيا بعلاقاتها القوية مرشحة لتلعب الدور الصيني لإعادة العلاقات مع البحرين، حسبما قال المحلل السياسي الإيراني، سعيد شاوردي، في حديثه لموقع “الحرة”.

ويرى شاوردي أن “البحرين لم تكن بحاجة إلى قطع العلاقات مع إيران عام 2016″، لافتا لعدم وجود مبرر لتلك الخطوة سوى التضامن مع السعودية.

في المقابل، يعتقد المستشار السياسي البحريني، أحمد الخزاعي، أن ملك البحرين “ما زال يسعى للصلح في مبادرة ذات نظرة استراتيجية من الممكن أن تجنب المنطقة والعالم حربا جديدة لا يحمد عقباها”.

وقال إن هذه المبادرة تأتي رغم “محاولات إيران لقلب نظام الحكم بجانب تصريحات المسؤولين الإيرانيين المستمرة التي تهدد بضرب البحرين أو حتى استرجاعها”.
تاريخ من العلاقات المتقلبة

لطالما كانت إيران تصر على أن البحرين جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأنها المحافظة الـ 14 لديها، حتى قبل الثورة الإسلامية التي جلبت رجال الدين الشيعة للحكم عام 1979.

وجرت مفاوضات قادها رئيس الوزراء البحريني السابق، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، مع شاه إيران محمد رضا بهلوي في نهاية الستينيات أفضت إلى تنظيم استفتاء يحدد مستقبل الجزيرة الخليجية، وفقا لوكالة فرانس برس.

ونتج عن الاستفتاء الذي جرى عام 1970 بإشراف الأمم المتحدة، تصويت ساحق بأكثر من 96 بالمئة لصالح استقلال البحرين في ظل حكم سلالة آل خليفة السنية، بحسب فرانس برس. ونالت البحرين استقلالها عن بريطانيا عام 1971.

وعقب وصول مؤسس الثورة الإسلامية، روح الله الخميني، إلى السلطة في طهران، أعلنت البحرين في نهاية عام 1981 إحباط محاولة انقلاب مدعومة من إيران.

وبعد سنوات من الهدوء في المنامة، وعودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران إلى مستوى السفراء عام 1991، عادت للبحرين اضطرابات قادها شيعة عام 1994 طالبوا بإعادة البرلمان المنتخب الذي حل عام 1975، وإلغاء قانون أمن الدولة الذي يعطي السلطات صلاحيات واسعة في الاعتقالات دون محاكمات.

وآنذاك، اتهمت البحرين إيران بشكل علني بدعم المظاهرات التي دعت إليها تيارات شيعية، وتدريب مسلحين لقلب نظام الحكم، مما أدى لتوتر شديد في العلاقات الدبلوماسية.

وفي عام 1996، قالت البحرين إنها أحبطت مؤامرة أخرى للإطاحة بالحكومة وتنصيب زعماء إسلاميين، وأنها استدعت سفيرها لدى طهران، وخفضت تمثيلها الدبلوماسي بالعاصمة الإيرانية إلى قائم بالأعمال.

لكن العلاقات تحسنت بعد تولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم عام 1999 وإجرائه إصلاحات سياسية واسعة حولت البحرين من إمارة إلى مملكة، بما في ذلك إعادة البرلمان المنتخب وإلغاء قانون أمن الدولة.

قبل ذلك، وصل إلى سدة الحكم في طهران رجل الدين الإصلاحي، محمد خاتمي، الذي كانت سياساته ترتكز على الانفتاح على دول الخليج.

وشهدت تلك الحقبة تبادلا للزيارات بين قادة البلدين بعدما زار ملك البحرين طهران للمرة الأولى منذ ثورة 1979، فيما زار الرئيس الإيراني الأسبق، خاتمي، البحرين عام 2003 بعد سنة من رحلة الملك حمد التي التقى خلالها المرشد الأعلى، علي خامنئي، صاحب القول الفصل في إيران.

ورغم الاختلافات بين البلدين، فإن العلاقات الدبلوماسية ظلت مستمرة على مستوى السفراء حتى عام 2011 عندما تصدت البحرين بالقوة لاحتجاجات اندلعت على هامش الربيع العربي طالب خلالها متظاهرون، كثير منهم ينتمي إلى الأغلبية الشيعية، بالتغيير السياسي الذي وصل أحيانا إلى إسقاط النظام الملكي، بحسب رويترز.

وألقت البحرين باللوم على إيران في تأجيج الاضطرابات، وهو اتهام نفته طهران، طبقا للوكالة ذاتها.

وفي 15 مارس 2011، استدعت البحرين سفيرها لدى طهران احتجاجا على الانتقادات الإيرانية بعد نشر قوات درع الجزيرة في المملكة. واتخذت إيران في اليوم التالي تدبيرا مماثلا من خلال استدعاء سفيرها لدى المنامة.

وبعد عام ونصف، استأنف السفير البحريني لدى إيران مهامه، لكن الخارجية الإيرانية أعلنت أن طهران لن تعيد سفيرها إلى البحرين في ظل ما وصفته بـ “استمرار قمع الاحتجاجات السلمية” للشعب البحريني.

واستمر التوتر بين البلدين في السنوات اللاحقة. ففي عام 2015، أعلنت البحرين أنها صادرت أسلحة قادمة من إيران “عن طريق البحر”.

وآنذاك، قالت وزارة الداخلية البحرينية في بيان: “تم إحباط عملية تهريب عن طريق البحر لكمية من المواد المتفجرة شديدة الخطورة، بجانب عدد من الأسلحة الأوتوماتيكية والذخائر”.

وإثر ذلك، أعلنت البحرين أنها قررت استدعاء سفيرها المعتمد في طهران للتشاور، احتجاجا على تصريحات “عدائية” صدرت عن عدد من المسؤولين الإيرانيين بحقها.

وبقيت العلاقات مقطوعة منذ يناير عام 2016 عندما أعلنت المنامة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران والطلب من دبلوماسييها مغادرة البحرين خلال 48 ساعة وذلك بعد أقل من 24 ساعة على اتخاذ السعودية إجراء مماثلا.

وجاء قرار المنامة “بعد الاعتداءات الآثمة الجبانة” على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، معتبرة أنها “انتهاك صارخ لكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتجسد نمطا شديد الخطورة للسياسات الطائفية التي لا يمكن الصمت عليها أو القبول بها”، بحسب السلطات البحرينية.
“فرصة حقيقية”

وكان متظاهرون إيرانيون اقتحموا السفارة السعودية لدى إيران وقنصلية المملكة الخليجية بمدينة مشهد المقدسة لدى المسلمين الشيعة احتجاجا على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي، نمر النمر، الذي كان معارضا للنظام الملكي السعودي.

وبعد عودة العلاقات الإيرانية السعودية، رحبت البحرين بذلك وأعربت عن أملها في أن “يشكل خطوة إيجابية على طريق حل الخلافات وإنهاء النزاعات الإقليمية كافة بالحوار والطرق الدبلوماسية، وإقامة العلاقات الدولية على أسس من التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى”.

وقال شاوردي إن البحرين “لم تكن بحاجة للوصول لهذه القطيعة” مع إيران، مشيرا إلى أن المنامة اتبعت الرياض في سياسة القطيعة.

وأضاف في تصريحات لموقع “الحرة” أنه من “المعروف أن السعودية عندما تقرر سياسة معينة تجاه إيران؛ فهناك دول من ضمنها الكويت والبحرين والإمارات تتبعها في مواقفها السياسية”.

وتابع: “لم يبقَ ذريعة للدول الأخرى التي قطعت علاقاتها (مع إيران) لتبقى على هذه القطيعة، بما أن السعودية الدولة الأهم أعادت العلاقات”.

ومضى شاوردي قائلا إن السياسة الإيرانية شهدت تغييرا خلال عهد الرئيس الراحل رئيسي “ركزت على بناء وتطوير العلاقات الخارجية مع دول الجوار”.

وأشار المحلل السياسي الإيراني إلى أن “هناك فرصة حقيقية” لإعادة العلاقات، لا سيما بعد “المواقف الطيبة” من قبل الدول الخليجية التي عبرت عن حزنها ومواساتها عقب مقتل رئيسي في حادثة تحطم مروحيته مؤخرا.

وكان وزير الخارجية البحريني، عبداللطيف الزياني، زار طهران مؤخرا لتقديم العزاء في وفاة رئيسي “بتكليف من ملك البحرين”، حسبما ذكرت وكالة أنباء البحرين، التي أشارت إلى أن الزياني أعرب “عن تعاطف مملكة البحرين في هذا المصاب المؤلم”.

ويذهب الحسن في الاتجاه نفسه قائلا إن هناك عوامل تساهم في تعزيز مسألة إعادة العلاقات الثنائية “أولها عودة العلاقات السعودية مع إيران وصمودها رغم الأحداث الإقليمية وازدياد حدة التوتر في المنطقة”.

والعامل الثاني، وفقا للحسن، هو “انخفاض نسبة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية البحرينية بالمقارنة مع ما قبل 10 سنوات، بما في ذلك دعمها لمليشيات تستهدف أمن البحرين”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن “توجه البحرين نحو الإفراج عن عدد كبير من السجناء بتهم أمنية مختلفة أيضا يساهم في تهيئة الجو الداخلي لعودة العلاقات مع إيران”، حسبما قال الحسن.
علاقات “معقدة”

لكن الباحث السعودي في التيارات الشيعية، حسن المصطفى، يعتقد أن مسألة عودة العلاقات بين المنامة وطهران تظل “معقدة”.

وفي عمود رأي في صحيفة “عرب نيوز” السعودية الناطقة باللغة الإنكليزية، كتب المصطفى أن “مجرد استعادة العلاقات (البحرينية الإيرانية) دون معالجة الأسباب الجذرية سيؤدي إلى ظهور القضايا مرة أخرى في المستقبل”.

ويشير المصطفى إلى أن إيران تعد موطنا للعديد من شخصيات المعارضة البحرينية، تم إسقاط جنسيات بعضهم، مثل رجل الدين الشيعي البارز عيسى قاسم، الذي تم “الاعتراف به كأحد الشخصيات الرئيسية في ما يسمى بمحور المقاومة مؤخرا”.

وتابع: “تستضيف إيران أيضا قيادات من جمعية الوفاق الإسلامية المنحلة، إلى جانب شخصيات تطالب بالتغيير العنيف في البحرين، مثل رجل الدين المتطرف مرتضى السندي، أحد رموز حزب الوفاء الإسلامي، الذي يروج علنا لاستخدام السلاح في خطاباته”.

ومنذ عام 2017، تصنف واشنطن السندي على أنه من “الأفراد الإرهابين” العالميين بشكل خاص لارتباطه بتنظيم “سرايا الأشتر”، وهي منظمة نصنفها واشنطن “إرهابية” مدعومة من إيران تعمل على قلب الحكومة في البحرين.

وفي العمود المنشور، الأسبوع الماضي، نقل المصطفى عن “مصدر يراقب العلاقات البحرينية الإيرانية” قوله إن “إيران عنيدة في هذا الشأن”، مضيفا: “حاولت عُمان تسهيل حدوث انفراج في العلاقات بين المنامة وطهران، لكن طهران لم تغير مواقفها”.

وأضاف المصدر، بحسب ما كتب المصطفى، أن “إيران تريد من البحرين إطلاق سراح السجناء الشيعة والسماح للمعارضة بالعودة والعمل داخل البلاد، مقابل إعادة العلاقات بين البلدين”.

ومضى في قوله: “بحسب المصدر، فإن إيران ترى أن (الحكومة البحرينية لن تقبل بهذا الموقف لأنها تعتبره تدخلا في شأن داخلي. ولا يمكن للبحرين أن تمنح إيران امتيازات غير مستحقة؛ لأن ذلك يشكل انتهاكا لسيادة البلاد)”.

لكن محللين استبعدوا أن تقدم طهران على مثل هذه الخطوة على اعتبار أنها تمثل “تدخلا في الشؤون الداخلية” للبحرين.

وقال الخزاعي إن “الحديث عن الأمور الداخلية لبلد ما في اجتماعات من هذا النوع مستبعد، ويعطي البلد المقابل ذات الحق في السؤال والاستيضاح عن حالات حقوق الإنسان”.

واستطرد قائلا إنه “أمر غير وارد ولا يعدو كونه تسريبات إعلامية لتحريك مشاعر الشارع، خصوصا أن ملك البحرين أصدر عفوا خاصا بإطلاق سراح عدد كبير مؤخرا من المحكومين بقضايا إرهابية، في رسالة واضحة بأن الشأن الداخلي البحريني، سيحل داخليا ولا يحتاج لأي كان التوسط فيه”.
“إيران بحاجة إلى أصدقاء”

وكان ملك البحرين أصدر عفوا عن مئات السجناء خلال شهر أبريل الماضي في أكبر عملية عفو جماعي تشهدها المملكة الخليجية، بمن فيهم معارضون أوقفوا على خلفية أحداث عام 2011.

بدوره، استبعد شاوردي أن تطلب إيران من البحرين مثل هذه الطلبات، مشيرا إلى أن بلاده “لم تتدخل في نظام الحكم ولم تطالب بالتغيير السياسي في البحرين”.

لكنه يرى أن تحرك البحرين “للسماح بعودة الشيخ عيسى قاسم المقيم في قم، والإفراج عن عدد أكبر من السجناء، بما في ذلك الشيخ علي سلمان، سيقوي العلاقات الإيرانية البحرينية رسميا وشعبيا”.

وأوضح أن ذلك “يساعد أيضا على مزيد من الهدوء والأمن والاستقرار في البحرين والتخلص من الخلافات التي حصلت بين النظام الحاكم والشارع”.

أما الخزاعي، فيعتقد أنه من المهم بشكل عام عودة العلاقات بين البلدين في ظل عدم استقرار المنطقة ومقتل الرئيس الإيراني وقرب الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وقال إنه في “حال عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض، ستحتاج إيران لأصدقاء أكثر لضمان استقرار أوضاعها الاقتصادية وبالتالي السياسية”.

أحمد جعفر – الحرة

 

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • بلومبرغ: تأثير الحرب على غزة يضع “إسرائيل” أمام معدلات تضخم قياسية
  • أمريكا لا تقود العالم.. هكذا تراجعت مكانة واشنطن على كافة الجبهات الإقليمية
  • صحفي: تركيا أكبر خاسر في الحرب السورية!
  • أمنيات وأحلام مؤجلة.. الحرب تحرم الغزيين من أداء فريضة الحج
  • استقالة غانتس تترك إسرائيل في مأزق استراتيجي عميق
  • البحرين وإيران.. “فرصة حقيقية” لاستئناف الدبلوماسية وتجاوز عقود التقلبات
  • العاصفة الكاملة في الشرق الأوسط
  • إيران تتوعد باستخدام كل قوتها لإلحاق الهزيمة إلى إسرائيل
  • إيران تتوعد باستخدام كل قوتها لإلحاق هزيمة ثقيلة بإسرائيل وإسقاطها في "بئر لبنانية"
  • تحليل: مصادر قوة الحكومة التي غفلت عنها ذراع إيران